بيئات التعلم التكيفية، تطوير التعليم بعلم التعلم

في عصر تعددت فيه التقنيات التكنولوجية وتنوعت فيه الأساليب، نجد أن العالم دائما ما يسعى للتخصص الدقيق مما يساعد على إحداث تطورات نوعية في شتى مناحي الحياة، وبما أننا نهتم بالأنظمة التعليمية فغالباً ما ننظر إلى تلك التقنيات والتكنولوجيات من منظور تربوي تعليمي، أي كل ما يعنى بالبحث عن إمكانية تطبيق تلك التقنيات في التعليم، وبما أننا في عصر البيانات الضخمة والأنظمة القائمة على عمل الدماغ فسوف نهتم في هذه المقالة بعرض إحدى النظم والطرق والبيئات التي تقوم على التكيف مع طبيعة الأشخاص والبيئات الاجتماعية والثقافات المختلفة.

ففي ظل التنوع التكنولوجي وتوارد المستحدثات وسرعتها الفائقة، أصبحت المعلومات غزيرة وسريعة مما جعل من الضروري العمل علي تنظيم تلك المعلومات وجعلها أكثر دلالية لتوفير الوقت والجهد. فقد عمل ظهور التعلم التكيفي على خلق اتجاه جديد، ومعايير جديدة فى تصميم بيئات التعلم ومحتوياتها، وطرق عرض المحتوى بها، مما يجعل الباب مفتوحاً أمام استغلال إمكانيات الذكاء الإصطناعي والنظم الخبيرة وتوظيفها فى العملية التعليمية، لأنها في الأساس تقوم على فكرة التعلم التكيفي ، حيث تخلُق لكل متعلم معلماً خصوصياً، يتعامل معه وفق سرعته في التعلم وإمكانياته ومهاراته المختلفة.

فالتعلمات المقدمة كأنها موجهة لمتعلم واحد لم تعدتيفي على الإطلاق بالغرض، ولم تعد تحقق الأهداف المرجوة بشكل متكافئ بين المتعلمين، مما كان أحد الأسباب وراء ظهور ما يسمى بالتعلم القائم على أساليب تعلم المتعلمين.

فتكنولوجيا التعليم دائما ما تسعى لتحقيق أكبر قدر من مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين لتحقيق الأهداف المبتغاة كلٌ وفق ما يتناسب وقدراته. ومع تقدم التكنولوجيا لم نجد أكثر من البيئات القائمة على التكيف مع أنماط المتعلمين لتحقيق ذلك، حيث سنسعى من خلال هذه المقالة لسرد ما تعنيه تلك البيئات وكيف يمكن الاعتماد عليها في تحقيق تطورات نوعية في الأنظمة التعليمية.

البيئات التعليمية التكيفية

 إن البيئات التقليدية والبيئات الإلكترونية أصبحت تعاني حالياً من مشكلات كبيرة مثل الملل وعدم القدرة على الإيفاء بالأغراض المرجوة منها، ووفقاً للمنطق التعليمي وهو أن ما يأتي من تقنيات يقوم على أساس حل المشكلات السابقة، فظهرت البيئات التكيفية التي يمكن تعريفها كما يلي:

“هي البيئة التي من خلال عناصر بنائها ومعاييرها يتم التفاعل بشكل أكبر وأوسع مع كل معطيات العملية التعليمية للوصول إلى المعلومة بشكل صحيح في أقل وقت ممكن”.

ويمكن توضيح ذلك من خلال كونها بيئات تتأقلم مع أسلوب ونمط وهيكلة دماغ المتعلم وطرق تعلمه بشكل واسع وعلى مدار مراحل تعلمه، مما يجعله يصل للمعلومة بشكل سريع وبأقل جهد، مما يحقق الهدف المطلوب منه بكل يسر ودون تعقيد.

نستطيع من خلال البيئات التكيفية أن نبني أنظمة تعليمية قائمة على مراعاة أساليب المتعلمين المتنوعة وأنماطهم في التعلم، ولكنها تحتاج إلى إمكانيات هائلة وعقول واعية للغاية لإدراك طبيعة عمليات التعلم الخاصة بثقافة مجتمعية معينة.

تطوير التعليم بعلم التعلم

فالنظام العقيم المتجمد الذي يعامل الجميع وكأنه شخص واحد يقف عاجزاً على تحقيق إنجازات تعليمية تستطيع أن تسهم في بناء وطن أو أمة، لذا فإن دور بيئات التعلم التكيفية يتمثل في تطوير مستوى التعليم من خلال إعطاء كل معلم أو متعلم ما يناسب مستواه التعليمي طوال مراحل تعلمه، وبالتالي يشعر بالتفرد وكأن النظام التعليمي في بلده يهتم به شخصيا ويقدم له طرق تدريس وتعلم تناسبه.

في حين أنه من خلال دراسة علم التعلم بشكل عام والتعمق في دراسة أساليب وأنماط التعلم بشكل خاص يجعلنا دائماً نسعى لتطوير أنظمة التعلم التكيفية. فأساليب التعلم تعد بحراً لا ينفذ، مما جعل الباحثين يضعون لها بعض النماذج التي تسعى إلى تقسيمها بشكل عام. وعلى كل، فإن دراسة تلك الأنماط تجعل بيئات التعلم يسيرة لتقديم تعلم تكيفي يتناسب مع الجميع ويقدم للجميع وفي نفس الوقت يقدم وكأنه موجه لكل متعلم على حده.

التنمية المهنية التكنولوجية للمعلمين

في عصر التكنولوجيا الخضراء والتعلم الأخضر والتنمية المستدامة والتدريب الإلكتروني نجد أن المعلمين على وجه الخصوص في تحديات دائمة لمواجهة التطورات التكنولوجية الرقمية في مجال التدريب والتطوير.

فالتعليم في هذا العصر والعصور القادمة سوف يقوم على تحقيق تنمية مهنية تكنولوجية قائمة على عمليات التدريب عن بعد سواء للمعلمين أو المتعلمين دون التقيد بحواجز المكان والزمان والمحتويات مع  التحرر من نمطية المحتوى التعليمي.

وفي دراسة أجريتها سابقا جمعت بين الأنظمة التكيفية وتحقيق التنمية المهنية التكنولوجية للمعلمين، ثبت أن فاعلية تلك البيئات التكيفية في تحقيق هذه التنمية كبيرة جداً، وقدمت للمعلمين ما يناسب أساليب تعلمهم المختلفة، وساهمت في تطوير مستواهم العلمي والعملي، وحققت نجاحات تبلور اهتمام الجميع بتلك البيئات التكيفية.

ولمزيد من المعلومات يمكن الاطلاع على كتاب دلالية بيئات التعلم التكيفية، لـ تسنيم داود الإمام، الذي سيصدر عن دار السحاب للنشر والتوزيع بالقاهرة، مصر عام 2018.

البحث في Google:





عن تسنيم داود الإمام

ماجستير تكنولوجيا التعليم وباحثة ومفكرة وكاتبة في مجال تقنيات التعليم والتربية، كلية التربية، جمهورية مصر العربية.

2 تعليقات

  1. احمد عامر

    بالتوفيق يا دكتورة نحتاج الى التعمق في هذه البيئات وان شاء الله نطلع على الكتاب

  2. أمل علي

    السلام عليكم ،،
    شكرا على هذا الموضوع القيم،،
    أحتاج الاطلاع على دراستك السابقة في الأنطمة التكيفية وتحقيق التنمية المهنية التكنولوجية للمعلمين ، وإلى أي دراسات أخرى عن فاعلية التعلم التكيفي ،، إذا كان بالإمكان التواصل معي .
    مع الشكر والتقدير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *