اضطراب الانتباه وفرط الحركة

في ردهات المدرسة: اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه

هذا المقال من المشاركات المتأهلة للدور الأول من جائزة تعليم جديد التربوية، في نسختها الأولى.

يلاحظ الزائر المتردد علي مدارسنا وجود بعض الطلاب خارج فصولهم الدراسية؛ يتجولون في طرقاتها وردهاتها، وفي فنائها، وفي دورات المياه. خرجوا من فصولهم إما بحجج قد انطلت علي معلميهم، أو لمهام  قد كلفهم معلموهم بها.  ويُعزى سبب ذلك إلى أنهم إما سئموا كثرة شرود انتباههم أثناء الدرس فتحججوا وخرجوا، أو ُعدّوا في نظر معلميهم معرقلين سير الدرس لفرط حركتهم، فكلفوهم بتلك المهام.

ولا ريب أن الحركة تعد جزءًا لا يتجزأ من الطبيعة الإنسانية، لكن فرط الحركة المصحوب باضطراب الانتباه “”ADHD Attention Deficit Hyperactivity Disorder  يشكل أكثر الاضطرابات النفسية تشخيصًا عند الأطفال في عمر المدارس. حيث يشير الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للجمعية الأمريكية للطب النفسي والذي يعد المصدر الرسمي لتشخيص فرط النشاط ونقص الانتباه أن نسبة انتشار الاضطراب تتراوح من 3-7%  من مجمل الأطفال في عمر المدرسة. ويؤكد أن معدلات إصابة الذكور بهذا الاضطراب أعلى من الإناث بحوالي مرتين إلى تسع مرات. ويورد الدليل جملة من المظاهر التي تندرج تحت نمط نقص الانتباه، والنشاط الحركي والاندفاعية. ويشترط لإثبات هذه المظاهر أن تستمر لمدة ستة أشهر على الأقل وبدرجة تؤثر على مستوى النمو بصورة سلبية. وأيضاً، فهؤلاء الفئة من الأطفال لديهم مشكلات في الاستمرار منتبهين وفي تحويل الانتباه، كما تنتشر هذه المشكلات بشكل واضح داخل الفصل المدرسي.

ونظراً لأن عملية التعلم تتم في مستويات متتابعة يعتمد كل منها على الآخر، فهذه المستويات تبدأ بالانتباه ثم الإدراك ثم الذاكرة. حيث يشير (نبيل حافظ، 2006) أن  الانتباه  يعد من الوظائف المهمة في حياة التلميذ الدراسية والعملية. فهو العملية الأولى في اكتساب الخبرات التربوية حيث يساعد في تركيز حواس التلميذ فيما يقدم له أثناء الدرس من معلومات ويجعله يعمل ذهنه في دلالاتها ومعانيها، وفي الروابط المنطقية والواقعية بينها وبالتالي يساعد في استيعابها والإلمام بها. ويؤكد على أننا لا ننتبه عادةً  لكل المثيرات من حولنا ولكننا ننتبه فقط إلى تلك التي تلفت نظرنا وتثير اهتمامنا وندع ما عداها فى هامش شعورنا وخارج نطاق حواسنا. ويتعين على الفرد أن ينتبه وقتاً كافياً للمثير الذي يجذب اهتمامه حتى يستوعبه ويلم بعناصره.

وتؤكد ( National Joint Committee of Learning Disabilities ,2008) اللجنة القومية الأمريكية المشتركة أن هؤلاء الطلاب يعانون من صعوبات واضحة فى مهارة  القراءة (Guarracino,2010) . وربما يعود هذا إلي نقص الحصيلة اللغوية لدى هؤلاء الأطفال حيث أنهم يعانون من اضطراب في الانتباه، وبالتالي يعانون من صعوبات واضحة فى مهارة  القراءة بصفة عامة وتعلم الكلمات بصفة خاصة، هذا إذا كانت اللغة المقروءة هي اللغة الأم، أما إذا كانت اللغة المقروءة لغة أجنبية فإن المشكلة تكون أكثر تعقيدا. وتضيف (Rief (2005, p.5 أنه من بين الأعراض التي تتعلق بالصعوبات الأكاديمية المرتبطة بنقص الإنتباه والخاصة بمهارة القراءة أن التلميذ يفقد مكانه في النص أثناء القراءة، ولا يستطيع الاحتفاظ بتركيزه أثناء القراءة خاصة إذا كان النص صعباً أو طويلاً. كما  ينسى سريعاً ما يقرؤه ويحتاج لإعادة قراءته مره أخرى. وحيث إن ذاكرة هؤلاء الأطفال تتميز بتشتت التركيز كما أنها قصيرة المدى فلا تسعفهم لتذكر المعلومات المدروسة على المدى الطويل.

ولقد مرت المصطلحات المستخدمة في وصف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بالعديد من التغيرات على مدى التاريخ بما في ذلك: “التلف الدماغي البسيط” Minimal Brain Disorder، “الإعاقات السلوكية/إعاقات التعلم”، وتم الاشارة اليه ” بالقلق الذهني”  إضافة إلى “فرط الحركة”. كذلك، ورد مصطلح “رد الفعل الحركي المفرط في مرحلة الطفولة” في الدليل التشخيصي والإحصائي الثاني للاضطرابات النفسية. في حين ورد مصطلح “اضطراب نقص الانتباه المستقل أو المقترن بحركة مفرطة” للمرة الأولى في الدليل التشخيصي والإحصائي الثالث للاضطرابات النفسية. في عام 1987، تطور المصطلح إلى شكله الحالي وهو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وذلك كما ظهر في الدليل التشخيصي والإحصائي الثالث للاضطرابات النفسية – النسخة المنقحة، وما تلاه من طبعات. (Bland,2002; Kathryn & Moon,2004)

و تشير الفقي (El-feky, 2009) إلى أن أسباب هذا الاضطراب ربما تعود إلى الأسباب التالية:

  • Genetic factors: عوامل وراثية حيث أشارت الدراسات إلى أن حوالى ربع إلى ثلث الأطفال المصابين بهذا الاضطراب يعاني آباؤهم منها أيضًا.
  • Brain Damage : التلف المخي الناتج عن تلف في الجهاز العصبي المركزي أو التسمم الميتابلازمي.
  • Neurochemical Factors: العوامل الكميائية العصبية حيث تؤدي معظم العقاقير المستخدمة على نطاق واسع في علاج ADHD من خلال المنشطات المستخدمة في علاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى رفع تركيزات الناقلات العصبية مثل الدوبامين والنورابنفرين خارج الخلايا مما يؤدي إلى زيادة معدل النقل العصبي.

كما  يشير محمد كامل (1996، 95) إلى أن  اضطراب الانتباه المصاحب لفرط  النشاط  يمثل مجموعة مختلطه من الأعراض تتميز بضعف الانتباه والذي ينتج عنه ضعف في التركيز مع زيادة ملحوظة في النشاط الحركي. وهذه الأعراض يجب أن تلاحظ لمدة لا تقل عن 6 شهور وقبل سن السابعة. وهو من صعوبات التعلم النمائية (علي الديب، 1994، 49). و صعوبات التعلم النمائية يمكن النظر اليها كنقص في المتطلبات الأساسية السابقة للمهارة من تمييز بصري وذاكرة بصرية وتركيز انتباه (عبد الناصر عبد الوهاب، 2003).

وفقاً لإحصائيات American Psychiatric Association,2000 وطبقاً للدليل التشخيصي والإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية لعام 1994 والنسخة المنقحة منه لعام 2000  Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-IV) of the الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي American Psychiatric Association [APA],1994 والذي يعد المصدر الرسمي لتشخيص فرط النشاط ونقص الانتباه،  تم إدراج 9 مظاهر لهذا الاضطراب تحت نمط نقص الانتباه. و6 مظاهر تحت نمط النشاط الحركي و 3 مظاهر تحت نمط الاندفاعية. ويشترط في هذه المظاهرأن تتواجد لمدة ستة أشهر على الأقل وبدرجة تؤثر على مستوى النمو بصورة سلبية وغير مناسبة وهي على النحو الآتي:

1- نمط قصور أو نقص الانتباه Inattention

ومن مظاهره على الطفل أنه:

  • غالباً لا ينتبه للتفاصيل، أو يرتكب أخطاء تبدو ناجمة عن الإهمال لعدم الانتباه في الأعمال والمهام المدرسية أو المنزلية أو الأنشطة الأخرى التي يُمارسها.
  • فى كثير من الأحيان يجدُ صعوبةً في تركيز انتباهه، والاحتفاظ به لفترة طويلةٍ في المهام التي يؤديها أو أنشطة اللعب.
  • يبدو وكأنَّه غير منصت أو منتبه لما يُقال له عند  توجيه الحديث إليه مُباشرةً.
  • غالباً لا يتَّبِع التعليمات التي يوجهها إليه الآخرون ويتعذر في إنهاء الواجبات المدرسية أو الأعمال الروتينية (ولا يعزى ذلك إلى فشل في فهم تلك التعليمات).
  • غالباً ما تمثل عملية تنظيم المهام والأنشطة صعوبة بالنسبة له.
  • يتجنب الطالب المشاركة في المهام التي تتطلب الكثير من المجهود الذهني لفترة طويلة من الوقت.
  • يفقد الطفل الأدوات المهمة لأداء الأنشطة والمهام مثل (أدوات اللعب، أقلام الرصاص، والكتب…).
  • غالباً ما يتشتت انتباه التلميذ نتيجة أي مثير خارجي بسهولة.
  • غالباً ما يكون هذا الطفل كثير النسيان في الأنشطه اليومية.

2- نمط النشاط الحركي المُفرط أو الزائد Hyperactivity

ومن مظاهره على الطفل أنه:

  • غالباً ما يتململ أو يُكثر منْ حركةِ يديه أو قدميهِ أو يتحرك فى مقعده.
  • غالباً لا يستقرّ في مقعده داخل غرفة الصف.
  • كثيرًا ما يقوم بالركض أو التسلق في المكان والزمان غير المناسبين (قد يشعر المراهقون أو البالغون بحالة شديدة من عدم الاستقرار).
  • غالباً ما يجدُ صعوبةً في ممارسة اللعب من دون إحداث إزعاج، أو الاستغراق في أنشطة وقت الفراغ بهدوءٍ، أو منْ دون ضوضاء.
  • يتميز بالحركة الدائبة والنشاط في كثير من الأحيان، وكأنه آلة يحركها موتور.
  • يتحدث بشكل زائد عن الحد.

3– نمط الاندفاعية Impulsivity:

ومن مظاهره على الطفل أنه:

  • غالباً ما يتسرَّع دون تفكير في الإجابة عنِ الأسئلة أو الاستفسارات قبل اكتمال طرحها عليه.
  • يصعُبُ عليه الانتظار حتى يأتي دورهُ في كثير من الأحيان.
  • غالباً ما يُقاطع الآخرين أثناء الكلام ويتطفَّلُ عليهم.

وقد ميز الدليل بين فئتين من الاضطراب في الانتباه هما:

  • فئة الأطفال الذين يعانون من اضطراب فى الانتباه Attention Deficit Hyperactivity Disorder ADHD وتتسم هذه الفئة بعدم القدرة على الانتباه والاندفاعية والتشتت.
  • فئة الأطفال الذين يعانون من اضطراب فى الانتباه فقط Attention Deficit Disorder ADD وتتسم هذه الفئة بنفس خصائص الفئة الأولى ولكن لاتظهر عليهم أعراض فرط الحركة، وأيضاً فهذه الفئة لديها مشكلات في الاحتفاظ بالانتباه وفي تحويل الانتباه، حيث يتشتت انتباه الطفل بأشياء لا يلاحظها الآخرون. وتنتشر هذه المشكلات بشكل واضح داخل الفصل المدرسي.

وتفيد التقارير بأن نسبة حدوث  اضطراب الانتباه تتفاوت. ففي الولايات المتحدة الأمريكية تختلف من بين أطفال المدارس وتكون أكثر في مرحلة ما قبل البلوغ، وتزداد نسبة الإصابة عند الذكور عن الإناث. ومعدل الإصابة يكون أعلى لدى الطفل الأول  Hoopmann, 2009,18) ). ومن اللافت للنظر أن أعراض هذا الاضطراب عند الإناث تختلف نوعًا ما، حيث تتميز الفتاة بأنها ثرثارة بشكل مفرط – حتى وإن تم زجرها-  أكثر من فرط الحركة لديها. كما أنها تعيش أحلام يقظة بشكل مبالغ فيه. لذلك تبدو هادئة­ – مما يزيد من صعوبة تشخيصها – كما تعاني كثيرًا من القلق والإحباط (DuPaul, 1991; & Park, 2005). وطبقاً لإحصائيات 2011  (National Center for Health Statistics NCHS) فإن نسبة انتشار هذا الاضطراب بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15-7 في الولايات الممتحدة مابين عام 1998-2009 زادت من 7% الى 9%.

أما بالنسبة للمنطقة العربية، فقد قدرت دراسة (Al Hamed, Taha, Sabra, & Bella, 2008) نسبة شيوع هذا الاضطراب في المملكة العربية السعودية وتحديدا في مدينة الدمام بأنها تتراوح ما بين 12.4و 16.4 %.  وفي دولة قطر على سبيل المثال، أوضحت دراسة  (Bener, Qahtane, & Abdelaal, 2006) شيوع نسبة الاضطراب بحوالي % 9.4، وفي دولة الإمارات العربية وتحديداً في مدينة الشارقة أوضحت دراسة (El-wekil, 2006) نسبة انتشاره  بحوالي 14.85% .
أما بالنسبة  لنسبة التلاميذ المصابين بهذا الاضطراب في مصر، فقدرت نسبتهم في عام 2000 بحوالي % 7.48 من طلاب المدارس الابتدائية. أما في عام 2008 فقد قدرت نسبتهم بحوالى %7.9 مما يعني أنها في تزايد مستمر. وفي مصر دائما، كشفت بعض الدراسات أن نسبة انتشار الاضطراب بصفة عامة يتراوح ما بين 9-3%، وتزداد نسبته بين الذكور مقارنة مع الإناث  وذلك في عمر من 3 إلى 6 سنوات وهذا ما أظهرته دراسة EL-Missiry (2009).

ولأن تعلم و تنمية المفردات يؤدى دوراً جوهرياً في الأداء اللغوي لأي لغة؛ فإن عدم معرفة كلمات الجملة أو الفقرة أو القطعة يجعل الفهم عسيرًا. ويعد عائقًا أمام التلاميذ يحول بينهم وبين تعلم اللغة ؛ مما يفقدهم الرغبة الحقيقية فى تعلمها (Block & Mangieri, 2006, p.8)،  لذا فإن الصعوبة في تعلم وتنمية مفردات اللغة وبالتالي الأداء اللغوي تمثل منطقة ضعف تتراكم حولها ضغوط انفعالية ومشاعر سلبية. وتتسع هذه المنطقة حتى تشمل شخصية التلميذ والتي تؤدي بدورها إلى الإحساس بالعجز وعدم القدرة على متابعة التعلم ومن ثم تؤثر سلبًا على تقديره العام لذاته ومردوده الأكاديمي.

يتضح مما سبق، أن اضطراب الانتباه وفرط النشاط له آثار سلبية على الأداء اللغوي لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية نتيجة لمعاناتهم في تعلم مفردات اللغة وكذلك المواد الدراسية الأخرى، مما يترتب عليه نتائج سلبية على تقدير هؤلاء الأطفال لذواتهم أمام ما يتلقونه من ردود أفعال سلبية من المحيطين، وذلك بالرغم من أن مثل هؤلاء الأطفال قد يتمتعون بذكاء أكبر نسبيًا من أقرانهم العاديين. لذا يجب تشخيص التلاميذ مضطربي الانتباه مفرطي النشاط قبل أن تتعقد مشكلتهم، ومن ثم يمكن  تداركها و العمل على تجاوز أعراضها بما لا يعيق النمو الأكاديمي للطفل.

ونؤكد أن هذه الأعراض فى جملتها قد تحدث لكل شخص بشكل متقطع؛ فقد يتعرض أي شخص للكثير من أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه من وقت لآخر، ولكن في حالة المصابين بالاضطراب فعليًا، يزيد معدل تكرار هذه الأعراض كثيرًا وبدرجة تؤثر بالسلب على حياتهم بصورة هائلة. فيجب أن يحدث هذا التأثير السلبي في أكثر من محيط في حياة الفرد لكي يُصنف على أنه حالة من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على تلازمهم هذه الأعراض بشكل حاد فى منازلهم أو مدارسهم، وفي المواقف الإجتماعية التى يمرون بها مقارنةً بأقرانهم العاديين. ولقد أوضحت معظم الدراسات أن هذه الأعراض تستمر إلى المراهقة. وإذا ُتركت هذه الأعراض بلا تشخيص أو علاج يكون الفرد أكثر عرضة للتعرض للتجارب السيئة سواء في العمل وفي علاقاتهم الاجتماعية وبالتالي يكونون أكثر عرضة للإحباط.أما التشخيص  والعلاج المبكر قد يجعلهم أكثر نجاحاً أكاديمياً واجتماعياً. (Children and Adults with Attention Deficit/Hyperactivity Disorder, 2006) and World Health Organization- Caring for children and adolescent with mental disorders: Setting WHOdirections,2003,p.5)

كما يبدي مثل هؤلاء الاطفال أداءً منخفضاً مقارنة بأقرانهم العاديين من الناحية الأكاديمية. وربما يرجع ذلك إلى خبرات الفشل المتكررة التى يعاني منها هؤلاء الأطفال. أو ربما تكون بسبب أنهم يعانون كثيراً من مشاعر الرفض من قبل الوالدين والأقران والمعلمين. (Tabassam & Grainger,2002, pp.141-151, (عبد الناصر عبد الوهاب، 2003، 105)

وكان “ايريك فرومFroom,1931 ” أحد الأوائل الذين لاحظوا الارتباط الوثيق بين تقدير الشخص لنفسه ومشاعره نحو الآخرين، وأشار إلى أن الإحساس ببغض الذات لا ينفصل عن الإحساس ببغض الآخرين (نبيل الفحل، 2000، 10)، ويؤكد (علي الديب، 1994، 9) أنه بعد سنوات الطفولة الأولى يلعب المعلمون والزملاء والأصدقاء دوراً هاماً في تطوير مفهوم الذات عند الطفل، حيث يقوم هذا الأخير بتعديل تصوره لذاته مرة تلو الأخرى لكي يتطابق هذا التصور مع التوقعات التى يرجوها، أو ينتظرها منه الآخرون. وقد يفشل الطفل في إجراء مثل هذا التعديل، وقد تعاق عملية تكيفه إذا انتقده المحيطون به بشكل مستمر مفرط.

ويصل اضطراب الانتباه و فرط النشاط إلى قمة ظهوره بين الثامنة والعاشرة من العمر، أي منتصف مرحلة الطفولة المتأخرة ( 9 إلى 12 سنة). وتعد هذه المرحلة مرحلة الاستقرار والثبات النفسي نسبيا، بخلاف المرحلتين السابقة أو اللاحقة بها، ولذا فاضطراب الانتباه وفرط النشاط في هذه الفترة يعد مشكلة تستحق الملاحظة والعلاج.

ولقد أشارت النظريات التي تقوم على ظروف التعلم أن كثيراً من العوامل البيئية تسهم فى خلق اضطرابات تعلم لدى الأطفال العاديين،  أو في تضخيم نواحي الضعف الموجودة بالفعل لدى الأطفال ذوي مشكلات التعلم. كما يترتب على هذه المشكلة إحساس المعلم بوجود أعباء إضافية تواجهه عند التعامل مع هؤلاء الأطفال (صافيناز إبراهيم، 2011 ،4).

ومن العوامل البيئية التي قد تكون مسؤولة عن ذلك التدريس غير الفعال أو التدريس الضعيف Poor Teaching. ولايقصد به عدم تمكن المعلم من المادة العلمية في تخصصه، بل أن ما ُيدرسه والطريقة التي ُيدرس بها لا يتناسب مع مايعرفه التلميذ أوالأساليب التى يتعلم بها. وهذا ما يمكن أن يسهم في خلق صعوبات تعلم لدى الأطفال ( عبد الناصرعبد الوهاب، 2003، 51-52).

 كما يتعرض هؤلاء الأطفال لمشكلات ثانوية منها السلوك العدواني، وأحلام اليقظة، والأفكار الملحة، والعلاقات الاجتماعية الضعيفة ومشكلات أخرى تتعلق بتقدير الذات لديهم. لذا فإن معلمي هؤلاء الأطفال – خاصة من ذوي الخبرة المحدودة – تكون لديهم توقعات غير حقيقية عن هؤلاء التلاميذ، وهذا بدوره يدفع التلاميذ نحو الفشل. وعندها يستشعر هؤلاء التلاميذ أن مجهوداتهم تذهب سدىً، وأنه لا سبيل للمحاولة فيعتبرون أنفسهم طلاب غير أكفاء فلا يستطيعون مجاراة غيرهم من الطلاب العاديين. ويدركون أن المواجهة الآمنة تتحقق من خلال القيام بدور ” المهرج” داخل الفصل، في محاولة لإخفاء عجزهم. Fouse & Morrison, 1997, 442; Flick, 2000,pp.3-6))

ومن العوامل البيئية التي قد تسهم في خلق تفاقم أعراض مثل هذا الاضطراب، العلاقات الأسرية. فالطفل داخل المنزل يتميز بالثرثرة والسلبية وعدم القدرة على التعاون، والاعتماد على الغير في أداء المهام الخاصة به. لذلك قلما يحظى بالإثابة على سلوكياته. فتحدث المشكلات المتكررة نتيجة التوتر المتزايد واليومي عند تكرار السلوك السلبي أو عند أداء الواجب المنزلي التي ربما تتفاقم حدتها عند تدخل الأب خاصة مع الأطفال الذكور Sami,2006)).

وقد استقطب التدخل العلاجي لاضطرابات الانتباه و اهتمام المربين والباحثين والآباء كافة والمنظمات المعنية بالتربية الخاصة عموما وذوي صعوبات التعلم على وجه الخصوص. وقد أفرزت هذه الاهتمامات اتساع قاعدة التدخل العلاجي حيث شملت التدخل العلاجي الطبي،  والتدخل العلاجي بالتغذية، وتعديل السلوك، وتدريب الآباء (رضا الأدغم، جمال الدين الشامي،عبد الناصر الشبراوي،1999).

وبناءًا علي ما سبق يجب مراعاة ما يلي:

  • التشخيص المبكر في المراكز الطبية المتخصصة ومن ثم الاعتراف بوجود هذا الاضطراب إن وجد من الوالدين والأسرة والفرد نفسه.
  • التفهم بأن هذا اضطراب وليس مرضًا. وأن هناك تدخلات علاجية. فالعلاج النافع والطويل المدى هو العلاج السلوكي بتعديل سلوك الفرد باستخدام برامج سلوكية علاجية.
  • يستحسن للنجاح في عملية التعليم والتعلم تقسيم المهام لأجزاء أصغر، واستخدام المحفزات بجميع أشكالها. وكذلك البحث عن الاستراتيجيات الملائمة لكل حالة مثل: استراتيجية النمذجة Modeling ، استراتيجية الاستجابة البدنية الكاملة Total Physical Response ، الاستراتيجيات المعينة للذاكرة ، استراتيجية تعدد الإجابات الصحيحة Allowing for Multiple Right Answers، الأنشطة الثابتة  Anchor Activities، استراتيجية الأنشطة المتدرجة Tiered Activities، التعلم عن طريق اللعب بكل أنواعه…

 

 

المراجع:

الأدغم، رضا أحمد و الشامى، جمال الدين محمد، و الشبراوى، عبد الناصر سلامة:  “فاعلية استخـدام بعـض استراتيجيات التدريس في تحصيل تلاميذ الصف الرابع الابتدائي مضطربي الانتباه مفرطي النشاط في اللغة العربية”، كلية التربية ، جامعه المنصورة،(1999).

الديب، على محمد:  “الصعوبات الخاصة بتعلم اللغة الانجليزية كلغة أجنبية لدى أطفال المرحلة الابتدائية بحوث فى علم النفس على عينات مصرية –سعودية –عمانية”، الهيئة المصرية العامة للكتاب،( 1994).

الفحل، نبيل محمد: “دراسة تقدير الذات ودافعية الإنجاز لدى طلاب المرحلة الثانوية فى كل من مصر والسعودية (دراسة ثقافية)”. “علم النفس”،المجلد(14 )، العدد(54)، ص10-21. ( 2000)

إبراهيم، صافيناز أحمد:” فاعلية البرامج الإرشادية والعلاجية فى خفض اضطرابات الانتباه لدى الأطفال ، دراسة تقويمية” . كلية التربية والعلوم الانسانية جامعة طيبة بالمدينة المنورة،2011).                              

عبد الوهاب، عبد الناصر أنيس: “الصعوبات الخاصة فى التعلم الأسس النظرية والتشخيصية”، الأسكندرية، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، (2003).

كامل، محمد على: “سيكولوجية  الفئات الخاصة” ، مكتبة النهضة المصرية،طنطا، 1996).

حافظ، نبيل عبد الفتاح: “صعوبات التعلم والتعليم العلاجى” مكتبة زهراء الشرق،القاهرة،( 2006).

Al-Haggar, M., El-Baz, R. ,Youseff, H., Othman, N., Ali, R.(2006). Overview on attention deficit hyperactivity disorder among children from Delta regions of Egypt (A 10 years-study). Journal of Pediatric Neurology,4(1)15-18.

Al Hamed, J.,Taha, A., Sabra, A.,& Bella, H.(2008). Attention deficit hyperactivity disorder (ADHD) among male primary school children in Dammam, Saudi Arabia: Prevalence and associated factors. Journal of Egyptian Public Health Association, 4, (83), 165-182.

American Psychiatric Association.(1994). Diagnostic and statistical manual of mental disorders. (4th ed., text rev.). doi:10.1176/appi.books.9780890423349.

Bener, A. Qahtani R., & Abdelaal, I. (2006). The prevalence of ADHD among primary school children in an Arabian society. Journal of Attention Disorders, 10(1), 77-82. 

Bland, J. (2002) About Gender: Testosterone and Aggression – Childhood Retrieved , Dec., 20,

Block , C. & Mangieri, J.(2006). The Vocabulary-enriched classroom: Practices for improving the reading performance of all students in grades 3 and up. Danbury, NY: Scholastic Corporation.

Children and Adults with Attention Deficit/Hyperactivity Disorder (2006). Retrieved , Dec. 14,

DuPaul, G. (1991). Parent and teacher ratings of ADHD symptoms: Psychometric properties in a community-based sample. Journal of Clinical Child Psychology, 20, 245-253.

El-Feky, Y. (2009). Recent advances in diagnosis and management of attention deficit hyperactivity disorder (Master’s thesis). Faculty of Medicine, Ain Shams University. 

EL-Missiry, M. (2009). Attention deficit hyperactivity disorder in a sample of preparatory school students (Unpublished Master’s thesis). Faculty of Medicine, Ain Shams University. Retrieved fromhttp://srv1.eulc.edu.eg/eulc_v5/libraries/start.aspx?ScopeID=1.&fn=DraftThesis
El-wekil, F.(2006). Attention Deficit Hyperactivity Disorder in Adults. (Master’s thesis). Faculty of Medicine, Ain Shams University.

Flick, G. (2000) How to Reach & Teach Teenagers with ADHD: A step-by-step guide to overcoming difficult behaviors at school and at home. San Francisco. John Wiley &Sons, Inc.

Fouse, B. & Morrison, J. (1997). Using children’s books as an intervention for attention-deficit disorder. The Reading Teacher, 50 (5), 442-447 .

Guarracino, S. (2010). Students with learning disabilities and attention deficit hyperactivity disorder and those who teach them: Building positive relationships to increase academic success (Master’s Thesis). College of Bowling Green State University. 

Hoopmann,K. (2009) All dogs have ADHD. China, British Library Cataloguing- in- Publication Data.

Kathryn, F. & Moon, L. (2004). The history of psychiatric classification from ancient Egypt to modern America. Retrieved, Dec., 13,

vidence-based clinical practice guidelines for the treatment of attention deficit hyperactivity disorder (adhd) among children attending Alexandria university children’s hospital (Master’s thesis). Faculty of Medicine, Alexandria University. 

National Center for Health Statistics. (2011). Attention hyperactivity disorder among children aged 5-17 years in the United States, 1998-2009.

Park, G. (2005). Understanding and treating adhd. Sarawak: Smart BookShop.‏

Rief, S. (2005). How to reach and teach children with add/adhd: Practical techniques, strategies, and interventions. (2nd ed.). San Francisco. Jossy-Bass.

Sami,S. (2006) . Effects of psychological Factors on Childhood Attention-Deficit Disorder, (Master’s thesis). Faculty of Medicine, Ain Shams University. 

Shata, Z. (2010). A Psychosocial intervention program for parents of children with Attention Deficit Hyperactivity Disorder in Alexandria (Doctoral Dissertation). The High Institute of Public Health, Faculty of Medicine, Alexandria University. Alexandria.

Tabassam, W., & Grainger, J. (2002). Self-concept, attributional style and self-efficacy beliefs of students with learning disabilities with and without attention deficit hyperactivity disorder. Learning Disability Quarterly, 25(2),141-151.

World Health Organization- Caring for children and adolescent with mental disorders: Setting WHO directions (2003).

البحث في Google:





عن د. إيمان عمارة

مدرسة مناهج وطرق تدريس بكلية دمياط الجديدة، حاصلة على دكتوراه في فلسفة التربية تخصص مناهج وطرق تدريس، جمهورية مصر العربية.

تعليق واحد

  1. هلال الحسيني

    مقال جميل ومفيد ويتحدث عن ظاهرة منتشرة في المدارس ولكن عدد من التربويين لا يعرفون تشخيصها وكيفية التعامل معها ويصنفون من طلابها على انهم طلاب لا يرغبون في الدراسة وغير مجتهدون وعندهم رغبة في إثارة المشاكل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *