رسالة إلى تكنولوجيا التعليم: تعديل الاتجاه لأجل التطور

أدرس في هذا التخصص منذ سنوات عدة مما جعلني ألم بكل ما له و ما عليه، فهو بمثابة فكر مستنير يضيء الطريق لمعظم بل و لكل العلوم و المجالات الأخرى، ولكن برغم ذلك فهو لا يخلو من انتقادات و قصور ظل يعاني منه هذا التخصص خاصة في الآونة الأخيرة.

تكنولوجيا التعليم هو تخصص يرفع شعار ( التمركز حول المتعلم ) و هذا هو هدفه الأساسي. و لكن إذا نظرنا إلى أرض الواقع سنجد أنه يهتم بالتقنيات و الاستراتيجيات و الأجهزة و الوسائل الحديثة بغض النظر عن قدرات المتعلم،  و كمثال حي على هذا الأمر، نجد كل الرسائل العلمية التى أجريت فى هذا التخصص تركز على تلك التقنيات و فاعليتها أو كفاءتها في تنمية التحصيل المعرفي أو المهارات الأدائية لبعض الأفراد لينتهي بذلك دورها، و يبدأ الانتقاد: فكيف لتخصص هدفه الأساسي خدمة المتعلم نجده يهتم بالتقنيات و التكنولوجيا فقط ؟

إن  وجود تقنيات حديثة لا يعني بالضرورة تطور التعليم، بل لا يكون لوجود أكثر التقنيات تطورا معنى في ظل عدم وجود متعلم لا يعي ما هي و كيف تستخدم و توظف في التعليم، فالمتعلم هو الهدف الأساسي و الأسمى من العملية التعليمية بأجمعها، و هو أيضا الأكثر إهمالا من قبل متخصصي تكنولوجيا التعليم و غيرهم من المسؤولين عن العملية التربوية برمتها.

أرى أن معظم الرسائل العلمية التي تجرى حاليا في المجال التربوي عامة و مجال تكنولوجيا التعليم خاصة هي رسائل شكلية فقط،  ليس لها أي معنى على أرض الواقع، بدليل الكم الهائل  لهذه الرسائل و التي لم تسهم في تطوير أي شيء في المنظومة التعليمية إلى الآن، بل تقتصر هذه الرسائل على عينة البحث أو الدراسة و التي يتم أيضا التطبيق عليها بمنتهى التساهل و عدم الجدية.

فلنتساءل جميعا ماذا لو ركزت تلك الرسائل العلمية -و أخص بالذكر مجال تكنولوجيا التعليم- على المتعلم و كيفية تطوير مستواه حتى يكون قادرا على التعامل مع التكنولوجيات المختلفة و معدا و مهيئا للتطور باستمرار؟ كيف سيكون وقتها حال التعليم في بلادنا ؟

فما يعاني منه البحث العلمي في مجال بحوث الماجستير و الدكتوراه أخطر بكثير مما يعاني منه النظام التعليمي بأكمله، لأنه يجب أن يوضع نصب أعين هؤلاء الباحثين، ففي تلك المراحل التعليمية هدف أسمى و هو تطوير التعليم، و هو الأمر الذي لم نلمسه إلى الآن و لن يتم إلا بإعادة هيكلة و توجيه البحث التربوي في مجالات تمس القضايا التعليمية بصفة مباشرة.

سأُقبل على تلك المرحلة قريبا و لا أتمنى أن أسلك الطريق نفسها التي ينتهجها الجميع حاليا، فما دامت الأمور شكلية في المقام الأول فلا داعي لها إذن، و لابد أن نعمل بجد و نواجه مشاكلنا بمنتهى الجرأة و نبحث عن حلول لها. أتمنى أن تنظر تكنولوجيا التعليم إلى المتعلم أولا قبل البحث عن تقنيات و استراتيجيات حديثة، فالمتعلم المصري يحتاج إلى صنفرة و اهتمام كبير جدا لكي نسهم في الارتقاء بالتعليم .

إذا وضع المتعلم كأولوية لكل بحوثنا و رسائلنا و دراستنا، فسيسهم هذا الأمر بشكل كبير في تطويره و الارتقاء بمدى تقبله لكافة التقنيات و الوسائل التكنولوجية الحديثة، لذلك أدعو كل دارسي تلك المراحل بالنزول بصفتهم و شخصهم إلى مؤسساتنا التعليمية و أخص بالذكر المراحل قبل الجامعية، و الكشف عن الصعوبات و القصور في المتعلم ذاته و في البيئة التعليمية المحيطة به، و أيضا المعلم و قدراته و خبراته، و أن نبدأ بتغيير النهج الشكلي لبحوثنا.

    لابد أن تقاس جودة البحث العلمي بمدى قابليته للتطبيق و مساهمته بشكل أو بآخر في تطوير أحد أركان المنظومة التعليمية إن لم يكن جميعها. فنحن نحتاج إلى خريطة لتلك البحوث كي نوجهها إلى مواطن الضعف التي نعاني منها في تعليمنا و حتى يفكر كل فرد مقبل على إعداد بحث علمي في طرح مشكلة و اقتراح حل لها. في حين أن ما هو موجود حاليا، مشكلات شكلية غير موضوعية في كثير من الأحيان، تقيس فاعلية كذا على كذا لمنح الشخص الدرجة و انتهى الأمر، و من هنا يأتي الفشل .

    يجب أن نبحث عن سبل تسهم بصورة مباشرة في دعم التعليم الحالي من أجل محاولة الانخراط في مجتمع المعرفة، فمواجهة الفجوة التعليمية و التصدي لها هي نقطة الانطلاق من أجل تحقيق هذا الهدف. كما يجب أن نترك مجالا لتمكين المعرفة المحلية و تطبيقها و محاولة اكتساب المعرفة العالمية، و دعم سبل الابتكار و تسهيل وسائل النشر و الإبداع في المجتمع مع الاحتفاظ بموثوقيتها. فتكنولوجيا التعليم هي شعاع النور الذي يضيء لنا الطريق لإنارة السبل نحو دعم و تطوير النظم التعليمية المختلفة بصفة عامة، و في بلادنا العربية بصفة خاصة، و نحن نرغب في أن نرعى هذا الشعاع بدلا من أن نهمله و نتركه ينطفئ.

البحث في Google:





عن تامر الملاح

باحث و مطور في مجال تكنولوجيا التعليم و التربية، ومهتم بمشكلات التعليم، كلية التربية، جمهورية مصر العربية

2 تعليقات

  1. وفقك الله دايما

  2. الحالمه

    فعلا نحن بحاجة الى دراسة واقع التعليم والوقوف على جوانب القصور والضعف وتقويمها بما يناسب الامكانيات والتقنيات المتوفرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *