الرسم الهجائي

درس اللغة العربية في المنهاج المغربي الجديد

تقديم

يمر تدريس اللغة العربية بتحولات عميقة وجذرية. تحولات مست محتويات ومكونات وأهداف هذا الدرس خاصة في الأقسام الأولية والابتدائية. وجاءت هذه التحولات استجابة للتوصيات التي أتت بها المشاريع الإصلاحية الجديدة، التي دعت إلى اعطاء هذا الدرس المكانة المتميزة التي تليق به، حتى يتمكن من تحقيق أهدافه في العملية التعليمية…
فالخيار التربوي الذي راهنت عليه مشاريع الإصلاح هو جعل اللغة العربية تحضي بموقع متميز في الهندسة اللغوية في البرامج التعليمية الجديدة. وهو ما جعل هذا الدرس يكتسي أهمية كبيرة في المنهاج التربوي الجديد.
ومساهمتنا هذه محاولة لتوصيف وبيان هذه الهندسة في المناج التربوي الجديد بالمغرب.

 

1- أهمية اللغة

تُعد اللغة الوعاء الحافظ للثقافة والمعرفة والناقل لمكوناتها، فهي من  أبرز أدوات الاتصال والتواصل.

وعليه فإن تدريس اللغات يكتسي أهمية كبيرة، وبالغة على جميع المستويات  والأصعدة، لأن اللغة هي الأداة الصانعة والمركبة  للمعالم النفسية لشخصية الطفل والمتعلم على حد سواء، خاصة في المراحل العمرية الأولى لهذا المتعلم…

و اللغة من أبرز وظائفها التواصل في إبلاغ رسائل و حاجيات المتخاطبين إلى المتلقين للخطاب. فهي  تقوم بوظيفة التواصل والتبليغ والإخبار من خلال إيصال مراد المتكلم إلى المخاطب من أفراد العشيرة اللغوية التي ينتمي إليها ذلك المخاطب وفق  التعاقد التخاطبي الجامع  بين  المخاطب والسامع…[1].

ومن ثم نقول أن التواصل يعد  من أبرز خصائص  ووظائف اللغات  بصفة عامة، بحيث لا يمكن إسقاط أو إبعاد وظيفة التواصل من الوظائف الكبرى والأساسية التي تؤديها  اللغة في المجتمع الإنساني، وهو موضوع ظل محل اتفاق بين عدد كبير من اللغويين واللسانيين.[2] وهو الفعل الذي  أدى بكثير من اللسانيين إلى أن  يُعرِّفوا اللغة بأنها أداة للتواصل، وقناة للتخاطب، ووسيلة من وسائل الاتصال، والتفاهم بين الشعوب، وبين مختلف الأجيال…

وعليه فان اللغة بوصفها نسقا من العلامات، فهي تمنح القدرة للمتكلم على أن يتواصل مع غيره. ولعل هذا البعد التواصلي للغة مرتبط بالبعد التواصلي  للإنسان، من حيث إن اللغة من  مركبات   شخصية الإنسان، بل هناك من ذهب إلى أبعد من هذا عندما صرح بأن الاتصال والتواصل من  أبرز شروط بقاء الإنسان، وهو من الأوصاف والمستلزمات الداعمة لاستمرارية هذا  الإنسان، ومن المقومات المؤكدة لديمومته  في هذا الوجود…[3]. وهو ما يعني  من جهة أخرى  أن التواصل يعد من أبرز طبائع الإنسان ومن أهم خصائصه التي تجعله كائنا  متميزا، ومتفردا  عن غيره من الكائنات الحية [4].

كما أن  للغة مهام أخرى غير المهام المذكورة سابقا، فهي تؤثر في طريقة تفكير أهلها ومستخدميها، وفي رؤيتهم للوجود والعالم، وفي تمثلهم للعالم المحيط بهم، بل تؤثر حتى  في طريقة إنتاجهم   للمعرفة، لأن اللغة   تحمل رؤية  العالم  بالنسبة لمستعملي تلك للغة، ولمستخدمي أنساقها وأنظمتها  في التفكير والتواصل والإبلاغ. وهذا المعطى مؤشر واضح على أن اللغة تعكس قيم المجتمع، و تحمل هويته، و  تحافظ على  ذاكرته  الفردية والجماعية [5].

وهو ما يجعل  اللغة  تعمل  باستمرار على بقاء المجتمع وعلى استمراريته، وعلى تماسكه والحفاظ على ثقافته وتراثه وهويته، كما تعمل اللغة  من جهة أخرى على انتقال التراث الثقافي عبر مختلف الأجيال [6]. وهو الإشكال  الذي جعل كثيرا من  الدراسات اللغوية واللسانية والأنتروبولوجية  تتبنى  هذه الأطروحة القائلة بأن المنظومة اللغوية تؤثر في رؤية أهلها للعالم،  وهذه المنظومة هي التي تحدد القدرة على الكلام، وتساعد على النظر، وتعين على التفكير.. [7].

 

2- قطب  اللغات في  المنهاج الجديد

إن درس اللغة العربية يحظى بموقع خاص و متميز في المنهاج التعليمي المغربي الجديد  من حيث الحصيص الزمني  المخصص  له، ومن حيث المكونات المحمولة فيه، و من حيث الأهداف و الكفايات والمجالات المركبة لمكوناته. [8].

ذلك بان الخيار التربوي والبيداغوجي الذي سار عليه المغرب وراهن عليه والتزمه  في جميع  مشاريع الإصلاحات  التربوية هو تعزيز مكانة اللغة العربية وتقويتها  في  المنهاج  التعليمي، باعتبار أن اللغة العربية  هي من إحدى أبرز  مكونات النسيج الحضاري والثقافي، ومن أهم مرتكزات الهوية الوطنية والدينية  للمغرب، مما جعلها تحظى بعناية خاصة، وأهَّلَها لتكون لغة حاضرة في الممارسات الصفية والمدرسية، ومستمرة  للأجيال القادمة  متواجدة بقوة في النسق التعلمي والتربوي المغربي.

بل إن أكبر تحول عرفه  درس اللغة العربية، هو التحول الذي وقع في  هذا الدرس  مع المنهاج الجديد، ذلك أن المنهاج الجديد في  قطب اللغات أحدث تغييرا جذريا على  الهندسة اللغوية باعترافه الصريح  بالتعدد والتنوع اللغوي، وتوصيفه لهندسة  لغوية جديدة مغايرة للسابقة، تعترف صراحة بالتعدد اللغوي في التعليم.

وهو التغيير الذي جاء استجابة للتحولات البيداغوجية العديدة التي تعرفها المنظومة التعليمية في المغرب  في الآونة الاخيرة بفعل مشاريع الاصلاح  المتعاقبة التي جاءت مجيبة  ومستجيبة للتقارير الوطنية والدولية التي أتت بأرقام صادمة وبنتائج مقلقة حول واقع درس اللغة العربية في المدرسة المغربية.

إذ كشفت هذه التقارير بما في ذلك تقارير المجلس الأعلى للتعليم الصادرة سنتي 2008 و 2015 عن التدني  الكبير، وعن القصور الشديد في مستوى المتعلم في اللغة العربية. وهذا التدني يتجلى في عدم إجادة المتعلم لمهارة التواصل، وعدم تمكنه من التعبير والكتابة باللغة العربية، مما جعل المتدخلين في الشأن التربوي يصفون المتعلم المغربي بأنه متعلم بدون لغة، تغيب عنه المهارات التي يحتاجها في الممارسة الصفية للأنشطة اللغوية، وغير متحكم في الكفاية التواصلية، ويتعذر عليه القراءة والكتابة بالغة العربية.

3- الهندسة اللغوية في المنهاج الجديد

لكن المثير في الأمر هو  ما حملته هذه  التحولات  والمشاريع الجديدة  في الإصلاح، في تنصيصها  وإصرارها على ضرورة رد الاعتبار لمحور قطب اللغات بتوصيفه توصيفا  جديدا وفي اختيار  هذه الهندسة اللغوية الجديدة  في التدريس العاكسة لمبدأ التعدد اللغوي.
-اللغة العربية : 10 ساعات.
-اللغة الأمازيغية:  3 ساعات.
-اللغة الفرنسية  : 2 ساعتين.

ما يعني أن  مناهج اللغات في التعليم الابتدائي قد عرفت نقله نوعية  في هندستها وفي مكوناتها وبناياتها ونسقها  ومجالاتها.

4 – مجال اللغات في المنهاج الجديد  التعليم الابتدائي

يضم مجال اللغات في المنهاج الجديد  ثلاث مكونات دراسية هي:
1- اللغة العربية؛
2- اللغة الأمازيغية؛
3- اللغة الفرنسية.
يهدف هذا المجال إلى تمكين المتعلم من قدرات ومهارات ومعارف وقيم ومواقف متصلة بتوظيف اللغة اللفظية وغير اللفظية من خلال التحكم في قدرات الاستماع والتواصل الشفهي والكتابي والقراءة.

5- مواصفات درس اللغة العربية  في المنهاج الجديد

تتكامل اللغات الثلاث ضمن تصور لساني وتربوي وتواصلي موحد ومنسجم يتميز بالمقومات الآتية:
– كفايات موحدة.
– مكونات دراسية موحدة، كذلك، ومتمحورة حول أربع مهارات كبرى هي: الاستماع والتواصل الشفوي والقراءة والتواصل الكتابي.
– وحدات ومحاور دراسية موحدة هي أيضا، تنطلق من ذات المتعلم(ة) في محيطها المباشر والمحلي لتتسع إلى أن تبلغ سياقات ومجالات أرحب وأكثر انفتاحا.
– قدرات وأهداف تواصلية موحدة ومتنامية في منهجية اكتسابها، من خلال التداول المضمر للقواعد اللغوية والخطابية في السنوات الثلاث الأولى، ثم عبر التعلم الصريح لتلك القواعد في السنوات الثلاث الموالية.
– توزيع متدرج وموحد لأنواع الخطاب، بالانطلاق من البسيط والأكثر تداولا في محيط المتعلم(ة) إلى ما هو مركب وأقل تداولا في المقامات التواصلية الاعتيادية.

ومن أبرز التوجهات والخيارات في درس اللغة العربية في المدرسة المغربية  الرهان على توظيف اللغة العربية الفصيحة، في التواصل المدرسي اليومي، وهو ما سُمي بمبدأ التوظيف اللغوي باعتماد الإضمار في القواعد (تمرير الظواهر الأسلوبية والتركيبية).

كما اعتمد المنهاج الدراسي للغة العربية على مبدأ الوحدات ومبدأ التكامل الداخلي بين مكونات مادة اللغة العربية، و مبدأ الكيف ومبدأ التدرج والاستمرارية. وقد تم تنويع الوضعيات التعليمية خلال إرساء الموارد وإدماجها أو تقويمها ودعمها، وهو ما سمي بمبدأ التنويع البيداغوجي والديداكتيكي، بتبني المقاربة بالكفايات .[9]

خاتمة

إن التحولات في المناهج وإعادة النظر في ما تحمله من محتويات ومضامين أثر على  درس اللغة العربية في البرامج التعليمية. مما يدعو إلى الوقوف عند حدود هذا التأثير الذي  يعد استحضاره ضرورة  تربوية ملحة وعاجلة، ومقتضى منهجي تفرضه حاجيات العصر ومستلزماته وتحولاته في المعارف  والأفكار لا سيما ما تعلق بالبعد البيداغوجي و الطرائق الديداكتيكية المتعلقة  بتعليمية اللغات عامة واللغة العربية خاصة…

 

 


المراجع:

[1]-اللسانيات النسبية وتعليم اللغة العربية لمحمد الاوراغي:9-إصدار دار اختلاف الجزائر:2013.
[2]–مفهوم اللغة ومفهوم الهوية بحث الأستاذ محمد نافع. مجلة عالم الفكر العدد:-4-مجلد:43-  السنة:2015.
[3] -الفجوة الرقمية لنبيل علي ص:165.عالم المعرفة- رقم السلسلة:318.
[4]-الثقافة العربية وعصر المعلومات لنبيل علي :345- سلسة عالم المعرفة الكويت  رقم العدد :265
[5]-اللغة والتواصل لادم شاف :بالفرنسية:2003
[6]-تمثل الطفل في المجتمع المغربي للدكتور احمد إوزي:111.ضمن ندوة :علم النفس وقضايا المجتمع عمل مشترك من منشورات كلية الآداب الرباط العدد:25 السنة:1993..
[7] -تكوين العقل العربي لمحمد عابد الجابري:80- المركز الثقافي العربي بيروت:1986.
[8] -يراد بالمنهاج خطة عمل متصلة بتنظيم للأهداف والمضامين والأنشطة ا لتعليمية والأدوات الديداكتيكية  وطرق  التعليم والتعلم وأساليب التقويم  وما يعيشه المتعلم داخل القسم وخارجه  من علاقات وتفاعلات .وهو اكبر من المقرر  وأوسع منه .
[9] – لمزيد من الاطلاع على المنهاج الجديد يراجع :مشروع المنهاج الدراسي المنقح للسنوات الأربع الأولى للتعليم الابتدائي مديرية االمناهج – يونيو 2015

البحث في Google:





عن د. محمد بنعمر

أستاذ التعليم العالي مساعد - حاصل على الدكتوراه من كلية الآداب والعلوم الإنسانية - ظهر المهراز فاس - مكون تربوي بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع الناضور - عضو بمختبر ابن خلدون للبحث التربوي الناضور - عضو بعدة مراكز للبحث الأكاديمي والعلمي والبيداغوجي - شارك في عدة ندوات دولية ووطنية - له دراسات وبحوث وكتب منشورة - المملكة المغربية

2 تعليقات

  1. هلة عائشة

    السلام عليكم، بارك الله فيك دكتور أبدعت بأسلوب راق.

  2. د. محمود أبو فنه

    أحيّي هذا الاهتمام باللغة العربيّة لغة التواصل والانتماء.
    سرّني ما تحظى به اللغة العربيّة من تخصيص الحصص
    والساعات التي تسهم في إكسابها وترسيخها لدى الطلاب
    بدون إهمال تدريس اللغات الأخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *