الصحة النفسية بين الوالدين والأولاد

مقدمة:

الصحة النفسية عامل حاسم في الصحة العامة لأي شخص، ولها بالفعل تأثيرٌ كبيرٌ على حياة الشخص سواء كان بالإيجاب أو السلب، فهذا يتوقف على تعامل الأفراد مع صحتهم النفسية وتعامل المجتمع من حولهم معه. وعندما يتعلق الأمر بالوالدين وأولادهم، فإن العلاقة بين الصحة النفسية لكليهما تصبح معقدة ومتعددة الأوجه. حيث يلعب الآباء دورًا حاسمًا في صحة أولادهم النفسية، ويمكن أن تؤثر صحتهم النفسية الخاصة بهم بشكل إيجابي أو سلبي على الصحة النفسية لأولادهم.

ولذا، يُعَدُّ فهم العلاقة بين الصحة النفسية للوالدين والأولاد أمرًا ضروريًا لتعزيز نتائج الصحة النفسية للبيت بجميع أفراده. وسنستكشف في هذه المقالة تأثير الصحة النفسية للوالدين على أولادهم وللأولاد أيضاً على والديهم، وعوامل حماية الصحة النفسية للوالدين وللأولاد.

تأثير الصحة النفسية للوالدين على الأولاد

يمكن أن تؤثر الصحة النفسية للوالدين بشكل كبير على الصحة النفسية لأطفالهم. فالأولاد الذين يعيشون مع آباء – يعانون من أمراضٍ نفسية – أكثر عرضة من غيرهم للإصابة أيضاً بنفس الأمراض النفسية التي يعاني منها والديهم. فعلى سبيل المثال، أطفال الآباء المصابين بالاكتئاب هم بالتبعية أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق من باقي الأطفال. وإصابة الطفل بالأمراض النفسية في هذه الحالة بعيدة تماماً عن العوامل الوراثية، فهي متعلقة بشكل رئيسي بنشأة الطفل والمواقف التي تعرض لها خلال طفولته والتي كوّنت شخصيته الحالية.

علاوةً على ذلك، قد يتعرض الأولاد الذين ينشؤون في أسر يعاني فيها الآباء من مشاكلٍ مع الصحة النفسية غير المعالجة للإهمال، سوء المعاملة والتنمر من الأطفال من حولهم، وهو ما يجعلهم يميلون أكثر للعزلة والانطوائية، مما قد يؤدي إلى تدهور صحة الأطفال النفسية. ولذا من المهم أن يهتم الآباء باحتياجات صحتهم النفسية بشكل استباقي، من أجلهم في المقام الأول ومن ثم من أجل الحفاظ على صحة أطفالهم النفسية.

ويجب أن يكون اهتمام الوالدين بذلك بشكل استباقي حيث أثبتت الدراسات أن الوالدان يصبحان أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية في السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل.

عوامل حماية الصحة النفسية للأطفال

هناك عوامل وقائية كثيرة من الممكن أن تخفف من التأثير السلبي لصحة الوالدين النفسية على الأولاد. على سبيل المثال، قد يكون الأولاد الذين يحظون بدعمٍ من نوعٍ آخر – مثل تلقيهم الدعم والاهتمام من الأجداد أو أفراد الأسرة الممتدة أو الأصدقاء – أقل تأثُّراً بالأمراض النفسية التي يعاني منها والديهم. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون الأولاد الذين يحظون بإمكانية الوصول إلى موارد وخدمات الصحة النفسية، مثل العلاج النفسي أو مجموعات الدعم، مجهزين بشكل أفضل للتعامل مع حالات الصحة النفسية لوالديهم، فكلما زاد وعيهم بما يحدث من حولهم كلما زادت قدرتهم على التعامل مع الأمر.

ومن هنا يأتي دور الوالدين، المدرسين وأولياء الأمور بشكلٍ عام، بأن يحرصوا على توفير الدعم والتوعية المستمرة للأطفال، فيقومون بتثقيف صغارهم عن جانبهم النفسي، كمادة رئيسية يجب تعلمها كما هو الحال مع باقي المناهج الدراسية في المدرسة، ليتعرفوا على مشاعرهم ويقوموا بتعلم كيفية التعامل مع مشاعرهم بشكلٍ صحي. كما أتاحت منصة توينكل البريطانية العديد من الموارد التعليمية التي بإمكانها تقديم المساعدة في عملية تعليم الصغار وتثقيفهم عن صحتهم النفسية، ومن ضمن هذه الموارد لوحات تنظيم المشاعر وشرائح عرض للتوعية بالصحة النفسية وغيرهم الكثير، والتي بدورها ستسهل دور أولياء الأمور أو مقدمي الرعاية للأطفال.

كما يمكن للوالدين أيضًا اتخاذ خطوات لدعم صحة أطفالهم النفسية بغض النظر عن حالة صحتهم النفسية. كتوفير بيئة داعمة ومتقبلة، تدرك وتؤكد أهمية الرعاية الذاتية والتواصل المستمر حول الصحة النفسية.

تأثير الصحة النفسية للأطفال على الوالدين

تؤثر الصحة النفسية للأطفال أيضًا على صحة الوالدين النفسية. فقد يشعر الآباء بالعجز والذنب إذا كان أطفالهم يعانون من أزماتٍ نفسية، والتي بدورها ستقوم بالتأثير على صحة الوالدين النفسية، ربما لإحساسهم أنهم قد يكونون عاملاً من عوامل مرض أولادهم. كما أنَّ رعاية طفلٍ يعاني من أمراضٍ نفسية حتمًا ستكون عملية مرهقة عاطفياً ومؤذية نفسيًا.

عوامل حماية الصحة النفسية للوالدين

وبنفس الكيفية، توجد عوامل وقائية يمكن أن تساعد الوالدين في التغلب على تحديات رعاية طفل يعاني من أمراضٍ نفسية. أهمها دعم الأصدقاء أو العائلة أو متخصصي الصحة النفسية والذي سيزودهم بالدعم العاطفي وهم في أمس الحاجة إليه، بالإضافة إلى بعض النصائح العملية وإحساسهم بالانتماء للمجتمع. يمكن للوالدين أيضًا الوصول إلى الموارد والخدمات المصممة لدعمهم في رعاية احتياجات الصحة النفسية لأطفالهم. مثل العلاج الأسري خاصةً أنه يمثل مساحة آمنة وداعمة للعائلات للعمل معاً وتخطي تحديات الصحة النفسية.

أهمية طلب المساعدة من الوالدين

من المألوف أن يعطي الآباء الأولوية لاحتياجات أطفالهم ويفضلوها على احتياجاتهم الخاصة. مع أن هذا أمر مفهوم، إلّا أنه من الضروري أن يطلب الآباء المساعدة عندما يحتاجون إليها، فقد يجد الآباء الذين يهملون احتياجات صحتهم النفسية صعوبة في تقديم الدعم والرعاية التي يحتاجها أطفالهم.

فطلب المساعدة فيما يتعلق بمخاوف الصحة النفسية ليس علامة على الضعف. بل يتطلب الأمر شجاعة كبيرة للاعتراف بأنك بحاجة إلى المساعدة وأن تبدأ باتخاذ خطوات لتلبية احتياجات صحتك النفسية.

خاتمة:

العلاقة بين الصحة النفسية للوالدين والأولاد معقدة للغاية وليست بالأمر الذي يسهل التعامل معه. ولكن فهم هذه العلاقة أمرٌ بالغ الأهمية لتعزيز نتائج الصحة النفسية بشكل إيجابي للعائلة في النهاية. فالآباء يلعبون دورًا حاسمًا في تشكيل الصحة النفسية لأطفالهم، وبالتأكيد سيكون من المفيد اتخاذ خطوات استباقية لتلبية احتياجات الصحة النفسية الخاصة بهم أنفسهم وكذلك أطفالهم. وكن دائماً على يقين أنه من المهم للغاية الوصول إلى الموارد والخدمات الداعمة للوالدين والأولاد في مواجهة تحديات الصحة النفسية ومتابعة الأمر بشكلٍ مستمر لضمان تخطي هذه الأزمات النفسية.

 

 


مصادر:

https://www.onlymyhealth.com/world-mental-health-day-impact-of-parental-mental-health-on-child-1665397220

https://epozytywnaopinia.pl/ar/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84

https://www.twinkl.com.kw/resources/middle-east-resources/uae-middle-east/arabic-teaching-materials?utm_source=Web&utm_medium=social&utm_campaign=Parent_Mental_Health

https://www.mayoclinic.org/ar/tests-procedures/family-therapy/about/pac-20385237

البحث في Google:





عن أحمد عبدالبارئ

كاتب إبداعي ومدّون مصري مهتم بالصحة النفسية والقضايا المجتمعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *