الاعتماد المدرسي

الاعتماد المدرسي في التعليم العام: فلسفته، وأهدافه، وأهميته، وأنواعه

مقدمة:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ ‌يُتْقِنَهُ)، والعمل المقصود في الحديث يشمل العمل الدنيوي، والعمل الأخروي، فطلب منا إتقان الأعمال وإحكامها على الصفة الصحيحة، بدون خلل ولا نقص.

وأيضا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيتهِ)، فينبغي على المسلم أن يتقن العمل، ومن الإتقان في العمل: إتقان النصح للرعية، وتحمل المسؤولية، والقيام بالواجبات المنوطة بالعامل لأي عمل على أكمل وجه، وعلى أحسن حال من الإتقان.

كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ ‌كَتَبَ ‌الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)، حثّ الإسلام على الإحسان في العمل حتى في القتل، فكيف فيما سوى القتل؟ فينبغي على المسلم أن يستشعر في عمله أن من مستلزمات العمل الإحسان واللطف، وحسن العشرة، ولا يظن بأن الإحسان في العمل هو مجرد منحة منه، أو صدقة يتصدق بها على غيره، بل هو من الواجبات اللازمة.

يعتبر التعليم حجر الأساس للتطور الاقتصادي والحضاري لأي دولة، ويعد الاهتمام بجودة التعليم أحد أهم مؤشرات تقدم الدول، وأصبح الوصول لدرجة عالية مقبولة من التميز في إتقان العمل وارتفاع مستويات الأداء هو ما تسعى إليه المجتمعات والدول المختلفة.

وقد ظهرت ثقافة الجودة و الاعتماد المدرسي كخطوة ضرورية للارتقاء بالعملية التربوية، فتقوم مؤسسات متخصصة حكومية أو خاصة باعتماد المؤسسات التربوية ومنها المدارس بحيث تحصل المدرسة التي تتوافر فيها معايير الاعتماد على شهادة اعتماد من المؤسسة أو الوحدة المسؤولة عن ذلك، ويسري مفعول شهادة الاعتماد لفترة زمنية محددة تخضع خلالها المدرسة لزيارات ومراجعات من مؤسسة الاعتماد للتأكد من أن المدرسة لا تزال تحافظ على مستواها وتتوفر معايير الاعتماد فيها، وإلا ستضطر المؤسسة إلى إعطاء المدرسة فرصة زمنية لإصلاح الخلل إذا ما وجد أو تقوم بتعليق الاعتماد إذا كانت المدرسة غير قادرة على الاستمرار في توفير المعايير المتفق عليها للاعتماد.

وبذلك تعتبر الغاية الأساسية من الاعتماد المدرسي هي:

  • التحقق من قدرة المدرسة على تحقيق أهدافها التي حددها لها المجتمع، والتي أنشئت من أجلها، والتي تتمثل في تربية الأجيال، وتعليمهم، وتأهيلهم للقيام بأدوارهم، وتحملهم المسؤولية في بناء هذا المجتمع، وتطويره، والنهوض به.
  • الاعتماد المدرسي يقوم على أساس تقويم أداء المدرسة، والتأكد من توفر المتطلبات الأساسية لديها التي تمكنها من تحقيق تلك الأهداف على خير وجه، وهي في الواقع عمليات تقويم الأداء المدرسي من أجل تطوير العملية التعليمية فيها من كافة جوانبها.
  • يعد الاعتماد المدرسي أحد وسائل تشجيع المدارس وحثها على تحقيق الجودة التي تتمثل في الوصول لمستويات عالية من الإتقان والتميز في الأداء.
  • كما ويشمل الاعتماد المدرسي ضمنا إدراك أهمية المحاسبة الذاتية، وتحمل المسؤولية لدى كل المشاركين في العملية التعليمية، ضمن منظومة الأدوار والمهام التي يقومون بها في إطار المدرسة.

يذكر أن  ظهور اعتماد المؤسسات التعليمية جاء بمسمى الاعتماد الأكاديمي استنادا إلى الاهتمام بتحقيق الجودة في تلك المؤسسات وللتأكد من ضبط الجودة فيها ( النجار: 2007م ). وقد كانت بدايات ظهوره في أوائل القرن العشرين الميلادي في الولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة استشعارهم بأن التعليم على المستوى الوطني في وضع غير جيد وفي مستوى منخفض، والذي سينعكس سلبا على نهوض الأمة وتقدمها (1977، Matarazz)، وأظهرت كثير من التقارير الحاجة إلى إعادة تقييم نظم التعليم ومعالجة نقاط الضعف بها. فالتعليم في أي دولة يعد الأساس الراسخ لتطور هذه الدولة ونموها الاقتصادي والحضاري (2001، Damme)، لذلك بدأت محاولات لتحسين جودة التعليم والمنتج التعليمي، وتوالى ظهور الاعتماد للمؤسسات التعليمية في كثير من الدول على المستوى العالمي، والمستوى الإقليمي، والمستوى المحلي وفي مختلف المناطق والمجتمعات (1998، UNESCO).

مفهوم الاعتماد المدرسي:

بحسب دليل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية هو ” الاعتراف الذي تمنحه وحدة الترخيص المهني في الوزارة للمدرسة إذا تمكنت من إثبات أن لديها القدرة المؤسسية وأنها تحقق الفاعلية التعليمية وفقاً لمعايير الاعتماد والجودة التي تم تحديدها والإعلان عنها من قبل الوحدة.

وهي عملية مستمرة للتعرف على مدى تحقيق المعايير والمؤشرات، وتحديد نقاط القوة والضعف، والعمل على تحسين الأداء لمختلف مجالات عمل المدرسة، ويتم هذا من خلال الشواهد والأدلة التي يتم جمعها بأدوات وطرق متعددة. (وزارة التربية والتعليم فلسطين – نظام الجودة والاعتماد المدرسي دليل التقويم الذاتي 2019: 5)

فلسفة الاعتماد المدرسي:

عند الحديث عن فلسفة  الاعتماد المدرسي فإنها تتمثل في الدور الرئيسي الذي تقوم به مؤسسات المجتمع التعليمية في تربية الأجيال وتعليمهم وتأهيلهم، وإعدادهم لتحمل المسؤولية والقيام بأدوارهم في بناء المجتمع وتطويره والنهوض به. ويقوم الاعتماد المدرسي بدوره بالتأكد من قدرة المدرسة على القيام بهذا الدور الذي حدده لها المجتمع من خلال تقويم أداء المدرسة والتأكد من توافر المتطلبات الأساسية لديها التي تمكنها من تحقيق أهدافها بإتقان. ويشمل الاعتماد المدرسي ضمنا إدراك أهمية المحاسبية الذاتية وتحمل المسؤولية لدى كل المشاركين في العملية التعليمية وذلك ضمن منظومة الأدوار والمهام التي يقومون بها في إطار المدرسة ( The Commission on International andTrans-Regional Accreditation CITA 2007).

متطلبات الاعتماد المدرسي للمؤسسة التعليمية:

ويتطلب الاعتماد المدرسي للمؤسسة التعليمية وجود:

  • رسالة مؤسسية مناسبة لمستواها، ويكون لديها أهداف تعليمية تتفق مع رسالتها.
  • مصادر وموارد مناسبة لتحقيق الرسالة والأهداف التعليمية.
  • نظام لتوثيق أعمال الطلبة المرتبطة بالأهداف التعليمية.
  • دلائل على أن المؤسسة تحقق أهدافها.
  • ضمانات تؤكد مقدرتها على إمكانية استمرارها في تحقيق رسالتها وأهدافها (2010، The Council of International School CIS).

وتتم عمليات التحقق من الجودة من خلال إجراء تقويم داخلي للمدرسة، والذي يعرف بالتقويم الذاتي، ثم إجراء التقويم الخارجي والذي يتم من خلال هيئة وطنية مستقلة، وفي ضوء معايير ومستويات محددة، مع مراعاة السياق المؤسسي والوطني والإقليمي لتلك المعايير والمستويات. (National Quality Assurance and Accreditation :2004)

ضمنا، يؤدي الاعتماد المدرسي إلى رفع مستوى الوعي في المجتمع المحلي نحو محاسبة المدارس، والذي سينعكس على رفع كفاءة أداء المدرسة من أجل تحسين مخرجاتها وتطويرها كنتيجة لذلك، وللعمل على المحافظة عليه والاستمرار فيه. ويضمن الاعتماد المدرسي حصول الطلاب وأولياء أمورهم على المعلومات المناسبة التي توضح كيفية تقويم أداء الطلاب ومنحهم العلامات، وتحقيقهم لمتطلبات حصولهم على الشهادة المدرسية وفق معايير أكاديمية ذات جودة عالية.

أهمية الاعتماد المدرسي:

تكمن أهمية الاعتماد المدرسي في ما يلي:

  • أنه أحد وسائل تشجيع المدارس وحثها على تحقيق الجودة وضمان استمرارها، والتي تتمثل في الوصول إلى مستويات عالية من الإتقان والتميز في الأداء كما كان هدف وجود ضمان الجودة الارتقاء بمستوى الممارسات المهنية التي تضمن تحقيق أقصى استفادة من الموارد والمصادر، ووصولا إلى مخرجات عالية الجودة، وتشمل جميع الأنشطة التي ينبغي القيام بها كما للوصول إلى مستوى أداء معين أو الحفاظ عليه أو تطويره من خلال الالتزام بمعايير وإجراءات تؤدي إلى مخرجات وخدمات تحقق متطلبات الأداء بما يعزز ثقة المعنيين بالمؤسسة ومخرجاها.( David2000& Harold )
  • يوفر الاعتماد المدرسي معلومات فاعلة لأفراد المجتمع حول نوعية التعليم بناء على الأهداف والأغراض التي تم تحديدها لكل مؤسسة تعليمية.
  • الاعتماد المدرسي لمؤسسات التعليم يعني ضمنا مطابقة مخرجات المؤسسة التعليمية للأهداف والمعايير الموضوعية لها، حيث أنه يضمن جوانب من بينها مواصفات الطالب المستفيد من الخدمة التي تقدمها المؤسسة، والعمليات التي تتم في المؤسسة خلال فترة تعليمية، ومناسبة المؤسسة نفسها التي تقدم الخدمة، وكذلك القيمة التي تعكسها تلك الخدمة وذلك لضمان الحصول على مردود ذي قيمة للمال العام الذي يستثمر في التعليم.
  • يشمل الاعتماد في التعليم عددا من الأبعاد من بينها: المناهج الدراسية، والبرامج التعليمية، والبحوث العلمية، والطلاب، والمباني والمرافق والأدوات، وخدمة المجتمع (UNESCO, 1998).

أهداف نظام الاعتماد المدرسي:

حسب ( وزارة التربية والتعليم فلسطين – نظام الجودة والاعتماد المدرسي دليل التقويم الذاتي 2019 : 7)، تكمن أهداف نظام الاعتماد المدرسي في:

  • وضع معايير تقويم المدارس واعتمادها، وتطويرها، وتطوير عمليات المراجعة الدورية التي توضح إلى أي مدى تُطور هذه المدارس أداءها.
  • تقديم الضمانات بأن المدارس الحاصلة على الاعتماد تخضع لعمليات التقويم والمراجعة بصفة دورية، وأنه يتوافر بها الحد الأدنى من معايير الجودة المتفق عليها والمقبولة عالمياً.
  • تشجيع التنافس المشروع بين المدارس؛ لتجويد العملية التعليمية، وذلك من خلال منح درجة الاعتماد، وإعلان ذلك في وسائل الإعلام المختلفة.
  • مساعدة المدارس في تطبيق الإجراءات التقويمية الفعالة التي تضمن لها تحقيق مستوى عالٍ من الجودة في الأداء.
  • المساهمة في تحقيق التحسين المستمر للجودة في المدارس، وذلك من خلال تقديم النصح والمشورة بشأن تحسين الجودة على مدار عملية الاعتماد، وقد يمتد ذلك إلى ما بعد قرار الاعتماد ذاته، ومطالبة المدارس التي تم اعتمادها بإجراء تقويم ذاتي ودوري؛ لتحديد مدى فعاليتها، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسينات، ووضع خطط لتنفيذ تلك التحسينات وتطويرها.

أنواع الاعتماد المدرسي:

هناك ثلاثة أنواع للاعتماد هي:

الاعتماد المؤسسي: ويسمى بالاعتماد الأكاديمي أو التربوي وهو اعتماد المؤسسة ككل وفقاً لمعايير محددة.

الاعتماد البرامجي: ويقصد به تقييم برامج مؤسسة ما والتأكد من جودة هذه البرامج ومدى تناسبها مع مستوى الشهادة الممنوحة.

الاعتماد المهني: ويقصد به الاعتراف بالكيفية لممارسة مهنة معينة.

آليات تنفيذ النظام في وزارة التربية والتعليم العالي في غزة: 

أولاً: إعداد الأدلة والأدوات

من خلال:

  1. تشكيل فريق من أصحاب الخبرة التربوية من الوزارة والمديريات.
  2. تعريف الفريق بالنظام وأهدافه واستراتيجيات العمل فيه.
  3. تزويد أعضاء الفريق بالمواد التعليمية ذات العلاقة ومناقشتها معهم.
  4. إعداد وثيقة المعايير والمؤشرات ومقاييس التقدير في ضوء توجهات الوزارة والتجارب العربية والأجنبية.
  5. إعداد الأدوات اللازمة للعمل مثل أدوات التقويم الذاتي والأدلة اللازمة للمراجعة الخارجية والاعتماد ودليل المدارس للحصول على الاعتماد وغيرها من الأدوات والنماذج.

ثانياً: التدريب

  • يتم تشكيل فريق تطوير في كل مدرسة يتكون من المدير ونائبه والمرشد التربوي و(3) معلمين متميزين.
  • يتم تدريب فرق التطوير على إجراء التقويم الذاتي واستخدام الأدلة والأدوات اللازمة وكذلك إعداد وتنفيذ الخطط التطويرية بناء على نتائج التقويم الذاتي.

ثالثاً: مراحل تطبيق النظام

يتم تقسيم المدارس في هذا النظام على النحو التالي:

  • المرحلة الأولى: 50 مدرسة.
  • المرحلة الثانية: 100 مدرسة.
  • المرحلة الثالثة: 150 مدرسة.
  • المرحلة الرابعة: باقي المدارس (100 مدرسة).

يتم تدريب فرق التطوير في كل مرحلة خلال فصل دراسي كامل وبالتالي يمكن تدريب المدارس على النظام خلال عامين بعد الانتهاء من إعداد الأدوات والأدلة اللازمة.

بعد تدريب المدرسة بعام كامل يسمح لها بتقديم طلب للاعتماد حتى يتاح للعاملين فيها إجراء التقويم الذاتي وإعداد الخطة التطويرية والبدء في تنفيذها.

 


المراجع العربية:

  • النجار، عبد الوهاب محمد. (2007). الاعتماد الأكاديمي لمؤسسات إعداد المعلمين كوسيلة لضمان الجودة في مؤسسات التعليم العام، بحوث وأوراق عمل اللقاء السنوي الرابع عشر للجمعية عشر للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن) الجودة في التعليم العام، 795-806
  • الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد (2012) مرشد مؤسسات التعليم قبل الجامعي في http//www..naqaae.eg/booklibrary.html?task=view& id=78& catid=97
  • وزارة التربية والتعليم العالي، وحدة الجودة والاعتماد المدرسي، غزة، فلسطين. وحدة الجودة والاعتماد المدرسي   https://www.mohe.ps/hore

 

المراجع الاجنبية:

  • David, B., & Harold, T. (2000). Quality in Higher Education (Vol. 6): Routledge, part of the Taylor & Francis Group.
  • Eaton, J. S. (2009). An Overview of U.S. Accreditation. Washington, DC:Council for Higher Education Accreditation.
  • Matarazzo, J. D. (1977). Higher education, professional accreditation, and licensure. American Psychologist, 32
  • National Quality Assurance and Accreditation. (2004). The Quality Assurance and Accreditation Handbook: National Quality Assurance and Accreditation.
  • (1998). World Conference on Higher Education for theTwenty-First Century: Vision and Action, Commission II: Quality of Higher Education, Final Report. Paris: UNESCO

 

البحث في Google:





تعليق واحد

  1. AZIZ ABDULLAH ABDULLAH HUSSEIN REZQ

    موضوع مهم ولكن كيف احصل على الملف pdf لو تسمحوا

    a16alameer@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *