الجودة في التعليم

جودة التعليم أم جودة الثقافة؟

تعتبر الثقافة مخزونا معرفيا ومستودعا لقيم المجتمع وأعرافه وأحكامه ومفاهيمه السائدة التي يتأثر بها أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم وذلك بدرجات متفاوتة وفق استيعاب كل منهم وحسب اتساع مداركه ولها دور بارز في تحديد سلوكيات الأفراد وردود أفعالهم وطرائق تفكيرهم.

والثقافة عملية مستمرة لا تقف عند حد معين ولا تقتصر على مجتمع بعينه، وهي نسبية فيما يتعلق بالقيم والاتجاهات والمثل، كما أنها توجه سلوكيات المجتمع وتفاعلاته وعلاقاته مع الآخرين، لذلك لابد لأي مجتمع أن تكون له سمة ثقافية غالبة عليه تعرف بالسمة القومية، وليس لها حد أدنى أو أقصى. فلابد للتربية في أي مجتمع أن تنتقي بين ما يدخل من ثقافات أخرى بما يتفق وأخلاقيات وتوجهات المجتمع.

وعند الحديث عن الثقافة العامة في جوانبها المتعددة، من المهم الإشارة إلى أن الطالب لا يتلقى علمه ولا تتضح مداركه من خلال الكتاب المدرسي وحده، وإنما عبر المناخ العام المحيط به – خاصة من خلال الإعلام – فمن المهم إذن إعادة النظر في سياسة التربية والتعليم، والنظر لخريطة الثقافة السائدة من منظور جديد بما يسهم في تنمية الإبداع، كما يجب أن ترتكز الثقافة العامة على أسانيد ومرتكزات تتمحور حول الآراء والاقتراحات والرؤى الإيجابية التي تؤكد أهمية الثقافة في شتى ألوانها ودروبها وتصنيفاتها بالنسبة للإنسان.

فالمثقف: هو كل شخص وصل إلى درجة من المعرفة تسمح له بإدراك الحقائق.

المرتكزات التي ترتكز عليها جودة الثقافة:

ترتكز جودة الثقافة على ما يلي:

  • ثقافة ترفض التقاليد القديمة التي تتمحور حول التطرف والإرهاب.
  • ثقافة لا تعمل على تشويه هويتها، إنما تفضل المواد وتحدد الشروط التي تجعل منها ثقافة تمثل مرتكزاً أساسياً في ممارسة الأعمال.
  • ثقافة تقاوم النعرات الاجتماعية البالية، وسياسة التخويف.

الجودة في التعليم:

هي استيفاء الجودة لجميع عناصر العملية التعليمية من مناهج ومرافق وطلبة ومختلف الأنشطة التي ترتبط بالعملية التعليمية. وتعرف بأنها سلسلة الأنشطة التي تهدف إلى نتيجة محددة تتمثل بإحداث تغيير مقصود في معرفة وسلوك المتعلم، فإن لم يحدث التغيير المنشود فعندها لا يمكن القول إن العملية صحيحة نتيجة عدم تحقيقها لأهدافها، وهي جملة الجهود المبذولة من قبل العاملين في المجال التربوي لتحقيق الفاعلية والكفاءة داخل الفصول الدراسية والمدرسة بشكل عام، ورفع مستوى الطلبة.

والجودة في التعليم هي ترجمة احتياجات وتوقعات الطلبة إلى خصائص محددة تكون أساساً في تعليمهم وتدريبهم لتعميم الخدمة التعليمية وصياغتها بأهداف بما يوافق تطلعات الطلبة المتوقع. وبذلك فإن جودة التعليم ترتبط بعمليتي التعلم والتعليم والإدارة، حيث تعمل على تحديد التعليم المرغوب المستهدف للطالب في ضوء معايير محددة من خلال مراقبة وفحص تقدم الطلبة وتراكم مهاراتهم المعرفية عبر ربط التعليم بحاجات المجتمع، وإحداث تغيير تربوي هادف، وبناء ملكة الإبداع عند المتعلمين.

إن تحقيق جودة التعليم يرتبط بشكل مباشر بالمسؤول التربوي، وعلى سياسات جودة التعليم أن تستهدف امتلاك المدرس للأساسيات المهنية التي ينبغي أن يتبناها بطريقة سليمة داخل المدرسة وخارجها، لذا ينبغي على صانع القرار التربوي أن يأخذ بالحسبان عدة أمور لزيادة الجودة في التعليم ومنها:

  • التفكير في وسائل أكثر فاعلية بالنسبة للدورات التدريبية للمعلمين.
  • التفكير في نظام جديد لرفع مستوى المعلمين.
  • مقاومة رغبة المسؤول الشخصية أن يرتبط اسمه بتطوير التعليم، بينما تشكل لجان تربوية تضع خطط جديدة لنظام التعليم.

مؤشرات الجودة في التعليم:

هناك بعض المؤشرات التي تعمل على تحسين العملية التربوية وهي مرتبطة بالطلبة والمعلمين، المنهاج، الإدارة المدرسية، الإدارة التعليمية، الإمكانات المادية، العلاقة بين المدرسة والمجتمع.

ومن دواعي تطبيق الجودة في مجال التعليم ما يلي:

  • زيادة الكفاءة والفاعلية.
  • عدم فاعلية بعض الأنظمة والأساليب الإدارية.
  • تعرض المؤسسات التعليمية للعديد من التحديات والمتغيرات السريعة والمستمرة.
  • نجاح نظام الجودة في العديد من المؤسسات التعليمية في معظم دول العالم.

التعليم: هو نظام معرفي متسلسل يقوم على إعداد مناهج تعليمية وتربوية مدروسة لإكساب الأفراد المعارف الحياتية والعلمية ومبادئ العلوم المختلفة، وله وزارة مسؤولة عن ضبط وتنظيم تلك العملية. كما يعد التعليم العامل الرئيس الذي يساعد على تكوين روابط من الأفكار والمعتقدات بين الأجيال المتلاحقة، الأمر الذي يجعله مجتمعاً حقيقياً متماسكاً، وهو عملية متكاملة يقوم من خلالها الفرد باكتساب المعرفة والسلوكيات والقيم التي تؤهله لأن يكون عضواً فعالاً في المجتمع وقادرا على التواصل داخل المنظومة المجتمعية.

العلاقة بين التعليم والثقافة:

هناك علاقة وثيقة بين التعليم والثقافة، فالتعليم قد يكون إلزامياً للفرد حيث يقوم الأهل بإلحاق الابن بإحدى المدارس لتلقي العلم، لكن الثقافة تعد سلوكاً ونشاطاً اختيارياً. فهناك مثقفون لم يكملوا مراحلهم التعليمية بينما يعد كثير ممن يسمون بالمتعلمين عديمي الثقافة. وكذلك، فالتعليم قد يخرج فرداً متخصصاً في مجال معين أو مهنة معينة او منحصراً في نوع واحد من أنواع العلوم، لكن الثقافة تنتج فرداً ملماً بكل أنواع العلوم ولديه وعي كاف يمكنه من الفهم والتعامل مع الظواهر المحيطة به والقدرة على حل المشكلات.

الفرق بين التعليم والثقافة:

هناك عدة فروقات بين التعليم والثقافة وهي كما يلي:

  • العالمية والشمول: فالعلم عالمي أي له قواعد وأسس عالمية اشترك في تكوينه العالم بأكمله أما الثقافة فهي تختلف من شعب إلى آخر تبعاً للهوية والعادات والتقاليد.
  • الأثر: للثقافة بصمة واضحة تترك أثرها، فلكل أمة طابع ثقافي خاص على عكس التعليم.
  • التبادل: يمكن للعالم بأكمله أن يتبادل علمه مع الدول المختلفة، أما الثقافة فهي خاصة بالشعب ولا يمكن تبادلها إلا بموافقة الدول، فبعض الدول لا تسمح بدخول ثقافات الدول الأخرى لها وهناك العكس.
  • الوصول والاكتساب: يمكن الوصول للعلم من خلال التجارب العلمية والبحث الدقيق والدراسات المتعمقة بينما الثقافة يمكن الوصول لها واكتسابها عن طريق التلقي والأخبار التي يتم سماعها وقراءتها والجهود العقلية.
  • الجوانب الأخلاقية: يركز العلم على إنتاج الأجهزة وصناعة المعدات والأدوية، أما الثقافة فهي تهتم بالجانب السلوكي والأخلاقي وغرس وزرع القيم الأخلاقية بين الأشخاص.

 

كخلاصة، يمكن القول أن عملية تغيير ثقافة مجتمع تبدأ من المدرسة، كما أن أحد معايير الجودة هو علاقة المدرسة بالمجتمع، وبالتالي فإن تحقيق الجودة الشاملة هو التحدي الحقيقي الذي يواجه المجتمع، وهذا يحدث بتوفر جودة في التعليم.

كما ذهب بعض الباحثين في الشأن الياباني أن سر معجزة اليابان هو نظام التعليم، وهذا ما قد يفسر كيف استطاعت دولة مهزومة في الحرب العالمية الثانيـة عندما ألقيت عليها أول وثاني قنبلة ذرية في العالم ودمرت بنيتها التحتية بمدنها وطرقها وكل مظاهر وأسس الحياة بها واستطاعت أن تسبق العالم في جميع المجالات. فقد يرى البعض من هذا السياق أن جودة التعليم أكثر تعقيداً من جودة الثقافة، لكن لا ننسى أن اليابان حافظت على ثقافتها، لذا فإن من شأن البرامج التعليمية المتلائمة مع السياقات الثقافية أن تكون فعالة في توفير التعليم الجيد وجعل المجتمعات أكثر تماسكاً. فالثقافة قوة دافعة وأداة تمكينية للبرامج والإستراتيجيات التعليمية، وينبغي للاستراتيجيات التعليمية أن تهدف إلى تنمية الإلمام بالثقافة بما في ذلك فهم التراث الثقافي. إن عملية الحفاظ على الثقافة إذن تساعد على التنمية المستدامة للمدن، كما أن وجود قطاع ثقافي قوي وحر هو بمثابة قوة للتغيير الاجتماعي يعمل على بناء الدول.

كما تعتبر الثقافة ضرورة لكل معلم، فكلما زادت ثقافته زاد تأثيره في تلاميذه، وزادت ثقتهم به، كما أنها تساعد على نضوج الشخصية واتساع الأفق، وسعة الإدراك مما يخلصه من العصبية. وبذلك فإن جودة التعليم وجودة الثقافة متكاملتان ومترابطتان، فهما تعملان معاً على تنمية الأجيال، ومن الضروري الجمع بينهما وإدراك تكاملهما وعدم القدرة على الفصل بينهما، فالتعليم يؤسس لقاعدة ثقافية عند الطلبة، والمناهج تميل لغرس القيم الثقافية في نفوس الناشئة، والثقافة تفرض على المجتمع بناء مناهج منتمية له.

 

 

المراجع:

  • إبراهيم، مجدي عزيز (2010): جودة الثقافة وثقافة الجودة في عالم متغير، المؤتمر العلمي السنوي العربي الخامس – الاتجاهات الحديثة في تطوير الأداء المؤسسي والأكاديمي في مؤسسات التعليم العالي النوعي في مصر والعالم العربي، المجلد الأول، جامعة المنصورة، مصر
  • اتحاد الجامعات العربية (2017): دليل الجودة لمؤسسات التعليم العالي العربية، مجلس ضمان الجودة، اتحاد الجامعات العربية
  • تملالي، عائشة وصقني، حفصة (2019): دور رأس المال الفكري في تحسين جودة التعليم العالي -جامعة أدرار أنموذجاً-، مذكرة ضمن متطلبات نيل شهادة الماجستير، جامعة أحمد دراية – ادرار.
  • علي، محمد السيد (2012): قضايا ومشكلات معاصرة في المناهج وطرق التدريس، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
  • محمد، طاهر محمد (2012): أسس المناهج المعاصرة، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.

البحث في Google:





عن فداء محمود الشوبكي

معلمة في وزارة التربية والتعليم - حاصلة على ماجستير في المناهج وطرق التدريس - شاركت في عدد من المؤتمرات والأيام الدراسية - نشرت لها بعض الأبحاث - غزة، فلسطين

2 تعليقات

  1. ما شاء الله مبدعة دكتورة

  2. بارك الله بك موضوع رائع ومعلومات قيمة اكتسبتها رفع الله قدركم وحفظكم من كل شر إن شاءالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *