ماريا مونتيسوري

السيرة الذاتية لِ ” ماريا مونتيسوري “

هذا المقال هو الأول من سلسلة مقالات حول ” منهج مونتيسوري التعليمي ” من إعداد رشيد التلواتي عضو مُؤسس ومُحرر في مدونة تعليم جديد والتي ينشرها حصريا على صفحات المدونة، بهدف الإحاطة بأهم ما ينبغي معرفته عن هذا المنهج الرائد.

مقدمة

التربية هي حاجة الشعوب الأولى بعد الخبز، قولةٌ ظلت عالقة بالأذهان طويلا، مُؤكدة على أهمية التربية بالنسبة للإنسان حتى يحقق أهدافا كثيرة لا يسمح هذا المقام بالتفصيل فيها (أهداف اجتماعية، ثقافية، سياسية، أخلاقية…). ومنه ظهرت مناهج وطرق ودراسات ونظريات…  عديدة تهتم بمجال التربية، اختلفت في نظرتها للتربية وللطفل وللإنسان ولحاجاته. لكنها سعت -كلها- إلى الاجتهاد لإيجاد أفضل السبل والحلول والطرق من أجل ضمان أحسن تربية وتعليم وتكوين للناشئة. ومن بين هذه الطرق والمناهج التي يمكن وصفها بالرائدة والمتجددة، والتي تُصنف ضمن الطرق النشطة وأساليب التعليم الفعال يوجد منهج مونتيسوري التعليمي، الذي سيكون موضوع هذه السلسة/البحث.

لماذا منهج مونتيسوري بالتحديد؟ للإجابة عن هذا السؤال لا يسعنا إلا القول أن أسباب اختيار هذا الموضوع بالذات تنقسم إلى قسمين:

– أسباب موضوعية وهي:

– كون المنهج واحدا من الطرق التعليمية ذائعة الصيت عالميا، والذي يمتاز بانتشار عالمي كبير.
– التعرف على المنهج والاستفادة منه أو الاقتباس منه، لتصميم دروس وأنشطة تلائم المتعلمين.
– كون المنهج، بشهادة العديد ممن تَعَرَّفَ عليه، يُحقق نتائج تعليمية إيجابية.
– المنهج مستمر لأكثر من 100 سنة، وهو شيء لا يُمكن أن يكون صُدفة، بل دليلا على مدى نجاحه وتجدده و فعاليته.
– المنهج يعتمد أسلوب تعلم ملموس ومحسوس متوافق مع حاجات المتعلمين، بعيدا عن المجرد.
– المنهج قد يكون مجهولا لدى البعض، وقد تكون معلومات البعض الآخر عنه قليلة، لهذا نطمح إلى يحمل هذا البحث أجوبة شافية لكل من يريد التعرف على هذا المنهج التعليمي.

– أسباب ذاتية وهي:

كانت لي -قبل سنوات- فُرصة التعرف على منهج مونتيسوري التعليمي، بل لقد نال إعجابي كثيرا لما يبدو فيه من بساطة وحرص على احترام المتعلم على طبيعته بشكل يُصبح معه تحقيق الأهداف شيئا يسيرا، ويغذو التعليم والتعلم معه  سلسا غير ممل و غير روتيني. وهكذا إذن قُمت بكتابة مقال تعريفي عن هذا المنهج وعن فلسفة مونتيسوري في مدونة تعليم جديد، التي كان لي فيها شرف التأسيس والتدوين.

وعلى العموم، يبقى الهدف الرئيسي من هذه السلسلة هو تسليط بعض الضوء على هذا المنهج عبر التعريف به، ومحاولة الإحاطة بأهم النقط التي يجب أن نعرفها عنه (التعريف، المزايا، التطبيق، العيوب، المبادئ… وغير ذلك). كما نروم من خلال هذا البحث أيضا تحقيق أهداف أخرى لا تقل أهمية، يمكن إجمالها في:

–  التعرف على أساسيات وفلسفة هذا المنهج وخطوطه العريضة.
– تعرف كيف  يتم تطبيقه داخل الفصول الدراسية.
– إمكانية جعل هذا البحث ُمنطلقا لبحوث أخرى تتناول هذا المنهج بتفصيل أكثر وتعالج جوانب ربما لم يتطرق لها البحث بالتفصيل.
– معرفة آراء ومواقف المربين و الآباء والأمهات (أولياء الأمور عموما) و الباحثين من هذا المنهج.

هكذا إذن يبدو أن منهج مونتيسوري التعليمي قد يكون الطريقة المناسبة للتدريس والتعلم، أو على الأقل قد يكون واحدا من الطرق التي لا ينبغي الاستغناء عنها في العملية التعليمية التعلمية، باعتباره حلا فعالا لعدة مشاكل وعوائق تعليمية تعرقل السير العادي للتعليم والتعلم، من قبيل فُتور حماس المتعلمين و مللهم أثناء الحصص الدراسية وضعف مستوى تركيزهم وتدني المستوى التعليمي و ضعف النتائج والمردودية واعتماد أساليب تقويمية تهتم بجوانب وكفايات وقدرات ومهارات محددة وتغفل أخرى لا تقل أهمية… وغير ذلك من المشاكل التي تكاد لا تنتهي.

لكن، هل فعلا هذا المنهج كفيل بسد كل الثغرات التي تعترض التعليم وتقف في طريق التعلم؟ هل تطبيقه ممكن ومُتيسر في كل الظروف، ولكل المربين والمربيات؟ هل هو فعلا ثورة تربوية حقيقية أم مجرد موضة عابرة ليس إلا؟

هذا ما سنحاول التطرق إليه من خلال هذا البحث، الذي نتمنى أن يكون لبنة تنضاف إلى البناء التربوي المتجدد يوما بعد يوم.

السيرة الذاتية ل ” ماريا مونتيسوري ” 

ماريا مونتيسوري طبيبة إيطالية ذات شهرة كبيرة على الصعيد العالمي مشهود لها بابتكار وتبني طريقة تعليمية رائدة مبنية على ترك الأطفال يتعلمون بشكل طبيعي. تمتعت بشخصية قوية. و هي كذلك أول مربية إيطالية اتبعت المنهج العلمي  في التعليم، و استعانت لتحقيق ذلك بالملاحظة و المراقبة والتجارب و البحث العلمي معتمدة على ملاحظة و دراسة تطور الأطفال و آلية تعلمهم.

قامت ماريا بافتتاح أول مدرسة مونتيسوري Casa dei Bambini  ومعناها دار الأطفال في روما بإيطاليا يوم 6 يناير 1907. لتسافر بعد ذلك عبر العالم للتعريف بمنهجها التعليمي في تكوين وتربية الأطفال الصغار، واهتمت أيضا بكتابة العديد من الكتب التعريفية بهذا المنهج، ليصل عدد مدارس مونتيسوري في يومنا الحاضر إلى أزيد من 22.000  مدرسة موزعة على أكثر من 110 بلدا في جميع أنحاء العالم. (و كمثال، يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ما يقارب 5.000 مدرسة تعتمد هذا المنهج، وحظيت هذه المدارس بفرصة تعليم بعض مشاهير العالم مثل ستيف جوبز مؤسس شركة أبل الرائدة، وبيل غيتس مؤسس شركة ميكروسوفت الغنية عن التعريف)

وُلدت ماريا مونتيسوري في 31 أغسطس 1870، في بلدة ريفية نواحي شيارافال  بإيطاليا. كان والدها مديرا ماليا لمؤسسة صناعية تابعة للدولة ووالدتها منتمية لعائلة رائدة في الميدان التربوي التعليمي، الشيء الذي وفر لها فرصة لتعليم جيد ودراسة متميزة و جعلها تصبح فتاة متعطشة للقراءة، وهو أمر لم يكن  عاديا بالنسبة للمرأة الإيطالية في ذلك الوقت. مستفيدة في ذلك من سنوات طفولتها الأولى التي قضتها في روما التي تُعتبر جنة من المكتبات والمتاحف والمدارس الجميلة. ليستمر تعطشها للمعرفة، و تُواصل دراستها وتكوين نفسها في مجالات معرفية متنوعة قبل إنشاء وابتكار طريقة تعليمية تحمل اسمها.

1- كسر الحواجز

كانت ماريا طالبة واثقة من نفسها طموحة، وغير راغبة في أن تكرر النموذج النمطي التقليدي المفروض على المرأة أن تتبعه. وعليه و في سن الثالثة عشرة  دخلت مونتيسوري معهدا فنيا يُعنى بتحضير التلاميذ للعمل في مجال الهندسة. لكنها غيرت رأيها بعد ذلك، وقررت أن تصبح طبيبة بدلا من ذلك. لتتقدم بطلب إلى جامعة روما للانخراط في برنامج تعلم الطب، لكن طلبها قوبل بالرفض. لتأخذ بعد ذلك ماريا دورات إضافية تمكنها من الاستعداد بشكل أفضل لدخول كلية الطب، وهو الشيء الذي ستتمكن من تحقيقه بعد مثابرة و بذل جهد كبير، وتفتح الباب على مصراعيه أمام النساء مستقبلا لولوج هذا المجال. وبهذا فمونتيسوري عندما تخرجت من كلية الطب في عام 1896، كانت أول طبيبة إيطالية، في وقت كانت فيه دراسة الطب خاصة بالرجال فقط.

2- ولادة حركة

تابعت ماريا مونتيسوري دراستها كذلك في علم الأحياء وعلم النفس والفلسفة، لكنها اهتمت أكثر في ممارستها الطبية – ومنذ وقت مبكر- بالطب النفسي. كما اهتمت بمجال التعليم، عبر حضور دروس في التربية و عبر دراسة النظريات التربوية المختلفة. لتخلص بفضل دراستها إلى وضع الأساليب السائدة في تعليم الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية والنمائية على المحك.

اهتمت بدراسة أعمال الطبيبين جان إيتارد و إدوارد سيجوان اللذان اشتهرا بأعمالهما حول الأطفال المعاقين، كما تأثرت بأعمال فريديك فروبل و يوهان هاينريش بستالوتزي و كذلك جان جاك روسو (الذي يطالب بعودة الطفل إلى أحضان الطبيعة). لتتبنى مونتيسوري فكرة تربية الطفل وفق ميوله لتنميته حركيا و فكريا و روحيا  عبر مجموعة أنشطة تنمي إمكانياته و تلبي حاجاته داخل مؤسسات متخصصة و طبقا لمواصفات و أهداف تعليمية دقيقة.

لكن كان على ماريا مونتيسوري أن ننتظر حتى سنة 1900 لتُتاح لها  فرصة تطوير هذه الطرق، وذلك عندما تم تعيينها نائبة مدير في مؤسسة متخصصة في تكوين وإعداد المدرسين. لتُباشر ماريا مهمتها متبعة منهجا علميا يعتمد الملاحظة الدقيقة المتأنية والتجريب لترى وتحدد أي طرق التدريس يمكن اعتبارها الأحسن والأكثر فعالية.

كذلك، اشتغلت في روما مع أطفال من ذوي الإعاقات العقلية، لتتكون لديها القناعة أن هؤلاء الأطفال بحاجة إلى منهج تعليمي يُلائمهم أكثر من حاجتهم إلى الرعاية الطبية.

ثم تتاح لها لاحقا الفرصة، وتتمكن من إنشاء مدرسة متخصصة في رعاية هؤلاء الأطفال، وتعمل على ابتكار مُعدات ووسائل و أدوات تربوية تعليمية للمساعدة على تحقيق أفضل النتائج، وهو ما حصل بالفعل. فقد تمكن أطفال مونتيسوري من تحقيق تقدم هائل جعل بعضهم يترشحون لامتحانات الشهادة الابتدائية، بل و يحصلون على نتائج جيدة. و هنا تصاب ماريا مونتيسوري بالحيرة من هذه النتائج المبهرة، لتعقد العزم بعد ذلك و تواصل التحدي وتعمل سنة 1907 على افتتاح مركز يُعنى بالأطفال وتعليمهم في منطقة فقيرة ليكون بذلك أول مدرسة مونتيسوري، وهو كما سبق الذكر عبارة عن بيئة تعليمية مناسبة لتعليم الأطفال الصغار. لكن طريقها لم يكن مفروشا بالورود حيث تميز الأطفال في بداية الأمر بالعناد، لكنهم سرعان ما أظهروا اهتماما كبيرا للعمل عبر حل الألغاز وتحضير الوجبات الغذائية ومناولة الوسائل المساعدة على تعلم الرياضيات… (لقد كانت النتائج باهرة، ففي أقل من سنة، أصبح الأطفال/المتعلمون قادرين على القراءة والكتابة بشكل تلقائي والتمتع بحس المسؤولية والثقة في النفس.)

لقد لاحظت مونتيسوري كيف يتعلم الأطفال بحماس من خلال الاستعانة بالبيئة المحيطة بهم، وخاصة عندما يُعلمون أنفسهم بأنفسهم. وهكذا وباستعمال الملاحظة العلمية وبفضل التجربة التي راكمتها من خلال عملها مع الأطفال صغار السن، قامت ماريا بتصميم أدوات ووسائل تعليمية وفصول دراسية تتوافق مع ميول الأطفال وتُعزز رغبتهم الطبيعية في التعلم،

بعد ذلك، واصلت مونتيسوري  أبحاثها ووضعت برنامجا لأطفال المدارس الابتدائية المتراوحة أعمارهم بين 6 و 12 سنة. ومرة أخرى، كانت النتائج مبهرة وجيدة. لينتشر بعد ذلك خبر نجاح مونتيسوري في عموم إيطاليا وفي عام 1910 أصبح نجاحها عالميا (الصين ،الهند، الولايات المتحدة الأمريكية، انجلترا، اسبانيا، هولندا…).

3- معلمة مثالية ومبدعة

و هكذا أهدت مونتيسوري السنوات الموالية  بل وما تبقى من عمرها لخدمة هذا المنهج من خلال إلقاء المحاضرات وكتابة المقالات، كما طورت برنامجا لإعداد المدرسين وفقا لمنهج المونتيسوري. وهو ما تحقق بالفعل، ليصبح نجاحها عالميا بفضل مجهوداتها والعمل الدؤوب للقائمين على المشروع رفقتها.

وبعد أن أصبحت مونتيسوري شخصية عامة انخرطت بنشاط للدفاع عن حقوق المرأة وانخرطت في الكتابة والتكلم بشكل كبير لإعطاء المرأة المكانة التي تستحقها، لتصبح بعد ذلك معروفة في إيطاليا وفي غيرها كصوت نسائي رائد.[1]

ومن من مؤلفات ماريا مونتيسوري يمكننا أن نذكر:

– الطفل في الأسرة.
– من الطفولة إلى المراهقة.
– المرشد في تعليم الصغار.
– التعليم من أجل السلام.
– منهج منتسوري (The Montessori Method, 1912).
– سر الطفولة (The Secret of Childhood 1936).
– اكتشاف الطفل (The Discovery of the child).
– طريقه مونتيسوري المتقدمة (Method 1917-18 The Advanced Montessori).
– التربية من أجل عالم جديد (Education for a New World 1946).
– القوة الإنسانية الكامنة (To Educate the HumanPotential 1948).
– العقل المستوعب (The Absorbent Mind, 1949).

لكن للأسف تتزامن أفكار مونتيسوري المبدعة و المثالية مع ظروف صعبة وعنيفة متمثلة في الحرب العالمية الثانية والأوضاع السياسية غير المستقرة،  لكن هذا لم يزدها إلا إصرارا، حيث ألهمها على إضافة تربية وثقافة السلام إلى منهج مونتيسوري التعليمي. لكنها لم تستطع فعل الكثير حيال هذه الأحداث العالمية، فسافرت إلى الهند سنة 1940 عندما اندلعت أعمال القتال بين إيطاليا وبريطانيا مما أجبرها على العيش في المنفى طيلة الفترة المتبقية من الحرب. لكنها واصلت العمل هناك  أيضا في لتدريب المعلمين على منهجها.

رُشحت لجائزة نوبل للسلام ثلاث مرات. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية عادت إلى أوروبا، و عاشت سنواتها الأخيرة في أمستردام بهولندا. و توفيت ماريا مونتيسوري، في حديقة أحد أصدقائها، في 6 مايو 1952. لكن منهجها ظل حيا يتطور إلى يومنا هذا.

الصورة أسفله تدخل في إطار تكريم ماريا مونتيسوري من طرف الدولة الإيطالية، وذلك بوضع صورتها على العملة الورقية ألف ليرة إيطالية.

ملاحظة هامة: منهج مونتيسوري التعليمي كان مُوجها في بدايته للأطفال ذوي الإعاقة ( ذوي الاحتياجات الخاصة – أصحاب الهمم ) إلا أنه مع ذلك صالح ويمكن العمل به مع جميع المتعلمين.


الإحالات

[1] الموقع الالكتروني مجتمع مونتيسوري الأمريكي http://amshq.org/Montessori-Education/History-of-Montessori-Education/Biography-of-Maria-Montessori. عنوان المقال باللغة الإنجليزية Maria Montessori Biography  3 مارس 2016.

المراجع

البحث في Google:





عن رشيد التلواتي

مدرس ومدون و مهتم بتكنولوجيا التعليم. عضو مؤسس و محرر بموقع " تعليم جديد ". حاصل على الإجازة في الدراسات الأمازيغية، الأدب الأمازيغي. حاصل على شهادة متخصص مايكروسوفت أوفيس (MOS: Word, Powerpoint).

3 تعليقات

  1. مقال جد رائعة فعلا منهج كنتسوري أحسن المناهج التعليمية لابد ان يعتمد عليه في جميع المدارس للوصول إلى تعليم متميز و تحقيق متعة التعليم

  2. محمد البشير الحاج سالم

    أحسنت أستاذ رشيد، مقال متميز سيساهم مع ما يليه من مقالات وبحوث جادة في إحياء منهج مونتيسوري العملي الرائد، في عصر صارت فيه المناهج التعليمية سوقا تجارية يخوض فيها غير المتخصصين، تأتينا بضاعتها من كتّاب بعضهم لم يمارسوا العملية التعليمية مطلقا، مرجعهم الوحيد هو بعض المقالات النظرية المجردة المترجمة غالبا ترجمة حرفية لا تتناسب مع بيئاتنا وظروفنا وإمكانياتنا التعليمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *