التطوير المهني للمعلم

التنمية المهنية و التطوير المهني للمعلم

يتسابق العالم في إجراء تحديثات على مستوى النظم، بما في ذلك النظم التربوية للنهوض بطرق وأبعاد العملية التربوية، وذلك لمواكبة ما يشهده العالم من تطور كبير في مجالات عدة، والتطور في مجال التعليم يظهر بصورة جلية في المجال المعرفي والتكنولوجية الرقمية، وأصبح على عاتق كل فرد ينتمي للمجال التعليمي ضرورة إعداد نفسه إعداداً يؤهله لمواكبة متغيرات العصر. والمتأمل في الظروف الحالية التي يمر بها العالم بسبب جائحة كورونا الذي أصبح فيه التعلم عن بعد خياراً حتميًا، سيفهم لما أخذ موضوع التطور المهني للمعلم حيزًا كبيرًا في الأدب التربوي المعاصر؛ وذلك نظرا لأهميته المحورية في العملية التعليمية، ولدوره في الحفاظ على معرفة المعلم ومهاراته، وتطويرها وفق المستجدات (الشايع، 2013). من خلال هذا المقال سيتم مناقشة ما يلي: ما مفاهيم التطوير المهني للمعلم ومبرراته، ومدى فاعليته في تحسين الممارسات الصفية للمعلمين؟ المترتبة على التطوير المهني للمعلم؟ كيف يمكن إعداد وتطوير المعلم للتعليم عن بعد؟

يعرف التطوير المهني للمعلم بأنه إجراء تدريبي صمم وفقاً لنظم التعليم والتكنولوجيا الحديثة، كما أنه يتيح ممارسة برنامج التدريب داخل البيئة التعليمية وهي المدرسة، بالإضافة إلى وجود خبرات تربوية من داخل الإطار العلمي والتربوي وخارجه، ويؤكد ذلك على ضرورة تحويل الممارسات التربوية للمعلم وتطويرها؛ من أجل تحسين مستوى الطالب ورفع مستواه التربوي من خلال غرس مبادئ قوية تعليمية تبعاً لمبادئ استراتيجية التطوير المهني وإصلاح نظام التعليم (برنامج التطوير المهني المستمر،2011).

ويعرف العتوم (2008) الممارسات الصفية أو المنهجية للمعلم بأنها ” الأنشطة التي تُساعد الطلاب على التعلم وتخدم المقررات العلمية بطريقة مباشرة، وغالبا ما تكون أنشطة تطبيقية لما تمت دراسته، وتكون خلال المعامل البحثية أو الفصل أو خلال دراسة حالة تطبيقية “(ص48)

وأيضا عرف العتوم (2008) الممارسات غير الصفية واللامنهجية للمعلم بأنها تلك ” الأنشطة المتممة والمكملة للعملية الدراسية، ويقوم الطالب بممارسة هذه الأنشطة خارج الإطار الدراسي أو المدرسة، ويتم تحت إشراف المدرسة لتحقيق أهداف التربية العلمية، وهذه الممارسات تتصل بشكل غير مباشر بالمقررات التعليمية وتأخذ شكل إجراءات يمارسها المتعلم خلال جماعات أو فرق نشاطية بالخارج” (ص48)

ومما سبق يمكننا استنتاج أن التنمية المهنية للمعلم هي عبارة عن عملية تحسين مستمرة من أجل النهوض بالجانب العلمي للمعلم، حتى نصل للمعايير الخاصة للجودة بالإنجاز، ونتمكن من رفع قدرات السعي نحو التعلم لدى جميع فئات المجتمع، ومن خلالها يتم ارتفاع المستوى المعرفي وتنمية المهارات الفردية والقيم الأخلاقية للمعلم، لتحقيق أكبر قدر من النتائج الفعالة الإيجابية نحو الطلاب. ونظراً لما يشهده العالم في الفترة الحالية من تطور معرفي وتكنولوجي غير مسبوق، فكان لابد من أن يكون أحد الجوانب الأساسية في التنمية المهنية للمعلم هو إعداده بشكل جيد حتى يتمكن من تلبية احتياجات المجتمع الحالية، ففي الفترة الأخيرة أصبح التعليم الإلكتروني هو الخيار المعتمد من قِبل المدارس والجامعات، وبناء عليه كان لابد من تطوير الطرق والأساليب المستخدمة في العملية التعليمية وإعداد المعلم حتى يكون مؤهلا بشكل تام للتعامل مع آليات التعليم عن بعد.

ومن مبررات التنمية والتطوير المهني للمعلم ومدى فاعليتها في تحسين الممارسات الصفية للمعلمين: التقدم والثورة التقنية لجميع مجالات العلوم والمعرفة والتقدم السريع، يجعلنا نضع نماذج سريعة لمواكبة أنظمة وأنشطة التعليم الحالية، ويتطلب ذلك تنمية مهنية للمعلم لمسايرة التقدم التكنولوجي، وتطوير دوره نحو استكشاف استراتيجيات لطرق تدريس معاصرة. أيضاً نجد أن التوجه العالمي نحو الجودة العملية والعلمية، ووضع نماذج تطبيقية تتناسب مع معايير الدولة، إلى جانب اختلاف الأنظمة التعليمية، وتنوع الأساليب يجعلنا نضع ونطور نماذج علمية من أجل التعلم عن البعد والتعلم الذاتي، وفق تقنيات العلم الحديثة والمعاصرة، والاستراتيجيات الحديثة على نطاق عالمي في مجال التدريس، والعلم يتطلب من المعلمين أن يطوروا من أدائهم وسلوكياتهم التربوية (كاظم، 2006).

ويترتب على التطوير المهني عدة نتائج منها التحسن الواضح في طرق التعليم لدى المعلمين، واستراتيجياتهم في التخطيط، وتوظيف المعلومات للطالب بالطرق الصفية والغير صفية، كما أظهرت برامج التطوير المهني للمعلم تحسين واضح في مهارات المعلم وكفاءاته (hardman,2009).

ويبقى السؤال الأهم الآن، كيف يمكن مساعدة وتطوير المعلم وإعداده بشكل صحيح لعملية التعليم عن بعد؟ فيما يلي نطرح بعض الاقتراحات لهذا الأمر:

أولا: على المعلم أن يكون ملماً بشكل كامل بالاستراتيجيات الخاصة بالتعليم الإلكتروني والتي تشمل خمسة عناصر وهي: التكنولوجيا – المحتوى – الدعم – الاتصال – التحليل المالي (شحاته، 2009).

ثانياً: لابد للمعلم من دراسة الآليات والتقنيات اللازمة لعملية التعليم عن بعد، فيجب عليه دراسة التصميم التعليمي لبيئات التعليم الالكترونية، كما يجب أيضاً معرفة الخدمات الإلكترونية التي سيحتاجها لتنفيذ المواقف التعليمية مثل: أدوات التمييز، حافظات المناهج، قوائم الطلاب، الوسائط المتعددة (إسماعيل، 2009).

ثالثا: تطوير وتنمية الثقافة الحاسوبية لدى المعلم (مثل تشغيل الحاسوب وبرامجه وكيفية التعامل معها بشكل احترافي) وتنمية ثقافته المعلوماتية في استخدام الإنترنت (مثل الوصول للمعلومات من مصادرها الصحيحة على الشبكة العنكبوتية) (جمال الدين، 2002)

رابعاً: يجب على المعلم معرفة الأدوار المطلوبة منه بدقة في بيئة التعليم عن بعد، ويرى حسن (2009) أن أدوار المعلم ووظائفه المستقبلية ستتلخص فيما يلي: الباحث الذي يبحث ويطور ويقدم للطلاب كل جديد، مصمم الخبرات التعليمية الذي يصمم البيانات والأنشطة التعليمية بما يتناسب مع الطلاب، مقدم المحتوى والذي يقوم بتسهيل عملية الشرح وتقديم المحتوى على المواقع الإلكترونية.

خامساً: لابد من إعداد دورات تدريبية خاصة للمعلمين من أجل إعدادهم للتعليم الإلكتروني، ويجب من خلال هذه الدورات التطرق لعدة موضوعات مثل: التدريب على برامج إنشاء وإدارة المحتوى الإلكتروني، التدريب على برامج تصميم البرامج التعليمية، والتدريب على تصميم المقررات الدراسية على هيئة مقررات إلكترونية.

ولقد اهتمت المملكة العربية السعودية بالتوسع في استخدام تقنيات التعليم الحديث وهذا انطلاقاً من إيمان الدولة بأهمية التعليم الإلكتروني وأهمية عملية التطوير المهني للمعلم في كافة الجوانب، وتبذل وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية جهودا متقدمة في جمال تنمية وتطوير المعلمين، حيث أنشأت اثنين وأربعين مركزاً لتدريب المعلمين والمعلمات بواقع مركز في كل إدارة تعليمية، وتقوم هذه المراكز وفقاً لسياسات معتمدة بتقديم البرامج والدورات التطويرية لتحسين الكفايات المهنية للمعلمين (الغامدي وعبد الجواد، 2010).  لكن نظراً للتحديات التي تواجهها هذه المراكز، وتماشيا مع الاهتمامات الدولية؛ اتجهت وزارة التعليم مؤخراً لتطوير خطط ومشاريع جديدة للتنمية المهنية كان من أهمها مشروع “أُنموذج تطوير المدارس”، والذي يهدف الى تمكين المدرسة من تطوير نفسها ذاتيا من خلال العمل على إعادة التأهيل التخصصي والتربوي للمعلمين عبر مختلف برامج التنمية المهنية المستمرة التي تُديرها وتوجهها، على أن تخطط هذه البرامج في ضوء مفهوم الكفايات والمهارات والمتغيرات والاتجاهات المعاصرة (مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، 1433).

ومن خلال ما سبق تبرز أهمية التنمية والتطوير المهني للمعلم التي تؤدي إلى زيادة مستوى الوعي التكنولوجي المتوافق مع معايير الحداثة والتقدم المعاصر ودورها في رفع المستوي المعرفي وتنمية المهارات الفردية والقيم الأخلاقية للمعلم، لتحقيق أكبر قدر من النتائج الفعالة الإيجابية نحو الطلاب. إلى جانب ذلك فقد تم تناول أهمية إعداد المعلم لمواكبة التحديات المعاصرة ومواكبة آليات التعليم عن بعد مع طرح المقترحات حول آلية تنفيذ عملية التطوير والإعداد الخاصة بالمعلم.

 


المراجع

إسماعيل، الغريب زاهر. (2009). التعليم الالكتروني من التطبيق إلى الاحتراف والجودة. عالم الكتب، القاهرة.

برنامج التطوير المهني المستمر القائم على المدرسة. (2011). الحقيبة التدريبية لبرنامج التطوير المهني المستمرSBTD، دليل المعلم.

جمال الدين، نجوى. (2002). في اجتماعيات التعليم عن بعد، مكتبة الآداب، القاهرة.

حسن، إسماعيل محمد إسماعيل. (2009). إعداد المعلم في مجال التعليم الالكتروني. جامعة المنصورة، مجلة التعليم الالكتروني.

الشايع، فهد سليمان. (2013).  واقع التطور المهني للمعلم المصاحب لمشروع تطوير الرياضيات والعلوم الطبيعية في التعليم العام في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر مقدمي البرنامج. جامعة الملك سعود، مجلة رسالة التربية وعلم النفس، (42)، 52- 92.

شحاته، حسن. (2009). التعليم الالكتروني وتحرير العقل – آفاق وتقنيات جديدة للتعليم. دار العالم العربي، القاهرة.

العتوم، منذر سامح. (2008). النشاط المدرسي المعاصر بين النظرية والتطبيق، دار المناهج العلمية للتوزيع والنشر.

الغامدي، حمدان بن أحمد، وعبد الجواد، نور الدين محمد. (2010). تطوير نظام التعليم في المملكة العربية السعودية (ط3). الرياض، مكتبة الرشد.

كاظم، سهيلة محسن. (2006). المنهاج التعليمي والتدريس الفعال، سلسلة طرق التدريس. دار الشروق للنشر والتوزيع.

مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام تطوير. (1431ه أ). الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العام، شركة تطوير للخدمات التعليمية، المملكة العربية السعودية، متاح من خلال:

http://www.tatweer.edu.sa/content/edustrategy 

Hardman ,frank ,abd kadir jan, ( 2009) , cathrine , migwi james nda,buku ,changing pedagogical practice in Kenyan primary school: the impact of school- based training  ,comparative education

البحث في Google:





عن ميرفت سعد محمد الرحيمي

حاصلة على بكالوريس جغرافيا من كلية التربية للبنات بجدة، طالبة ماجستير القيادة التربوية في السنة الاخيرة بجامعة دار الحكمة بجدة، معلمة جغرافيا للمرحلة الثانوية إلى الوقت الحالي (7 سنوات) مديرة سابقة لأحد فروع البنك السعودي للاستثمار (لمدة 5 سنوات) مدربة معتمدة من أكسفورد - المملكة العربية السعودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *