مهارة الاستماع

تدريس مهارة الاستماع اتصاليا و درس تطبيقي عليها للناطقين بغير العربية

يلْحظ الناظر في سلاسل تعليم العربية للناطقين بغيرها أنّ مهارة الاستماع تعدّ مهارة مَنْسيّة إلى حدٍ بعيد على مدى أجيال، وقد حظيت بقليل من الاهتمام والعناية في السنوات الأخيرة نظراً لزيادة الوعي بأهميتها ودورها في اكتساب اللغة العربية خاصة مع تنامي المذهب الاتصالي في تعليم اللغات الأجنبية، وتحولت النظرة إليها من مهارة سلبية إلى مهارة إيجابية بنائية تساهم في تشكيل الكفاءة اللغوية وتنميتها وتطويرها. وتتطلب مهارة الاستماع فهم رسالة المتحدِّث، ومن أدوات هذا الفهم امتلاك  معرفة بمكونات اللغة: الصوتية والصرفية والدلالية والتركيبية، وكفاية اجتماعية ثقافية، وكفاية استراتيجية، وكفاية الخطاب. ويقرر اللغويون أن الإنسان يكتسب اللغة بشكل غير واعٍ عن طريق الاستماع وهو أفضل طرائق اكتساب اللغة، فضلاً عن كونها مهارة استقبالية مهمة في التواصل الإنساني. ويعد تدريس الاستماع من أصعب المهام التي تناط بمدرسي العربية للناطقين بغيرها وذلك لأسباب كثيرة لعل من أبرزها شعور الدارسين بصعوبة هذه المهارة فضلاً عن النقص الذي يعتري سلاسل تعليم العربية للناطقين بغيرها في مواد الاستماع، وصعوبة تخير الاستماع المناسب للمستوى المناسب خاصة في المستويات المبتدئة، وتعب الدارسين السريع مع تعلّم مهارة الاستماع، وسهولة تشتت المستمع لأي سبب من الأسباب، وضعف الاستيعاب بسبب غياب الصورة  واستخدام العيون في الفهم، ومشتتات الاستماع الأخرى بسبب التقنية وربما لأسباب صحية تتعلق بضعف السمع نفسه.

ولعل من أبرز الأسباب التي تدفع الدارسين إلى الاعتقاد بصعوبة الاستماع هي: محاولتهم فهم كل كلمة يقولها المتحدث في نص الاستماع، وعدم التمييز بين الكلمات المفتاحية والمهمة في الاستماع، والتركيز على فهم كلمة أو جملة، مما يضيع الفرصة على المتعلم لسماع ما جاء بعد ذلك، وعدم تمييز الدارسين للكلمات التي يعرفونها من الكلمات التي لا يعرفونها،

وهناك عاملان رئيسيان تتفرع عنهما بعض العوامل الأخرى التي تؤدي دوراً في جعل نص الاستماع مقبولا ومفهوماً، وهما: المحتوى وطريقة العرض والتقديم. أّما من حيث المحتوى فلا بد من أن ينماز بأنه مثير للاهتمام، ولديه قابلية للفهم للمحتوى والأفكار، والأفعال الكلامية، وكثافة النص ومحمولاته الثقافية والمعرفية، ومستوى لغة النص، أمّا من حيث طريقة العرض والتقديم فطور النص يلعب دوراً فضلاً عن نوعية التسجيل وسرعته، وعدد المتحدثين فيه ولكناتهم وخلفياتهم الثقافية.

ومن مبادئ تدريس مهارة الاستماع، البدء في الاهتمام بها منذ اليوم الأول من دراسة العربية، واستخدام النصوص الأصيلة في تعليمها، وربطها بالمهارات الأخرى والحياة اليومية التي يعيشها المتعلّم، وتدريب المتعلمين على السمع الكلي والفهم العام حيث ليس من السهولة بمكان فهم كل الكلمات التي قد ترد في النص فلابد من توظيف استراتيجيات الفهم الكلي من تخمين واكتساب وتنبؤ الموضوع والسياق والجذر والوزن وغيرها، والبنائية من أهم مبادئ تدريس مهارة الاستماع حيث تبنى المعارف السمعية بشكل تراكمي، وكلما كانت واضحة البناء بينة المعالم كان التعلم والاكتساب أفضل وأجود.

تدريس الاستماع من الكليات إلى الجزئيات أو من الجزئيات إلى الكليات

حظي مُصْطلحا Top down processing  و  bottom up processing في تدريس مهارة الاستماع بترجمات مختلفة، منها الانتقال من العام إلى الخاص ومن الخاص إلى العام، أو الانتقال من التفاصيل إلى العموميات والانتقال من العموميات إلى التفاصيل، أو الانتقال من الكليات إلى الجزئيات والانتقال من الجزئيات إلى الكليات، أو الانتقال من الأعلى إلى الأسفل أو الانتقال من الأسفل إلى الأعلى، أقول أولاً لا مشاحة في الاصطلاح، المهم هو إدارك الفكرة والسير على منوالها.

إنّ الانتقال من الكليات إلى الجزئيات في تدريس نص الاستماع يروم توظيف ذكاء المتعلم و خبرته في فهم النص ومحتواه في حين تسعى استراتيجية الانتقال من الجزئيات إلى الكليات من تمكين المتعلم من جمع أكبر عدد من التفاصيل لتساعد في بناء المعنى الكلي، ففهم الرموز والحروف ومقاطع الكلمة، والكلمات نفسها ودلالاتها تساعد في تحقيق الفهم العام و الإدراك من مجموع الأجزاء. ويمكن تشبيه الانتقال من الجزئيات إلى الكليات كعالِم يحمل عدسة مُكبِّرة أو مجهرا يتفحص كل التفاصيل الدقيقة لظاهرة ما، بينما يمكن تشبيه استراتيجية التدريس من الكليات إلى الجزئيات بعين نسر ترى الأرض والطبيعة من الأعلى.

وتوصلت بعض الدراسات التي أجريت مؤخراً أن الجمع بين الاستراتيجيتين المذكورتين سابقا أو ما أطلقوا عليه اسم “القراءة التفاعلية” تكاد تكون الحل الأمثل في نجاح العملية التعليمية لأهمية كلتا المنهجيتين ودورهما الفعال في اكتساب اللغة.

خطوات درس الاستماع

يبدأ الاستماع من حيث يكون قد اختار المدرس نصاً مناسباً للاستماع، ويعد موقع أصوات عربية من المواقع الرائعة والمفيدة والمجربة في توفير نصوص الاستماع المقسمة على المستويات أيضاً بحسب معايير المجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية.

  • ما قبل الاستماع

الإحماء والتسخين: وهي تهيئة نفسية ولغوية عبر استدعاء المفردات والتراكيب التي تفيد في الحديث عن مهارة الاستماع عبر عرض بعض الصور أو فيديو صامت أو غيره وبعد ذلك استعراض العنوان فقط. وهي فرصة لوضع بعض التوقعات والسيناريوهات لما سيكون عليه درس الاستماع. ومن المهم التنبيه إلى أن دور المدرس يتمثل في إبقاء دحرجة الكرة عبر خلق فرص التعلم، وليس من مسؤولية المدرس إطلاقاً إعطاء فكرة عن النص للطلبة كما يفعل جل المدرسين ولا توفير قوائم المفردات لهم، بل هي مسؤولية الدارسين أنفسهم في التنبؤ والاكتشاف.

  • الاستماع

يمكن تقسيم الاستماع إلى استماعين أو ثلاثة بحسب الظروف التي يقتضيها النص أو الفصل، لكننا في الاستماع الأول: نوفر فرصة للدارسين لكي يكونوا فكرة عامة عمّا يتحدث عنه الصف موظفين في ذلك معارفهم السابقة، ويتم استقبال ما فهموه وتقسيمه إلى قسمين، يمين السبورة لما هو صحيح، ويسارها لما هو غير ذلك أو يحتاج إلى تصحيح، ويتم ذلك بشكل ثنائي أو جماعي أو كلي بحسب ما يراه المعلم مناسباً، ثم يكون الاستماع الثاني من أجل التأكد مما سمعوه والعمل على تطويره، أو تعديله أو تصحيحه أو إكماله سعياً إلى بناء فهم كلي للنص المستمتع إليه. وإذا تحقق الفهم العام المقبول في الاستماع الثاني يمكن تكريس الاستماع الثالث للجزئيات والتفاصيل، ويكون عبر الإجابة عن أسئلة مباشرة من المدرس أو ورقة عمل يكون قد أعدها المدرس مسبقاً، ويمكن أن تكون بشكل فردي أولاً ثم بشكل جماعي بعد ذلك. ويأتي بعد ذلك ما يُطلق عليه بالاستماع الدقيق أو الإملاء الاستماعي حيث يقوم الدارس بملء فقرة من النص نزعت منها بعض الكلمات على شكل اختبار “الكلوز” أي الفقرة منزوعة بعض الكلمات.

  • ما بعد الاستماع

نشاط ما بعد الاستماع هو بوابة الدارس نحو العالم الخارجي، حيث يقوم بتطبيق ما تعمله على شيء مشابه أو قريب يدفعه نحو استخدام اللغة اتصالياً وفي مواقف حقيقية طبيعية قدر الإمكان، ويكون ذلك عبر عدة سيناريوهات كلعب الأدوار والتمثيل وعقد الندوات وإجراء المقابلات والاستفتاءات وعقد المقارنات والاستبانات وغيرها. فلو كان موضوع الدرس استماعاً حول “حل الدولتين” في فلسطين، فيمكن أن يكون نشاط ما بعد الاستماع أو إعادة الإنتاج اجتماع لمجلس الأمن من أجل حل هذه المسألة ويقسم الطلاب بحسب البلدان الممثلة في المجلس ويقدم كل واحد منهم مقترحه ويدافع عنه كما لو كان يمثله.

البحث في Google:





عن د. خالد حسين أحمد أبو عمشة

دكتوراه الفلسفة في مناهج اللغة العربية وطرائق تدريسها للناطقين بغيرها، وعلى وشك الانتهاء من الدكتوراه الثانية في الدراسات اللغوية (اللسانيات). يشغل منصب المدير الأكاديمي لمعهد قاصد – عمان – الأردن، مستشار Amideast لبرامج اللغة العربية في الشرق الأوسط، والمدير التنفيذي لبرنامج الدراسات العربية بالخارج (CASA) الأردن، عمل أستاذاً زائراً في جامعة بريغام يانغ في يوتا أمريكا، و محاضراً للغة العربية للناطقين بغيرها لمدة عشرين سنة، ومدرّبا وخبيرا لها في جامعات ومعاهد ماليزيا والسعودية والأردن والولايات المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *