البيولوجيا بين شغف التعلم والرغبة في التخصص

تمهيد:

أيُّ التخصصات الجامعية تناسب المتعلم؟ وهل يمكن التنبؤ بهذا الأمر من خلال الدرجات التي يحرزها المتعلم في صفوف الدراسة ما قبل الجامعية؟ أو أنّ هناك مواهب وإمكانات معينة يمكن اكتشافها خلال المراحل ما قبل الجامعية؟
حقيقةً، يحتوي هذا الإطار على محاور متنوعة وتفاصيل عديدة، متعلقة بتنوع المواد الدراسية والتخصصات التي قد ترتبط بها في التعليم الجامعي… لذلك سأقتصر في هذا المقال على محور واحد فقط وهو محور التخصص في دراسة فروع البيولوجيا (علم الأحياء).
فكيف نميز المتعلم الذي يمتلك الملكات التي تؤهله لدراسة التخصصات البيولوجية؟

Textbooks
‏مقدمة:

يظهر لدى العديد من الطلبة اهتمامٌ بمادة علم الأحياء دون غيرها من المواد الدراسية ‏منذ سنوات الدراسة الأولى وحتى الوصول الى المرحلة الثانوية ( التعليم ما قبل الجامعي )، باعتبارها ذات صلة وثيقة بواقع ‏المتعلم، بدءاً من الجسم البشـري و انتهاءً بالبيئة المحيطة به بكل ما تحويه هذه البيئة من ‏مكونات حية وغير حية، والتي تجتمع معاً لتشكل نظاماً بيئياً يشعر المتعلم بما يطرأ عليه من متغيرات، ‏كتغيرات الطقس خلال فصول السنة و ما ينجم عنها من تأثيرات على النباتات ‏والحيوانات التي تعيش في منطقة سكنه…
هذا الاهتمام يبدو جلياً عند تعرّف المتعلم على المعلومات الحيوية المختلفة، وشغفه للإبحار في التفاصيل، ومحاولاته للربط ‏فيما بينها وبين معارفه السابقة للوصول إلى المعارف العلمية، والبحث في مخزونه المعرفي عن مشابهات لكلّ ما يتعلمه حتى يبني معرفته الخاصة. ويُعزز المعلمون من جهتهم هذا الشغف نتيجة لخبراتهم وتعمقهم في الاختصاص وذلك من خلال قدرتهم على ربط محتوى الكتاب المدرسي بالواقع، فينطلقون من الطبيعة لشرح الطبيعة. لكن الاهتمام من جانب المتعلّم ينقص بسرعـة عند البعض ‏حين يكتشفون صعوبات غير متوقعة لدى محاولاتهم تطبيق ما حصلوا عليه من معارف عند القيام ببعض التجارب العملية، كتجارب التشريـح لبعض الكائنات الصغيرة كالضفادع والأ‏سماك أو لقلب خروف.. أو حتى محاولات دراسة النباتات عن قرب، كأن يقوموا بجمع أوراق النباتات وتصنيفها والتمييز فيما بينها.

تفكير شائع:

يعتقد الكثير أنّه حتى يكون المتعلم قادراً على دراسة البيولوجيا يجب أن يكون قادراً على ‏الحفظ بشكل جيد، ويعود هذا للطريقة المغلوطة التي تُقدَم بها المادة في المدرسة (بأسلوب التعليم التلقيني ‏البنكي غالباً)، وآلية تقييم أداء الطالب الذي يُحاسب على درجة حفظه ليس إلا. ولكن الواقع ‏مختلف، فالكثير من الطلبة غير القادرين على الحفظ يستطيعون اجتياز امتحانات هذه المادة من ‏خلال الإجابة عنها بطريقتهم الخاصة، وذلك يعود لتمكنهم من ربط المفاهيم وتوظيفها بالشكل ‏المناسب، وإن لم يحققوا درجات مرتفعة في هذه المادة. ‏

الاهتمام والتخصص:

ينبغي علينا أولاً التمييز بين أمرين أساسيين غالباً ما يتم الخلط بينهما لدى محاولات البحث عن المتعلم المؤهل لدراسة علوم البيولوجيا:‏
الاهتمام بمادة علم الأحياء: الأمر الذي يُمكن اكتشافه من خلال المحفزات والمثيرات الصفيّة، ويتمُّ ‏التحقّق منه بتحقّق الأهداف القصيرة المدى (أهداف منهاج علم الأحياء لأحد الصفوف).‏
التخصص: أي رغبة المتعلم بدراسة هذه المادة بشكل تخصصـي في المرحلة الجامعية، ‏والتي تتحدد من خلال ما يمتلكه المتعلم من القدرات اللازمة لذلك.
لذا يمكن تصنيف القدرات إلى صنفين:‏

أ- القدرات الفكرية والمهارية:

والتي يتم التمكن منها من خلال القدرة على التحكم بمهارات التفكير، ‏والتي أعتقد أننا من خلال الحديث عن هذه المهارات نختصـر الكثير من الكلام في هذا ‏الحقل، ولكن هذا لا يمنع من ذكر المحاور التي يضمها بشكل خاص، وهي ثلاث محاور:‏
أولاً : أن يُظهر المتعلم المعرفة المتعلقة بـــ :
1) الظواهر والحقائق والقوانين ‏البيولوجية. ‏
2) المفردات والمصطلحات البيولوجية. ‏
3) الأدوات والأجهزة المستخدمة في هذا الحقل. ‏
4) تطبيقات البيولوجيا في حياته اليومية. ‏
ثانياً: التعامل مع المعلومات وحل المشكلات من خلال:
1) دقة الملاحظة .‏
2) استنتاج العلاقات بين المفاهيم.‏
3) القدرة على التحليل والتركيب.‏
4) القدرة على تفسير الظواهر ‏والعلاقات الحيوية.‏
5) القدرة عل وضع فرضيات.‏
6) القدرة على تطبيق المعرفة في مواقف ‏تعليمية جديدة ( نظرياً ).‏
ثالثاً: المهارات التجريبية (التطبيقية):‏

Biology (4)
1) ‏القدرة على تطبيق المفاهيم في ‏مواقف تعليمية ( عملياً ).
2) ‏استخدام التقنيات والأجهزة والوسائل اللازمة ‏بشكل آمن وفعّال.‏
3) ‏تسجيل و تفسير وتقييم النتائج .‏
4) ‏تقييم الأساليب المتبعة والتقنيات ‏المستخدمة واقتراح التحسينات ‏للوصول إلى نتائج أفضل.‏

ب‌- القدرات النفسية:

وتتمثل في قدرة المتعلم على التحمل ذهنيا و نفسيا أثناء القيام بالأعمال المخبرية الحيوية ( ‏كالتشـريح مثلاً)، والقدرة على الاهتمام بالحيوانات والنباتات، والتطوع للقيام بالتجارب، ‏كما نحد لديه سحرا فطريا نحو الطبيعة وعجائبها، و يبدو تواقاً لمساعدة الآخرين، و ‏يتميّز بمهارات تواصل واضحة.‏

الاختصاصات:‏

تدخل البيولوجيا في كتلة من الاختصاصات الجامعية التي يمكن جمعها تحت عنوان عريض (الدراسات الحيوية) والتي منها: ‏
الطب – طب الأسنان – طب البيطرة – الصيدلة – الزراعة – العلوم الطبيعية – الجيولوجيا.‏
في هذا السياق، لابدّ من الإشارة إلى موضوع هام، وهو تعدد الموضوعات ضمن البيولوجيا، ‏بحيث يتكون علم الأحياء من عدة علوم متكاملة، وهذا يفضـي إلى أن اهتمام الطلبة بعلم ‏الأحياء تختلف درجاته بحسب الموضوعات المدروسة. ومن خلال ملاحظاتي كطالبة سابقاً في ‏المرحلتين ما قبل الجامعية والجامعية وعملي الحالي كمدرّسة لمادة علم الأحياء، يمكنني إعطاء نسب ‏تقريبية لدرجات اهتمام الطلبة بموضوعات المادة، وذلك حسب قدرة المتعلم على ربط المفاهيم ‏المتعلقة بالموضوع، وتوظيفها بالشكل المناسب.
Biology (2) وبناء على درجة اهتمام الطالب، يتمّ توجيهه إلى الاختصاص الذي يندرج تحت الاهتمام المفضل ‏لديه في مجال البيولوجيا، ولكنّنا نعود مجدداً للحديث عن الإرادة أو الرغبة التي توجه الطلاب ‏نحو تخصص معين وما يلزمها من قدرات. ومهمّة المعلم هنا هامة جداً، وتتطلب منه دقة عالية وقدرة على التواصل الفعّال مع الطالب. ومن المهم ألّا يخلط المعلم بين الاستنتاجات. فمثلاً في حالة المتعلم الذي يقوم برسم الأشكال الحية (قلب إنسان أو جهاز هضم لسمكة أو ربما تشريح ورقة نبات) بأسلوب دقيق وجذاب، فإنّ المعلم يستحسن أن تنبيه المتعلم وذويه إلى ضرورة الاهتمام بموهبة الرسم، عوض توجيهه لدراسة العلوم الطبيعية.

ما بعد الاكتشاف:

لنفترض أننا اكتشفنا ميول بعض الطلبة نحو الدراسات البيولوجية … وتعرفنا على ‏الموضوعات التي يفضلونها … وتأكدنا من الجانب النفسي لتقبل الاختصاص … كيف يتم تطوير رغبتهم في التخصص في مجال معين دون غيره؟
تتطلب هذه الخطوة القيام بمجموعة من الإجراءات: أقترح مثلاً القيام بتجارب مقنّعة إن صح التعبير، وهي تجارب ينبغي ألّا يعلم الطلبة الهدف ‏منها حتى تكون ردود أفعالهم نحوها حقيقية، بحيث يتم إخضاعهم لمواقف تعليمية ‏واقعية للتعرف على توفر المتطلبات والشروط اللازمة لكل اختصاص، فنقوم باختبار مواقفه ذات الصلة ‏بالموضوع، كالزيارات الميدانية لقسم إسعاف في مشفى أو بنك الدم، أو القيام برحلات إلى مزارع النحل أو المداجن أو الغابات لجمع ‏عينات من النباتات أو الحشرات…..إلخ
بعد ذلك يمكن أن يُطلب من المتعلم الذي كان موقفه إيجابياً نحو تجربة ما (و الذي يظهر من ‏خلال الدقة والموضوعية والمبادرة والوعي نحو التجربة) بأن يُعد مشـروعاً خاصاً يُسهم في ‏تطوير مهاراته في البحث العلمي، ويطور رغبته في التخصص، ويساعد في تقييم قدراته الفكرية (في محاورها الثلاث) إن أمكن أيضاً، وبالنتيجة يتمّ التأكد من ‏توجهه بما لا شك فيه.‏

وفي الختام

وفي الختام لابدّ من القول أنّ الموضوع بحاجة لدراسة وبحث في ميدان صفوف العلوم حتى ‏يتم استنتاج نسب دقيقة نحصل من خلالها على نتائج موثوقة. ‏ ونجمل خطوات العمل ونلخصها بما يلي: ‏
• اكتشاف الاهتمام.‏
• التأكد من الجانب النفسي لتقبل الاختصاص.‏
• تطوير الإرادة أو الرغبة في التخصص.‏
• التقييم من خلال التطبيق العملي (أو المشروع).

البحث في Google:





عن أروى نادر بنيـان

مُدرسة علم أحياء و باحثة في التربية والتعليم،مشرف الفريق الوطني السوري لتصميم المناهج التفاعلية الإلكترونية سابقاً، عضو مُشارك و مُقرر في لجان تأليف المناهج الدراسية لمادة علم الأحياء في المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية.مُدوِنة في مجال التربية والتعليم مُتخصصة في التصميم التعليمي الإلكتروني و إستراتيجيات التعلم الحديثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *