المعلم

جنود الفكر

على مر العصور كان يُنظر للمعلم نظرة تقدير واحترام، فهو صاحب الرسالة النبيلة وعلى عاتقه رقي وحضارة الأمم، فلم يكن المعلم ذلك الملقن ناقل المعرفة فقط بل المعلم والمربي صانع فكر الأجيال للأمم.

و للمعلم اليوم أدوار يقوم بها ومعايير ينبغي مراعاتها حتى ترتفع جودة عطائه، منها ما هو متعلق بالطالب ومنها ما هو متعلق بالمعلم نفسه غايتها تكوين شخصية الطالب بكافة جوانبها في بيئة تعليمية-تعلمية محفزة.

فمن معاييره الإخلاص مع الله، فلا يختلف عمله مع ثناء وإعجاب أو ذم وجحود لمجهوده، حيث لا يعلم حقيقة مردوده الفعلي إلا الله، قال تعالى: ( قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ  على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران (29) .

ومما يرفع شأن المعلم والثقة به وبعلمه صدقه والتزامه بمسؤولياته، فمعلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم مثلا، كان لاتصافه بالصدق أثر كبير في دخول كثير من الناس في دين الله.

وكان معلم البشرية يأمر الناس بالخير وهو أول من يأتيه، وكان ينهاهم عن الشر وكان أول من يتجنبه ويبتعد عنه، وهذا من كمال الخلق والتعليم وأدعى لاستجابة المتلقي قال تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) سورة البقرة (44).

ولا ينال المعلم منزلته الرفيعة إلا بالصبر، قال تعالى:( الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران (134).

لذا نراه ناقلا للمعرفة وراعيا لها، خبيرا تربويا و مسؤولا اجتماعيا، فهو على ثغر من ثغور الفكر، مقوما ومرشدا نفسيا، قدوة في الفصل وخارجه، مؤشرا على مدى ثقافة المجتمع، فاستحق صلاة ذكر ودعوات من الله وملائكته وخلقه لتعليمه الناس الخير. قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير ). رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (المختصر ص42).

قال تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (11) سورة المجادلة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) صحيح سنن أبي داود 3641.

فإذا لاحظنا مهام المعلم سنجد أنه يقوم بدوره بشكل فعال من احترام الطالب على الوجه الذي يشعره بالأمان، فهو من أحضان أسرته إلى أحضان معلمه، ليسهم هذا الأخير  في اكتمال سلامة نموه جسديا ونفسيا واجتماعيا.  

فبالإضافة إلى حب المعرفة ونقلها، يقوم المعلم بإعداد وتنفيذ المواد الدراسية حسب الأنظمة والتوجيهات الرسمية بكل وطنية وولاء مواجها تحديات المجتمع بكل إصرار، ومنفذا للبرامج التعليمية بكل انضباط ومسؤولية. فالتربية والأمن الفكري لا يتحققان إلا بمساهمة جندي الفكر (المعلم) مفعلا ومشاركا ومتابعا لما يقوم به كل طالب منميا لإبداعات طلابه، فيدربهم على التعامل مع الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة، ومعالجا لجوانب ضعفهم  بتحليل إحصاءات و بيانات مدروسة بكل دقة، باحثا ومخططا ومطورا لمحتوى المنهج وبيئة التعلم، حريصا على تكوين نفسه باستمرار، مساعدا لزملائه في العمل، مواكبا للتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتطورات التقنية العالمية، ملما بكل ما فيه خدمة للعلم وطلاب العلم وفاعلا جمعويا مميزا في المجتمع.

المعلم جندي مجهول يستحق التكريم من المجتمع ومن الطالب على الأخص شكرا وعرفانا ودليلا على حسن الأخلاق والتربية. فمن حق المعلم على الطالب تبجيله وملاطفته والسلام عليه وعدم رفع الصوت بحضرته.

قال أمير الشعراء أحمد شوقي :

قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا ‍ * * كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي ‍* * يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا

سُـبـحـانَـكَ الـلَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ ‍ * * عَـلَّـمـتَ بِـالقَلَمِ القُرونَ الأولى

أَخـرَجـتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ ‍ * * وَهَـدَيـتَـهُ الـنـورَ المُبينَ سَبيلا

وَطَـبَـعـتَـهُ بِـيَـدِ المُعَلِّمِ تارَةً ‍ * * صَـدِئَ الـحَـديدُ وَتارَةً مَصقولا

ما أعظمك أيها المعلم فأنت تستحق أن يقف لك الجميع وقفة تقدير وإجلال وأن ييسروا عليك القيام بدورك العظيم فأنت من تعلم كيف يتعامل الطلاب مع الحياة، أنت لا تقل قدرا عن والدين كانا سببا في الحياة.

 


المراجع:

  • الدليل التنظيمي لمدارس التعليم العام الإصدار الثالث 1436هـ ـ 1437هـ .
  • المعلم الأول صلى الله عليه وسلم قدوة لكل معلم ومعلمة. فؤاد الشلهوب، الطبعة الأولى 1417هـ .
  • المرشد في تعليم التربية الإسلامية دكتور: زين محمد شحاته، الناشر مكتبة الشباب للعلم والثقافة، الطبعة الثانية 1419هـ .

البحث في Google:





عن هدى عبد الله المانع

مهتمة بمجال التعليم

6 تعليقات

  1. عقيل جعفر

    شكرا للكاتبة … أزمة المعلم العربي ( المسلم) ان الظروف جعلته معلما … ليس حبه للمهنة ورغبته وانتماؤه ولهذا نجد إخفاقات كثيرة في تأديته لمهنته ..

  2. مقال جميل يحمل بين طياته توضيح لمكانة المعلم مع تبيان أهمية هذه الوظيفة

  3. عادل العذري

    جنود الفكر..ربما كانوا قادة الفكر .لو تم الاهتمام بالمعلم،والعملية التعلمية- المعلم احد اطرافها- لكان حال الامة العربية افضل مما هو عليه ..اليس من عجائب الدهر ان يكون حال فنان عربي = 10000 معلم عربي وربما يزيد.

    • نرجو رجحان كفة موازيننا عندالله فاللهم أصلح شأننا كله.
      شاكره مرورك الكريم

      • عقيل جعفر

        من الذي اهتم بالفنان العربي ؟ سؤال احدى إجاباته ولربما أولها انه هو نفسه الذي اهتم بذاته وتطويرها ، لم يتأفف لم ينتقد لم يتهم لم يكن بطاقته وقابلياته سلبيا

        ما يؤسف عليه ان المعلم العربي ينتظر من يهتم به حتى يصبح مبدعا وَذَا تأثير
        إذاً عليه ان ينتظر طويلا … فسماء التربية لحين ان تجتمع فيها الغيوم يحتاج لها زمن طويل في دنيانا نحن العرب .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *