إستراتيجيات حديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها : الطريقة المباشرة The Direct Method

 هذا المقال هو المقال الثالث من سلسلة مقالات حول إستراتيجيات حديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، للكاتب الدكتور أحمد حسن والتي ينشرها حصريا على مدونة تعليم جديد. المقال الأول طريقة القراءة من هنا. المقال الثاني: طريقة النحو و الترجمة Grammar Translation Method من هنا.

أ- النشأة

جاءت هذه الطريقة ثمرة لحركة الرفض الواسعة لطريقة النحو والترجمة التي ظهر فشلها في الاستجابة للأهداف التي استجدت في حقل تعليم اللغات، ويعود الفضل في تأسيس هذه الطريقة إلى المربي الفرنسي يعقوب جوان([i]) في نهاية القرن التاسع عشر([ii])، وسميت بالطريقة المباشرة لأن التعلم فيها يتم بالربط المباشر بين الكلمات الأجنبية والعبارات والأشياء والأحداث التي تدل عليها بدون استخدام اللغة القومية من جانب المدرس أو من جانب الطلبة. ([iii])(أي تستخدم اللغة الهدف فقط في الدرس).

ب- مدخل الطريقة

ظهرت هذه الطريقة في الوقت الذي ظهرت فيه الدراسات اللغوية الحديثة التي دعت إلى دراسة اللغة دراسة علمية مجردة، وكان من أساسيات هذه الدراسات أن اللغة سلوك طبيعي، وأن الأصل فيها الكلام الشفهي، وأن الكتابة مظهر ثانوي طارئ على اللغة، وعلى الرغم من أن فكرة هذه الطريقة بدأت قبل ظهور هذه النظريات، فإنها آمنت بهذه الأساسيات.([iv])

وتستند هذه الطريقة إلى عدد من المبادئ أهمها:

* تتماثل الطريقة التي يتم بها تعلم اللغة الثانية مع الطريقة التي يتعلم بها الفرد لغته الأولى.

* يستند تعلم اللغات إلى نتائج دراسات علماء النفس.

* ينبغي تدريس اللغة أصواتا وجملا في إطار موقف طبيعي ترتبط به هذه الأصوات والجمل بمدلولاتها سواء عن طريق تجسيد الفعل من المعلم، أو أداء الدور، أو عن طريق إحضار عينة من الأشياء التي تدل عليها الكلمات.

* يترتب على ما سبق أن الترتيب الطبيعي في تعلم مهارات اللغة: الاستماع ثم الكلام ثم القراءة ثم الكتابة.([v])

ج- نموذج تدريسي

– في المرحلة الشفهية يدخل المعلم إلى غرفة الصف، ويسلم على الطلاب ويحييهم باللغة الهدف، ثم يسألهم عن درس اليوم وعن بعض أهدافه، فيردون عليه باللغة الهدف أيضا، مستعملين كلمات معروفة وعبارات قصيرة.

– يستمر المعلم في طرح الأسئلة على الطلاب وهم يجيبون، ويقوم أحيانا بإصدار بعض الأوامر التطبيقية لهم، نحو: (أغلق الباب يا محمد، افتح النافذة يا صالح، اجلس هنا يا علي، امسح السبورة لو سمحت، تقدم يا منصور، اجلس بجوار زميلك سالم… وهكذا).

– هذه الخطوات التي يقوم بها المعلم لا بد أن تكون مدروسة ومعدة سلفا، وفق خطوات المنهج والكتاب المقرر، وأن يتأكد المعلم أن طلابه يستطيعون المشاركة فيها وتنفيذها، بما يعرفه عن مستواهم وحصيلتهم في اللغة الهدف، وقد يجري المعلم في نهاية الحصة تقويما لأداء الطلاب ومدى استيعابهم لما قدم لهم.

– في درس من الدروس التي يكون الطلاب فيها قادرين على القراءة، بالإضافة إلى الحديث الشفهي، يحضر المعلم درسه مبنيا على نمط محدد أو قاعدة معينة يريد تقديمها إلى الطلاب، مستعينا بصورة يضعها على الحائط أو يرسمها على السبورة بحيث تكفي لشرح جميع الكلمات المراد تقديمها في هذا الدرس، مع الاستعانة بالحركات والتمثيل لتوضيح معاني الكلمات المجردة، وفي أثناء ذلك، يردد الطلاب بعض الكلمات والعبارات استعدادا للإجابة عن الأسئلة التي قد يلقيها عليهم المعلم فيما بعد.

– يتم ذلك دون تدخل مباشر من المعلم، وربما يخطئ الطالب في هذه المرحلة، غير أن المعلم لا يقوم بتصحيح أخطائه إلا في حالات معينة.

– بعد أن ينتهي المعلم من تدريس الكلمات والعبارات، ويفهمها الطلاب فهما حقيقيا، يطلب منهم أن يقرءوا النص من الكتاب المقرر قراءة جيدة تتفق مع الطريقة التي تعلموا بها هذه المفردات والعبارات، وعادة ما يقرأ المعلم النص بنفسه جملة جملة، وهم يرددون خلفه جماعيا، ثم يقرأ الطلاب النص بعده قراءة سليمة صحيحة، مراعيا فيها النطق السليم، من نبر وتنغيم ووقف.

– في نهاية الحصة يطرح المعلم عددا من الأسئلة التي تدور حول النص، والطلاب يجيبون عنها باللغة الهدف، وعندما ترد صعوبات في فهم كلمات أو عبارات، يقوم المعلم بشرحها وكتابة الشرح على السبورة والطلاب يدونون ذلك في كراسة الملحوظات أو على حواشي الكتاب المقرر.

– ربما يختتم الدرس بأناشيد يرددها الطلاب، تحتوي على الكلمات والعبارات المراد تعلمها، ثم يغادرون القاعة فرحين بفهمهم لمادة الدرس. ([vi])

– يختلف التدريس بهذه الطريقة حسب مستوى المتعلمين والمراحل التي قطعوها في اللغة الهدف، بيد أنها تتفق في أمر واحد هو تقديم المادة بشكل منظم ومتدرج، لا تتقدم فيه خطوة على خطوة، سواء أكانت شفهية أم مكتوبة.

د- ملامح الطريقة

– يتم التعليم في الصف باللغة الهدف بصورة كلية. (الهدف الأسمى لهذه الطريقة أن يفكر الدارس باللغة العربية).

– لا تعلم إلا المفردات والجمل التي يشيع استعمالها في الحياة اليومية.

– يدرس النحو عن طريق أسلوب الاستقراء. (أي الانتقال من الأمثلة إلى القاعدة)

– تقدم النقاط الدراسية الجديدة شفويا.

– تدرس الكلمات الحسية عن طريق التمثيل والأشياء الحقيقية والصور، أما الكلمات المجردة فتعلم عن طريق ترابط الأفكار.([vii])

– يتكون الدرس عادة من قصة أو حوار بسيط.

– يقدم الحوار أو المادة اللغوية مصحوبة بالوسيلة التعليمية المناسبة.

– تحرم الترجمة في تعليم اللغة الهدف.

– تُفضل الطريقة المباشرة التدريبات اللغوية التي تأتي في صورة أسئلة وأجوبة تتعلق بالمادة اللغوية المقدمة للمتعلمين.

– تهتم بثقافة اللغة الهدف وتعمل على تدريسها بطريقة غير مباشرة.

– تقدم النصوص الأدبية لطلاب المستويات المتقدمة بقصد الفهم والمتعة.([viii])

– يركز على النطق السليم ويعلم كلًّا من الكلام وفهم المسموع.

– تبنى المهارات الشفوية الاتصالية في شكل سلسلة متدرجة حول تبادلات السؤال والجواب بين المعلمين والدارسين في صفوف صغيرة ودروس مكثفة.

* وتبلورت هذه المبادئ في الإرشادات الآتية لتعليم المهارات الشفوية:

  • لا تترجم: وضِّح.
  • لا تشرح: مثِّل ودرِّب.
  • لا تخطب: وجه أسئلة.
  • لا تقلد الأخطاء: صحح.
  • لا تتكلم بكلمات مفردة: استعملها في سياق.
  • لا تتحدث كثيرا: اجعل الدارسين يتحدثون أكثر.
  • لا تستعمل الكتاب: استعمل خطة درسك.
  • لا تتجاوز الخطة: اتبع خطتك.
  • لا تسرع جدا: ساير خطوات الدارسين.
  • لا تتكلم بسرعة شديدة: تكلم بشكل طبيعي.
  • لا تفقد صبرك: خذ المسألة ببساطة. ([ix])

ه- مميزات الطريقة

– تقدم اللغة في مواقف حية يستطيع الدارس من خلالها فهم المفردات والتراكيب.

– تعتبر أول محاولة لاستخدام الحوار والسرد القصصي كأساس لتعليم المهارات  اللغوية المختلفة.

– ترفض استعمال اللغة الوسيطة مما يدعم مهارات اللغة الجديدة.

– تستلزم من المعلم التجديد في شرح المادة التعليمية والابتكار في شرح المفردات والتراكيب.

– يعزى إليها فضل شيوع استعمال الوسائل التعليمية.

– استخدمت الأساليب الحديثة في تعليم اللغات الأجنبية مثل الحوار واستعمال الأسئلة والأجوبة والتقليد والإملاء واستنتاج القواعد النحوية من النص.

– تتزايد في ضوئها دافعية الطلاب نحو التعلم. ([x])

و- عيوب الطريقة

– لا مجال في هذه الطريقة لشرح القواعد المدروسة ولو بأسلوب موجز، وهو أمر لا يكاد يستغني عنه البالغ حين يتعلم لغة أجنبية.

– لا مجال لاستعمال لغة وسيطة، ومن ثم يُحرم الطالب من فهم بعض الكلمات التي يعجز المدرس عن شرحها.([xi])

– تسمح للطلاب بحرية الكلام في مواقف غير مخططة؛ مما يترتب عليه أن يخلط الطالب بين لغته الأولى واللغة الهدف.

– استعمال هذه الطريقة على المراحل الأولى المبتدئة من تعلم اللغة، ولا مجال لها في المراحل التالية.

– إن المنطلق الذي تستند إليه هذه الطريقة (أنَّ تعلم اللغة الثانية متماثل مع تعلم اللغة الأولى) محل شك ومحور جدل.([xii]

 


[i] . في بعض المراجع يسمى فرانسوا جوان، وليس يعقوب جوان.

[ii] . الصديق، عمر.(2007). الأسس النفسية واللغوية والتربوية لتعليم وتعلم اللغات. بحث منشور في مجلة العربية للناطقين بغيرها. العدد الخامس. ص31.

[iii] . يونس، فتحي علي؛ الشيخ، محمد عبدالرءوف.(2003). المرجع في تعليم اللغة العربية للأجانب– من النظرية إلى التطبيق. ط1. القاهرة: مكتبة وهبة. ص73.

[iv] . العصيلي، عبدالعزيز إبراهيم.(2002). طرائق تدريس اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ص66.

[v] . الصديق، عمر.(2007). مرجع سابق. ص32.

[vi] . العصيلي، عبدالعزيز.(2002). مرجع سابق. ص67-70.

[vii] . ريتشارد، جاك؛ روجرز، وثيودور.(1990). مذاهب وطرائق في تعليم اللغات وصف وتحليل. ترجمة محمود إسماعيل صيني، وعبدالرحمن عبدالعزيز العبدان، وعمر الصديق عبدالله، الرياض، دار عالم الكتب. ص 19-20.

[viii] . الصديق، عمر.(2007). مرجع سابق. ص32-33.

[ix] . ريتشارد، جاك؛ روجرز، وثيودور.(1990). مرجع سابق. ص20.

[x] . طعيمة، رشدي أحمد؛ مدكور، علي أحمد؛ هريدي، وإيمان أحمد.(2010). المرجع في تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى. ط1. القاهرة: دار الفكر العربي. ص ص303-304.

[xi] . الصديق، عمر.(2007). مرجع سابق. ص34-35.

[xii] . طعيمة، رشدي.(2010). مرجع سابق. ص305.

مرجع الاقتباس

أحمد حسن محمد علي.(2020). إستراتيجيات حديثة في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ط1. أنقرة، دار سون تشاك، ص ص76-81.

البحث في Google:





عن د. أحمد حسن محمد علي

أستاذ اللغة العربية المساعد بكلية الشريعة في تركيا، حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من كلية التربية بجامعة عين شمس- قسم المناهج وطرق التدريس، التخصص تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، جمهورية مصر العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *