تعليم المصطلحات النحوية والصرفية للناطقين بغير العربية بين القبول والرفض

“دخلت لمشاهدة أحد فصول تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها والذي تدرسه مدرسة تحمل الماجستير في تعليم العربية للناطقين بغيرها، وكان موضوع الدرس “اسم الفاعل” و”اسم المفعول”، وقد حاولت الأستاذة جاهدة تقديم الموضوع وتدريسه وفق المذهب الوظيفي بحسب ما أخبرتني به لاحقا، وكانت تحاول إخبارهم بأن ما تحاول تدريسهم إياه هو الشخص الذي يقوم بالفعل، وأظن أنني سمعت هذه الجملة : الشخص الذي يقوم بالفعل أو الذي يقع عليه الفعل أكثر من خمسين مرة، ولا يزال الطلبة يحاولون فهم ما تريده الأستاذة، حيث وقع الخلط بين ما هو صرفي و ما هو نحوي، ولما تنجح في توضيح الصورة أكثر من أن “محمد” هو الذي قام بالفعل ومحمود هو الذي وقع عليه الفعل. لدرجة شعرت أن الأمر اختلط علي شخصياً”.

أقول هذا المذهب الذي يجعل معلم العربية يدرس القواعد دون أن يقدم مصططلحاتها مذهب فاسد، لا ينطبق على الوظيفية بأي وجه من الوجوه. إنّ الوظيفية تعني أن لا تدرس القواعد على الإطلاق، عندئذ يمكنك أن تتبنى هذه الفكرة وتقول أنا أؤمن بالوظيفية في تعليم القواعد، لا أن تأخذ بقشورها وهو الاسم. وتُبقي الممارسات واحدة، مَن درَس في الغرب أو تعلم الأنجليزية أو أي لغة أجنبية أخرى وظيفيا يلاحظ أنه لا يوجد في أي درس من دروسها درس مخصص لتعليم القواعد، وأود أن أؤكد أن هذا المذهب ينطبق على تعليم الإنجليزية لأهلها، ومن يتابع تعليمها للناطقين بغيرها يجد أنهم يدرّسون الإنجليزية ومصطلحاتها، لأنها في ظني، وهو ما أؤمن به شخصياً، أن تعليم اللغة الأجنبية للناطقين بغيرها مع مصطلحاتها أوفق وأجدى وأكثر نفعاً من اتّباع مذهب الوظيفية المجزوء وحتى الحقيقي، حيث يحتاج المذهب الحقيقي إلى وقت أطول في اكتساب اللغة وتعلمها، ويحتاج إلى انغماس لغوي حقيقي في بيئة اللغة الأصلية. ومن اطلع على أشهر السلاسل الإنجليزية يجد أنها تغص بالمصطلحات النحوية والصرفية، ولكم مثال في سلسلة تب نوتش الشهيرة مثلاً، وغيرها من السلاسل المتداولة.

وهنا أقول: كثيراً ما سئلت عن تدريس المصطلحات النحوية والصرفية للناطقين بغير العربية، وأدرك في الحقيقة أن هذا التسآل انتشر في أعقاب قيام بعض مدرسي مواد النحو والصرف الوظيفيين في برامج تأهيل معلمي العربية للناطقين بغيرها بتأكيد وظيفية القواعد العربية عبر عدم تدريس مصطلحاتها، وأعتقد أن انتشار فكرة عدم تدريس المصطلحات النحوية والصرفية بين مدرسي العربية جاءت من فكرة الوظيفية هذه، وكأن الوظيفية تقضتي بالضرورة اجتزاء النحو العربي بسبب وبدون سبب، تقليدا ولنقل اتباعا للمذهب الغربي في تعليم اللغة الإنجليزية، وهو بلا شك قياس خاطئ كل الخطأ كما ذكرت آنفاً. ويمكن القول بأن هناك مذهبين أو مدرستين في هذا الموضوع، الأولى تقضي بأن للغة العربية خصوصيتها التي تختلف فيها عن اللغات الحية الأخرى التي تدرس لغة أجنبية، وبالتالي يجب تدريس النحو العربي وفق نظريته المعهودة أي بمصطلحاته التي وضعت في زمن الاحتجاج، ويشمل ذلك تقديم نظرية العامل بمعنى أن يتمكن الطالب من معرفة أسباب الرفع والنصب والجر، وتطبيقها في أثناء حديثه رفعاً ونصباً وخفضاً وجزماً وتسكيناً، أما النظرية الثانية فتتمثل في عدم تدريس المصطحات النحوية ولكنها لا تعني بأي حال من الأحوال ما يعنيه أصحاب الوظيفية المعاصرين لأن فهمهم للموضوع قاصر عن فهم الوظيفية الغربية في تدريس قواعد اللغة الإنجليزية واللغات الأوربية الأخرى، وأقصد بذلك أن تدريس اللغة وفق المذهب الوظيفي لا يقتضي على الإطلاق تخصيص وقت خاص لتعليم القواعد على الإطلاق، بل يقوم على الاستماع والقراءة والمحاكاة في فهم اللغة وإنتاجها، ويمكن القول بأن أفضل مذهب يكرس ويدعم هذا الاتجاه هو المذهب السلوكي الذي يقوم على المثير والاستجابة وتكرار هذه العملية مرارا وتكرارا كما يتعلم الأطفال لغة والديهم دون ذكر للفعل والفاعل والمفعول. أما أن  يخوض المدرس في مجاهيل شرح القواعد واقتراح تسميات جديدة ما أنزل الله بها من سلطان، أو أن يقدم جملة بدلا من كلمة واحدة تسهل الفهم والإفهام بين الدارسين لهو لعمري ليس من الوظيفية في شيء.

فضلاً عن ذلك، هناك شيء يميز العربية ويجعلها أكثر قابلية من غيرها في تدريس القواعد وهو أن مصطلحاتها النحوية والصرفية كلمات وظيفية يومية تعبر عن مدلول حياتي فضلا عن مدلولها النحوي، بل يمكن القول بأن هذه ميزة تساعد الدارسين على امتلاك مفردات أكثر تمكنهم من التواصل، انظروا إلى هذه المصطلحات، وهي على سبيل المثال لا الحصر: المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل والمفعول به، والحال، والاسم، والعلم، والمعرفة والنكرة، والمبالغة إلخ. أليست هذه كلمات يومية حياتية وظيفية، لماذا أنكرها على الدارسين وأرميهم في غياهب اللبس والخلط وعدم الفهم.

نعم لتدريس النحو العربي بمصطلحاته وظيفياً وتفاعلياً، نعم المذهب التفاعلي في تدريس النحو هو الذي يمكن الدارسين من فهمه وإتقانه. وأعني بالمذهب التفاعلي أن يقوم الدرس النحوي على ثلاث خطوات: الأولى أن يقوم بدراسة الموضوع النحوي الذي يجب أن يقدمه له الكتاب أو أستاذه مشروحاً بلغة بسيطة أو أجنبية في البيت، ثم يقوم بالخطوة الثانية، وهي الإجابة عن بعض التدريبات التي تغطي الموضوع ميكانيكياً في البيت ليقيس المدرس ما فهمه وما لم يفهمه طالبه، ثم يقوم الأستاذ في الصف بتوفير الفرص لينتج الطلبة لغة تطبق فيها المفاهيم النحوية المقصودة.

مثال: لو أردنا أن ندرس المبتدأ والخبر، يجب علي أن أوفر للدارسين ورقة عمل تشرح هذا الموضوع، ويجب أن يقرأه الدارس في البيت لا أن يشرحه الأستاذ في الصف، وفي النهاية قد يفضل البعض أن يقوم الأستاذ بشرحه، أقول لا بأس إلا أنك قتلت يوماً أو ساعة من وقت الطالب الثمين، المهم هو أن يقوم الدارس في البيت بعد ذلك بالإجابة عن بعض التدريبات الميكانيكية عن المبتدأ والخبر التي يجب أن يرسلها لأستاذه ليفصحها ويتأكد من صحتها، ويكون اليوم التالي يوم الإنتاج اللغوي، حيث يمكن أن يعرض الأستاذ بعض الصور من محيط الطالب أو صفه أو بيته أو طعامه أو شرابه ويطلب منهم بتوجيهات مختلفة إنتاج لغة وجمل تتكون من مبتدأآت وأخبار. هذا هو التعليم التفاعلي للقواعد العربية.

البحث في Google:





عن د. خالد حسين أحمد أبو عمشة

دكتوراه الفلسفة في مناهج اللغة العربية وطرائق تدريسها للناطقين بغيرها، وعلى وشك الانتهاء من الدكتوراه الثانية في الدراسات اللغوية (اللسانيات). يشغل منصب المدير الأكاديمي لمعهد قاصد – عمان – الأردن، مستشار Amideast لبرامج اللغة العربية في الشرق الأوسط، والمدير التنفيذي لبرنامج الدراسات العربية بالخارج (CASA) الأردن، عمل أستاذاً زائراً في جامعة بريغام يانغ في يوتا أمريكا، و محاضراً للغة العربية للناطقين بغيرها لمدة عشرين سنة، ومدرّبا وخبيرا لها في جامعات ومعاهد ماليزيا والسعودية والأردن والولايات المتحدة.

4 تعليقات

  1. علي عبد الواحد

    بالتوفيق دائما دكتور خالد

  2. د. محمود أبو فنه

    شكرًا د. خالد حسين أحمد أبو عمشة على ما ورد
    في مقاله من ملاحظات وآراء لزيادة النجاعة والإتقان
    في تدريس اللغة العربيّة لغير الناطقين بها.
    لكنّني أعتقد أن مصطلح “الوظيفيّة” في تدريس
    قواعد اللغة العربيّة بنحوها وصرفها قد يكون له
    أكثر من دلالة(أنظر كتاب: النحو الوظيفيّ لعبد العليم إبراهيم)
    ثمّ، للمعلوميّة – “محمّد” اسم مفعول مثل “محمود”!

  3. فاطمة حسيني

    تحية طيبة الدكتور أبو عمشة،
    في الحقيقة صادفتني إشكالات من هذا القبيل وأناأتتبع إنجاز عينة من أساتذة اللغة العربية للناطقين بغيرها للمهارات اللغوية ولبعض دروس النحو والصرف، ولا أخفيكم أمر سيادة وتفشي الطرق التلقينية المتجاوزة في التدريس،في غياب لتوظيف الاستراتيجيات الحديثة في تعليم المهارات اللغوية والتواصلية …الأسباب في اعتقادي متعددة ومتشعبة وتتطلب تكثيف الجهود للارتقاء بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وتعلمها وفق المقاربات والمعايير الحديثة تعليما وتعلما وتقييما.
    دمتم موفقين بإذن الله

  4. امال موسى

    السلام عليكم \ دكتور أبو عمشة
    وكيف السبيل إلى ذلك في ظل الآراء المتباينة بين التقليد والحداثة والاصالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *