تعلم اللغة العربية

أثر التعابير الاصطلاحية في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها

في ظل وجود مشكلات حقيقية نواجهها أثناء تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، مشكلات تتعلق ببناء الجملة العربية و النمط الذي تختص به وترتيب مفرداتها، فترى الطالب يقول (أريد أقرأ بدلا من أريد القراءة، وتجده يقول: ضعف الإنسان المال نقطة بدلا من نقطة ضعف الإنسان المال ). فيستوقفنا هذا التركيب من الطالب الأجنبي، و يدفعنا لوضع اليد على مكمن الخلل الظاهر في الجملة، لنجد أنه راجع إلى تركيب وبناء الجملة العربية. بالإضافة إلى ذلك يلحظ المشتغلون بالمجال الضعف الظاهر في فهم التعابير الاصطلاحية وتوظيفها، حيث لا يتوقف معناها عند ظاهر اللفظ بل يتعداه إلى معنى ناتج من تضام الكلمات إلى بعضها، ولا يستطيع الطالب فهم المعنى حتى لو استعان بالمعجم لفهم كل مفردة على حدة. وهكذا يقف عند إدراك تعبير ـ رفع الراية البيضاء ـ ويستوقفه النظر عند تعبير ـ على أحرِّ من الجمرـ ويتساءل عن علاقة ـ أعطاه الضوء الأخضر ـ بما يقرأه، وإذا حاول البحث في المعجم عن معنى ـ وضعه على الرَّف ـ فسيعود بخفي حنين بالتأكيد، إذ أن المعنى في كلّ ذلك اصطلاحي، لذا نجد نقصا في ربط الجمل ببعضها وعدم الدقة في استخدام الأساليب التعبيرية حتى عند الطلاب المتفوقين. وهنا تتجلى لنا ضرورة اهتمام المؤلفين بهذا الجانب من التعابير الاصطلاحية، فبنظرة سريعة للكتب المؤلفة، نجد أنها لم تراعِ هذا الجانب أو تهتم به، فأي كتاب عرّج على تعبير: خرج من عنق الزُّجاجة، أو طوى صفحة الماضي، أو دار في حلقة مفرغة، وما شابه تلك التعابير التي تعج بها وسائل الإعلام في البيئة العربية، يكون عصيا على الفهم، ولو تفاوتت درجة ذلك.
فما التعابير الاصطلاحية إذن ؟ ولماذا تقف حجر عثرة أمام المتعلم في فهم النصوص ـ مقروءة أو مسموعة ؟ وما أنواعها ؟ وأهمية توظيفيها !!

أولا – التعابير الاصطلاحية :

هي عبارة أو عبارات لا يفهم معناها الكلي بمجرد فهم معاني مفرداتها، وإنما تفهم بضم هذه المعاني بعضها لبعض، فهي مجموعة كلمات تكوّن باجتماعها دلالة مختلفة غير الدلالة المعجمية لها في الأصل إفرادا وتركيبا.
فتكوين التعبير الاصطلاحي مستند على مجموعة من الكلمات تربطها عوامل دلالية وتركيبية تنشأ منها وحدة دلالية جديدة، فتعبير (أعطاه الضوء الأخضر )، (على قلب رجل واحد ) كل مفردة منها لها دلالتها الخاصة ولكن بالتضام ينشأ معنى جديد وهو البداية في الجملة الأول والاتحاد في الجملة الثانية.
ولا يستطيع الطالب الأجنبي التوصل للفهم العام من خلال فهم كل مفردة وحدها، إذ التضام أكسب المفردات معنى آخر، ففي الأول المقصود به الفترة الحرجة والثاني يقصد به الاتحاد.

تعليم اللغة العربية

ثانيا – طبيعة تناول الأجنبي لفهم اللغة :

تشكل التعابير الاصطلاحية حجر عثرة أمامه وذلك لاعتماده على طريقة الترجمة لفظا لفظا، والترجمة لتلك التعابير لا تقف عند حد المعنى الحرفي للكلمة وإنما تتجاوزها إلى المعنى العام واشتمالها على جانب مجازي.
وكثيرا ما يواجه المتعلم تلك التعابير خاصة في وسائل الإعلام والأخبار والنصوص المقروءة الأصلية ويقف أمامها مكتوف الأيدي، إذ لا علاقة بالمعنى المراد في النص الأصلي مع الترجمة الحرفية، مع أن تلك التعابير لا تختص بها لغة دون لغة بل هي قائمة في كل اللغات وبعضها يقترض من اللغات الأخرى كاقتراض العربية من غيرها كما في تعبير (لا جديد تحت الشمس) و (أذاب الثلج بينهما) و (الخط الساخن). لذلك يجب ألا تترجم هذه التعابير إفرادا من لغة لأخرى، وإنما هي بين طريقين إما أن تفهم تحت عباءة اللغة نفسها وإما أن يترجم مثيلها من التعابير في اللغات الأخرى.

ثالثا – أشكال التعابير الاصطلاحية

لا تتخذ التعابير الاصطلاحية شكلا ثابتا بل تتعدد إلى أنماط وأشكال مختلفة وهي:
التعبير الوصفي مثل: (أيادٍ بيضاء ـ باع طويل ـ روح رياضية ـ السوق السوداء ـ الخطوط العريضة …)
التعبير الإضافي مثل: ( صفر اليدين ـ فوق الوصف ـ قصير اليد ـ بيت القصيد ـ حجر الزاوية…)
التعبير الإسمي مثل: الخروج من عنق الزجاجة ـ اللعب على الحبل ـ أنفه في السماء…)
التعبير الفعلي مثل: (وضع النقط على الحروف ـ وضعه على الرف ـ رفع الراية البيضاء ـ فتح صفحة جديدة ـ أعطاه الضوء الأخضر…)
التعبير العباري مثل ( من الآن فصاعدا ـ على قدم المساواة ـ في حالة طبيعية ـ من الألف للياء)

رابعا – فوائد وأهمية توظيف التعابير الاصطلاحية :

تعليم اللغة العربية

إن الاهتمام بتوظيف تلك التعابير في كتب تأليف العربية لغير أبنائها وتفعيل ذلك في البيئة الصفية والحياة التواصلية له فوائد جمة منها:
1ـ يجعل اللغة جسدا متكاملا لا أعضاء منفصلة.
2ـ يساهم في فهم خصائص اللغة وفهم تراكيبها.
3ـ ينمي من مهارة الفهم المعرفي بشكل كبير ويسهل التواصل مع اللغة باللغة.
4ـ يعطي خلفية ثقافية من خلال تلك التعابير وكيفية التعبير عن المواقف بتلك الألفاظ.
5ـ يقلل من الأخطاء التركيبة في بناء الجملة، إذ هذا التعبير قالب لفظي لا يحدث فيه تغيُّر.


المراجع
(1)(الحاشية علم الدلالة لأحمد مختار عمر عالم الكتب ط 5صـ 33 و معجم التعبيرات الاصطلاحية في العربية المعاصرة لوفاء كامل فايد شركة أبو الهول للنشر 1997.)
(2) ( بحث لوفاء كامل بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد(78 )الجزء
3) توظيف التعابير الاصطلاحية في تعليم العربية للناطقين بغيرها ـ بحث منشور بمؤتمر إسطنبول لتعليم العربية، دار كنوز المعرفة بالأردن.

البحث في Google:





عن سويفي فتحي‎

معلم لغة عربية للناطقين بغيرها جامعة 29 مايو بتركيا.

3 تعليقات

  1. محمد شيرازي دمياطي

    بحث ممتاز ومفيد جدا وخاصة المراجع، وشكرا

  2. صــالح مــحمّــد عثــمان

    أرجــو أن أتــابع و أتــعــاطى المواضيع بواسطة بريدي الإلكتــرونــي و شــكْــراً

  3. محمد الحبيب اكناو

    شكرا لك على موضوعك المفيد جدا. حقيقة ملاحظاتك مهمة جدا. وجب الإنتباه إليها عند تدريس اللغة العربية خاصة لغير الناطقين بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *