المحتوى الإلكتروني

تطوير المحتوى الإلكتروني في ضوء نظم الوسائط التكيفية عبر الويب

يعد المحتوى الإلكتروني أحد أهم العناصر الأساسية التي تشكل بيئات التعلم الإلكترونية وأساليب تنظيمها والتفاعل معها. ونظرًا لأن التصميم الواحد للمحتوى لا يناسب جميع المتعلمين لاختلافهم في الأساليب المفضلة للتعلم، والفروق الفردية بينهم في مستوي الخبرات السابقة؛ فقد أصبح الاهتمام بتخصيص وتكييف المحتوى أمرًا ضروريًا من أجل توفير تعلم مرن يناسب جميع الطلاب ويراعي الفروق الفردية بينهم؛ ومن ثم تحقيق أهداف التعلم.
ويصف محمد خميس المحتوى الإلكتروني بقوله “المحتوى هو الملك” ذلك أن المحتوى الإلكتروني من أكثر نواحي التعلم الإلكتروني أهمية، وكلما كان المحتوى جيدًا، كانت عملية التعلم أكثر كفاءة. ولذلك فقد اهتم الكثير من الباحثين والمصممين التعليميين بتصميم وتطوير المحتوى الإلكتروني وأساليب عرضه في بيئات التعلم الإلكترونية، وكذلك أوصت بعض الدراسات السابقة والمؤتمرات بالاهتمام بإعداد المحتوى وتنظيم عرضه من أجل تحسين تعلم الطلاب وتحقيق الأهداف التعليمية. ولقد أشارت دراسة نادر شيمي إلى أن عملية تصميم المحتوى لا تقتصر فقط على تدعيم المحتوى بأكبر كم من الوسائط المتعددة، ولكن الأمر يتعدى ذلك بكثير، حيث يتعلق بأساليب وتقنيات حديثة يمكن توظيفها بفاعلية في إعداد وتطوير وتقديم المحتوى الإلكتروني.
وبالرغم من ذلك فعملية تطوير المحتوى مازالت ترتكز على أشكال محددة ونمطية، وأحيانًا رقمية تقليدية، في حين أن علماء وخبراء تكنولوجيا التعليم ينادون بتنوّع وتكيّف المحتوى التعليمي بحيث يكون مرنًا ويراعي الفروق الفردية بين الطلاب؛ ومن هنا ظهرت الحاجة إلى تطوير المحتوى الرقمي بشكل تكيفي يتوافق مع مستويات الطلاب المختلفة، ويراعي ميولاتهم التعليمية المتنوعة.

تعريف المحتوى الإلكتروني :

يعرف المحتوى الإلكتروني بأنه “المصادر العلمية الإلكترونية التي تم إعدادها وصياغتها، وإنتاجها، ونشرها لممارسة الطالب مهارات البحث والحصول على المعلومات إلكترونيًا بأساليب إبداعية وتعاونية في بيئات التعلم الإلكترونية؛ لتحقيق التعلم إلكترونيًا باكتساب التغييرات السلوكية المناسبة للأهداف التعليمية”.

ويمكن تعريفه أيضًا بأنه جوانب التعلم المعرفية والمهارية لمقرر تعليمي يتم تصميمه وتطويره باستخدام الكمبيوتر وتطبيقاته المختلفة، ومن ثم نشره وعرضه للطلاب، ويتيح الحرية في التنقل والإبحار، فضلاً عن إمكانية الاختيار من بين بدائل متعددة لمصادر التعلم والوسائط التفاعلية حسب احتياجات كل طالب.

خصائص المحتوى الإلكتروني :

يتميز المحتوى الإلكتروني بمجموعة من الخصائص، والتي جعلت منه عنصرًا رئيسًا وهامًا من عناصر بيئات التعلم الإلكترونية، ومنها مايلي:

  • يتضمن وسائط متعددة تفاعلية تدعم عملية التعلم.
  • يوفر المزيد من الروابط التشعبية والمصادر الخارجية التي تثري التعلم.
  • غير مكلف ماديًا مقارنة بالمحتوى التقليدي الورقي.
  • سهولة تحديثه وتطويره في أي وقت.
  • يراعي الفروق والاختلافات بين الطلاب، حيث يتعلم كل طالب حسب سرعته الذاتية.
  • سهولة الوصول إليه في أي وقت ومن أي مكان.
  • إمكانية التكيف والتخصيص، وهذا ما يهدف كاتب التدوينة الحالية إلى توضيحة وتقديمه.

مفهوم نظم الوسائط التكيفية:

تعرف نظم الوسائط التكيفية بأنها نظم تقدم للمستخدمين الكثير من الحرية عبر مساحات فائقة عبر الإنترنت، وتدمج الوسائط الفائقة مع نموذج المستخدم، فالمحتوى الذي يقدمه النظام يتوافق مع معرفة المستخدم وأهدافه وتفضيلاته.

ويعرف الكاتب نظم الوسائط التكيفية بأنها عملية إعداد وتقديم مجموعة من العناصر التعليمية والوسائط المتشعبة Hypermedia خلال بيئة تعلم إلكترونية عبر الإنترنت، بحيث يكون لكل طالب الحرية في اختيار أي منها أثناء التعلم وفقًا لاحتياجاته وأسلوبه المفضل في التعلم، وتسهم بشكل رئيس في تنمية جوانب التعلم لدى الطلاب وتحقيق الأهداف التعليمية.

تقنيات تكييف المحتوى:

يشير محمد خميس إلى أن نظم الوسائط المتشعبة التكيفية والقائمة على الويب (AHSs) تهدف إلى تكييف عرض المحتوى التعليمي على أساس أهداف المتعلم ومعارفه، بالإضافة إلى تكييف عملية الإبحار عن طريق تحديد المسارات المناسبة للمتعلم، وبالتالي ينقسم التكيف في الوسائط المتشعبة التكيفية إلى مجالين أو مستويين هما: تكييف العرض (المحتوى) وتكييف الإبحار.

  • تقنية العرض التكيفي Adaptive Presentation Technique:

وتهدف إلى تكييف محتوى صفحات المقرر التعليمي وفقًا لخصائص الطالب ومستواه المعرفي وخبراته السابقة، وهذه التقنية تتضمن أنماطًا مختلفة لتكييف العرض مثل الصفحات المتنوعة، المقاطع المتنوعة، النص الشرطي، النص المرن، الإطارات، والعناصر والوسائط المتعددة.

  • تقنية الإبحار التكيفي Adaptive Navigation Technique:

وتهدف هذه التقنية إلى مساعدة الطلاب على إيجاد أفضل مسار ضمن بيئة المقرر التعليمي، وذلك من خلال تكييف وتغيير شكل روابط الإبحار حسب الأهداف التعليمية، والمستوى المعرفي للمتعلم وخبراته السابقة، ويتم تحقيق تقنية الإبحار التكيفي بواسطة أساليب مختلفة مثل التعليقات، إخفاء الروابط، إظهار الروابط، التوجيه المباشر، والخرائط.

أهمية نظام الوسائط التكيفية:

يرى كل من إينريك وبيلر وديانا Enrique, Pilar, & Diana أن نظم الوسائط التكيفية صممت خصيصًا للتغلب على مقولة “حجم واحد مناسب للجميع” حيث أنها تعمل على توفير إطار ثري يلبي احتياجات المتعلمين عبر الإنترنت، وتقوم من خلال نموذج المستخدم بتوفير هياكل من الروابط داخل بيئة التعلم الإلكترونية تتيح للمتعلم التوجه إلى المعلومات التي تثير اهتمامه، وذلك من خلال عرض متكيف يتناسب واحتياجاته الشخصية.

وجدير بالذكر أن نظم التعلم التكيفي توفر للمتعلمين بيئة تعلم شخصية تتضمن مصادر تعلم مختلفة، بالإضافة إلى محتوى تكيفي يتضمن وسائط متعددة من نصوص وصور وصوتيات وفيديوهات، كذلك يحقق التعلم النشط، حيث يمكن للطلاب التفاعل مع المحتوى والأنشطة، والتحكم في ذلك تحت إشراف المعلم.

وفي هذا السياق يشير محمد خميس إلى أنه بالرغم من أن هذه النظم تعد امتدادًا لنظم الإرشاد الذكية، إلا أنها تتضمن خصائص جديدة تسمح للمتعلم بالاختيار والإرشاد، كما أنها تعد نظمًا مفتوحة تسمح للمتعلم باستخدام المصادر الأخرى على الويب، حيث أنها تهدف إلى تكييف عرض المحتوى التعليمي على أساس أهداف المتعلم ومعارفه، بالإضافة إلى تكييف عملية الإبحار عن طريق تحديد المسارات المناسبة للمتعلم.

وفي ضوء ما تقدم يمكن تلخيص أهمية نظم الوسائط التكيفية في النقاط التالية:

  • تسهم في تحقق الأهداف التعليمية المختلفة.
  • توفير إطار ثري يلبي احتياجات المتعلمين عبر الإنترنت.
  • توفر للمتعلمين بيئة تعلم شخصية تتضمن مصادر تعلم مختلفة.
  • تقديم محتوى إلكتروني متكيف يناسب أساليب وأنماط تعلم الطلاب.
  • تعد نظمًا مفتوحة تسمح للمتعلم باستخدام المصادر الأخرى على الويب.
  • تسهم في تنمية المعارف والمهارات وتحسين الآداء، كما أشارت نتائج الدراسات السابقة.

ونظرًا لأهمية نظم الوسائط التكيفية، فإن التدوينة الحالية تقدم تصورا مقترحا لتطوير المحتوى الرقمي في ضوء نظم الوسائط التكيفية، وذلك وفقًا للإجراءات التالية.

التصور المقترح لتطوير المحتوى الإلكتروني في ضوء نظم الوسائط التكيفية عبر الويب

في السطور التالية نعرض التصور المقترح لتطوير المحتوى الإلكتروني في ضوء نظم الوسائط التكيفية عبر الويب.

أولاً: تحديد نموذج تطوير المحتوى

قدم بعض العلماء عددًا من نماذج التصميم والتطوير التعليمي والتي قد تشترك جميعها في المراحل والخطوات الأساسية، وتختلف في التفاصيل الخاصة بكل مرحلة وفقًا لهدف النموذج ذاته، ونقترح هنا الاعتماد على نموذج التصميم التعليمي العام (ADDIE) حيث أنه يتميز بالوضوح والشمول لكافة مراحل التصميم التعليمي، وهو نموذج قياسي ومعتمد، وعلى أساسه يتم بناء العديد من النماذج الأخرى، ويوضح التخطيط التالي شكل النموذج:

يتضح من خلال شكل (1) أن النموذج العام للتصميم والتطوير التعليمي يرتكز على خمس مراحل أساسية هي: التحليل، التصميم، التطوير، التنفيذ، والتقويم.

ثانيًا: تطبيق مرحلة التحليل Analysis

يتم في هذه المرحلة تنفيذ الإجراءات التالية:

  • تحليل خصائص الفئة المستهدفة.
  • تحليل الأهداف العامة للمحتوى.
  • تحديد وتحليل المحتوى.
  • تحليل المهام.

ثالثًا: تطبيق مرحلة التصميم Design

وفي هذه المرحلة يتم تنفيذ الإجراءات التالية:

  • تصميم السيناريو.
  • تحديد الأهداف السلوكية.
  • تحديد واختيار مصادر ووسائط التعلم.
  • تحديد تقنيات تكيف وعرض المحتوى.

رابعًا: تطبيق مرحلة التطوير Development

في هذه المرحلة يتم التنفيذ الفعلي للسيناريو التعليمي، واستخدام برامج التأليف والتصميم لإنتاج مصادر ووسائط التعلم، وتطوير وإنتاج محتوى البيئة الإلكترونية، وذلك وفقًا للخطوات التالية:

1- تصميم وإنتاج مصادر ووسائط التعلم:

مثل إعداد وتجهيز النصوص، إعداد ومعالجة الصور، إعداد ملفات الصوت، تصميم ومونتاج الفيديو، وتصميم الواجهات والخلفيات، ويمكن اقتراح بعض التقنيات والبرامج التي يمكن استخدامها في إنتاج وتجهيز الوسائط كما في الجدول التالي:

2- تأليف المحتوى:

بعد الانتهاء من إعداد وتجهيز جميع المصادر والوسائط المتعددة، يتم البدء في عمليات تأليف وإنتاج المحتوى الإلكتروني، ومن أشهر وأقوى البرامج التي يمكن استخدامها في عملية التأليف برنامج Articulate Storyline .

3- ضبط التكيف وفقًا لتقنية العناصر والوسائط المتعددة التكيفية:

تعتمد تقنية تكييف المحتوى باستخدام أسلوب العناصر والوسائط المتنوعة على تقديم العناصر والوسائط المتشعبة Hypermedia ضمن صفحات المحتوى، ويكون لكل طالب الحرية في اختيار أي منها أثناء التعلم وفقًا لاحتياجاته وأسلوبه المفضل في التعلم، ولتحقيق ذلك يتم تضمين العديد من المصادر الإثرائية والوسائط المتشعبة مثل الروابط الخارجية Links، ملفات PDF، تصميمات إنفوجرافيك، مقاطع فيديو تفاعلية، وصور توضيحية، وتوظيفها بشكل مناسب ومنظم ضمن بنية المحتوى.

4- إخراج ونشر المحتوى التكيفي:

بعد الانتهاء من تأليف وتكييف المحتوى يتم حفظه وإخراجه في شكله النهائي تمهيدًا لرفعه وعرضه عبر الإنترنت، وتوجد طرق متعددة لنشر المحتوى على الإنترنت منها مايلي:

  • تحزيم المحتوى وفقًا لمعايير سكورم SCORM، ورفعه إلى نظام لإدارة التعلم، مثل نظام موودل Moodle.
  • حفظ المحتوى بصيغة HTML ورفعه إلى نطاق شخصي عبر الإنترنت باستخدام تقنية نقل الملفات FTP، وذلك بعد الحصول على اسم المستخدم والرقم السري للخادم Server.

خامسًا: تطبيق مرحلة التنفيذ Implementation

في هذه المرحلة يتم إعداد تعليمات الاستخدام، ثم تطبيق المحتوى على عينة من الطلاب، ومتابعتهم أثناء التفاعل مع المحتوى، وتسجيل أي ملاحظات أو مشكلات قد تظهر أثناء التنفيذ.

سادسًا: تطبيق مرحلة التقويم Evaluation

في هذه المرحلة، يتم التحقق من كفاءة وصدق المحتوى التكيفي، ومدى صلاحيته للاستخدام والتعميم، وإجراء أي تعديلات بهدف التحسين المستمر. ولتنفيذ ذلك، يتم عرض المحتوى المطور على مجموعة من السادة المحكمين المتخصصين في مجال تكنولوجيا التعليم، لمراجعة التصميم وإبداء أي ملاحظات تربوية أو فنية، ومن ثم إجراء جميع التعديلات والملاحظات المطلوبة.

وبعد تطبيق جميع الخطوات والإجراءات السابقة يتم التوصل إلى محتوى إلكتروني مطور في ضوء نظم الوسائط التكيفية عبر الإنترنت، ويكون متاحًا وجاهزًا للتطبيق والاستخدام.

 


المراجع:

الغريب زاهر إسماعيل (2009). المقررات الإلكترونية تصميمها، إنتاجها، نشرها، تطبيقها، تقويمها. القاهرة: عالم الكتب.

محمد عطية خميس (2015). مصادر التعلم الإلكتروني: الجزء الأول: الأفراد والوسائط. القاهرة: دار السحاب للطباعة والنشر والتوزيع.

محمد عطية خميس (2016). بيئات التعلم الإلكتروني التكيفي. أعمال مؤتمر تكنولوجيا التربية والتحديات العالمية للتعليم (ص.ص237-251). الجمعية العربية لتكنولوجيات التربية، القاهرة.

نادر سعيد شيمي (2013). مفاهيم مستحدثة ورؤى متجددة في تطوير المحتوى الإلكتروني التفاعلي المصري. أعمال المؤتمر الدولي الثالث للتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد (ص.ص1-23). الرياض.

Enrique, A., Pilar, R., & Diana, P. (2007). An approach for automatic generation of adaptive hypermedia in education with multilingual knowledge discovery techniques.  Computers & Education, 49(2), 495-513. doi: 10.1016/j.compedu.2005.10.007

Phobun, P., & Vicheanpanya, J. (2010). Adaptive intelligent tutoring systems for e-learning systems. Procedia – Social and Behavioral Sciences, 2(2), 4064-4069. doi: 10.1016/j.sbspro.2010.03.641

البحث في Google:





عن أحمد محمد المباريدي

باحث في مجال تكنولوجيا التعليم، حاصل على درجة الماجستير في التربية تخصص تكنولوجيا التعليم، مدرس مساعد بقسم المناهج وتكنولوجيا التعليم بكلية التربية جامعة السويس، جمهورية مصر العربية، مهتم بالتصميم والتطوير التعليمي، وتوظيف التقنية في العملية التعليمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *