الامتحانات

كابوس الامتحانات … متى ينتهي ؟

حبة مسكن أم علاجٌ شافٍ

شارف العام الدراسي على الانتهاء، وبدأت كوابيس الامتحانات تطارد كلاً من المعلّم والطالب، ودقت أجراس الإنذار في المنازل معلنةً حالة الطوارئ لدى أولياء الأمور، وبدأت الشعارات المحبطة تعود إلى الساحة مجدداً، كأن يُقال : عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان !!!
وبعد كل الجهود المبذولة، وفي النهاية، يجد الكثير من المتعلمين نتائجهم محبطة ومخيبة، وربما غير عادلة أحياناً، كما سيظن المعلم أنَّه غير كفء، أو أنَّ مهنة التعليم لا تناسبه؛ لأنَّ نتائج تقييمات طلبته كانت سلبية ، ومخالفة للتوقعات.
لن نناقش هنا طرق العلاج النفسية للطالب وأهله لاجتياز محطة الامتحان بأقل الخسائر وبأفضل النتائج، كما لن نقدم نصائح لطرائق ينتهجها الطالب لبناء جدوله الدراسي. فلا نرغب في تقديم المسكنات لمرضٍ كثر المصابون به.
إننا نحاول البحث عن الخلفية التعليمية لقضية هامة وهي : الخوف من الامتحان.

خطوة على طريق معالجة القضية من جذورها

هل سألت نفسك زميلي المعلّم عن السبب وراء ذلك كله؟ وعلى من تقع مسؤولية فشل عمليات التقويم والنتائج غير المرضية للاختبارات؟
في الحقيقة هناك مجموعة من الاستفسارات – حول الامتحانات والتقاويم – إذا تمكن المعلم والمتعلم من فهمها، كان ذلك كفيلاً بحل أزمة الامتحانات الدورية:
خاصة بالمعلّم
-ماهي المهمة الحقيقة للاختبارات؟
-لماذا ينسى طلابك ما تعلموه بعد أن يجتازوا الاختبار؟
-كيف تتأكد أنَّ طلابك يتعلمون بشكل صحيح؟
خاصة بالمتعلم
-هل تعرف لماذا تجرى الامتحانات؟
لنمعن النظر في المشهد الآتي:
تخيَّل معي الصف قاعة محكمة، يُمثل فيها المتعلّم دور المتهم، فهل ستكون القاضي الذي ينطق بالحكم، أمْ أنَّك تفضل أن تأخذ دور المحامي؟
-إنَّ قرارك بخصوص هذا المشهد يُحدد مدى إلمامك بإجابات أسئلتنا في الأعلى، فإن فضلت دور القاضي، ذلك الشخص الذي يكتفي بما يُقدَّم إليه من أدلة، عندئذٍ سيقتصر حكمك على استجابات المتعلم للاختبارات التي وضعتها بالاعتماد على أمرين أساسيين:
1- معرفتك كمدرس بمحتوى الكتاب وليس بما تكوّن من محتوى معرفي لدى المتعلم!
2- مهاراتك في صياغة الأسئلة واستنباطها، وليس مهارات المتعلم في تحويل ما تعلّمه إلى استجابات صحيحة.
-بينما لو حبذت مهمة المحامي، الشخص الذي يُدافع عن موكله حتى آخر لحظة، ويبحث له عن الأدلة التي تساعده على النجاح، عندها ستسعى بكامل إمكاناتك لتتأكد بأن طلابك يتعلمون بشكل صحيح، فتقوم حينها بصياغة تلك الأسئلة التي تتلاءم مع ما تعلموه بالفعل، موظفاً مهاراتك ومهارات المتعلمين للنجاة معاً من تلك النتائج الغير مرضية للجميع.

exam 1

هل سألت نفسك يوماً ماذا تختبر بالضبط ؟

يُمضي الطالب ساعات طويلة في التحضير للامتحانات (النهائية أو النصفية)، ليكتشف أنَّ ما درسه مختلفٌ عما يتم تقييمه. فيدرك -من جهة- أنَّها عملية شاقة ولا تُؤتي ثمارها، فالجهد والوقت الذي أمضاه كان تأثيره ضعيف على النتائج ، كما و يفقد ثقته في مدرسيه من جهة أخرى. بينما يفخر بعض المعلمين بقدرتهم على وضع أسئلة بعيدة عن توقعات الطلبة، فيضعون أسئلة حول المفاهيم (المعزولة أو الغامضة الفهم) للتأكد فيما إذا كان الطلبة قد قرؤوا بعناية أم لا!!!
ينبغي أن نُغير نحن المعلمون نظرتنا للاختبارات، ونعدّل طريقة تفسيرنا لنتائجها. وبشكلٍ أكثر تحديداً إنَّنا بحاجة لنظرةٍ مختلفة عن التقويم التربوي وذلك باعتباره عنصراً مكملاً للعملية التعليمية وعاملاً مساعداً لدعم عملية تعلم الطلاب، فهو مكون ذو أهمية كبيرة، وله معاييره وأساليبه المتنوعة. “راجع مقال التقويم التربوي
اليوم وفي أغلب أنظمة التعلِّيم يُدرِّس المُعلِّم حتى يختبر، وعندما نسأله عن السبب يُجيب: هذا ما يفرضه المحتوى وأساليب التدريس ونظام التقويم. كما لو كان الاختبار هو المُحدِّد الرئيسي لكامل العملية التعليمية، بحيث تكون أهداف التعلُّم المرجوة هي جوهر تجارب الطلاب التعليمية، وبالتالي يتم تقيمهم وفق الأهداف نفسها.

لذا فكر كيف تختبر ما تُدرِّس بدلاً من أنْ تُدرِّس لكي تختبر!!!

يُسهّل المعلمون عملية التعلُّم من خلال تزويد الطلبة بتغذيات راجعة هامة حول تقدم تعلمهم، ومساعدتهم في تمييز مشكلات التعلّم.”” Bloom, Madaus, & Hastings, 1981; Stiggins, 2002.

إحصائية بسيطة :

قد تقول في نفسك يحتاج جمع هذه المعلومات الحيوية – حول ما تمَّ تعلُّمه و ما يحتاج المتعلم لتعلُّمه – إلى تحليل إحصائي متطور. ولكنك في الحقيقة sتبالغ قليلاً، فالعملية في كثير من الأحيان لا تحتاج إلا إلى عملية إحصاء بسيطة لبنود التقويم التي فشل عدد كبير من الطلبة فيها، حيث تولي اهتماماً خاصاً بتفحص مواضع الصعوبة في العناصر (فقرات الدرس) التي فوتها كثير من الطلبة.
و لهذا عند استعراضك لنتائج التفحص يجب :
• النظر أولاً إلى نوعية الفقرات التي تختبرها، أو المعيار الذي بُنيت على أساسه الفكرة.
• ثمَّ التأكد من صياغة السؤال، فربما يكون هناك غموض في الاستفسار المطروح أو أنَّ الطلبة أخطؤوا في تفسير السؤال.
• تحديد ما إذا كانت هذه الأسئلة تُعالِج وبشكلٍ كافٍ مستوى المعرفة، أوالفهم، أو المهارة المرجو قياسها.
حسناً … ماذا لو لم تكن هناك أي مشكلات في المعيار، وكان السؤال واضحاً، وبالرغم من ذلك أجاب أكثر من نصف طلبة الفصل بشكل خاطئ، فأين تكمن المشكلة؟!
حينها لن تكون المشكلة في تعلُّم الطلبة، إنها مشكلة متعلقة بالتدريس، مهما كان نوع الاستراتيجيات التي تستخدمها، ومهما طرحت من أمثلة، أو قدمت من تفسيرات، فجميعها لا تحقق نتيجة مرغوبة، فالتدريس الفعَّال لا يحدث في غياب التعلُّم. وبالتأكيد لا يعني ذلك أن كامل المسؤولية تقع على عاتقك كمُدرس فحسب، فحتى مع جهود التدريس الباسلة، لا نضمن أن يتعلَّم جميع الطلبة كما نرغب.

exam 2

اتْبَاع التقويمات بالتعليم التصحيحي (Corrective Instruction) :

يجب أن يُتبع التقويم بعمليات التعليم التصحيحية (الدعم التربوي)، فالتعليم التصحيحي يهدف إلى معالجة كل أخطاء التعلم التي حددها التقويم (Guskey,1997). لذا يجب على المدرسين إلحاق تقييماتهم بالبدائل التعليمية التي تُقدم المفاهيم بطرق جديدة، وإشراك الطلاب في تجارب تعلم مختلفة تكون ملاءمة أكثر من سابقتها.
قد تتساءل: هل نقصد بالتعليم التصحيحي إعادة للتدريس؟
لا طبعاً، فالتعليم التصحيحي ذو الجودة العالية ليس عملية إعادة للتدريس، ولا هو مجرد إعادة صياغة التفسيرات والشروحات بصوت أعلى وأكثر بطءاً. بل يتوجب على المعلم استخدام الأساليب التي تتناسب مع الاختلافات في أنماط تعلم الطلبة والذكاءات المتعددة (Sternberg, 1994).
علماً أن البعض من المعلمين يحاولون مزج أساليب التدريس المختلفة عندما يخططون لدروسهم في البداية، إلا أنَّ التعليم التصحيحي ينطوي على توسيع وتعزيز هذا العمل. إضافةً إلى ذلك، يجب الانتباه إلى أولئك الطلبة الذين ليس لديهم أخطاء في الاختبارات أو لديهم أخطاء ولكنها قليلة، بحيث تُقدم إليهم أنشطة إثرائية للمساعدة في توسيع تعلّمهم. كالمواد المصممة للطلاب الموهوبين والمتفوقين، والتي قد توفر مورداً ممتازاً لمثل هذه الأنشطة.

مشكلاتنا مع التعليم التصحيحي :

• إنَّ عملية التعليم التصحيحي قد تكون مهمة شاقة للمعلم، خاصةً إذا قام بها بشكل فردي، لذا ندعو المعلمين إلى المبادرة ولو بشكل جزئي للاشتراك في مجموعات تُعنى بتطوير مهاراتهم في أساليب التدريس، واقتراح استراتيجيات بديلة، ودراسة نتائج التقويم، وتقديم نصائح عملية من خلال تلاقح أفكار وتجارب الجميع.
• في معظم الأحيان، يُعرب المعلمون عن قلقهم حيال الوقت الطويل الذي قد يستغرقه تقديم التعليم التصحيحي، وبأنَّهم سيُضحون بتغطية المناهج الدراسية. لذلك يمكنك اختصار الوقت الطويل من خلال:‏
-صياغة الواجبات المنزلية بالأسلوب الذي يجعلها جزءاً من عملية تعليمية تصحيحية.
-عقد اجتماعات خارج الصف قبل أو بعد الدوام المدرسي.
-التواصل مع الطلبة من خلال مواقع ‏التواصل الاجتماعي.
و بمرور الوقت ستجد عزيزي المعلم أنَّ الطلبة اعتادوا هذه العملية، ولاحظوا مدى المنافع الشخصية التي تقدمها، ومن جهتك لن تسمح مستقبلاً للأخطاء الطفيفة بالوصول إلى مشاكل تعليمية رئيسة كالفشل في الاختبارات النهائية.

فرصة ثانية لإثبات النجاح:

exam 4

حتى تصبح عملية التقويم والتصحيح جزءاً لا يتجزأ من العملية التعليمية، يجب ألّا تُقدم دفعة واحدة، بل لابد من بذل جهود مستمرة لمساعدة الطلاب على التعلم. وإذا كان المدرسون يُلحقون عمليات التقويم المرحلية بالتعليم التصحيحي، سيكون هناك فرصة ثانية للطلبة لإثبات مستواهم الجديد. هذه الفرصة الثانية تساعد في تحديد فعالية التعليم التصحيحي وتقدم للطلاب فرصة أخرى لتحقيق النجاح. وبالتالي زيادة دافعيتهم واهتمامهم بما يتعلمونه، استعداداً للتقويمات النهائية دون القلق منها.
ولكن بعض المعلّمين يرون أنَّ إعطاء الطلاب فرصة ثانية طريقة قد تكون غير عادلة وأنَّ “الحياة لا تعطي فرصة ثانية”. إذ يُشير هؤلاء إلى أنَّ الجراح مثلاً لا يحصل على فرصة ثانية لتنفيذ العملية بنجاح، كما لا يحصل الطيار على فرصة ثانية لهبوط طائرته بأمان.

إذن وانطلاقاً من هذا الرأي كلٌ واحد لديه الحق في المرة الأولى فقط!!! ولكن كيف تعلَّم الأشخاص – ذوي المهارات العالية – حرفتهم؟ هل كان ذلك من المرة الأولى؟
إنًّ العملية الأولى التي قام بها ذلك الجراح كانت على جثة هامدة، وهي تجربة تسمح بحدوث الكثير من الأخطاء. وبالمثل، قضى الطيار ساعات طويلة في جهاز محاكاة الطيران قبل أي محاولة حقيقية للطيران والهبوط. سمحت التجارب لهؤلاء بالتعلم من أخطائهم وتحسين أدائهم. حتى لاعب كرة القدم يمكنه الحصول على فرصة ثانية للاستمرار في اللعب قبل رفع البطاقة الحمراء لإيقافه و طرده خارج اللعبة.
فقط في المدارس يُطلب من الطلبة القيام بمواجهة التجربة لمرة واحدة !!!
والاختبار هو قرار حياة أو موت!!!
ولا وجود لفرصة ثانية لإظهار ما تعلّموه من الأخطاء السابقة!!!
جميعنا نسعى لأن يكون الطالب متعلما مدى الحياة ولكي تتطور العملية التعليمية إلى تعليم المهارات. والحقيقة أن أفضل المهارات تعلماً تكون من خلال الوقوع في الأخطاء. ويقول بعض خبراء التقويم، أن الطلاب لا يتعلمون شيئاً من الأداء الناجح، بينما يتعلمون بشكل أفضل عندما يكون الأداء الأولي أقل نجاحاً، لذلك يستطيعون الحصول على التوجيه بشأن كيفية تحسين تعلمهم (Wiggins,1998)

لذا فكر مجدداً في وضع أكبر عدد ممكن من البطاقات الصفراء في جيبك.

خطوة تشخيص نحو إسقاط القناع المرعب للامتحان :

كلما نبعت التقييمات من روح الأهداف المرجوة كُلَّما كانت قابلة لأن تكون تشخيصية، فلا بد من وجود معايير واضحة للحكم على أداء الطالب، وينبغي أن تتلاءم مع الأنشطة التعليمية التي تقدم في الفصول، ‏ومتوافقة مع معايير المنطقة التعليمية أو الدولة.‏ عندها فقط سنملك مفاتيحاً لعلاج أخطاء التدريس من جهة، ومشكلات تعلُّم الطلبة من جهة ثانية، ومشكلات إخفاقاتهم في الامتحانات من جهة ثالثة.
وكُلَّما تكثفت جهود المدرس نحو جودة أساليب التدريس وتنويع استراتيجياته وتنمية مهاراته كُلَّما تمكَّن من بناء تقاويم صادقة وموثوقة. عندئذٍ سيعتاد الطلبة على النظرة الصحيحة لأهمية الامتحانات، وفائدتها في دعم تعلُّمهم، وسيكون تحضيرهم واستعدادهم لها أفضل وأكثر جدوى، إضافةً إلى انخفاض وثيرة القلق والخوف من الامتحان.

ختاماً :

exam 3

قد يرى الكثيرون بأنّ ما تحدثنا حوله أعلاه قد يُصحّح وضع امتحانات الصفوف الانتقالية (الفصلية – النهائية) فقط، أما فيما يخص امتحانات الشهادات كشهادة الثانوية العامة (البكالوريا) فالأمر مختلف، وحجتهم بأنَّ نظام التقويم المعتمد لا يرحم، ولا سبيل لتهدئة روع الطلبة حياله … وهذا أمرٌ قد نتفق عليه.
ولكن ماذا لو تمكنا من تطبيق الوسيلة المقترحة في الصفوف الأولى كخطوة لبناء أجيال لا تخشى الامتحانات، عندما تتزود بالمعرفة المطلوبة، وكيفما كان نوع نظام التقويم المعتمد ؟
لذا ينبغي ألا نبقى مكتوفي الأيدي بانتظار التغيير في التشريعات و القوانين التربوية، فقد تكون هذه الطرائق وغيرها ممهدات لتقويم أنظمة التقويم بشكل تدريجي.

 

 

المصادر المساعدة

http://www.ascd.org/publications/educational-leadership/feb03/vol60/num05/How-Classroom-Assessments-Improve-Learning.aspx

Why You Should Throw Out Your Tests and Quizzes


http://www.slideshare.net/kyawmoeaung10/active-learning-classroom-assessment-practices

البحث في Google:





عن أروى نادر بنيـان

مُدرسة علم أحياء و باحثة في التربية والتعليم،مشرف الفريق الوطني السوري لتصميم المناهج التفاعلية الإلكترونية سابقاً، عضو مُشارك و مُقرر في لجان تأليف المناهج الدراسية لمادة علم الأحياء في المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية.مُدوِنة في مجال التربية والتعليم مُتخصصة في التصميم التعليمي الإلكتروني و إستراتيجيات التعلم الحديثة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *