بيداغوجيا الإبداع

رباعية الإبداع وتطبيقاتها التربوية 

مقدمة

لعل التحديات المعاصرة التي يواجهها مجتمعنا العربي في الوقت الحاضر تفرض ضرورة تجديد الثقافة العربية لكي تقابل تلك التحديات؛ ولعل من أولويات تجديد الثقافة العربية -اليوم- ضرورة التحول من ثقافة الذاكرة والحفظ إلى ثقافة الإبداع والابتكار. ويفرض ذلك التحول العديد من المتطلبات الضرورية التي ينبغي توافرها لكي يتم، ومن أهمها إصلاح التعليم وتطوير مناهجه الدراسية لكي يحقق أهداف التحول من ثقافة الذاكرة والحفظ السائدة اليوم  إلى ثقافة الإبداع والابتكار التي تتفق ومتطلبات طبيعة عصر المعرفة والمعلومات الذي نعيشه اليوم.

أولا- المقصود بمصطلح الإبداع والابتكار 

الإبداع لغة: من بدع ؛ وبدع الشيء  أو ابتدعه أي أنشأه وبدأه. وقد يستخدم الإبداع كمصطلح قرينا للابتكار أو استخدام شئ جديد في فكره أو أسلوبه أو نظريته؛ وقد يعنى الاختراعات أو نهج جديد في إنتاج سلعة أو تقديم خدمة معينة.

ومفهوم الإبداع كمصطلح علمي يعني: عملية انبثاق أو توليد علاقة جديدة بين الفرد من ناحية والظروف أو المواقف وما فيها من أشياء وأحداث وأشخاص من ناحية أخرى.

وقد وصف كل من ” برونر ” و ” بياجيه ” الابتكار بأنه لحظة إشراق واستبصار تحدث فجأة.

ويمكن من خلال تعريف الإبداع لغة واصطلاحا التوصل إلى ما يلي من حقائق حول العملية الإبداعية أو الابتكارية:

  • الابتكار أو الإبداع ينطوي على الحداثة؛ لا التقليد والمحاكاة.
  • الإبداع أو الابتكار سِمة وقدرة هامة؛ ضرورية في أوجه النشاط اليومي.
  • العملية الإبداعية ليست أمرا غامضا أو خافيا بل يمكن وصفها وتحديد سماتها.
  • يمكن تدريب الناس على ممارسة العملية الإبداعية وتنمية مهارات التفكير الإبداعي لديهم مما قد يسهم في تنمية وزيادة قدراتهم الإبداعية.
  • تجديد الثقافة وتطويرها يستند على نتاجات أفراد المجتمع الإبداعية فى كافة مجالات وميادين الحياة.

ثانيا- مقومات العملية الإبداعية

أشارت كثير من الدراسات إلى مقومات الإبداع والابتكار، وكذلك العوامل المؤثرة على العملية الإبداعية، ومهارات التفكير الإبداعي ولعل من أبرز مقومات الإبداع بصورة مختصرة:

– الشخص المبدع نفسه بقدراته وإمكاناته الداخلية (المبدع : Person)

– المسار أو طبيعة العمليات الإبداعية التي يمارسها المبدع لكي يتوصل إلى إنتاجه الإبداعي المبتكر (العملية:Process)

– المنتج (الإنتاج المبتكر) بما يحمله من مواصفات تتحقق فيه الأصالة والجِدة والابتكار (المنتج :Product)

– المناخ أو المجال أو الظروف الخارجية المحيطة بالمبدع (المجال : Press)

ولعل تلك المقومات غير منفصلة ومستقلة عن بعضها البعض، بل هي في تفاعل وتأثير وتأثر متبادل فيما بينها، حتى أنه لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى إلا لغرض الدراسة فقط ويمكن تصور ذلك التفاعل فيما بينها في الشكل التالي:

مقومات العملية الإبداعية

من الشكل السابق يتضح مدى التفاعل بين المكونات الأربعة للعملية الإبداعية (مبدع – مسار- منتج – مجال)

و التي يمكن أن نطلق عليها اختصارا (4م) أو نطلق عليها (4P) على اعتبار أن مكونات تلك العملية تتضمن أربع كلمات كل منها تبدأ بحرف (P) وهي (Product  – Press- Process-Person) ومن ذلك أطلق على تلك الرباعية ” رباعية الإبداع “.

ثالثا-التطبيقات التربوية لرباعية الإبداع أو الابتكار:

لعل العرض السابق لمقومات العملية الإبداعية يوضح ضرورة التحول من ثقافة الذاكرة، والحفظ التي مازالت أثارها باقية في بعض  مدارسنا إلى  ثقافة الإبداع من خلال العديد من الممارسات التربوية التي يجب على المعلم ممارستها ومنها:

– ضرورة التعرف على استعداد المتعلمين واكتشاف الموهوبين منهم، ورعايتهم ومتابعتهم لكي بكونا  مبدعين في المستقبل.

– ضرورة تنمية مهارات التفكير الإبداعي لدى المتعلمين وحثهم على ممارستها من خلال المناشط الصفية واللاصفية.

– ضرورة تخطيط التعليم في إطار نمط التعليم الإبداعي في حل المشكلات؛ ومن الاستراتيجيات آلتي يمكن استخدامها في تنظيم التعلم: استراتيجية جعل المألوف غريبا واستراتيجية جعل الغريب مألوفا .. وغيرها من استراتيجيات حل المشكلات.

– ضرورة توفير كافة الإمكانات المادية والبشرية بمدارسنا، والتي تعتبر متطلبات ضرورية لخلق مناخ مدرسي للإبداع والابتكار.

– تدريب المتعلم على التعبير الكتابي الإبداعي لتدريبه على طلاقة ومرونة وأصالة أفكاره عند التعبير عنها كتابة، وهي من مهارات التفكير الإبداعي.

– تشجيع المتعلم على إنتاج النماذج الشغالة والصامتة المرتبطة بمجال دراستهم.

– تشجيع المتعلم على  التخطيط الجيد لبعض المشروعات البيئية وتنفيذها لحل مشكلات مجتمعهم.

ومن الواضح أن تلك التطبيقات التربوية قد لا تكون في موضع التنفيذ الفعلي لها ما لم تتوافر متطلبات تنفيذها ومنها:

– التغلب على كافة معوقات الإبداع ( التي قد يكون منها ما يتعلق بالشخص المبدع نفسه – أو ما يتعلق بالإمكانات المتوافرة بالبيئة المدرسية والبيئة المحلية بما يشجع على خلق مناخ جيد للإبداع – كما ان منها ما يتعلق بالمعلم او المناهج المدرسية _ كما أن منها ما يتعلق بالمجتمع نفسه ونظرته للإبداع والمبدعين .. الخ ).

– تطوير برامج إعداد المعلم قبل الخدمة مع تطوير برامج التدريب والتنمية المهنية للمعلم في أثناء الخدمة.

– تطوير البنية المدرسية وتوفير وإعداد قاعات ومعامل الدراسة بحيث تشجع المتعلم على الإبداع.

– ربط برامج التعليم ومناهجه في كافة مراحل التعليم بمشكلات وحاجات المجتمع.

– تشجيع الأفراد على البحث في مصادر المعرفة المتنوعة خاصة شبكة الإنترنت.

– إعداد مراكز لرعاية المتفوقين والموهوبين من المتعلمين (مركز رعاية الموهبة) على مستوى كل مدرسة وعلى مستوى المجتمع ككل؛ يتم فيها إعدادهم كمبدعين في المستقبل من خلال ممارستهم لبعض البرامج التي تم إعدادها لتنمية التفكير الإبداعي مثل: برنامج الكورت KORT – برنامج فكر حول – برنامج مدخل عمليات العلم – برنامج التفكير المنتج… إلى غير ذلك من البرامج التي تم تصميمها بالفعل وتنفيذها في كثير من البلدان، والتي قد تحول برامج الدراسة الحالية بمدارسنا في تنفيذها بالصف الدراسي.

مراجع للاستزادة من المعرفة:

1)ج. تيرنر، النمو المعرفي بين النظرية والتطبيق، ترجمة عادل عبد الله محمد، القاهرة: الدار الشرقية للتوزيع ، 1992.
2) جون ، ب. ماينر ، المسارات الأربعة للتفوق، ترجمة هالة صوفي، مراجعة عبد الرحمن توفيق، القاهرة: مركز الخبرات المهنية للإدارة، 1988.
3) صفاء الأعسر ، الإبداع في حل المشكلات، (مترجم)، القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 2000م .
4) عبد الله على أبو لبدة ، خليل يوسف الخليلى، فريد كامل أبو زينة، المرشد في التدريس، الإمارات العربية المتحدة: دار القلم للنشر والتوزيع ، ط1، 1996.
5) عبد المنعم محمد حسين ، “تعليم الفيزيقا والابتكارية”، دراسة منشورة ضمن فعاليات مؤتمر: تطوير تعليم الفيزيقا، القاهرة: أكاديمية البحث العلمي،1982.
6) مجدى عبد الكريم، تعليم التفكير في عصر المعلومات، ط1، القاهرة: دار الفكر العربي، 2003

البحث في Google:





عن أ.د. عبد المنعم محمد حسين حسانين

أستاذ المناهج والتربية العلمية، عميد كلية التربية بأسوان سابقا وحاليا أستاذ متفرغ بكلية التربية بالوادي الجديد - جامعة اسيوط وعضو اللجنة العلمية لترقية الأساتذة بمصر.

تعليق واحد

  1. د. محمود أبو فنه

    مقال هامّ أتّفق مع الكاتب في طرحه.
    نحن بحاجة إلى تغيير أساليب وطرائق التعليم من التلقين
    والحفظ والإيداع إلى تنمية التفكير والابتكار والإبداع.
    وطبعًا، لتحقيق ذلك نحتاج لتأهيل آخر للمعلّمين، ولمناهج
    دراسيّة ملائمة، وتوفير بيئة داعمة ومشجّعة…
    كلّ التقدير والاحترام للكاتب أ.د. عبد المنعم محمد حسين حسانين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *