تعليم الفلسفة في المدارس الابتدائية

هل يجب تدريس الفلسفة في المدارس الابتدائية ؟

تصدير:

” إنّنا نجانب الصّواب إذا صوّرنا الفلسفة مجالا متعذّرا يستحيل على الأطفال ولوجه، وذات وجه عبوس عاقد الحاجبين رهيب. فمن يا ترى ألبسها هذا القناع الشّاحب المخيف؟ والحال أنّها ذات وجه وادع فرح منتش…إنّ الفلسفة ليست إلا مدعاة للاحتفاء والوقت الرّائق. والسّحنة الحزينة الكئيبة ليست في شيء منها.” 1   

Montaigne, Essais, Chapitre 22, De l’institution des enfants.

 

            تشرع المدرسة في تربية الطفل وتنمية كلّ أبعاد شخصيّته منذ سنّ مبكرة. تنمية لا تستثني مما يحتاجه للاندماج في مجتمع الكهول أيّ موضوع معرفيّ أو حسّحركي أو وجدانيّ. هكذا يبدو الأمر بديهيّا وجليّا. فكلّ ما يهمّ الحياة يهمّ التّربية كما يقول O.Reboul 2 ومهما كانت الحساسيّات الثقافيّة إزاء بعض الموضوعات على غرار التربية على المواطنة الديموقراطيّة وحقوق الإنسان، فلا بدّ أن يشرع في تأهيل الطفل منذ نعومة أظفاره للإحاطة بها مع أخذ خصوصيّاته النّشوئيّة بعين الاعتبار عبر تكريس شروط ومقتضيات النّقل التّعليميّ التّعلّميّ تيسيرا لهضم الميراث الثّقافيّ البشريّ وتمثّله. ويتّسق هذا القول مع التّعريفات السوسيولوجيّة الكلاسيكيّة للتربية. يقول دوركهايم :

” التربية هي الفعل الذي يمارسه جيل الراشدين على جيل أولئك الذين لم ينضجوا بعد للحياة الاجتماعيّة، والغرض منها أن تثير وتنمّي لدى الطفل عددا معيّنا من الحالات الجسديّة والعقليّة والأخلاقيّة يتطلّبها منه المجتمع السياسيّ بمجموعه، والبيئة الخاصّة التي أعدّ لها خصّيصا.” 3

هكذا يبدو الأمر بديهيّا وجليّا. لكن حذار ! ليس الأمر بهذا الجلاء وهذه البداهة، بل لعلّ أكثر الموضوعات خطورة هي تلك التي تبدو واضحة وبديهيّة لأنّها تتوارى عن النّقد وتفلت بمكر من المساءلة.

وهنا تلحّ علينا الأسئلة:

– لماذا لا يتعلّم الطفل الفلسفة؟

أليس التّفلسف ضربا من التّفكير الإنسانيّ المتدبّر للقيم والجمال والدّين والعلم، أي للحياة بكلّ أوجهها؟ والمدرسة تزعم أنّها تعدّ للحياة، بل تزعم أنّها الحياة نفسها! 4

لماذا تترك المدرسة مهارات التّفكير النّاقد والتّفكير الإبداعيّ وقوانين المنطق وفنّ السّؤال على هامش المقرّرات الدّراسيّة لتتناول عفوا إذا عنّ لبعض المدرّسين أو سمحت لهم كفاياتهم المهنيّة أن يتطرّقوا لها في امتدادات دروس القراءة وشرح النّصوص وبصفة مستعجلة خارج التّعليم المنهجيّ؟

– هل من تفسير معقول لتأجيل إدراج النّشاط الفلسفيّ في المناهج الدّراسيّة إلى آخر المرحلة الثّانويّة؟

– من يعارض هذا المشروع؟ وماهي حججه؟

– هل من فكرة عن بدايات الفلسفة بالابتدائيّ لتعرّف الدوافع؟ والوقوف على النتائج الأوليّة؟

ما مدى انتشار الفلسفة بالابتدائيّ في دول العالم؟ وماذا عن تونس؟

– ما هي أهمّ الممارسات والطّرائق البيداغوجيّة المتوخّاة لتأمين النّشاط الفلسفيّ بالابتدائيّ؟

هل نطمئنّ لمخرجات مدرسة واحلة في التّلقين تشيع فيها أسئلة البداهات والمحفوظات والإجابات البليدة الجاهزة؟

وغير هذا من الأسئلة الحارقة كثير ممّا نحاول تدبّره في هذا المقال.

1- البدايات المؤسّسة

            يعود سؤال إمكان تذكية التّفلسف منذ الطفولة إلى ما يناهز أربعة عقود من الزّمن إلى المربّي الأمريكيّ Matthew Lipman  وتحديدا إلى بداية سبعينات القرن الماضي. فقد صُدم باعتباره أستاذ منطق بضعف طلبة الجامعة في التّفكير النّقديّ والمنطقيّ. ورأى أنّ الحلّ يكمن في التبكير بالتّدريب على هذه المهارات منذ الطّفولة قائلا:” إنّ الكليّة ستكون فرصة متأخّرة لتحفيز الأفراد على التفكير بالطريقة السليمة” 5. فأعدّ لهذا الغرض محامل على شكل قصص خياليّة قصيرة تحضّ على الحوارات الفلسفيّة. وقد عدّ المختصّون كتابه ” اكتشاف هاري سوتلماير” (La Découverte de Harry Stottlemeier)  الذي نشر سنة 1974 بمثابة إعلان لولادة الفلسفة الموجّهة للطفل. وعبره يتمكّن أطفال العشر سنوات من اكتشاف قواعد المنطق الأرسطي بطريقة لعبيّة متدرّجة بغية تأهيلهم للتّفكير العقلانيّ النّقديّ بعرض مواقف ملموسة قريبة من معيشهم. وبالتعاون مع آنا مارغريت شارب كتب روايات أخرى، على منوال منهج المناقشة السقراطية (التوليد) بين التلاميذ حول الأتيقا والجماليات والسياسة، والإبستومولوجيا.6 وهو ما شكل في مجموعه برنامجاً للفلسفة خاصّاً بالأطفال ما بين سن الخامسة والثالثة عشرة. ويقرّ Lipman  أنّ غايته من ذلك ” تحويل القسم إلى فضاء للحوار الدّيموقراطي الفلسفيّ والتّلاميذ إلى مجموعات بحث” ولعلّه وجد في نهج  Dewey  التّربويّ  ينبوعا للقبس والاستلهام معتبرا  أنّ “ما يعتقده الرّأي العام القائل بأنّ التّفكير هو الذي يدفع إلى الحوار يبدو معاكسا للحقيقة، إذ الحوار هو الذي يولّد التّفكير.”7

matthew-lipman
ماتيو ليبمان (1922- 2010) Matthew Lipman

     وقد أسّس Lipman  مشروعه على المسلّمات النّظريّة التّالية:

▪ تنمية المنافسة والجدل الفكريّ التّأمّلي مفيد لكلّ الأفراد مهما كانت أعمارهم وبالأخصّ للأطفال الذين لم يبل بعد تفتّح أذهانهم مع تقدّمهم في مسارهم الدّراسي مثلما يحدث لتلامذة الأقسام النّهائيّة بالمرحلة الثّانويّة.

▪ الطفل بفطرته مفكّر وله نظريّات وإن تك بسيطة.

▪ كلّ تربية ينبغي أن تنطلق من الطفل و من ذاتيّته لتقوده بعد ذلك إلى تطوير تفكيره مكتشفا عبر الممارسة متع   الأنشطة المنطقيّة والعلميّة.

▪ النّشاط البينذاتي (l’activité intersubjective) الذي يحدثه الحوار هو العامل الحاسم في التنمية الفكريّة إذ يدفع الطّفل إلى جعل أفكاره في موضع السّؤال ويمنحه فرصة مقابلتها مع أفكار الآخرين ليختبر درجة صدقيّتها، كما يسنح هذا النّشاط بالتّأسيس للممارسة الدّيموقراطيّة.

▪  الطفل قادر أن يصبح باحثا مستجيبا لمعايير الموضوعيّة العلميّة وهذا ليس من قبيل التّرف أو التّبذّخ البيداغوجيّ،

   إذ لامناص من أن يتعرّف ويوظّف تمشّيات بناء المعرفة لأنّه بذلك يطوّر مهاراته الفكريّة ويتعلّم بطريقة أنجع، وإلا فسنواصل حبسه في نظام يوهمه بأنّ المعارف حقائق خالدة لا يمكن وضعها موضع السّؤال، وأنّ التّعلّم يقتضي حفظها عن ظهر قلب لسرمديّتها.

2- الانتشار

وجد   مشروع Lipman  صدى خارج حدود الولايات المتّحدة الأمريكيّة بدءا من كندا والبرازيل وصولا إلى ما وراء المحيط الأطلسيّ وقد أخرجت حكاياته في ألبومات ذاع صيتها فترجمت وباتت مستعملة في أكثر من 15 دولة.

وأسّست كثير من هذه الدّول ما يسمّى بـ ” معهد تقديم الفلسفة للأطفال”

IAPE      = Institut pour l’Avancement de Philosophie pour Enfants

أو بالأنجليزية    IAPC   Institute for the Advancement of Philosophy for Children=

        وفي سنة 1999 نشرت اليونسكو تقريرا8 أعقب مؤتمرا للخبراء التربويين في العالم توصي من خلاله الدّول بتعميم ممارسة الحوارات ذات المنحى الفلسفيّ منذ المرحلة قبل المدرسيّة. واليوم تتبنّى أكثر من 70 دولة في العالم هذا المشروع.

…وفي تونس؟

          أثناء انعقاد مؤتمر دوليّ حول تدريس الفلسفة احتضنته تونس خلال  شهر ماي سنة 2009  وذلك تحت إشراف اليونسكو، قدّم المحاضر Michel Tozzi  من فرنسا مداخلة حول تجربته الرّائدة في ” النّقاشات ذات المنحى الفلسفيّ بالمدرسة الابتدائيّة” Discussions à visée philosophique À l’école primaire

        وقد كان وزير التّربية شهد المحاضرة فسأل أحد مستشاريه إن كان بعض مربّي الابتدائيّ يحضرون هذا المؤتمر ليستلهموا منه، ولمّا كانت الإجابة بالنّفي، ألحّ أن يحضر من له اهتمام بالموضوع بقيّة وقائع المؤتمر. فوجّهت التّفقديّة العامّة للتّربية دعوة  لعدد من الإطارات التربويّة وكنت من بينهم  باعتباري أنجزت مشروعا حول تطوير حصص الحوار المنظم منهجيّا ومضمونيّا لترقى إلى النّقاشات  ذات المنحى الفلسفيّ عبر الاشتغال على مفهمة القيم ذات البعد التّمدينيّ.

وفي اليوم الموالي (12 ماي 2009 ) حضرت رفقة 4 مساعدين بيداغوجيّين و بعض متفقّدي الفلسفة ورشة نشّطها الأستاذ Michel Tozzi  وانطلقت إثر هذه الورشة بذرة مشروع تجديديّ تحت مسمّى ” الإيقاظ الفكريّ بالابتدائيّ”      (التّسمية من اقتراحي ) وقد تبنّى المركز الوطني للتّجديد البيداغوجيّ والبحوث التربويّة آنذاك تأطير المشروع ومتابعته. وكان بمثابة السّابقة الأولى والفريدة في العالم العربيّ. فتكوّنت للغرض نواتات صلبة لأفرقة عمل ميدانيّ تضمّ معلّمين ومساعدين بيداغوجيّين ومتفقّدين يجمع بينهم التّحمّس للتّجديد والتّطوّع وروح المبادرة. ( تونس، الجديدة، تستور، سوسة…) وبدأنا في الاشتغال كفريق عمل خلال الموسم الموالي 2009 – 2010  على إثر أيّام تكوينيّة أشرف عليها Tozzi  مجدّدا أيّام 14،13، 15 أكتوبر2009  لصالح الإطار التّربويّ بالمركز الوطنيّ لتكوين المكوّنين وهندسة التّكوين برادس.

وقد أظهرت الممارسة الميدانيّة أنّ الأطفال يحبّون تعلّم الحكمة(philein = حبّ،  sophia  = حكمة) عن طريق القصص و قد أمكنني معاينة هذا الأمر عند حضوري حصص تنشيط تلاميذ قسم السّنة الرّابعة الذين رأيت في أعينهم لمعات الاستكشاف و على وجوههم تعابير المتعة والانشراح ولا زلت أذكر عفويّة التّلميذ “لؤي” الذي قال في عفويّة حين مناقشة قصّة “جحا و القاضي” :  ” كلّ النّاس فيهم شيء من جحا”  (النّاس لكلْ فيهم شويّه من جحا ) فأردفت تلميذة: لكنّهم لا يضحكون إلا من جحا!   

ثمّ انقطعت المغامرة فجأة ولم يكتب لها أن تتواصل.

       في فيفري (فبراير) سنة 2016  دعيت لاجتماع تمّ في المركز الدّولي للغات بالبحيرة جمع بين ممثّلين عن وزارة التربية ووزارة التّعليم العالي، كان الغرض منه إعداد مضامين الإجازة التّطبيقيّة في علوم التربية، وهي شعبة جديدة ستنطلق بداية من السّنة الجامعيّة 2016 – 2017 ، يتخرّج حاملوها للتّدريس بالابتدائيّ. وأسهمت في ذلك اللّقاء بمقترحات كان من ضمنها ” الإيقاظ الفكريّ” وقد استمتّ في الدّفاع والإقناع لإدراج هذا النشاط في الإجازة. وسعدت أخيرا لمّا ثبّت هذا المقترح وحظي بالقبول النّهائيّ.

     فلعلّ أملا جديدا سيشرق مع الدّفعة الأولى لخرّيجي الإجازة التّطبيقيّة في علوم التربية. وسنرى ما سيكون.

3- حاجة مدارسنا إلى الفلسفة

image-20150709-10866-1yxpus7

    إنّ اللوبيّات الفاعلة في بدايات القرن الحاليّ هي لوبيّات تنمية الاستهلاك عبر تكريس اللاثقافة والبضعنة وراديوهات التّفاهة وتليفزيون الواقع، وإغراق الأطفال في شرنقة التّوحّد بتلصيقهم في العالم الافتراضيّ. مع الجهود الرّامية إلى تنمية التّخلّف كما يقول سمير أمين، والسياسات الماركنتيليّة المتنصّلة من واجبات الانتصار للقيم الكونيّة التي كانت لها ترتّبات وخيمة ليس تنامي التّطرّف الدّيني والمذهبي أقلّها بشاعة.  كلّ هذا يتطلّب ردّة فعل منقذة أو مضادّة لهذه الظواهر العابرة للقارّات والزّاحفة  كتسونامي من اللاتّحضّر والنّكوص الإنسانيّ. وقد باتت أعرق الديمقراطيات في أزمة حقيقيّة، فما بالك بالنّاشئة منها التي يمكن أن توأد في المهد. ولعلّ الصّلة بالمعرفة من أبرز تجلّيات هذه الأزمة، إذ ضربت اللامعقوليّة أطنابها حتّى على المجتمعات الموسومة بالحداثة وعاد للخرافة صيتها.

أزمة صلة بالمعرفة والتّفكير مقرونة بأزمة صلة بالقانون متولّدة عن “اللاقيم”  Les non-valeurs التي تروّج لها الليبراليّة المغالية L’utralibéralisme والرّامية إلى استبدال المواطن بـالزّبون-الملك الصّلف المتمركز حول ذاته.

إزاء هذا الانقلاب في القيم، إزاء هذا الشّعور بفقدان البوصلة، بالتّيه، بالضّياع، فإنّ المربّين والأولياء وكذلك المؤسّسات سيبحثون لهم عن طوق نجاة، عن حصن منيع للإنسانيّة. (Michel Piquemal)

إنّ الديمقراطية  تبدو في حالة غرق متفاقم في الحُمقراطيّة Médiocratie  وهي سيادة ساسةٍ حمقٍ بسياسة حمقاء على شعب أحمق. ومن هنا ليس غريبا أنّ البعض يحرص على العودة إلى الينابيع الصّافية للدّيمقراطيّة عبر الفلسفة.

مستحضرين صيحة ديدرو Diderot :

” لنعجّل بجعل الفلسفة شعبيّة ! “

« Hâtons-nous de rendre la philosophie populaire ! »
  

ومستهدين بما عمل   Dewey على تكريسه في المدرسة الأمريكية منذ مطلع القرن 20 حين أعلن في كتابه “الديمقراطية والتربية” الصّادر سنة 1916 أنّ:

” الديمقراطيّة لا بدّ أن تولد من جديد مع كلّ جيل، والتربية هي القابلة المساعدة على هذه الولادة.”

        غير أنّ واقع الممارسات البيداغوجيّة في مدارسنا يظهر هيمنة التّلقين وضعف ثقافة السّؤال، تلك الثّقافة التي تقطع مع أسئلة البداهات المفضية إلى معاودة إنتاج العقل النّقليّ والمحفزّة على الأسئلة الكيفيّة والإشكاليّة المنتجة للعقل النّقديّ.9  وهو ما يستلزم خلق الوضعيّات التي توفّر للمتعلّم فرصة التّدرّب لاكتساب مهارات التّفكير النّاقد التي حصرها د. موسى نجيب موسى معوض 10 في النّقاط التّالية:

  • التمييز بين الحقائق التي يمكن إثباتها والادعاءات أو المزاعم القيمية.
  • التمييز بين المعلومات والادعاءات والأسباب المرتبطة بالموضوع وغير المرتبطة به.
  • تحديد مستوى دقة الرّواية أو العبارة.
  • تحديد مصداقية مصدر المعلومات.
  • التعرُّف على الادعاءات والحجج أو المعطيات الغامضة.
  • التعرف على الافتراضات غير المصرَّح بها.
  • تحري التحيُّز.
  • التعرف على المغالطات المنطقية.
  • التعرُّف على عدم الاتساق في مسار التفكير أو الاستنتاج.
  • تحديد قوة البرهان أو الادِّعاء.
  • اتخاذ قرار بشأن الموضوع وبناء أرضية سليمة للقيام بإجراء عملي.
  • التنبؤ بمترتّبات القرار أو الحل.

4- منافع الفلسفة في سنّ مبكرة

1 – للأطفال

يمكننا تقسيم الفوائد العائدة للمتعلّم إلى صنفين:

أ- فوائد فكريّة :

  • الالتزام بالموضوع ومجاله.
  • الدّقّة في التّعبير عن الفكرة.
  • البحث عن الحجج وتنظيمها.
  • كشف التّناقضات.
  • النّقد الذاتي.
  • التّمييز بين الخرافيّ والعقليّ.
  • الانفتاح الفكريّ.

ب- فوائد تمدينيّة:

  • تمثّل قواعد الحوار الدّيمقراطيّ.
  • الصّبر على المخالف وعدم مقاطعته.
  • الالتزام بالدّور صلب المجموعة.
  • احترام الزميل وعدم السّخرية منه.
  • حسن الإصغاء.
  • التّمييز بين الفكرة وصاحب الفكرة.
  • نبذ العنف والإيمان بالحوار.

2- للمدرّسين

  • تعرّف أجلى على مجموعة الفصل ومن زاوية جديدة وأكثر إنسانيّة.
  • اكتشاف تلاميذ ” مدهشين” قد لا يكونون من فئة ” النّجباء” الذين يحفظون دروسهم وينجزون واجباتهم.
  • إحلال هدوء تعاقديّ بالقسم بفضل الاقتناع المشترك بالحوار كمخفّض للتّوتّرات وبديل عن العنف.
  • اكتساب طريقة ناجعة في تنمية كفايتي التّواصل والعيش معا.
  • تخفيف وطأة عادة التّمركز حول السّلطة التّربويّة والهيمنة واحتكار المبادرة.

3- للفلسفة نفسها

  • إعادة الفلسفة إلى بعض غاياتها الأولى و خاصّة تلك المتّصلة منها بالحياة في المدينة وبالسّياسة في معناها النّبيل عبر الأسئلة النّضرة المنبجسة من يفاعة جمهورها من الأطفال والمراهقين.
  • إخراج الفلسفة من برج المناظرات والنّظريّات إلى نطاق الممارسات. وهو اتّجاه قديم- جديد يعمل عليه الآن عديد الفلاسفة لإخراج الفلسفة من شرنقة النّخبة وإقحامها في الحياة الاجتماعيّة لتحيا ويحيا بها ممارسوها. ولنا في Michel Onfray و André Comte Sponville و Michel Piquemal  في فرنسا خير مثال.

5- المناوئون للمشروع وحججهم

         يشهد Michel Tozzi على الاستهزاء والمعارضة المباشرة وغير المباشرة لمشروع إطلاق النّقاشات ذات المنحى الفلسفي بالمدارس الابتدائيّة. و أولى الاعتراضات كانت من سلك أساتذة الفلسفة أنفسهم الذين رفضوا جهرة إدخال الفلسفة للابتدائي سنة 1989 بفرنسا، إذ اعتبروا أنّ الفلسفة لا تكون إلا تتويجا للمسار الدّراسيّ ولا سبيل لدمقرطتها ! بل لا سبيل للتّفلسف دون الإعداد لهذا الأمر بإطلاع التّلميذ مسبقا على أفكار كبار الكتّاب. وقد اعتبر Tozzi هذا الحكم جائرا ” لأنّ المشروع لا يزعم تقديم دروس في الفلسفة لتلاميذ الابتدائيّ، إذ غاية ما يرام تحقيقه مع تلاميذ الابتدائي من هذا النّشاط  هو إيقاظهم لنكهة ولذاذة التّفكير عبر النّقاشات الجماعيّة التي يسودها احترام الآخرين والإقبال على التّبادل وحسن الإصغاء والبناء الجماعيّ حول موضوع ذي سمة فلسفيّة يُدعى الجميع لتطارح وجهات نظرهم حوله.”11

         أمّا الحجّة الثّانية فتصبّ في النّهج الذي يتبنّاه “الانتظاريّون” المتعلّلون في رفضهم للمشروع بدعوى عدم نضوج البنيات الفكريّة والقدرات الذّهنيّة للأطفال الصّغار لخوض القضايا الكونيّة أو التّفلسف. والحقيقة أنّه اعتمادا على هذه الحجّة يمكن معارضة تدريس الرّياضيّات والفيزياء والبيولوجيا والجغرافيا الاقتصاديّة والحال أنّ المفاهيم الدّيداكتيكيّة تردّ دون لأي وبقدر محترم من المعقوليّة على هذه التّعلات بإمكانيّة النّقل التّعليميّ- التّعلّميّ من كلّ مجالات المعرفة الإنسانيّة بشرط احترام مستوى صياغة المفهوم وأخذ تصوّرات المتعلّمين بعين الاعتبار.

      وفي جميع الأحوال وحتّى ولو قبلنا بفكرة الانتظار، فإنّ واقع الممارسات التّعليميّة في فصول الفلسفة لا يبين بالمرّة أنّ تلاميذ الأقسام النّهائيّة في الثّانوي يمارسون التّفلسف، فهم يتلقّون دروسا في تاريخ الفلسفة لا غير، ولا وقت للتّفلسف إذ عليهم أن يعدّوا البكالوريا في شهور معدودة. وإزاء هذا الضّغط، فإنّ بعض الأساتذة يدفعون تلامذتهم إلى حفظ التّعاريف والشّواهد وأسماء الفلاسفة بدعوى البراغماتيّة. وقد تبرّم بعض المصحّحين من المقاطع المحفوظة التي ترد بحذافيرها في مقالات التلاميذ والقولات المقحمة إقحاما في تحاريرهم آدابا كانوا أو علوما أو غيرها من الشّعب. أمّا في الابتدائيّ، فالمشروع لا يزعم تدريس الفلسفة ولا تسمية تيّاراتها وأعلامها بصفة صريحة، بل هو  يهدف إلى تأهيل التّلاميذ للتّفكير المنطقيّ العقلانيّ وشحذ مهاراتهم في فنّ السّؤال وتدريبهم على النّقد.

6- العوائق الثّقافيّة

لا تبدو سمعة الفلسفة ناصعة في العالمين العربيّ والإسلاميّ لدى الصّفوة، كما لدى العامّة مع إقبال طفيف عليها وإدبار غالب عنها مترواح الحدّة جهويّا وتاريخيّا، لكنّ صورتها الغالبة قاتمة و منفّرة.

يقول الفقيه الشّهرزوري 12 : (القرن 13م ) ” الفلسفة أسّ السّفه والانحلال ومادّة الحيرة والضّلال ومثال الزّيغ والزّندقة… ومن تلبّس بها تعليما وتعلّما قارنه الخذلان و الحرمان واستحوذ عليه الشّيطان… أمّا المنطق فمدخل الفلسفة ومدخل الشّرّ شرّ وليس الاشتغال بتعلّمه من إباحة الشّارع ولا استباحة أحد الصّحابة والتّابعين والأيمّة المجتهدين والسّلف الصّالح.”

ونذكر في هذا الصّدد كتابين من تراث القرن 12 م صارا رمزين للموقف من الفلسفة. أحدهما للإمام الغزالي المناوئ للفلسفة وعنوانه ” تهافت الفلاسفة” وثانيهما لابن رشد المنتصر لها وعنوانه ” تهافت التّهافت”.

ولا يزال الغزاليّون الذين يعاصروننا يناوئون إلى يوم النّاس هذا الرّشديّين بحكم قانون التّواصل التّاريخيّ. ونجد مواقف العامّة متأثّرة بالكراهة القديمة للفلسفة فنلفيهم يسمون من يقلّب القضايا ويروم تعقّلها من زوايا نقديّة مختلفة

بالتّفلسف المرادف عندهم للثرثرة فينهونه قائلين: ” يزّي بلا تفلسيف”

ولا غرو، فبعض البلدان العربيّة تحظر الفلسفة حظرا صارما ولا تدرجها  في مناهجها الدّراسيّة، بل وتمنع الكتب الفكريّة الفلسفيّة من دخول أراضيها في معارض الكتاب وتطارد بالقضاء طائفة من الكتّاب وترميهم بالزّندقة كما كان يحدث في عصور الانحطاط الحضاريّ.

لكنّ الحال في بلاد المغرب عموما أفضل وإن كنّا ” كلّنا في الهمّ شرق ” كما قال أحمد شوقي.

7- الصّعوبات البيداغوجيّة

ككلّ نشاط بيداغوجيّ، يمكن أن تعرض للمدرّس صعوبات في تنشيط النّقاشات الفلسفيّة، بعضها مشترك بين شتّى الموادّ لأنّه من الكفايات المهنيّة الأفقيّة اللازمة لكلّ مدرّس مهما كان النّشاط، وبعضها الآخر خاصّ. نذكر منها:

  • الدّور المركّب للمدرّس، فهو من ناحية يساعد المتعلّم على صوغ أفكاره دون تأثير شخصيّ أو توجيه، ويدفع نحو تطويرها والارتفاع بها من ناحية أخرى.
  • صعوبة المواءمة بين الحميميّة والحضّ على التعبير عن الأفكار والصّرامة والدّقة.
  • صعوبة التّدرّج من العفويّة إلى المفهمة والبلورة الواضحة.
  • صعوبة إدارة الوقت. (فسح المجال الكافي ليتجاوز المتعلّم صعوباته في بلورة أفكار و المحافظة على الوقت المخصّص للحصّة لباقي أترابه، وتلبية رغبات جميع المطالبين بالكلمة…)
  • صعوبة الانتقال من العاطفي إلى المعرفيّ.
  • صعوبة تدبّر الصّراعات الاجتماعيّة الوجدانيّة.

8- من الممارسات والطّرائق البيداغوجيّة المتوخّاة لتأمين النّشاط الفلسفيّ بالابتدائيّ

كنّا عرضنا في بداية المقال منهج Lipman  في إطار اللّمحة التّاريخيّة باعتباره من الرّوّاد المؤسّسين. وهذا ملخصّ لطريقته البيداغوجيّة:

قراءة جهريّة تناوبيّة من قبل التلاميذ لقصّة خياليّة مكيّفة حسب مستواهم.

استخراج المقاطع الهامّة من القصّة (بمساهمة جميع التّلاميذ) يتبعها جني الأسئلة التي تثيرها.

الحوار حول القضايا التي جلّتها الأسئلة واختار التلاميذ الخوض فيها مع منح الأفضليّة للحجاج وإعادة الصّياغة، كلّ ذلك في ظلّ القيم الديموقراطيّة المكرّسة لسلوك الإصغاء والتّسامح.

إثر المناقشة، وأحيانا أثناءها، يمكن للمنشّط أن يقترح تمارين من الدّليل البيداغوجيّ لتقوية اللّمع الفكريّة الأولى المنبجسة من الحوار الدّيمقراطيّ الفلسفيّ (Débat démocratico-philosophique.)

ويعتبر Michel Piquemal أنّ الاختيارات البيداغوجيّة والطّرائق المعتمدة في تنشيط النقاشات ذات المنحى الفلسفيّ بالمدارس الابتدائيّة وإن اختلفت، فإنّ مناط الاختلاف بين هذه المدارس يكمن خاصّة في الأهداف وأدوار المعلّمين.

1- طريقة أوسكار برنيفيي13  Oscar Brenifier

 أوسكار برنيفيي Oscar Brenifier

يعتبر من الجامعييّن المختصين في الفلسفة الملتزمين بمسألة فتح المجال الفلسفيّ أمام الجميع ومن المدافعين على فكرة ممارسة التّفلسف لكلّ الفئات العمريّة. وقد أسّس مع زميلته  Isabelle Millon سنة 1995 معهدا للممارسات الفلسفيّة Institut de pratiques philosophiques (IPP) ومنه انطلقت مشاريع هدفها إشاعة التّفكير النقديّ بين الشّباب والكهول والأطفال والمساجين عبر النّقاشات الفلسفيّة ( ورشات التّفلسف، مقهى الفلسفة)…إلخ

يقوم نهجه البيداغوجيّ على التّوليد السّقراطيّ المعتمد على محامل هي عبارة عن أشرطة رسومات جذّابة تعرض في أسلوب مبسّط يراعي قدرات الأطفال الذهنيّة حكايات حاملة لقضايا فلسفيّة من قبيل:

  • ما الفرق بين الأخ والصّديق؟ بماذا يمتاز الإنسان عن الحيوان؟ هل التّنافس ضروريّ للنجاح؟ هل يمكن للإنسان تلبية كلّ الرّغبات؟ ما الفرق بين الطمع والطموح؟…
  • الحوار والإصغاء.
  • التّلخيص والتّجريد.

2- طريقة جاك ليفين و أنياس بوتار   14  Agnès Pautard &   Jacques Lévine  

jacques levine

     اهتمّ المستشار النّفسيّ جاك لفين بالأطفال، وقد ابتكر سنة 1996 ورشات الفلسفة مع معلّمة السّنوات التحضيريّة أنياس بوتار. وقوام طريقة تنشيط هذه الورشات يكون عبر الخطوات التّالية:

يتناقش الأطفال فيما بينهم حول سؤال واحد وجوديّ ( الحياة، الموت، الولادة، السّعادة، القلق،…) لمدّة 10 دقائق  لا يتدخّل خلالها المعلّم.

يسجّل النّقاش ( سمعيّ أو بصريّ سمعيّ).

يمرّر التّسجيل أمام الأطفال.

مناقشة المادّة المسجّلة بمساعدة المعلّم.

والهدف من هذا البروتوكول هو توعية التلاميذ بمنتوجهم الفكريّ في علاقته بأفكار الآخرين.

3- طريقة آن لالان Anne Lalanne

anne lalane

وهي تتطلّب تكوينا فلسفيّا لدى المدرّس الذي ينبغي أن يكون قادرا على التّحليل والتّأليف وإعادة الصّياغة ومساءلة التلاميذ باستمرار. وهي في هذا تعتمد نهج التّوليد السّقراطي ما يفسّر الدّور المتعاظم للمدرّس15.

وقوام الطريقة اقتراح وضعيّات تطرح من خلالها قضايا للنّقاش مع احترام القواعد الثلاثة التّالية:

1 – لا سبيل للحقيقة إلا بتقنية الحوار.

2 – الديمقراطيّة قيمة مؤطرة بما تعنيه من مساواة في أخذ الكلمة وحسن إصغاء للآخر واحترام…إلخ

3 – الالتزام بشروط الفلسفة: الأشكلة والحجاج والمفهمة.

الحوارات أسبوعيّة وتدوم بين 30 و35 دق.

ورغم أهميّة دور الكهل (المدرّس)، فإنّ هذا التيّار يرفض التوظيف الإيديولوجي للحوارات الفلسفيّة مهما كان نبل مقاصدها بما في ذلك التربية على المواطنة.

4- طريقة تودزي  Tozzi16

michel-tozzi_252857_516x343

يسمّي Tozzi النّشاط الفلسفيّ بالابتدائيّ: الحوار ذو المنحى الفلسفيّ Débat à visée philosophique

ويعتمد التّوظيف والقصديّة  للتّكوين والتربية على المواطنة الديمقراطيّة بعكس اتّجاه Lalanne، و يتم ذلك عن طريق:

فسح مجال طرح سؤال رئيسيّ من صندوق الأسئلة التي يقترحها التلاميذ أو من محامل أخرى ( قصّة … خرافة … مثل… حدث… صورة…)

حمل المتعلّمين على طرح أسئلتهم حول المحمل المقترح.

اجتناب الوقوع في الوعظ والإرشاد ( من قبل المدرّسين).

خلق مناخ من الثّقة داخل الفريق ومع المنشّط.

تمكين المتعلّمين من عيش تجربة الاختلاف.

5- التّمشّي البيداغوجيّ

ضمان المنحى الفلسفيّ في تنشيط الحوار يرتكز على تمشّ ينهض بعمليّات ثلاث:

المَشْــكَــلَــة   La problématisation

المَـفـهَــمة      La conceptualisation       

  الحِجَاج L’argumentation      

توصيات بيداغوجيّة

  • تثمين إسهامات المتعلّمين في الحوار في كلّ مراحل النّشاط سواء عند طرحهم للأسئلة (مرحلة المشكلة)، أو عند تعريفهم لبعض الكلمات المستعملة (مرحلة المفهمة)، أو عند تقديمهم لأمثلة معاكسة أو براهين و أدلّة (مرحلة الحجاج).
  • التّأكيد على مكانة المثال المعاكس كعنصر مهمّ في عمليّة عامّة الحجاج والحوار.
  • إبراز أهميّة التّمييزات والتّدقيقات المفهوميّة.

توصيات عامّة  

  • ترك أثر لعمليّة التّجريب ( تسجيلات سمعيّة / سمعيّة بصريّة / تقارير وصفيّة مكتوبة…)
  • توفير فرصة لحضور متدخّل من الخارج.
  • خلق وتطوير أدوات وأجهزة بيداغوجية منسجمة مع الخصائص اللّغويّة والثّقافيّة للتّلاميذ.

6- طريقة ميشال بيكمال Michel Piquemal

ميشال بيكمال Michel Piquemal
ميشال بيكمال Michel Piquemal

في الانطلاق حين درّس بالابتدائي، كان له ميل إلى حمل متعلّميه على “الحوار الفكريّ ” تأسّيا بـ فرينيه Freinet  الذي كان يعتبره مثله الأعلى في التربية. فكان ينطلق من مقولات يكتبها على السّبورة للمناقشة لا للحفظ من قبيل:

  • “لا حريّة بدون قوانين”
  • “الغريب يمكّنك من معرفة نفسك حين يعتبرك غريبا”
  • “لا بدّ من الارتعاش كي تكبر” إلخ

ومن القولات القصيرة مرّ إلى الحكايات، لأنّ الأطفال يحبّونها ولأنّه مطالب بتعليمهم قراءة النصوص لا الجمل القصيرة. فبحث لدى الفلاسفة عن قصص: “خاتم جيجاس”  لأفلاطون، و دعابات ديوجين Diogène  وحكايات أيزوب Esope  ثمّ مرّ إلى حكايات الشّرق أين وجد ضالّته مع حكايات الفلاسفة الشرقيّين الذين لم يقطعوا مع حكايات الحكمة.( Lao tseu , Jelel Rumi, Conficius, Ibn Muqafi…)

عند قراءة الحكاية، يتدخّل المعلّم كمنشّط ليساعد التلاميذ على تدقيق أفكارهم وخاصّة لبلوغ المفهمة.

وقد اختصّ Michel Piquemal  في تأليف وجمع حكايات الحكمة للأطفال وصارت كتبه معتمدة.

من مؤلّفاته الشّهيرة:

  • “كتابي الأوّل في الحكمة” Mon premier livre de sagesse 2002- 2003
  • “حكايات فلسفيّة لأجل العيش معا”  2009 Les philofables pour vivre ensemble

وهذا الكتاب الثّاني مرفوق بأسئلة محرجة أو غير وجيهة كما عبّر عنها الكاتب نفسه ليقطع  مع الدوغمائيّة والوعظ والأخلاقاويّات الممجوجة تحقيقا لرؤية آلان القائلة بأنّ التّفكير هو قول “لا”

  • ” حكايات صوفيوس الصّغيرة والكبيرة ”      2004 Petites & grandes fables de Sophios

و”صوفيوس” هي شخصيّة خياليّة اخترعها الكاتب لتلعب دور فيلسوف يونانيّ  يطرح عليها طفل طلعة أسئلة تقلق الأطفال واليافعين. وفي كلّ مرّة يجيب عنها صوفيوس بقصص ممتعة وطريفة مترعة حكمة.17  
philosophye4             

خاتمة:

لقد باتت الفلسفة للأطفال اتّجاها عالميّا اقتنعت بضرورته عديد الأنظمة التربويّة في العالم وأدرجته في مناهجها. ولعلّ هذا الاقتناع لم يولد من عدم أمام تصاعد الأصوليّات النيوليبراليّة والدّينيّة وتكالبها على ترويض الطفل عبر الهيمنة على التربية ومؤسّساتها، هيمنة صار معها لزاما على المربّين تذكية الملكة النقديّة لدى النّاشئة لانتشالها من براثن خطر محيق. وقد عبّر Michel Piquemal  عن ذلك بجلاء وبلاغة إذ قال:

” إنّ ثقافة تنمية الاستهلاك تشيع دون هوادة الإطراء المخادع والتزلّف. فالطفل، باعتباره زبونا، يبوّأ مكانة الملك. ولا داعي للجميع  أن يقلقوا أنفسهم طالما يوجد مختصّون يفكّرون عنهم. لم يبق  لهم إلا أن يتزحلقوا بسلاسة كعربة التبضّع في الفضاءات التّجاريّة الكبرى.

    إنّا نجابه هذا التيّار…تيّار المجتمع الليبراليّ الذي  يريد أن يجعل من أطفالنا مجرّد مستهلكين دون ألباب ودون تفكير مستكينين دون انتفاض. هذا لأنّ ” عالمنا أفضل العوالم” قد كرّس فعلا. ” 18

ومن ثمّ، فإنّ مشروع “الإيقاظ الفكريّ ” هو المضادّ الحيويّ الذي يضمن المناعة الضّروريّة لعقل الطفل الناّشئ الغضّ.

توصية (خاصّة بالسّياق التونسي)

بعد أن تمّ إدراج الإيقاظ الفكريّ ضمن برنامج الإجازة التّطبيقيّة لعلوم التربية التي ستخرّج الدّفعات الجديدة من أساتذة المدارس الابتدائيّة بداية من سنة 2019، لم يبق لوزارة التّربية إلا أن تشرع، وفي وقت قريب، بتعويض حصص الحوار المنظم التي تتمّ فيها الممارسات البيداغوجيّة على نحو يتّسم بالارتجال وضعف المردوديّة لغياب الأدلّة والمحامل المناسبة، أن تشرع في تعويضها بمادّة ” الإيقاظ الفكريّ ” لما يمكن أن يكون لهذا النّشاط من عميم فائدة كنّا أتينا على بعضها طيّ هذا المقال. وما هذا بعزيز ما دام الحيز الزّمنيّ متوفّر ومشروع الإصلاح مفتوح.

 

 


 

المراجع:

1- Montaigne, Essais, Chapitre 22, De l’institution des enfants.

2- Reboul.O ,Philosophie de l’éducation ,PUF , p 6

3-Article « Education », in F. Buisson, Nouveau dictionnaire de pédagogie, Hachette, 1911  4- Wagnon Sylvain, Ovide Decroly, le programme d’une école dans la vie , Paris, Fabert, 2009, 253 p

5 – رشيد العلوي، تعليم الفلسفة للأطفال في بعض التجارب الدولية، قسم: الفلسفة والعلوم الإنسانية، جامعة الدّار البيضاء ،    www.mominoun.com ، 1أوت 2015

6 – PAR SYLVAIN CONNAC,  « LA DISCUSSION PHILOSOPHIQUE COMME INSTITUTION DES PÉDAGOGIES COOPÉRATIVES ? », MÉMOIRE DE DEA DES SCIENCES DE L’ÉDUCATION, UNIVERSITÉ PAUL VALÉRY MONTPELLIER III, , 2001

7- Michel Piquemal, Conférence, La philo à l’école, www.michelpiquemal.pdf, p 1

8- Rapport de l’UNESCO. 1999. La philosophie pour les enfants. Division de la Philosophie et de l’Éthique, Paris, p. 7.

9  – نبيل عبدالفتاح، التّلقين وضعـف ثقافة السّؤال، رابط الموقع http://www.albayan.ae/opinions/articles/2016-06-03-1.2653327

 10 – د. موسى نجيب موسى معوض، مهارات التفكير النّاقد، موقع الألوكة، رابط الموضوع:

،:http://www.alukah.net/culture/0/61012/#ixzz4GZZ08DNG

11- Michel TOZZI, La discussion philosophique à l’école primaire – Pratiques, formations, recherches, Crdp Montpellier. 2002 (coord.)

12- ذكره مصطفى عبد الرّازق في كتابه “تمهيد لتاريخ الفلسفة العربيّة” ص85 و د.أحمد شبشوب في كتابه ” علوم التربية” ص 43

13 – François Jarraud, Philosopher à l’école primaire. Oscar Brenifier, in http://www.cafepedagogique.net/

14- Michel Piquemal, OP cité.

15- Anne Lalanne, Le rôle du maître, Date de création,redaction@pratiques-philosophiques.net, 9 septembre 2002.

16 – ملخّص شخصيّ للورشة التي حضرتها مع الأستاذ TOZZI  خلال الأيّام التكوينيّة التي انتظمت بـ CENAFIF رادس بتاريخ  13،14، 15 أكتوبر2009

17- Michel Piquemal, OP cité.

18- Michel Piquemal, OP cité.

البحث في Google:





عن شفيق الجندوبي

أستاذ علوم التّربية و متفقّد أوّل للمدارس الابتدائية بأريانة الجمهوريّة التّونسيّة

7 تعليقات

  1. Assalamou alaykoum wa rahmatou LLAHI wa barakatouh
    Merci pour cet apport, vraiment intéressant, baraka LLAHOU fikoum!
    Pourriez-vous, je vous prie, nous communiquer les références des livres pour enfants, nous n’arrivons pas à bien voir les images sous ce paragraphe :
    1- طريقة أوسكار برنيفيي13 Oscar Brenifier
    Baraka LLAHOU fikoum et merci d’avance pour votre réponse
    Fi amani LLAH

    • شفيق الجندوبي

      تحيّة عطرة لك نجمة
      أشكر اهتمامك بالمقال وإليك بعض المراجع المعتمدة لتنشيط الأطفال في الفلسفةأو كما أسميها “الإيقاظ الفكريّ” وجميعها بالفرنسيّة لأنه مع الأسف لا توجد كتب عربية في هذا الموضوع على حدّ علمي.
      La philosophie dans la production éditoriale « jeunesse »
      ▪ Les Philo-fables de Michel Piquemal, la collection Petits contes de sagesse chez Albin Michel
      ▪ La collection Les petits albums de philosophie, Autrement Jeunesse.
      ▪ La collections Philozenfants et Philozidée, Nathan.
      ▪ La collection Les Goûters philo, Milan.
      ▪ La collection Chouette penser !, Gallimard Jeunesse.
      ▪ Les éditions du Cheval vert
      ▪ Philéas et Autobule, un magazine belge d’initiation à la démarche philosophique destiné aux jeunes de 6 à
      12 ans. C’est aussi un outil pédagogique utilisable par les enseignants. Feuilletez un numéro en ligne.
      ▪ La BD des P’tits philosophes, publiée chaque mois dans Pomme d’Api (pour les 3 – 7 ans). La fiche
      pédagogique conçue par Jean-Charles Pettier, professeur de philosophie à l’IUFM de Créteil accompagne
      chaque numéro. La rédactrice en chef, Anne-Claire Beurthey, raconte ici comment cette rubrique est née,
      comment elle est conçue et quelle est la démarche entreprise.
      ▪Les petits Platons
      L’approche privilégiée par Les petits Platons est celle de la fiction. En effet, il ne suffit pas de traduire un
      discours théorique dans des termes simples pour le rendre accessible… et a fortiori intéressant ! Les
      enfants ont besoin de s’identifier à un personnage, de rentrer dans une histoire pour découvrir une vision
      du monde.

      • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        شكراً جزيلا أستاذ شفيق على الرد و الإفادة، إنها فعلاً كتبٌ رائعة !!! وسنقوم ما بجهدنا لترجمة هذه الكتب النافعة إلى اللغة العربية إن شاء الله !
        حفظكم الله.

  2. مقال مفيد جدا، استمتعت بقراءته.أسلوب راق كما العادة.

  3. عبد الحفيظ بن الشيخ...استاذ ومدير مؤسسةتعليمية

    شكرا استاذ وافقك الرائ لادراج الفلسفة في المرحلة الابتدائية لكونها عاملا قويا في بناء شخصية الطفل المستقبلية وخاصة في ميوله ورغباته.

  4. د.عبدالله سلطان الصلاحي. باحث وخبير تربوي. اليمن

    شكرا للأستاذ شفيق على المبادرة ونتفق معها من حيث المبدأ ولكن الحاجة أولا توضيح مفهوم تعليم الفلسفة أنه تعليم الحكمة و ازالة المخاوف والغموض والجهل بأهداف ومضامين الفلسفة أو الحكمة..والاستفادة من اهتمام الإسلام بتعليم الحكمة.ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.. والحكمة ضاله المؤمن…فهل يمكن طرح الموضوع والسؤال على النحو التالي
    هل يمكن تدريس الحكمة بالابتدائي ؟

    • شفيق الجندوبي

      تحيّة عطرة أستاذ عبد الله
      أعتقد أن التوجس من الفلسفة لا ينبع من اسمها الذي يعني إيتيمولوجيا”حبّ الحكمة”، بل يتأتّى من ممارستها. وما هذا بغريب فكلّ الدّوغمائيين يخشون أن تنكشف بضاعتهم المغشوشة إذا سطعت أنوار الفكر، وأن تبور تجارتهم على محكّ النّقد.
      وعلى كلّ فقد نفطنت لما يتلبّس علاقة المسلم بالفلسفة من تضليل تاريخيّ متعمّد منذ عهد ابن رشد، لذلك أطلقت على هذا الضّرب من النشاط المدرسيّ اسم” الإيقاظ الفكريّ” كي لا يحول خوف موروث من تجديد تربويّ مطلوب.
      ولك تحيّتي مجدّدا على اهتمامك بالمقال وشكرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *