الفهم العميق

الفهم العميق وحاجتنا له في التدريس

التدريس للفهم من الضروريات التي يجب أن يسعى إليها كل من يمل بالتدريس، حيث من أنه من أهم الأهداف التربوية وهو يشجع التلاميذ على التعلم العميق والذي يغطي طائفة واسعة من المواد، وتكون نتيجة جهد جيد لتعلم حقيقي للتلاميذ يستفيدون منه في مراحلهم الانتقالية المقبلة.
فالفهم يعني أن يكون الطالب قادرا على إعطاء المعنى للموقف الذي يواجهه، ويستدل عليه من خلال مجموعة من السلوكيات كأن يترجم، يفسر، يستكمل، أو يشرح أو يعطي أمثلة أو يستنتج أو يعبر عن شيء ما.

الفهم العميق يعني إدراك المفاهيم والمعاني المرتبطة والمتصلة مع بعضها البعض والتي يمكن استدعاؤها في الحال، حيث كل مفهوم له معنى عميق في عقل المتعلم، يتضمن إدراك الترابطات بين هذه المفاهيم، وتكوين معان جديدة قائمة على  ما يعرفه المتعلم من معان وخبرات حالية، فالفهم العميق يعني أم المفاهيم جيدة التمثيل والارتباط. ( zirbel,2006,3)

وتعرفه سمعان (2006): هو ذلك النوع من الفهم الذي يجعل الطلاب قادرين على ممارسة مهارات التفكير التوليدي واتخاذ القرار المناسب وإعطاء تفسيرات ملائمة وطرح تساؤلات جوهرية متعددة المستويات.

كما يعرف بأنه أكثر من مجرد معرفة المتعلمين مجموعة من الحقائق المجردة، فالفهم يتضح من خلال توظيف ما فهموه من المحتوى العلمي واستخدامه ببراعة وإتقان بشكل عميق

وفي هذا السياق، يرى مارزانو وآخرون (53 :2016 , Marzano , Pickering & Pollock) أن الفهم العميق هو عملية عقلية تقوم على ثلاث عمليات فرعية هي: تشكيل المفهوم، وتشكيل المبدأ، والفهم والاستيعاب، وهذه العمليات الثلاث ترتبط بالمرحلة النمائية التي يمر بها المتعلمون وفق منحى بياجيه في النمو العقلي المعرفي، كما ترتبط بخصائص الخبرة وبالظروف البيئية ومعطياتها بالنسبة للمتعلمين.

ويتضمن الفهم العميق أبعادا معرفية وعقلية كالشرح والتفسير، وأبعادا وجدانية كمعرفة الذات، الأمر الذي يوضح أن الفهم لا يقتصر على التحصيل فقط، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى من شخصية المتعلم تؤثر في أدائه و ممارساته اليومية. لذلك فان التعرف على الذات يعد بعدا ومتغيرا هاما في عملية التعليم، إذ أنه يؤثر على سلوك الفرد وتصرفاته والكيفية التي يدرك بها الفرد ذاته، و تؤثر بالطرق التي يسلك بها فهو من المحددات الهامة في خبرات التعلم لدى الطلاب في مراحلهم التعليمية المختلفة، ويتفق علماء النفس على أن اكتساب الطلاب للمهارات المعرفية ينبغي أن يمضي قدما مع نمو مفهوم الذات الإيجابي لديهم. (أحمد، 2013، 20 )

مظاهر الفهم العميق  يذكرها ( chin,brown.2010):

  • التفكير التوليدي.
  • طبيعة التفسيرات.
  • طرح التساؤلات.
  • اتخاذ القرارات.

ويرتبط الفهم العميق بخمسة أشكال من النشاط العقلي وهي:

  1. بناء العلاقات: ويتم فيها بناء المعنى من خلال ربط المعرفة الجديدة بالمعارف السابقة للمتعلم.
  2. توسيع المعرفة العلمية وتطبيقها: ويتم فيها توظيف ما اكتسبه المتعلم في مواقف جديدة.
  3. التفكير في الخبرة: وتتطلب من المتعلم الفحص الواعي لأدائه أو تحركاته وأفكاره عند حل المشكلات غير المألوفة حيث يتضمن حل المشكلة الفحص الواعي للعلاقة بين المعلومات المتوافرة لديه وشروط الموقف المشكل.
  4. التعبير بوضوح: وتتمثل في قدرة المتعلم على الاتصال والتعبير عن أفكاره بوضوح، وهي تعد مؤشرا للفهم العميق لأنها تتضمن قدرته على نقل خبرته للآخرين سواء بشكل لفظي أو مكتوب.
  5. بناء المعرفة العلمية الخاصة به: يستطيع المتعلم عندما يفهم فهما عميقا أن يبني المعرفة من خلال نشاطه الخاص (فهد حمدان حسن، 2017، 138). وفي هذا السياق، يشير إلى أن الفهم العميق يتطلب من المتعلم أن يعتمد على العلاقات بين محتوى التعلم والمعرفة المتشكلة في بنائه المعرفي والخبرة، وأن يستثمر جهوده في توظيف عمليات التفكير مثل التوسيعات اللفظية والصور لتوليد الأفكار والاستعارات والمتشابهات وبناء المعاني، وأن يستخدم المعرفة السابقة أو المخططات العقلية في طرح التساؤلات والمناقشة.

الفهم العميق يتضمن عدة أبعاد وهي كما يذكرها (محمد، 2016):

الشرح Explanation :

ويتمثل في قدرة المتعلم على تقديم شرح وتوضيح للمحتوى المقدم له، مع تدعيم هذا التوضيح بالمبررات المناسبة، والمتعلم المتمكن من الشرح يحدد مضمون المحتوى والمفاهيم المتصلة به، ويربطها مع بعضها البعض بشكل يعمق الفهم له.

التفسير Interpretation:

ويقصد به قدرة المتعلم على تحديد الأسباب التي أدت إلى نتائج معينة والتعرف على الشواهد والأدلة المرتبطة بالمحتوى، والتوصل إلى النتائج، وتقديم تفسيرات ذات معنى.

التطبيق Application:

ويقصد به قدرة المتعلم علي استخدام المعرفة بفاعلية في مواقف جديدة وسياقات مختلفة.

المنظور Perspective:

ويقصد به قدرة المتعلم على تمثيل المشكلة وتصويره لها بعدد من الطرائق المختلفة وحلها من زوايا متعددة.

التنبؤ:

ويقصد به قدرة المتعلم على الانتقال من العام إلي الخاص، ومن الكليات إلى الجزئيات.

التفهم أو التعاطف Empathy:

ويقصد به قدرة المتعلم على التعرف على مشاعر الآخرين ورؤيتهم للعالم، والتعاطف مع مشاعرهم ومواقفهم الشخصية، شريطة ألا تخالف تلك المشاعر والمواقف الشخصية كل ما من شأنه أن يؤثر على تعميق الشعور الديني الإسلامي، والتسليم بحقيقة الألوهية والربوبية، والأسماء والصفات، وحقيقة الكون والحياة والإنسان وفق التصور الإسلامي لها.

معرفة الذات Self – Knowledge:

وهو قدرة المتعلم على معرفة عاداته العقلية والشخصية، ووعيه بما يفهمه وما لا يفهمه في المحتوى، وإدراكهم لدوره الحقيقي في هذا الكون، والغاية الرئيسة من وجودهم.

سمات الفهم العميق (2001 ,Borchi)

  • الإصرار على فهم المادة.
  • التفاعل مع الآخرين بخصوص محتوى المادة.
  • الربط بين المعارف والأفكار الجديدة والخبرات السابقة.
  • الربط بين المعارف والأفكار الجديدة والخبرات المسابقة
  • إدارة مناقشات يقوم فيها المتعلم يفرض الفروض والتنبؤ، واتخاذ القرارات.
  • استخدام التساؤلات العميقة أثناء التعلم.
  • استخدام أساليب تنظيمية لتكامل الأفكار.

أهمية تنمية الفهم العميق لدى المتعلمين

  • الفهم العميق يربط بين المعرفة السابقة والمعرفة الجدية في إطار مفاهيمي للمعرفة الموجودة بالبنية المعرفية للمتعلم.
  • يساعد على توظيف أكبر للجهد العقلي والربط بين المعرفة الموجودة.
  • يجعل المتعلم مبدعاً ومحللاً في مواجهة المشكلات الدراسية والحياتية.
  • التعلم مع الفهم يساعد المتعلم في امتلاك المعرفة المنظمة للمفاهيم والمبادئ والإجراءات.
  • ممارسة الفهم العميق يشجع على التعلم طويل المدى.
  • ينمو الفهم العميق من خلال خبرات تعلم حقيقية وذات معنى حيث يعتمد المتعلم على نفسه.

وانطلاقا مما سبق، أصبحت تنمية وتعميق الفهم من الأمور الهامة للتعليم، ومن الأهداف الرئيسية التي تسعى إليها التربية لتحقيق التعلم في التعليم وإكساب الناشئة تركيبا عقليا ذا بنية متميزة يمكنهم من استخدام ما تعلموه وتوظيفه في مواجهة تحديات الحياة ومشكلاتها، ومن ثم إعداد مواطنين إيجابيين.

هذا وقد أدركت العديد من الدول المتقدمة ضرورة الاهتمام بتعميق الفهم لدى المتعلمين وجعلته من أهم أولوياتها في إصلاح التعليم. وفي إطار ذلك، تم تقديم العديد من المشاريع العالمية للتدريس من أجل الفهم.
ولابد أن الفهم العميق أصبح من أهم نواتج التعلم المنصوص عليها ضمن المعايير العالمية للتعلم، إلا أنها لم تأخذ حقها من الاهتمام والدراسة في الكثير من المواد الدراسية، وأن الدرجة العادية للفهم مفتقدة لدى الكثير من المتعلمين.

والتعليم الذي ينصب فقط على اكتساب المعرفة وتذكرها ولايرقى بالمتعلم إلى مستوى الإفادة من هذه المعرفة في مواقف جديدة هو تعليم عديم الجدوى في حياتنا اليومية العلمية، حيث فهم المتعلم للموقف الحقيقي يعد عاملا أساسيا في الوصول إلى الاستنتاجات الصحيحة والدلالات المناسبة التي تقوده لحل المشكلات ومن ثم اتخاذ القرارات ليبني المعرفة بنفسه.

 

 

المراجع:

أحمد، محمود حافظ (2013). أثر استراتيجية تعلم الأقران في تدريس التاريخ على تنمية مفهوم الذات والاتجاه نحو المادة لدى طلاب الصف الأول الثانوي، مجلة الجمعية التربوية.

محمد، رمضان (2016). فاعلية استخدام التفكير المتشعب في تنمية التحصيل والحس العلمي وانتقال أثر التعلم في مادة العلوم لدى طلاب المرحلة الابتدائية، مجلة التربية العلمية 19(1)،63-114.

سمعان، نادية (2006). أثر استخدام التقويم الأصيل في تركيب البنية المعرفية وتنمية الفهم العميق ومفهوم الذات لدى معلم العلوم وأثناء إعداده، الجمعية المصريةللتربية العلمية، المؤتمر العلمي العاشر، 595-633.

فهد، حمدان القرني (2017). فعالية تدريس الفيزياء باستخدام الأنشطة المتدرجة في تنمية الفهم العميق لدى طلاب الصف الأول الثانوي. دراسات في المناهج وطرق التدريس، ع 221، ابريل، ص 110-159

 

Zirbel, E., (2006). Teaching to promote deep understanding and instigate conceptual change, Bulletin of the American Astronomical Society, Vol. 38, available

Borich D. (2001):- Vital impression: the KPM approach to children educational, available at” “http://www.paperbackswap.com/vitalimpressions-kom-approach-children/book/0972841504

Chin C & Brown DE. (2010): Learning in science: A comparison of deep and surface approaches. Journal of Research in Science Teaching: The Official Journal of the National Association for Research in Science Teaching; 37(2):109-138.. !.!. : …

Marzano R, Pickering D & Pollock ‘J. (2016): Classroom ‘instruction that’s works: research based strategies for increasing student achievement. 20 editions, alexandria, Virginia: association for supervision and curriculum development (ASCD).

البحث في Google:





عن ياسمين ناصر أبو العون

مديرة وحدة التخطيط والجودة في كلية مجتمع غزة للدراسات السياحية والتطبيقية، ومحاضرة في كلية التربية، حاصلة على شهادة الماجستير من كلية التربية في الجامعة الإسلامية تخصص مناهج وطرق تدريس تكنولوجيا التعليم.

2 تعليقات

  1. محمد معتصم

    شكراًلك طرح رائع

  2. د/ عبدالناصر فايز - جامعة أسوان

    اشكر حضرتك على هذا الموضوع الرائع مع تمنياتي بالتوفيق
    عفوا هل توجد عائلة اسمها ابوالعون في غزة ام اصول مصرية عفوا في السؤال لان انا من عائلة ابوالعون في صعيد مصر تحياتي
    د/ عبدالناصر فايز محمود ابوالعون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *