أضواء مُظلمة حول تكنولوجيا التعليم…. الفجوة، والأسباب

في الوقت الحالي نجد سوق العمل يعاني من فجوة كبيرة بين المعروض والمطلوب، فالمعروض يتصف بمهارات متدنية، وتدريب رديء، وقدرات منخفضة، وثقافة محدودة، وشهادات تعتبر حبراً على ورق، بينما المطلوب، مهارات عالية، وقدرات إبداعية، وتدريب على أعلى المستويات، إضافة إلى شهادات ودورات تدريبية متميزة.

    فما بين المُنتَج التعليمي وهو “الخريج“، ومتطلبات سوق العمل فجوة كبيرة، واضحة رأي العين لدى الجميع، تعددت أسبابها، وتزايدت تأثيراتها. و مع تطور النظم التعليمية وتزايد التخصصات العلمية في عصرنا الحالي، نجد أن التخصص والمجال القادر على سد هذه  الفجوة والعمل على حلها هو تخصص “تكنولوجيا التعليم“، لكن في بلادنا يعاني هذا التخصص من المشكلات نفسها التي يعاني منها النظام التعليمي بأكلمه، لذا نحن بحاجة ماسة إلى الوقوف على الفجوات التي تعيق هذا المجال عن تأدية دوره، وتلبية الاحتياجات التي تقع على عاتقه، والقيام بالمهام الموكلة إليه. ولعل دائماً بداية حل المشكلات هي تحديد المشكلة نفسها، ونحن في هذا المقال نسلط الضوء على تلك المشكلات التي يعاني منها مجال تكنولوجيا التعليم، والتي تجعلنا نقف على بداية الطريق لحل المشكلة، ليكون بمثابة وقفة مع النفس والذات لأجل تعديل المسار لإحداث التطورات المرغوبة، فمن خلال التعايش داخل هذا التخصص لسنوات عديدة، استطعنا أن نقف على بعض الفجوات والثغرات التي أدت بتكنولوجيا التعليم إلى المشاكل التي يعاني منها التعليم بأكلمه، وهي على النحو التالي:

أولاً: فهم خاطئ للتخصص

 نحن نعاني من أزمة في مجال تكنولوجيا التعليم نفسه، والتي تتمثل في عدم إدراك الكثيرين لطبيعة هذا التخصص ودوره الحقيقي في تولي مهام تطوير المنظومات التعليمية في البلاد المختلفة. فإذا ما تساءلنا ماذا تعني تكنولوجيا التعليم؟ سوف نجد إجابات تبتعد بعض الشيء عن الهدف الأساسي للتخصص، لذا فلابد من إدراك المفاهيم الخاطئة حول تكنولوجيا التعليم وتحديداً لدى أخصائيي تكنولوجيا التعليم في المؤسسات التعليمية، ومحاولة الوقوف عليها وتصحيحها من خلال بحوثنا العلمية، والأدبيات ومصادر التعلم التي يجب علينا كأهل للتخصص أن نوفرها لهم.

ثانياً: ضعف مستوى الباحثين

 يجب أن ندرك أن من أهم أسباب تلك الأزمة هو ضعف مستوى بعض الباحثين في المجال، والذي أدى في الوقت الراهن إلى قصور واضح في البحث العلمي في مجال تكنولوجيا التعليم بصفة خاصة، بل وأحدث عيوباً في منظومة التكنولوجيا التربوية بصفة عامة، لذا لابد لنا من وقفة مع النفس لوضع خطط وبرامج تعليمية وتحديداً في مرحلة الدراسات العليا، لإنتاج باحثين ودارسين وفقاً للمعايير التي يضعها التخصص، وليس لمجرد الحصول على درجة علمية أو شهادة ورقية، لا فائدة منها.

ثالثاً: تقليدية الأبحاث في الوقت الراهن

 أصبح الهدف لدى الكثيرين هو الحصول على الدرجة العلمية فقط، بغض النظر عن ما يقدمونه من مضامين داخل أبحاثهم، وهدفهم هذا جعل جل جهودهم في التجميع والاقتباس من الأدبيات السابقة، دون التفكير ولو لوهلة في الابتكار والإبداع. ونجد أيضاً أن الأبحاث القليلة التي تقدم لنا جديداً يوجد بها قصور نابع من عدم دراسة أهمية تلك المستجدات للعملية التعليمية، ومدى تناسبها مع بيئتنا العربية والمصرية، فنشعر عند قراءة العديد من البحوث بنوع من التكرار مع اختلافات بسيطة. وعندما نتساءل: ما فائدة تلك البحوث فيما بعد؟ نجد أنها لمجرد الحصول على درجة علمية، ويكون مصيرها  أحد الأرفف في إحدى المكتبات.

وفي هذا الصدد ندعو الباحثين والدارسين للنزول إلى أرض الواقع لمناقشة المشكلات التعليمية الحقيقية للنظام التعليمي في البحوث التي يتم تقديمها، بل وقبل الإقبال على تلك الخطوة يجب أن يتوفر لديهم قدر كافٍ من منهجية البحث، وأساليبه من خلال الدراسة العلمية النظرية لمناهج البحث في مجال تكنولوجيا التعليم.

رابعاً: آنية المعرفة

 تطور الأمر بعض الشيء في السنوات القليلة الماضية، في عملية آنية المعرفة بين مُنتجيها ومُستخدميها ومُستهلكيها، ومما ساعد على ذلك كثرة سُبل التواصل ووسائله المختلفة في العصر الحالي سلكياً ولا سلكياً، ولكن نجد أن مسألة آنية المعرفة وتطورها ونقلها بشكل سريع جعل البعض يلهث وراء كل جديد، وهذا أمر جيد بالطبع، ولكن ما يعيبه هو إحداث حالة من الانفصال عن الواقع الذي نعيش فيه. وعلى سبيل المثال: نجد بعض المؤسسات التعليمية توزع على الطلاب أجهزة لوحية دون أن يكون في المدرسة معمل حاسب آلي أو اهتمام بمادة الحاسوب، فنجد فجوة بين الواقع وبين المعرفة الجديدة التي نندفع للحصول عليها، دون التفكير في مدى الفائدة التي من الممكن أن نجنيها من ورائها.

خامساً: مقاس واحد يناسب الجميع

 تلك هي أنسب العبارات التي تنطبق على النظام التعليمي الحالي، فالمحتوى يقدم نظرياً كان أو عملياً بطريقة وكأنه يُقدم إلى طالب واحد، دون مراعاة لفروقات نوعية بين الدارسين. وإذا كان الأمر مهماً في المراحل الأولى من التعليم، فهو أكثر أهمية وخطورة في المراحل المتأخرة مثل الدراسات العليا. ويكمن ذلك في عدم القدرة على تحديد الباحثين الجيدين، ومعاملة الجميع على أنه مجرد طالب أو دارس في مرحلة الدراسات العليا. فلابد هنا من وجود معايير ننتقي من خلالها الباحثين الجيدين والتي تتوفر لديهم قدرات تمكنهم من إضافة الجديد للمجال فيما بعد، فيجب أن تتوفر لدينا إذن معايير للإعداد، ومعايير يتم الاختيار على أساسها.

سادساً: المكتبة بها قصور

 نجد أن مكتبة تكنولوجيا التعليم العربية بها قصور في المصادر والمراجع خاصة تلك المتعلقة بالتقنيات والمستجدات الحديثة على الساحة، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أننا لا نعتني بهذا الأمر، ونفضل أن نقتبس من الغرب والدول الأجنبية، وهذا يقين سائد لدى الجميع أن المعرفة الأجنبية أصبحت أدق وأقوى من المعرفة العربية، وهذا يجعلنا نتطرق إلى نقطة هامة جداً هو أننا في بلادنا العربية نعتبر مستهلكين للمعرفة فقط ولا ننتجها، عدا بعض الاستثناءات، رغم أننا فيما مضى كنا المصدر لجميع علوم الغرب، الذي أخذها عنا وطورها، وبقينا نحن دون تطوير أو إنتاج جديد، فانحصرت معظم الجهود في الاقتباس والنقل عنهم فقط.

سابعاً: فقر في إدراك العلاقات

 وهو من أهم المعوقات والأسباب لوجود فجوة بين النظرية والتطبيق. و من أهم مميزات الباحث التربوي والتكنولوجي الجيد هي عملية إدراك العلاقات، حتى يستطيع الوقوف على حجم المشكلات، وإيجاد الحلول المناسبة. لكن الواقع غير ذلك، فالكثيرون يبحثون عن مشكلات مصطنعة إلى حد كبير، ولا يكلف نفسه عناء البحث عن علاقات جديدة بين عناصر المنظومة التعليمية المختلفة، فهم يتكلون على من سبقوهم.

ثامناً: التكنولوجيا السيئة

 وتكمن في تكاسل العديد من الباحثين عن البحث الميداني ومجالسة العلماء والاستفادة منهم، فالجميع أصبح يفضل مجالسة جهاز الكمبيوتر المتصل بالإنترنت، رغبة في الحصول على بعض المعلومات. الأمر يحتاج أحياناً كثيرة النزول إلى أرض الواقع، للحصول على معلومات واقعية دقيقة، صادقة ومتطابقة مع ذلك الواقع، وهذا ما نجد به قصورا  من خلال المعرفة المقدمة إلكترونياً، فأحياناً لا تمت المعلومات للواقع بصلة، ومصداقية الواقع أكبر بدرجة كبيرة، فرجاءاً أيها الباحث، كُن باحثاً بما تحمله الكلمة من معنى.

   فلا مانع من قليل من الوقت نتوقف فيه، لأجل تعديل ما يمكن، والتغلب على أخطائنا وما يعوقنا عن تأدية دورنا على أكمل وجه ممكن، ويمكننا من تفعيل دور تكنولوجيا التعليم الحقيقي بشكل أفضل.

تاسعاً: تخصص من لا تخصص له

 أصبحت تكنولوجيا التعليم كتخصص ساحة مباحة للجميع، فمن كثرة دارسيها وباحثيها أصبحنا لا نعلم التخصصات الدقيقة لهم، وأيهم كانت تكنولوجيا التعليم تخصصه من البداية الذي تربى فيه أثناء أعوامه الجامعية. فماذا لو ركز كل باحث في تخصصه الدقيق من البداية للنهاية، بالطبع سوف تختلف الأمور من شكل زواياها خاصة حول جودة الباحثين داخل التخصص، فيجب على كل تخصص أن يتبنى أبناءه فقط، حتى نسعى لتقديم الجديد والمميز.

البحث في Google:





عن تامر الملاح

باحث و مطور في مجال تكنولوجيا التعليم و التربية، ومهتم بمشكلات التعليم، كلية التربية، جمهورية مصر العربية

تعليق واحد

  1. شكرا على الموضوع لكن في هذا التطور ما هو حل هذا المشكل حسب الرأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *