الإدارة الرشيدة للفصول التعليمية شراكة بين المعلم والطالب

مقدمة:

الضغوط في مكان العمل مسألة في غاية الخطورة في كثير من المهن والوظائف وبشكل خاص في المهن التي تقدم خدمات اجتماعية تتطلب التعامل العاطفي والوجداني مع الآخرين، والتدريس من المهن التي بها مستويات مرتفعة من ضغوط العمل.

المعلمون الذين تكون استجاباتهم لضغوط مشاكل العمل  محدودة وغير فعالة يعانون أشد المعاناة الصحية والبدنية والنفسية ويشعرون بأقل مستويات من الرضا الوظيفي مما ينعكس على حياتهم المهنية وحياتهم الشخصية بشكل عام.

تنبع ضغوط العمل عند المعلمين من عوامل متأصلة في المهنة ذاتها مثل كيفية إدارة الفصل أو الدور الغير محدد الذي يقوم به المعلم أو التناقص العلمى أو التطور المهنى المقيد وعدم الدعم الكافى من الزملاء أو ضعف الهيكل التنظيمى أو البيئة المحيطة والتى تجعل المعلمين يشعرون بأنهم مستبعدين من صنع القرار داخل المؤسسة التعليمية.

هناك أساليب يتم استخدامها داخل الفصول يستخدمها ويستعين بها بعض المعلمين دون غيرهم للتغلب على تلك المشاكل الموجودة والتى ينبع منها أغلب وأصعب أنواع ضغوط العمل عند المدرسين.

أتناول في هذا المقال العلاقة بين التوتر الذي يشعر به المعلمون نتيجة سوء سلوك الطلبة وبين أساليب التغلب عليها و التي يستخدمها المعلمون للوصول إلى حل توافقي يحقق الرضا المنشود للطرفين ويجعل التواجد في الفصل لجميع الأطراف تواجدا يتصف بالاحترام للوصول إلى القيادة الرشيدة للفصول التعليمية.

إدارة الفصل:

اقتصر المفهوم التقليدي لإدارة الفصل على المحافظة على النظام والهدوء التام في الصف بشكل يُتيح للمعلم التدريس ويُمكن الطلبة من فهم المعلومات التي يلقيها المعلم، وهذا ما أسفر عن ظهور الكثير من المشكلات أهمها عدم الاهتمام بالفروق الفردية بين الطلبة، وعدم الاكتراث للإبداع والابتكار بينهم وانعدام التواصل بين المعلم والطلبة وضعف دافعية الطلبة للتعلم.

تطور مفهوم إدارة الفصل ليشمل بالإضافة إلى ضبط النظام في الفصل جميع الممارسات التي يقوم بها المعلم لتشجيع الطلبة على تطوير تعلمهم والانضباط الذاتي. (العبد الله وآخرون،2012،102)

من خلال ما سبق، نجد أن إدارة الفصل هي مجمل الأساليب والعمليات التي يستخدمها المعلمون للمحافظة على مناخ يستطيعون فيه التعليم والإرشاد داخل الفصل الدراسي باستخدام أدوات وتقنيات لإنتاج التغيير المطلوب في السلوك، والشكل التالى يوضح مقترحا لمخطط إدارة الفصل الفعال.

التعلم الفعال هو التعلم الذي يستجيب لأنماط التفكير الخاصة بالطالب، إنه التعلم ذو المعنى الذى يقوم على الخبرة والممارسة، ويكون قابلا للاستعمال والتطبيق والانتقال، ويؤدي إلى تطوير التفكير الإبداعي لدى الطلاب، ويجعل من الطالب محورا له، ويطور علاقات تعاونية بين الطلاب، ويستهدف تحقيق النماء المتكامل للطالب، ويربط بين الجوانب النظرية والجوانب العملية بصورة متكاملة.

إن تقنيات إدارة الفصل يجب أن تكون مناسبة ومبررة ويجب أن يكون المعلمون واثقين منها لأن جزءا كبيرا من هويتهم المهنية وشعورهم بقدراتهم الذاتية يتوقف على الأقل جزئياً على إدارتهم الرشيدة لفصولهم وبالإضافة إلى كونها من مكونات  الهوية المهنية للمعلمين. إن إدارة الفصل هي سبب أساسي في عدم الرضا عن الوظيفة بين المعلمين خاصة بين المبتدئين، منهم إنها أيضاً تهم بدرجة كبيرة الآباء والإداريين، والأكاديميين في هذا المجال. (الرشيدي، 1999،58)

العوامل التي تؤثر على إدارة الفصل الفعالة:

تتعدد أسباب اختلال النظام داخل الفصل، فمنها ما يتعلق بالمعلم، ومنها ما يتعلق بالطالب.

فيما يتعلق بالمعلم نوجز بعض النقاط كما يلي:

  • قلة استخدام المعلم لأساليب التعزيز المختلفة، اللفظي وغير اللفظي.
  • تهديد المعلم لطلابه بالامتحان والدرجات.
  • تقديم معلومات كثيرة ومجردة في زمن بسيط.
  • كثرة الواجبات المنزلية الشاقة.
  • قلة مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب.
  • عدم احتفاظ المعلم بهدوئه وقت الأزمات.
  • تصرفات المعلم مع زملائه من المعلمين بطريقة غير لائقة أمام الطلاب.
  • ضعف قدرة المعلم على توصيل المعلومات إلى الطلاب.
  • كثرة الامتحانات الصعبة.

فيما يتعلق بالطالب نوجز بعض النقاط كما يلي:

  • الشغب والضجيج بحيث يتلاشى صوت المعلم في هذا الضجيج، ويتحول الفصل إلى ما يشبه الفوضى تظهر به أصوات كثيرة غير متمايزة.
  • قد يشير لجوء الطلاب إلى الشغب إلى تنبيه المعلم إلى مستوى ما يشعرون به من ملل.
  • الانسحاب والانطواء وعدم التعاون مع الزملاء والمعلم.
  • ظهور الطلاب غالباً بموقف العاجزين، وعدم القدرة على التعلم.
  • عدم معرفة الطلاب بأهداف التعلم.
  • الإحباط والتوتر الناتج عن عدم قدرتهم على مسايرة زملائهم في استيعاب المعلومات وممارسة الأنشطة الصفية الصعبة التي يقدمها المعلم.
  • شعور الطلاب بالغربة وعدم الانتماء.
  • شعور الطلاب بالخوف وعدم الأمان. (بوزو، كيهلا، 2012،19)

أساليب واستراتيجيات التغلب على المشكلات داخل الفصول:

إن مدخل الجو الاجتماعي الانفعالي يستند إلى أساس نظري هو أن الإدارة الفعالة للفصل تعني توظيفا للعلاقات الطيبة بين المعلم والطلاب من جهة وبين الطلاب من جهة أخرى.

لا بد للمعلم أن يدرك أن تيسير التعلم لدى الطلاب يتوقف على الخصائص التالية للعلاقة بين المعلم والطلاب:

  1. واقعية المعلم في التعامل مع الطلبة.
  2. تقبل المعلم من قبل الطلاب واستحواذه على ثقتهم.
  3. علاقة وجدانية إيجابية بين المعلم والطالب .

المعلم الذى يستخدم هذا المدخل في إدارة الفصل، يسترشد بحقيقة أساسية، هي أن الحب واحترام الذات هم اللتان ينبغي إشباعهما لدى الطالب، حتى يستطيع أن ينمي ذاته بنجاح. والطالب في حاجة إلى النجاح، ومن ثم ينبغي على المعلم أن يتيح له الفرصة لتحقيق النجاح، هذا بالإضافة إلى أن الطالب إذا نظر إلى نفسه على أنه جدير بالاحترام، فإنه ينبغي أن يتعامل باحترام.

تقنيات إدارة الفصول:

توجد ست تقنيات سائدة في إدارة الفصل هي : التلميح، والمناقشة، والمشاركة، والتعرف، والثواب ، والعقاب، والهجوم وقد عرفت هذه التقنيات كالآتي:

  • التلميح حول سلوك الطلبة غير المقبول بدون تحديد مطلب (على سبيل المثال وصف ما يفعله الطالب من أخطاء، والتوقع أن يكفوا عن هذا السلوك).
  • مناقشة الطلبة حول تأثير سلوكهم على الآخرين، والتفاوض معهم على أساس واحد لواحد (على سبيل المثال إعلام الطلبة لماذا يشكل سلوكهم مشكلة للآخرين).
  • إشراك الطلبة فى صنع القرارات حول الانضباط في الفصل (على سبيل المثال تنظيم الفصل لوضع قواعد السلوك الجيد).
  • الاعتراف بالسلوك اللائق لأفراد من الطلبة أو الفصل ومكافأتهم على ذلك.
  • معاقبة الطلبة الذين يسيئون السلوك، ورفع مستوى العقوبة إذا لزم الأمر (على سبيل المثال إذا توقف الطالب عن سوء سلوكه إذا ما طلب منه ذلك، ثم عاد لتكرار السلوك المخرب، ينقل من مكانه لمقعد آخر).
  • استخدام تقنيات زاجرة ( على سبيل المثال التعنيف الغاضب للطلبة الذين يسيئون السلوك).

تقوم نظرية الضبط في الفصل على أساس أن السلوك يحدث عن طريق ما نريده وليس استجابة لمثيرات خارجية، وأن ضعف دافعية الطلاب للأعمال المدرسية يعود إلى عدم ارتباطها بحاجاتهم الأساسية، أو أن المعلمين يستخدمون المكافأة والعقاب كإجبار خارجي للطلبة لنوع السلوك المسالم، بينما يستخدم المعلمون المكافآت الذاتية الصريحة للطلاب ويهتمون بإيجاد درجة عالية من الرضا في جميع الأعمال التي يشارك فيها الطلاب. (يحيى وآخرون،2011،45)

إن عدم نجاح الطلاب يرجع إلى أن المدارس ليست بالصورة الموجودة في أذهانهم والتي تحقق حاجاتهم للمرح والانتماء والحرية مما يسبب لهم القلق والتوتر والمعاناة.

استخدام مدخل التعلم التعاوني وإعادة بنية البيئة الصفية بغية إبقاء جميع الطلاب في حالة من الاهتمام بالتعلم والمشاركة فيه، وربط نظرية الرقابة بمنهجية العلاج لدعم العلاقات الإنسانية التي يحتاجها الطلاب للنجاح.

إن الفشل الدراسي يعود إلى سيكولوجية المثير والاستجابة، فكل ما يفعله الطالب ما هو إلا سلوك وأننا مدفوعون لنشبع الحياة والحب والانتماء والقوة والحرية والمرح، وأن الحاجة للحب والانتماء تمثل متطلبا أساسيا للحاجات الأخرى، وعندما يسيطر الإجبار والعقاب على العلاقات فإنه يدمر القدرة على إيجاد الرضا عن هذه العلاقات ولايحقق ترابط الأفراد مع بعضهم، وأن عدم الترابط يمثل مصدراً أساسياً للمشكلات الإنسانية وعلى رأسها الفشل المدرسي.

إن التدريس وضبط الفصل ومعالجة المشكلات السلوكية للطلاب عملية إدارية تتركز على الإلمام بما يدور في الفصل في بداية السنة قبل أن تصبح السلوكيات غير المرغوبة أمراً عادياً مفروضا على الفصل.

المعلمون يكرسون الوقت في الأسابيع الأولى من السنة الدراسية لمساعدة الطلاب ووضع المعايير اللازمة للتحكم في السلوك وبالتالي فإن المعلمين يعرفون ما يحتاجه الطلاب  ليتصرفوا في المواقف المختلفة. (حجي،2016،189)

إطار عمل المعلم داخل الفصل:

  • التخطيط وتحديد القواعد العامة للسلوك، والإجراءات والحوافز للسلوك الجيد، والعقوبات للسلوك السيء.
  • عرض الإجراءات والقواعد في بداية السنة.
  • الحفاظ على النظام أثناء السنة من خلال إيقاف السلوك السيء واستخدام الحوافز باستمرار.
  • وضع قواعد العمل في الفصل بشكل يتوافق مع قواعد المدرسة ويُقدم الأسس الواضحة للسلوك السوي المتوقع للطلاب وضرورته للعمل.
  • وضع الإجراءات اللازمة للفصل والتي ينبغى أن تركز على النواحى التالية:
  1. كيفية تحرك الطلاب بالصف واستخدامهم للمواد التعليمية مع المحافظة على كل ما حولهم.
  2. تحديد أساليب دخول الطلاب إلى الفصل والخروج منه منذ بداية العام الدراسي.
  3. تحديد الإجراءات الواجب اتباعها أثناء الدرس.
  4. مشاركة الطلاب في الأعمال الروتينية دون إثارة الفوضى.
  5. تنمية إدارة تعلم الطلاب الذاتية.
  • مراقبة سلوك الطلاب أثناء التدريس ومدى مشاركته في الواجبات المطلوبة منه واتباعه للإجراءات المطلوبة منه وتعزيزه باستمرار لدفع العمل وتدعيمه.
  • إدارة السلوك غير الملائم وهذا يتطلب إلزام الطلاب بقواعد إحضار الأدوات المدرسية والجلوس في المقعد المخصص والإنصات للمعلم والمحافظة على نظافة الصف والنظام فيه للتحكم بالسلوك ومنع حدوث المشكلات.

الإدارة الرشيدة للفصول التعليمية هي نتاج التعاون المثمر بين المعلمين والطلاب لتخفيف الضغوط النفسية وضغوط العمل على المعلمين وعلى الطلاب وتساعد في خلق جو من النظام يحفز عملية التعليم و التعلم.

 

 

 

المراجع:

  1. الرشيدي، أحمد كامل ( 1999 ). إدارة الفصل بلغة العصر رؤية تربوية، دار المصرى للطباعة، الهرم.
  2. العبد الله، فواز وكحيل، أمل(2012). الإدارة المدرسية والصفية وتشريعاتها، منشورات جامعة دمشق.
  3. بوز، كهيلا (2012). الإدارة الصفية والمدرسية وتشريعاتها، منشورات جامعة دمشق، مطبعة الروضة.
  4. حجي،أحمد إسماعيل، (2016). إدارة بيئة التعليم والتعلم النظرية والممارسة داخل الفصل والمدرسة،ط3دار الفكر العربى القاهرة.
  5. يحيى، خولة أحمد (2011). الاضطرابات السلوكية والانفعالية، ط 1، دار الفكر للطباعة، عمان.

البحث في Google:





عن د. إيهاب ابراهيم السيد محمد

دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية، كلية التربية النوعية جامعة عين شمس. تخصص تكنولوجيا التعليم زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا - جمهورية مصر العربية

2 تعليقات

  1. سعيد القحطاني

    مقال رائع شكرا لكاتبه .
    هل تُحقق المدرسة والمعلم حاجات الطلاب (الحب ، الانتماء ، الحرية ، المرح ، تقدير الذات ، تحقيق الذات ) .
    إن كل مايصدر من الطالب من سلوك غير لائق من شغب إو ملل أو قلة تعاون أو إحباط أو عجز لن يحث إلا بسبب مثير نتج من إدارة فصل غير فاعلة . هل غابت الهوية المهنية لدى المعلمين ؟

    شكراً وألف شكر مقال في الصميم

  2. بلمامون الزبير

    موضوع غاية في الأهمية وخاصة للمدرسين الجدد وذوي الخبرة القصيرة.
    كما جمع المقال خصوصيات إدارة الفصل قدمه أيضا بشكل منظم ومرتب في نقاط مجملة ومفصلة.
    تحياتنا لصاحب المقال وللقائمين على مدونة تعلم جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *