تطوير التعليم في العالم العربي

لماذا تفوق نيكامور ، ولماذا فشل منصور ؟

منذ أكثر من نصف قرن، تدفقت في جزء كبير من عالمنا العربي ثروة بترولية هائلة، ثروة مكنت العديد من الدول العربية من تحقيق طفرات اقتصادية هائلة محققة نقلة تاريخية فيها.
وكان يفترض بالثروة النفطية أن تحل مشكلاتنا المستعصية وتقودنا للحضارة والتقدم، فلماذا لم يحدث ذلك حتى الآن؟
التساؤل هنا : ما الذي حققه العرب منذ بداية تلك الطفرة اقتصادياً أو صناعياً أو علمياً؟ ما الذي قدموه للعالم أو على الأقل ما الذي قدموه لأنفسهم ؟
على الجانب الآخر وتزامناً مع بدايات الطفرة النفطية، كانت دول جنوب شرق أسيا أيضا من أفقر الدول في العالم، واليوم نجدها تحولت لنمور اقتصادية وحضارية عملاقة : كوريا ، اليابان، سنغافورة، ماليزيا دول بدأت من العدم، وبعضها دول فقيرة الموارد، وبعضها الآخر لا يمتلك أي موارد أساسا !
السؤال محرج ومقلق والإجابات متعددة ومتشعبة ولعلها متشابكة أيضا. في هذا المقال أحاول أن أقدم إجابتي المتواضعة :

بسم الله الرحمن الرحيم … الإجابة هي : التعليم !

حسنا ً فلنحاول أن ننظر للموضوع من جانب آخر أظنه يقودنا إلى نفس الإجابة :
في عام 1957م وفي خضم الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، حقق هذا الأخير إنجازاً علمياً غير مسبوق، حين استطاع أن يتفوق على أمريكا ويرسل أول سفينة فضائية للقمر، تسبب الأمر في صدمة كبيرة في المجتمع الأمريكي. كيف يسبقنا السوفييت؟ ولماذا؟ وظهر ما يسمى (حمى سبوتنك)
Sputnik Mania.

sputnik mania
وسبوتنك هذه، هي المركبة الفضائية التي صعد بها السوفييت إلى الفضاء، كان الأمر للأمريكان صدمة ولكنهم لم يضيعوا وقتهم في اليأس والاكتئاب، بل شرعوا فوراً في تحليل أسباب هذه الهزيمة العلمية. قاموا أولا بتشكيل لجان وظيفتها تحليل (الكارثة) من الناحية العلمية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، وبالتأكيد من الناحية التعليمية، وفي داخل مناقشات لجنة التعليم، قام المستشارون التربويون بمراجعة المقررات الأمريكية ومقارنتها بالمقررات السوفيتية، ثم أصدروا تقريرا ضخما بعنوان مفجع : لماذا تفوق ماكسيم ولماذا فشل جون؟

– ماكسيم اسم رائج في الاتحاد السوفيتي.
– جون اسم رائج أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية.

في (لماذا تفوق ماكسيم ولماذا فشل جون؟) حلل المتخصصون بمنتهى الدقة كل تفاصيل النظام التعليمي السوفيتي وما يميزه عن النظام الأمريكي بشكل عام، مما نتج عنه أن أصبح الطالب السوفيتي متفوقاً على الطالب الأمريكي وأهله لصنع سفينة فضائية والصعود للقمر. على إثر نتائج تقرير (لماذا تفوق ماكسيم ولماذا فشل جون؟) تم إعادة هيكلة المنظومة التعليمية الأمريكية. وبعد سنوات قليلة، أول إنسان مشى على سطح القمر كان أمريكيا وأول علم تم رفعه على سطح القمر كان علم الولايات المتحدة الأمريكية !
لم تكن تلك المرة الأولى أو الأخيرة التي (يهرع فيها الأمريكان) لتحسين النظام التعليمي عندما يستشعرون الخطر، ولعلي أوجز بعجالة شديدة محطات أخرى تم على إثرها إطلاق نفس ناقوس الخطر (فعلًا وليس قولًا ) :

– الكساد الاقتصادي الكبير في 1932م.
– تقرير ترومان في عام 1947.
– لجنة الرئيس كينيدي المعنية بالتعليم عام 1960.
– لجنة مستقبل التعليم العالي (لجنة سبلنغز) 2006.
– تقرير A Nation At Risk أمة في خطر في عام 1983م.
-بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 صدرت وثيقة (Rising Above the Gathering Storm) الارتفاع فوق العاصفة العاتية.

كل التقارير السابقة كانت تدور حول نفس فكرة تقرير ( لماذا تفوق ماكسيم ، ولماذا أخفق جون ؟)
كانت تدور حول قرع ناقوس الخطر لتحسين التعليم.
و من الغريب فعلا أننا (العرب) لم نطلق حتى الآن أجراس الخطر أو صافرات الإنذار أو استغاثات من يصارع الغرق! برغم كل ما نراه من كوارث التعليم في الوطن العربي، لذلك فهذا المقال (البسيط) هو محاولة لوضع بعض النقاط حول:” لماذا تفوق نيكامور ، ولماذا فشل منصور؟”

– نيكامور : اسم أسيوي شائع ، سنعتبره رمزاً لطالب يعيش في دول جنوب شرق آسيا، نموذج حي لدول كانت نامية معدمة وحققت خلال سنوات قليلة تطورا اقتصاديا وعلميا ضخما، بدأت أولى خطوات الحضارة في نفس الوقت الذي بدأت فيه الدول العربية تنعم بطفرة النفط، ولكن اليوم انظر إلى أين وصل نيكامور ؟
– منصور : اسم عربي شائع، وهو رمز لطفل عربي يعيش في أي دولة عربية و يعاني ما تعانيه مجتمعاتنا العربية من تحديات ويتطلع لما نتطلع إليه من آمال عريضة.

والآن لماذا تفوق نيكامور ، ولماذا فشل منصور ؟

1- البداية من الداخل (الثقة بالنفس والاعتزاز بالجذور ) :

نيكامور لديه ثقة رائعة بنفسه، واعتزاز بوطنه وفخر به 1، وتقدير مقدس للغة اليابانية حيث يتم تدريس كل المواد الدراسية باللغة اليابانية فقط. فكثير من المحلات في اليابان على سبيل المثال حظرت التعامل بغير اللغة اليابانية!

nikamur

كما أن عند نيكامور حصة أساسية ضمن مادة هامة هي : (التربية الوطنية ) حيث يتم تنظيم رحلات لنيكامور وزملائه
بقطارات تطوف بهم المدن اليابانية ليتعرفوا على وطنهم ومعالم بلدهم، كما يتم تنظيم زيارات إلى المصانع الكبيرة ليشاهد الطلاب على أرض الواقع كيف استطاع العامل الياباني أن يصنع المعجزات ويحول بلده من بلد فقير إلى أغنى بلاد العالم.

منصور أيضا لديه في المدرسة مادة ( التربية الوطنية )، وهي غالباً مادة تكميلية بلا درجات و بلا أهمية ، كتابها أغلبه نصوص جافة مكررة، وغالباً ما يتم إلغاء حصصهاً لاستبدالها بمواد أخرى يرونها في المدرسة أكثر أهمية.
منصور نفسه صار ضعيف الثقة بنفسه، لغته العربية ليست ذات أهمية كبيرة… قليل المعرفة بحضارة أجداده، و نتيجة لضعفه مع ما يسمعه عن أساطير نيكامور، فقد أصبح منصور يظن أن نيكامور كائن فضائي يسكن كوكبا اسمه اليابان وقادر على حل المعجزات!
عزيزي منصور : صدقني أنت تملك من الذكاء الذي يملكه نيكامور … لا فرق بينكما .
بل إنك تتفوق عليه، نعم تتفوق عليه بعقيدتك السليمة الراسخة التي نظمت لك خريطة حياتك بدقة متناهية وقدمت للبشرية نموذجا فريدا حُق أن تفتخر به.
الخلاصة : منصور!!! ثق بنفسك وقدراتك ، واعتز بحضارتك وأجدادك!!! إن أول خطوات نجاحك تنبع من داخلك.

2- برامج اكتشاف الموهوبين ومشروعات الإبداع :

لدى وزارة التعليم اليابانية قاعدة أساسية : (تهاونك في اكتشاف مواهب طلابك هو خيانة لوطنك ) .
نيكامور منخرط في برنامج دقيق لمتابعة الموهبة، حيث يتم في المرحلة الابتدائية مراقبة أدائه التعليمي والمهاري، ومن ثم يوجه نحو برامج تعليمية مطابقة لمجالات موهبته ( هندسة – رياضيات – فنون – رياضة … الخ) ، نيكامور يعرف منذ كان طفلا في المرحلة الابتدائية، ما التخصص الذي سيعمل فيه بعد تخرجه، نيكامور أيضا استفاد من برنامج ( تسريع التعليم ) حيث يتخطى المتفوق بعض السنوات الدراسية أو المقررات الدراسية لينتقل للسنة الدراسية الأعلى إذا ثبت تفوقه فيها.
منصور أيضا تتوفر لديه مراكز لرعاية الموهوبين، ففي كل عواصمنا العربية يوجد مراكز للمبدعين و الموهوبين، ودائما ما تتبارى الدول العربية في عدد الفائزين من مواطنيها بالمسابقات العالمية في مختلف المجالات، فأين يختفي هؤلاء المبدعون ؟
في الحقيقة وبدون الخوض في التفاصيل، يجب أن يتم إعادة النظر في برامج الموهوبين في العالم العربي وأن يعاد تقييم تلك البرامج بشكل صحيح 2.
الخلاصة : يجب أن يجد منصور مركزا لرعاية الموهوبين ليكتشف مواهبه ويوجهها بشكل علمي سليم.

3- الاهتمام بالتعليم العملي التطبيقي :

اليوم استمتع نيكامور بحصة الأحياء مع معلمه وباقي زملائه، كانت الحصة عن أنواع التربة. قام المعلم باصطحاب نيكامور وباقي زملائه في الفصل –كالعادة – إلى حديقة المدرسة، وجمع كل طالب عينات من التربة و تفحصها في الحديقة ثم احتفظ بها ليأخذها للبيت ليضمها في ركن الأحياء في غرفته.

أما منصور فهو قابع على كرسيه في الفصل، شاهد صور التربة في الكتاب، أو عرض له المعلم على الشاشة صورا للتربة، رغم أن التربة في كل مكان و لكن منصور لم يستطع أن يلمس شيئا بيده 3.
‏ الخلاصة : منصور يحتاج لأن يتحول التعليم النظري إلى تعليم عملي تطبيقي.

4- النزاهة ومكافحة الفساد :

-نيكامور طالب في مؤسسة تعليمية حكومية في اليابان، هذه المؤسسة تخضع لرقابة (حكومية / شعبية ) كبيرة، حيث ينص القانون الياباني على أن كل مؤسسة في الدولة تخضع لإجراءات تقييم بالنقاط، ويجب على مدرسة نيكامور أن تقدم في نهاية كل عام تقريرا يشمل 4 نقاط : (جودة المعلومات المتوفرة للجمهور عن المؤسسة، وكمية المعلومات المفصح عنها بالنسبة لميزانية المؤسسة، وشفافية عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسة، وأخيراً سهولة حصول الجمهور على معلومات متعلقة بالرسوم والغرامات)، المعايير الأربعة تشرف على تقييمها لجنة حكومية ويتم نشرها في الصحف الرسمية في نهاية العام، ليطلع أفراد الشعب على أدق تفاصيل موازنات المؤسسات الحكومية 4.

-بالنسبة لمنصور : فحال مدرسته كحال أغلب مؤسساتنا العربية الحكومية، حيث يضرب الفساد جذوره العميقة في أطنابها…
إن معضلة الفساد لا ترتبط فقط بما يتعلق بالأمور المالية، بل ترتبط أكثر بما يتعلق بالضمير… ولا ترتبط أيضا بفساد القيادات، بل تتعمق لتصل إلى دور المعلم نفسه. إن إدراك المعلم -في مجتمعنا العربي – لرسالته السامية في بناء الإنسان العربي تمثل نقطة فارقة وأظنها في حاجة لكثير من المراجعة والتقييم وإعداد المعلم ليكون على وعي بأنه يحمل مسؤولية بناء أجيال المستقبل .

الخلاصة : لو شاع الضمير … سيبرز نجم منصور.

5- التعليم الإلكتروني :

نيكامور لديه منظومة متكاملة من التطبيقات الإلكترونية وأنظمة إدارة التعلم بدأ تطبيقها في اليابان من عام 1994م، وأصبحت جزءا أساسيا من مهام أي معلم وطالب حيث يمكن لـنيكامور عبر النظام أن يقوم بأداء الواجبات المنزلية، وكذلك التواصل مع المعلمين والطلاب… يمكنه في حالة غيابه عن الحصة أن يتابع الحصة مباشرة عبر الفصول الافتراضية أو أن يشاهد تسجيلا للحصة. كما يمكنه أن يشاهد مواد إثرائية أعدها المعلمون من تطبيقات التعلم الإلكتروني.

منصور حتى العام الماضي لم يكن يعرف ما هو التعلم الإلكتروني، هذا العام سلمته المدرسة بطاقة فيها طريقة الدخول على نظام التعليم الالكتروني، لا تزال الفكرة لديه جديدة ومليئة بالغموض، و عموما ما لدى منصور من نظام تعليم إلكتروني لا تختلف إمكانياته عن إمكانيات النظام الذي يستخدمه نيكامور، بل أكثر من ذلك تُرصد له ميزانيات ضخمة في الدول العربية … ولكن!
لا يستفيد منصور فعليا من هذا النظام التعليمي الإلكتروني، ويعاني من سوء تطبيق النظام من جانب المعلمين وعدم قناعتهم باستخدامه، واعتقادهم أنه بديل عن المعلم وأنه يضيع وقت الطلاب. كما أن إدارة المدرسة نفسها تستخدم التعليم الإلكتروني كأداة من أدوات الترف وليس كمساعد ضروري في تطوير التعليم.

الخلاصة : تفعيل أنظمة التعلم الإلكتروني وإقناع المتدخلين في العملية التعليمية بأهميتها.

6- التقليد الأعمى للتجارب الأجنبية :

نيكامور يعلم أن بلاده تم احتلالها من الولايات المتحدة الأمريكية و أن الحرب العالمية الثانية انتهت باستسلام اليابان بعد قنبلتين ذريتين محتا ( ناجازاكي وهيروشيما ) من أعلى الخريطة. وأثناء الاحتلال 5، فرضت أمريكا شروطا مجحفة على اليابان، فقامت بتغيير هيكلة الجيش وألغت تقديس الإمبراطور حيث كان يعتبر إلها. وافقت اليابان المنكسرة على كل هذه الإملاءات، ولكن من الغريب أن اليابان لم توافق أبداً على خطط المحتل في تغيير سياسة التعليم 6!!

– منصور يعاني من تجارب متضاربة في سياسات التعليم و من مناهج دراسية ترمي لاستخدام أنظمة تعليمية أجنبية في بلاده. ولعل من مآسي التعليم في وطننا العربي، هو أن يتم استنساخ تجارب دول أخرى وزرعها قصراً في وطننا العربي، تماما كمن أعجبته شجرة الأرْز التي لا تنبت إلا في المناخ البارد فحملها معه وحاول أن يزرعها في دولة استوائية معتقداً أنها ستنمو كما في غابات فرنسا 7!!
الخلاصة : فلسفة التعليم يجب أن تنبع من الوطن العربي وليس بالاعتماد القصري على تجارب الدول الأخرى.

7- المعيارية :

قد يغضب أبو منصور مما سبق ذكره فيقول : نصرف ميزانيات ضخمة على التعليم، ألا تتابع الأخبار ؟
فعلا ميزانيات التعليم في الوطن العربي تحمل أرقام رائعة، ولكن أين المعيارية ؟
أظن أن كثيرا من مؤسساتنا لا تزال تعاني من تخبط كبير بين وظائف التخطيط و الإدارة والتنفيذ سأضرب لكم مثلا : لو كنت في مباراة كرة قدم، ما أهم العوامل المؤثرة في المباراة ؟
– المدرب : يضع خطة اللعب.
-كابتن(قائد) الفريق : يقود تنفيذ خطة اللعب.
-اللاعبون : ينفذون الخطة التي وضعها المدرب بدقة وبقيادة كابتن الفريق.
-الجمهور : يتابع المباراة ويحفز اللاعبين لبذل قصارى جهدهم.
لو اختلطت الأمور اختلطت وغابت المعيارية، فطلبت مثلا من أعظم مدرب في العالم أن ينزل إلى الملعب و ينفذ خطته، سيفشل بالتأكيد، فرغم أنه مدرب محترف، لكنه بالتأكيد لن يستطيع أن ينفذ خطته التي وضعها بيده لافتقاده لمهارات اللاعب ولياقته البدنية، ونفس الشيء لو طلبت من أفضل لاعب في العالم أن يضع خطة اللعب سيفشل، فرغم مهاراته الكروية الفائقة إلا أنه لا يملك خبرة التخطيط و حنكة المدرب، لا يملك إلا مهاراته الكروية ولياقته البدنية التي لا يستطيع أن يوظفها بنفسه بل بتعليمات المدرب. نفس الشيء لو طلبت من أكثر المشجعين إخلاصاً للنادي أن ينزل إلى الملعب ليقف في مكان حارس المرمى.
هل فهمت الآن ما هي المعيارية ؟!

الخلاصة : يجب وضع قواعد وأسس واضحة وواقعية للمعيارية لكي تنظم أدوار أفراد المنظومات المتنوعة، وبالتأكيد من بينها المنظومة التعليمية.

في الختام أؤكد أن هدفي لم يكن أبدا إضافة هالة أسطورية على نيكامور أو التحسر على منصور، أؤمن بأن كليهما يحملان نفس ما وهبه الله بالتساوي للبشر من الذكاء والموهبة والتفكير والابتكار، ولكن ثمة ظروف متنوعة ساهمت في أن يختلف مصيرهما.
كما أؤكد أن الحل ليس في اتباع خطى نيكامور في التعليم، بل الحل هو أن يخرج الحل من أرضنا وعلى أسس من عقيدتنا وحضارتنا وتقاليدنا و بما يناسب مجتمعنا وديننا.
كما أعيد وأكرر أن ما سبق ما هو إلا محاولة للأخذ بيد منصور نحو الطريق المشرق، هي مجرد محاولة لأن نلتفت فنعمل على تعزيز مشروع عربي نتيح له مسوغات مؤهلة للنهوض بالإنسان العربي. وسأذهب بالأمنيات بعيدا، إلى ما أظنه أبعد وأعمق، إلى إعادة صياغة الواقع التعليمي، إلى تعزيز الأسس الاجتماعية والثقافية، وإلى إطلاق منهج علمي يرتكز على أرض صلبة من التجديد و الابتكار و رعاية المواهب و حشد الخبرات الصادقة، لكي نأخذ بيد (منصور) نحو النجاح والتفوق وخدمة مجتمعه ووطنه.

 


 

1 حكى أحد المسؤولين أنه كان في مهمة في اليابان، حيث حدث عطل في صنبور الماء في حمام غرفته في الفندق، ما سبب له إزعاجاً ذلك المساء، اضطر معه إلى الاتصال بمسؤولي الفندق، حيث جاءه شابان قاما بإصلاح العطل، وبعد ذلك رفع أحدهما القطعة التي أصابها العطل ليؤكد له أن القطعة مستوردة وليست مصنوعة في اليابان.
2  أغلب هذه المراكز الإبداعية هي مراكز وهمية بل هي بؤر للفساد والإفساد ! ، حيث  يسيطر على (أغلبها) نمطان من الناس :
-معدوم الموهبة : وهل فاقد الشيء قادر على أن يعطيه ؟-ترزي الابتكارات : ربما كان مصطلحا غريبا ، ولكنها مهنة معروفة في وسط الموهوبين في مراكز الموهوبين في الخليج العربي ، وهم أساتذة ودكاترة متخصصون في العلوم ، وظيفتهم هي إعداد البحث العلمي أو الاختراع العلمي ، ثم تجهيزه بشكل متكامل ، بحيث يلقنونه للطلاب ، ويذهب الطالب لكي يجتر ما حفظه ويفوز بالجائزة..
قابلت مؤخراً واحدا من هؤلاء العلماء (المدلسين ) وهو (يلطم) خديه وحكى لي أنه أعد  اختراعا عبقريا لطالب ما وقدمه الطالب باسمه في مسابقة محلية ،وبهر الاختراع لجان التحكيم ، وصعد حتى فاز الطالب بجائزة عالمية ، وسرعان ما سجل والد الطالب براءة الاختراع باسم ابنه ، وصاحبنا صاحب الاختراع لم يحصل إلا على الحسرة.
ذات يوم تعطل جهاز التسجيل عندي عطلا بسيطا جدا ، وكان لي صديقان في كلية الهندسة ، حاولا إصلاحه وفشلا وخرب أكثر، حتى تعطل الجهاز تماماً عن العمل، فحملته وذهبت به إلى زميل لنا فشل في الدراسة المتوسطة فترك المدرسة وعمل في محل تصليح أجهزة الكترونية ، أعطيته الجهاز بمجرد أن فتحه قال : مين الحمار اللي خرب  الجهاز ده ؟؟
4  حصلت اليابان على المركز الـ 20 في قائمة أكثر الدول في الشفافية والنزاهة في العالم 2014 ،أما (دولة الكيان الصهيوني) فسبقت اليابان وحصلت على المركز الـ 19 في نفس القائمة ،و بخصوص مكان الدول العربية فلا تعليق!
5 استمر احتلال امريكا لليابان فـي الفترة من  1945 -1952م.
6 كمثال : حاول الأمريكيون إلغاء مقاطع الكتابة اليابانية واستبدالها بالحروف اللاتينية علـى غرار ما حدث فـي تركيا مثلاً، وبالفعل أوفدت وزارة التعليم الأمريكية لجنة لتقصـي مستوى التعليم والأمية فـي اليابان، وقامت هذه اللجنة بإجراء اختبارات فـي اللغة اليابانية للشعب اليابانـي علـى مستوى اليابان كلها فـي وقت واحد ولكل الأعمار للصغير والشاب والكهل، وللرجال والإناث، ظنا منهم أن نتيجة الاختبارات ستكون سيئة وتثبت ارتفاع مستوى الأمية باليابان، ومن ثم يمكنها استبدال مقاطع الكتابة اليابانية بأنواعها الثلاثة بالأبجدية اللاتينية.ولكن كانت النتيجة مدهشة ومفاجئة للأمريكيين، حيث وجدوا أنه حتـى المرأة العجوز تستطيع أن تكتب بهذه المقاطع الكتابية المعقدة، وأن نسبة الأمية قاربت الصفر ! وبالتالـي تراجع الاحتلال الأمريكـي عن رأيه بهذا الشأن، وبقيت اللغة اليابانية كما هـي تنفرد بهذا النظام الكتابـي لها إلـى الآن .
7 أعرف رجل أعمال قام ببناء مبني في أرض عربية لمدرسة أمريكية بنفس التصميم بالضبط ، وجلب نفس المقررات الدراسية التي تدرس في المدرسة الأمريكية ، بل وتعاقد مع أفضل المعلمين الذين كانوا يحاضرون في المدرسة  الأمريكية ، ثم فشل فشلاً ذريعاً ولما سألني ضربت له مثل شجرة الأرز وزراعتها في المنطقة الاستوائية !

 

 الصورة

 

البحث في Google:





عن إبراهيم حسن صالح

متخصص في التعليم الإلكتروني وبناء المنصات التعليمية ، مشرف التدريب الإلكتروني والجودة بشركة classera - قطاع الشرق الأوسط

5 تعليقات

  1. حمزة البشايرة

    كلام رائع و جميل مقالة تستحق كل الاحترام شكرًا لصاحبها كثير الشكر

  2. محمد السلطان

    مقال يستحق القراءة، عنوانه استفهام ينبهنا على أنَّ الدول دول، ففي السابق تفوق والد منصور وفشل والد نيكامور، واليوم منصور يعيش على مجد والده القديم والمدنون في الكتب أما نيكامور فقد شمر عن ساعديه وقال ها أنا ذا ‼️

  3. نحتاج ونحن في مسيرة التعليم الی ما يعيدنا الی جذور المنظومة التعليمية لا الی اوراقها … مقالتك انعشت اهدافي مع طالباتي ومع أولادي

  4. احمد بدوي

    اشكرك اخي ابراهيم
    ويظل دوما الحاجه ام الاختراع
    نحن الخليجيون لم يكن العلم اساس مانحن به من ثراء !وعليه فلسنا محتاجين للعلم هههههه

  5. أمل الشهري

    كلااااااام قمة في الروعة … ويطرح أسباب واضحة ومحددة لفشلنا في تنشئة جيل يعتد بثقافته ويعتمد على نفسه في بناء معرفته… شكراً لك من القلب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *