رؤية استشرافية لتنمية الوعي بالمخاطر البيئية لمواجهة التحديات المناخية المعاصرة

رؤية استشرافية لتنمية الوعي بالمخاطر البيئية لمواجهة التحديات المناخية المعاصرة

مقدمة

أصبحت المخاطر البيئية ظاهرة تؤرق المجتمعات المعاصرة، بسبب الملوثات البيئية المتجددة التي تؤثر في تركيب العناصر الطبيعية غير الحية مثل الهواء والتربة والماء وغيرها، تلك المخاطر البيئية برزت مع الثورة الصناعية وتعاظم خطرها مع الثورة التكنولوجية ومع التوسع في استخدام أسلحة الحروب المدمرة على نطاق واسع، فأصاب التلوث كل عناصر البيئة المحيطة بالإنسان من هواء وماء وغذاء وتربة، فالهواء في أغلب المناطق المأهولة بالسكان اختلت فيه نسب الغازات المكونة له لصالح الضار منها بفعل آلات الاحتراق الداخلي في المصانع والسيارات مع تقلص المساحات الخضراء، وتلوثت البحار والأنهار والمحيطات بالكيمأويات والنفايات النووية ومخلفات النفط والمعادن الثقيلة، بل إن غذاء الإنسان نفسه وصل إليه التلوث عن طريق المبيدات والأسمدة والكيمأويات والمواد الحافظة وغيرها من الإضافات الضارة، وصار التلوث الصوتي من لوازم العصر بعد زيادة الضوضاء والأصوات المستنكرة بمصادرها المختلفة، وزادت مخاطر التلوث الإشعاعي نتيجة استخدام الذرة سواء في الحرب أو في السلم، مما ساهم في تعاظم المخاطر البيئية في القرن الحادي والعشرين.

من هنا باتت مشكلة التلوث البيئي من المشكلات التي تؤرق المسؤولين والباحثين الذين يجتهدون في وضع الضوابط الحاكمة والمعايير الآمنة التي تحدد مصادر التلوث وتضبط الملوثات عند حدودها، خاصة بعد أن زاد التلوث بكافة أشكاله وأصبح يشكل تهديداً للأمن البيئي سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي، وهو ما يثير التساؤلات عن التدابير الواجب اتخاذها لحماية البيئة، والتي يجب أن تبدأ بتنمية مهارات الوعي البيئي لدى الجماهير لحماية البيئة من الملوثات التي أصبحت تغطي تقريبا كل مجالات الحياة البشرية.

ونتيجة لذلك سعت المواثيق الدولية وخطط التنمية المستدامة في العديد من دول العالم إلى الحفاظ على البيئة من خلال الاستخدام الرشيد للموارد البيئية بما يحفظ حقوق الأجيال القادمة في مستقبل أكثر أمناً وكفاية ولمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية والملوثات البيئية وتعزيز قدرة الأنظمة البيئية على مواجهة المخاطر والكوارث البيئية (وزارة التخطيط، رؤية مصر 2020-2030).

من هنا انطلقت فكرة هذه الدراسة التي تهدف لبناء رؤية استشرافية لتنمية الوعي البيئي كضرورة حتمية لتحقيق الأمن البيئي والحد من المخاطر البيئية، وقد اعتمدت الورقة في منهجيتها على منهج البحث الوصفي وأسلوب البحث المستقبلي، مستعينة بتحليل مجموعة من الأدبيات المتعلقة بموضوع البيئة، حيث تتم المزأوجة بين التحليل وإعادة التركيب لمفاهيم التربية البيئية والوعي البيئي والمخاطر البيئية الواردة في هذه الأدبيات، بغرض معالجتنا للموضوع برؤية بحثية تركز على البحث النظري الكيفي للوصول إلى الرؤية الاستشرافية اللازمة للوعي بالمخاطر البيئية المعاصرة، وذلك من خلال المحأور التالية:

المحور الأول: التلوث البيئي: مفهومه، أنواعه، مظاهره، ومخاطره.

المحور الثاني: الوعي البيئي والتربية البيئية ضرورة حتمية لتحقيق الأمن البيئي.

المحور الثالث: رؤية استشرافية لتنمية الوعي بالمخاطر البيئية لمواجهة التحديات المناخية المعاصرة.

المحور الأول: التلوث البيئي 

كلمة التلوث في اللغةً مصدرها لوث، ويقال لاث الشيء لوثاً أي أداره مرتين وقد التبس بعضه على بعض، وكل ما خلطته فقد لثته ولوثته. والالتياث يعني أن الامر يلاث به أي تقرن به الامور وتعقد. (ابن منظور: 2003: ص209). أما التلوث اصطلاحاً فتحديده يمثل صعوبة بالغة للباحثين والمتخصصين في مجال العلوم البيئية، بسبب التعدد والتنوع في أنواع التلوث، الأمر الذي أدى إلى صعوبة إيجاد تعريف موحد ومتفق عليه، فالبعض يعرفه بأنه الطارئ غير المناسب الذي أدخل في التركيبة الطبيعية أو الكيميائية أو الفيزيائية أو البيولوجية للمياه أو الأرض أو الهواء فأدى إلى تغير أو فساد أوتدّني في نوعية تلك العناصر مما يلحق الضرر بحياة الإنسان أو مجمل الكائنات الحية ويتلف الموارد الطبيعية (الطراف، 2018: ص29). وهناك من يرى أن التلوث البيئي هو أي تغير في خواص البيئة يؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالكائنات الحية كما يؤثر على ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية (عباسي، 2014: 17) ويعرف التلوث البيئي بأنه إدخال مواد أو طاقة في البيئة من شانها أن تسبب مخاطر صحية للإنسان والإضرار بالمصادر الحياتية والأنظمة البيئية (الأنصاري، 2009: 19).

وقد عرف أوزدن Ozden  (2018: 42) التلوث البيئي بأنه عبارة عن إضافة مكونات جديدة للبيئة مما يغير من خصائصها الطبيعية ويجعلها لا تؤدي وظيفتها التي من أجلها وجدت، كما يعرف التلوث البيئي بأنه كل ما يوثر في جميع عناصر البيئة، بما فيها من نبات وحيوان وإنسان وكذلك في كل ما يوثر في تركيب العناصر الطبيعية غير الحية مثل (الهواء، الماء، التربة، وغيرها) ويعرف (المنيأوي ، 2008: 54) التلوث البيئي أيضاً بأنه الضرر الحالي أو المستقبلي الذي ينال من أي عنصر من عناصر البيئة والناجم عن نشاط الإنسان أو فعل الطبيعة والمتمثل في الإخلال في التوازن البيئي، سواء كان صادرا من داخل البيئة الملوثة أو واردت عليها.

ويضيف سعيد (2010: 34) أن التلوث البيئي هو إحداث تغير في البيئة التي تحيط بالكائنات الحية بفعل الإنسان وأنشطته اليومية، مما يؤدي إلى ظهور بعض المواد التي لا تتلاءم مع المكان الذي يعيش فيه الكائن الحي ويؤدي إلى اختلاله، أو يؤدي إلى تغير غير مرغوب في الخواص الطبيعية والكيميائية والبيولوجية للبيئة المحيطة سواء كانت (هواء، وماء، أو تربة) والذي قد يسبب أضراراً لحياة الإنسان أو لغيره من الكائنات الأخرى..

أما الملوثات البيئية فيمكن تعريفها بأنها مواد خارجة عن النسق البيئي تؤدي إلى تغيير خصائص هذا النسق بفعل التغييرات الحادثة في مكوناته الأساسية، من حيث ماهيتها وتركيبها ومصادرها فتسبب العديد من الأضرار للإنسان أو الحيوان أو النبات.

مظاهر التلوث البيئي ومخاطره على الإنسان 

مما لا شك فيه أن التلوث البيئي بمظاهره المختلفة يؤدي للعديد من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان، ويمكن الإشارة إلى أهم هذه المظاهر فيما يلي:

أولاً: مظاهر التلوث البيئي غير المادي 

المقصود بالتلوث غير المادي هو التلوث غير المحسوس، الذي تكون آثاره غير مباشرة، ويقسم التلوث البيئي غير المادي إلى: التلوث الإشعاعي، والتلوث الضوضائي، والتلوث الثقافي.

1- التلوث الإشعاعي 

هو التلوث الناجم عن الإشعاعات الذرية والنووية، وهي الملوثات الأشد خطورة لأنها تفتك بالجماد والحياة على حد سواء، وللإشعاع عموما خطر كبير على الحياة، وأن عدداً كبيراً من الناس يتخوفون من المحطات النووية التي قد تسبب الدرجة نفسها من الخطورة، ويعد الإشعاع موضوعا معقدا للغاية فهو عبارة عن موجات كهرومغناطيسية أو أجزاء من الذرات التي تتحرك بسرعة فائقة جدا ولها القدرة على إتلاف الخلايا الحية. وكذلك يؤدي الإشعاع إلى إحداث تغيرات كيميائية في الخلايا الحية حيث تؤثر على الأحماض النووية المسؤولة عن الانقسام الخلوي مما يؤدي إلى تلف جزئي أو كلي للخلية وموتها. (دردار، 2012: ص 112) ومن أخطر ملوثات البيئة في العصر الحديث، التلوث بالمواد المشعة المختلفة التي تستعمل في القنابل الذرية والهيدروجينية وفي الأفران الذرية التي تؤدي إلى السرطان وتؤثر على الصفات الوراثية للأجيال القادمة. ويعتبر التلوث الإشعاعي من أخطر أنواع التلوث الذي يصيب البيئة فنتائجه تعد من الكوارث البيئية المروعة المسببة لمختلف الأمراض القاتلة.

مصادر التلوث الإشعاعي: تتعدد مصادر التلوث الإشعاعي، فمنها مصادر طبيعية بفعل الفضاء الخارجي والغازات المشعة المتصاعدة من القشرة الأرضية، ومنها مصادر صناعية كمحطات توليد الطاقة النووية والمفاعلات النووية المخصصة لأغراض عسكرية، والنظائر المشعة المستخدمة في الصناعة والزراعة والطب وغيرها، وهناك أيضاً أجهزة البث الصوتي والبث المرئي وأجهزة الهاتف المحمول وغيره من وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة التي أسهمت في نجاح ثورة الاتصالات، ولكن على الرغم من الإيجابيات التي حققتها ثورة الاتصالات إلا أن الأبحاث الحديثة قد أوضحت وجود مخاطر عديدة ناجمة عن استعمال تلك الأجهزة نتيجة انبعاث موجات كهرومغناطيسية من تلك الأجهزة تؤثر على عضلة القلب والكفاءة الوظيفية والشبكية في العين وغيرها من الأمراض الأخرى (شعبان، 2019: ص 111).

2- التلوث الضوضائي 

الضوضاء هي عبارة عن تلك الأصوات غير المرغوب فيها، نظرا لزيادة حدتها وشدتها وخروجها عن المألوف من الأصوات الطبيعية التي اعتاد على سماعها الإنسان. وتعد الضوضاء من اهم العناصر التي تسهم في تلوث البيئة، فمع قيام الثورة الصناعية في القرن الماضي أصبحت مشكلة الضوضاء من أهم المشكلات التي صاحبت التقدم الصناعي، فالضوضاء لها سلبيات متعددة وضارة على الإنسان، سواء من الناحية النفسية أو الصحية أو العقلية، على المدى البعيد أو القريب (الكايد، 2011: ص127). وتتعدد مصادر الضوضاء في المناطق الحضرية أكثر منها في النطاقات الريفية الواسعة الامتداد ومحدودة السكان، والأحادية النشاط البشري، حيث يسود فيها النشاط الزراعي فقط. ففي نطاق المدن تزداد حدة الضجيج في الأحياء السكنية الفقيرة المزدحمة جدا بالسكان، في حين يقل بالاقتراب من الأحياء السكنية الخاصة بالأغنياء حيث تنخفض كثافة السكان وتسود أنماط المساكن محدودة الامتداد الرأسي وخاصة المنازل المحاطة بالمساحات الخضراء. وتزداد حدة الضوضاء بالقرب من المناطق المركزية القريبة من المدينة حيث تتعدد الأنشطة البشرية ويزداد الامتداد الرأسي للمباني المختلفة نتيجة لارتفاع أسعار الأراضي، وتتزايد أعداد كل من المشاة والباعة المتجولين على الأرصفة والسيارات على الطرق الخاصة، خلال ساعات النهار وفي الأيام التي تسبق الأعياد والمناسبات المختلفة (المبارك، 2015: ص 22).

3- التلوث الثقافي 

يشير التلوث الثقافي إلى تغير كمي أو كيفي في مكونات البيئة الثقافية والاجتماعية لم تستطع البيئة استيعابه وتحمله، فيؤدي إلى حدوث خلل وعدم اتزان وحدوث أثار سلبية ضارة بالبيئة الاجتماعية تستدعي مواجهتها من قبل جميع النظم الاجتماعية في المجتمع (سرحان،2005: ص105). وتقع مسؤولية التلوث الثقافي بالدرجة الأولى على أجهزة الإعلام والاتصالات الحديثة، فالإعلام يسهم بشكل كبير في تشكيل عقول البشر وسلوكياتهم، ولا يخفى على أحد أن ثورة المعلومات التي تفجرت  في الربع الأخير من القرن العشرين أحدثت خللا رهيبا في الواقع الفكري والثقافي للأفراد، ولوثت الكثير من العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية لدى الكثير من المجتمعات، خاصة بعد الثورة المعلوماتية والقنوات الفضائية المتعدد وانتشار الإنترنت والاعتماد على الإعلام الرقمي وقنوات التواصل الإلكتروني كوسيلة أساسية لنقل الأخبار بين المجتمعات المختلفة، مما ساعد على انتشار الكثير من السلوكيات المختلطة بين الثقافات المختلفة.

وتتمثل أهم مظاهر التلوث الثقافي للشعوب العربية في شيوع الثقافة الاستهلاكية بين الشباب، مما ساهم في تشويه بعضٍ من تقاليده وأعرافه. فانتشار الأزياء والمنتجات الغريبة الوافدة إلى المجتمعات العربية جعلتهم يلبسون على الموضة الغربية، وظهرت اللغة الإنجليزية المطبوعة على ملابس الأطفال والشباب التي تحمل أحيانا ألفاظا وجملا مثيرة للشهوة، تمس المشاعر والأخلاق. ومن مظاهر التلوث الثقافي أيضاً في أوساط الشباب تأثره بأنماط استهلاكية معينة في المأكل و الملبس، وغيرها من العناصر الثقافية المادية الدخيلة على الثقافة العربية (رشوان، 2016: 38) هذا فضلاً عن مظاهر التلوث الثقافي الناتجة عن العولمة الثقافية التي طرأت على المنظومة القيمية، كنتيجة للهيمنة الإعلامية التي فرضتها دول المركز، حيث قدمت النموذج الغربي (وتحديداً الأمريكي) بأنه النموذج الوحيد للحياة الثقافية والاجتماعية الراقية، وظهور نسق اجتماعي جديد يحكم العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة وطبقات المجتمع ومؤسساته المختلفة.

ثانياً: مظاهر التلوث البيئي المادي 

1-التلوث المائي 

الماء هو أصل الحياة ولا يقل أهمية عن الهواء بالنسبة للإنسان ولجميع الكائنات الحية. وليس هناك أبلغ وصف لأهمية الماء من قوله تعالى: [وَجَعَلْنَا من الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَي] (الأنبياء:30). لذلك يعد الماء أهم عنصر في الكون، ومن المؤكد أن الحياة لا يمكن أن تستقيم بدون الماء، فجميع الكائنات الحية تحتاج إليه وجميع هذه الكائنات على الرغم من اختلافها واختلاف طبيعتها وبيئاتها إلا أنها جميعها سواء في احتياج الماء. بل إنه بدونه تهلك جميع الكائنات. وتعد المياه مصدر من مصادر الغذاء، وكذلك تلعب المياه دورا فعالا في عمليات الانتقال على سطح الأرض وذلك خلال استغلال البحار والمحيطات والأنهار والمجاري المائية لتسير فيها السفن والقوارب وغيرها. ويتلوث الماء نتيجة العديد من الملوثات المختلفة مثل مخلفات الصرف الصحي والمنظفات الكيميائية وبعض العناصر المعدنية مثل الرصاص والزئبق والفوسفات والنترات والكلور والنفط (دهيبة، 2010: ص11). ويعتبر الماء ملوثاً عندما تتبدل حالته الطبيعية فتتغير الخواص الطبيعية والكيميائية والبيولوجية المكونة له، ولذلك يطلق لفظ التلوث المائي على كل تغيير في الصفات الطبيعية للماء مما يجعله غير مطابق للاستعمالات المشروعة لاستخدامه. وذلك من خلال إضافة مواد غريبة تسبب تعكر الماء أو تكسبه لونا أو رائحة أو طعما غريبا، وقد يتلوث الماء من الميكروبات نتيجة إلقاء فضلات آدمية وحيوانية أو بإضافة مواد كيمأوية سامه أو غيرها (روس Ross، 2014: ص110).

وتتعدد أسباب تلوث المياه فيما يلي (رضوان، 2020):

  • إلقاء النفايات والمخلفات الصناعية في مياه الأنهار والبحار: فقد لوحظ في السنوات الأخيرة أن بعض الدول الصناعية تجد صعوبة كبيرة في التخلص من بعض نفاياتها الصناعية، فتلجأ إلى إلقائها بعيدا عن السواحل في البحار أو المحيطات.
  • المخلفات الزراعية والحيوانية: عندما اتجه الإنسان إلى استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة الكيميائية في الزراعة، ترتب على ذلك أن مياه الري المستخدمة في الزراعة حينما يتم تصريفها في المصارف الزراعية وتسحب معها الأملاح وبقايا الأسمدة والمبيدات إلى المصارف التي غالباً ما تجد طريقها إلى البحر أو تصب في الأنهار، فتؤثر على نوعيه مياهها أو تتسرب إلى المياه الجوفية فتعمل على تلويث المصادر الطبيعية للمياه.
  • مياه الصرف الصحي: تقوم بعض البلدان النامية التي لم تستطع الاستفادة من إعادة تدوير وتصنيع مياه الصرف الصحي باللجوء إلى القاء مياه الصرف الصحي في الأنهار والبحار مما يضر ضررا بالغاً بالمياه بصفة عامة وبمياه الشرب والاستخدامات الآدمية للمياه بصفة خاصة.
  • مخلفات ناقلات البترول: من الممارسات الخاطئة التي تزأولها بعض ناقلات البترول أثناء سيرها في عرض البحر قيامها بإلقاء النفايات والمخلفات البترولية في المياه، وهذه السلوكيات الخاطئة تعد أحد الأسباب الرئيسية في تلوث مياه البحار والمحيطات.

2- التلوث الهوائي 

يعد الهواء ملوثا عندما تختلط بعناصره مواد غير مرغوبة، ويكون تواجدها بتركيز قد يلحق أضرارا جسيمة على الإنسان وقد تكون هذه المواد الغريبة (ملوثات) على شكل أتربه وأبخرة وغازات أو رذاذ وغيرها (الغرأوي والنقار، 2010: ص103). فلقد أصبحت مشكله تلوث الهواء من القضايا البيئية الكبرى نتيجة لاهتمام الناس بالتطور الصناعي والتكنولوجي بدون النظر إلى مخاطرة البيئية حيث سبب التلوث الهوائي العديد من الكوارث البيئية، وتسبب للإنسان بالعديد من الأمراض، كما أدت إلى حدوث العديد من الوفيات بين الناس (الحسن، 2010 :142). ويعتبر تلوث الهواء من أخطر الملوثات التي تؤثر على الإنسان والحيوان والنبات، تأثيراً مباشرا ويخلف آثاراً بيئية وصحية واقتصادية واضحة متمثلة في التأثير على صحة الإنسان وانخفاض كفاءته الإنتاجية. كما يعد التلوث الهوائي من أكثر أشكال التلوث البيئي انتشارا نظرا لسهوله انتقاله من منطقه إلى أخرى في مدة زمنيه وجيزة.

  مصادر التلوث الهوائي 

  • يتمثل المصدر الأول من مصادر التلوث الهوائي في عمليات التصنيع، فعلى الرغم من أن استراتيجيات التصنيع كانت تهدف في المقام الأول إلى توفير كثير من احتياجات المجتمع إلا أن لها أثاراً سلبيه على الصحة والبيئة، فالغازات المتصاعدة من المصانع تسبب أضرارا للكائنات الحية، ومن ثم يمكن القول أن الصناعات الحديثة أسهمت في زيادة معدل التلوث في الهواء الذي انعكست أثاره على الإنسان واقتصاده.
  • يعتبر الغبار المتساقط أحد المؤشرات الدالة على تلوث الهواء في الأقاليم المجأورة للمناطق الصحرأوية، وقد أشارت الدراسات والتقارير الفنية التي أجريت خلال السنوات الماضية إلى ان الغبار العالق يشكل المشكلة الرئيسية، يليه الغبار المتصاعد.
  • التلوث الناتج عن التدخين بوجه عام يعد من الممارسات الخاطئة التي يمارسها العديد من الناس، ويعد التبغ الدخاني أخطر ما يلوث البيئات المغلقة.
  • حرق المخلفات والقمامة في الأحياء الشعبية: يلجا بعض الأهالي إلى حرق القمامة تخلصا منها وينتج عن عملية الحرق كميات كبيره من غاز أول وثاني أوكسيد الكربون، وأكاسيد الكبريت، وغير ذلك من المواد الأخرى الضارة والملوثة للهواء الجوي.
  • العادم الناتج عن السيارات التالفة: يعتبر استخدام السيارات ذات المحركات التالفة إحدى السلوكيات والممارسات الخاطئة التي نراها بصوره متكررة ومتعددة في حياتنا اليومية في مختلف الشوارع والطرقات والمكونات الغازية الناجمة عن عمليات الحرق غير التام في محركات السيارات من أخطر وأكثر ملوثات الهواء في البيئة المحيطة (حسن،2014: 45).
  • النفايات الصلبة: تحتوي النفايات الصلبة على نسبة عالية من المواد القابلة للاشتعال فإن لم يتم التخلص منها دوريا قد تكون مصدرا للحرائق وتساهم بنسبه كبيرة في تلوث الهواء (زاهد وآخرون، 2017). وتسهم النفايات الصلبة في تلوث الهواء باعتبارها تشكل مصدراً لانتقال الأمراض المعدية، ومأوى للحشرات والقوارض الضارة، وقد تنبهت العديد من المجتمعات لأهمية التخلص من النفايات الصلبة مهما بلغت التكاليف، بغرض رفع المستوى الصحي  والترشيد في استهلاك الأدوية.

3-  التلوث الغذائي 

التلوث الغذائي هو عملية تحول المادة الغذائية من حالة نافعة إلى حالة ضارة بالإنسان، أي تحول المادة الغذائية من مادة غذائية صالحة للاستهلاك البشري أو الحيواني، ذات قيمة غذائية عالية وفي حدودها الطبيعية إلى حالة مادة غير صالحة للاستهلاك البشري، أو إلى مادة غذائية صالحة للاستهلاك لكنها فاقدة كل أو بعضا من قيمتها الغذائية (السعود، 2007: ص106). ويعد تلوث الغذاء من أهم المشاكل التي تواجه المجتمعات في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، خاصة بعد استخدام المواد الحافظة ومكسبات الطعم للأغذية التي تحتاج لوقت طويل للحفظ، مما يزيد من خطورة الأغذية المعالجة بهذه المواد الحافظة، لأن فسادها ليس ظاهراً بحيث يمكن للمستهلك أن يلاحظها، ولكن الغذاء في هذه الحالة يحتوي على مواد سامة قد تلحق أشد الضرر بالإنسان على المدى القصير أو المدى الطويل.

  مسببات التلوث الغذائي 

  • البكتريا العنقودية: هي نوع من البكتريا، تلوث الغذاء وتسبب إصابات مميتة للمستهلك، إذ يحدث أن تتلوث مصادر الغذاء عن طريق شخص مريض أو حامل للمرض أو عندما يكون الشخص الذي يعد الطعام أو ينأوله للآخرين مريضا أو حاملا لجراثيم المرض، فتتمكن الجراثيم من الانتقال منه إلى الطعام عن طريق الجو، كرذاذ السعال أو العطس أو اللمس، أو عندما تكون يده ملوثة ويلامس الفواكه والخضروات، أو قد يحدث التلوث بالجراثيم والطفيليات وبعض الفطريات ذات التأثيرات السرطانية.
  • التلوث بالمواد المشعة التي تصيب الأغذية وتؤثر على مكوناتها نتيجة تساقط الغبار الذري على النبات والتربة الزراعية أو نتيجة لتلوث الهواء أو الماء بمخلفات التجارب النووية، حيث تدخل المواد المشعة إلى بناء جسم الإنسان والنبات والحيوان (السعود،2007: 105).
  • التلوث بالأسمدة الكيميائية: إن مشكلات الأغذية المتعلقة بالمواد الكيماوية أخذت تتزايد في كل البلدان الصناعية والنامية. والسلع الاستهلاكية الملوثة بما فيها من مواد زراعية طازجة أو مواد غذائية مصنعة ناتجة إما عن تلوثها في مصادرها من جراء الإسراف في استعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية ومياه الري الملوثة بمياه المجاري وما تسببه من أمراض معوية، وإما من الغش في تصنيعها باستعمال مواد كيماوية سامة أو من تلوثها وفسادها في تخزين المواد الغذائية المغشوشة، يضاف إلى ذلك المتاجرة بالأدوية الفاسدة والمنتهية فاعليتها (عامر وسليمان ، 2009: 125).

4- تلوث التربة 

التربة مورد فعال يزود النباتات بالحياة، وهي مكونة من خليط ذو أحجام مختلفة من جسيمات معدنيه (رمل ، غرين ، طين) ومواد عضوية وأنواع متعددة من الكائنات الحية، من ثم فإن للتربة خصائص بيولوجية وكيميائية وفيزيائية. ويعرف تلوث التربة الزراعية بأنه الفساد الذي يصيب التربة الزراعية فيغير من صفاتها وخواصها الطبيعية أو الكيميائية أو الحيوية، أو يغير من تركيبها بشكل يجعلها تؤثر سلباً بصوره مباشرة أو غير مباشرة على من يعيش فوق سطحها من إنسان أو حيوان، و ما يقوم به الإنسان من زيادة الضغط على التربة لاستجلاب خيراتها من خلال زراعتها أكثر من مرة في الموسم الواحد، وإرهاقها بالمخصبات الزراعية والمبيدات الحشرية والفطرية والنباتية يساعد على تلويث التربة، كما أن ارتفاع نسبة الأملاح في التربة عن المعدل الطبيعي يؤدي إلى تلوثها،  ويؤثر على الوسط البيئي الذي يمكن للنبات أن ينمو ويعيش ويتكاثر فيه، وتتحول الأرض إلى مناطق جرداء تشيع فيها المظاهر الصحراوية.

   مسببات تلوث التربة 

تتنوع المسببات التي تؤدي إلى تلوث التربة الزراعية وفقاً لما يلي:

  • استخدام الأسمدة الكيميائية: وهي الأسمدة التي يصنعها الإنسان من مركبات كيميائية، والإفراط في استعمال تلك الأسمدة يضر بالأرض الزراعية.
  • استخدام المبيدات الزراعية: تعد من المركبات الكيميائية العضوية ذات الأثر الفعال في القضاء على العديد من الفطريات والأعشاب والحشرات والقوارض التي تصيب النبات والمزروعات على اختلاف أنواعها، وعدم اتباع سبل الوقاية اللازمة يؤدي على المدى الطويل إلى التأثير السلبي على تركيبة الأرض الزراعية.
  • استخدام مياه الصرف الصحي في عمليات الري: على الرغم من أهمية استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة لاحتوائها على عناصر غذائية هامة للنبات إلا أن هناك محاذير من كثرة استخدامها لما تحتويه من ملوثات مختلفة ذات آثار ضارة وخطيرة على الأرض الزراعية نفسها (الكايد ،2011: 76).

ونستنتج مما سبق أن تفاقم مشكلة تلوث التربة إنما ينتج من تأثير تلوث الماء والهواء، واستخدام الكيماويات المخصبة للتربة والمبيدات الحشرية للتخلص من الحشرات التي تصيب النباتات وتقلل المحصول، يضاف إلى ذلك أيضاً أن تلوث التربة يؤدي إلى تقليل انتاجيتها، وإلحاق الضرر بصحة الإنسان والحيوان والنبات، فضلا عن الأضرار الاقتصادية بفعل زيادة التكاليف.

5- التلوث البيئي الناجم عن النفايات المنزلية

تمثل مشكلة تراكم النفايات المنزلية (القمامة) في المناطق الحضرية والأحياء الفقيرة تحديا بيئيا خطيراً إذ يكون تجميع النفايات منعدما بسبب الامتداد السكاني العشوائي وعدم كفاية البنية الأساسية، كما تتعقد عمليات جمعها بسبب مشكلات القصور في المعدات والتجهيزات والإمدادات وهذا يظهر بشكل واضح في الأحياء الفقيرة والمزدحمة، حيث  يؤدي تطور النمو العمراني وزيادة الكثافة السكانية في البيئة الحضرية والمطالب الاستهلاكية للسكان إلى تراكم الفضلات والنفايات الناتجة من الإنسان ونشاطاته المختلفة وتستقر على سطح الأرض وتشوه جمالها (فورد Ford، 2000: ص45).

يتضح مما سبق أن مشكلة التلوث البيئي ليست مشكلة جديدة أو طارئة وإنما هي مشكلة قديمة متجددة، ولعل أهم ما يميزها في العصر الحديث هو زيادة حدة التلوث كماً وكيفاً، خاصة بعد أن أصبح التلوث مشكلة عالمية، لا تعترف بالحدود السياسية. ولأنها فرضت نفسها على الجميع فقد أصبح التصدي لها يتجاوز حدود وإمكانيات التحرك الفردي، ومن ثم فالتلوث أصبح يهدد الوجود الإنساني، مما يستدعي ضرورة الاهتمام بالوعي البيئي لتوضيح كيفية التعامل مع المخاطر البيئية والتصدي لها، وهذا ما سوف يتناوله المحور التالي.

المحور الثاني: الوعي البيئي والتربية البيئية ضرورة حتمية لتحقيق الأمن البيئي 

ترجع نقطة انطلاق العالم نحو الاهتمام بالتوعية البيئية إلى مؤتمر ستوكهولم، الذي عقد في (5 يونيو 1972)، حيث أكد المؤتمر على أن الإنسان صنيع بيئته وصانعها في آن واحد، وأكد على أن الوعي البيئي من أهم العوامل التي يمكن أن تسهم في مواجهة مشكلات التلوث البيئي من خلال التركيز على أخلاقيات بيئية تدعو الجميع لضرورة الانتماء إلى القرية الكونية من أجل حماية بيئتها والمحافظة عليها. وسوف نركز في هذا المحور على مجالين على درجة عالية من الأهمية لتحقيق حماية البيئة وأمنها، وهما الوعي البيئي والتربية البيئية.

أولا: الوعي البيئي 

يشكل الوعي البيئي ضرورة أساسية لبناء السلوك البشري الإيجابي وتنميته تجاه البيئة، فلقد أصبحت قضية البيئة وحمايتها والمحافظة عليها من مختلف أنواع التلوث واحدة من أهم القضايا المحورية لعمليات التنمية البشرية في الوقت الحاضر، وهنا تتضح أهمية الوعي البيئي ونشر الثقافة البيئية لدى كافة أفراد المجتمع إدراكا لأهمية البيئة وضرورة المحافظة على مقوماتها بعيداَ عن الإسراف في استخدامها أو استنزاف مواردها الدائمة والمتجددة على حد سواء.

ويشير مفهوم الوعي البيئي إلى إدراك الفرد لمتطلبات البيئة عن طريق إحساسه ومعرفته بمكوناتها، وما بينهما من علاقات، وكذلك الإلمام بالقضايا البيئية وكيفية التعامل معها، ولذلك تحرص التوعية البيئية على تحقيق مجموعة من الأهداف يأتي على رأسها (المبارك، 2015):

  1. تحسين جودة حياة الإنسان من خلال تقليل أثر التلوث البيئي على صحته.
  2. تزويد الأفراد بالمعارف والمهارات اللازمة لتحسين البيئة والمحافظة عليها.
  3. غرس وتنمية أخلاقيات بيئية في نفوس الأفراد لتكون هي الرقيب على سلوكياتهم مع البيئة.
  4. مساعدة الأفراد على اكتشاف المشاكل البيئية وإيجاد الحلول المناسبة للتعامل معها.
  5. تحقيق التثقيف القانوني المتعلق بفهم القوانين المتعلقة بالتعامل مع البيئة.

وبذلك يصبح الاهتمام بالوعي البيئي ضرورة لا غنى عنها لحماية البيئة، وهذا الوعي لا يتحقق إلا من خلال رسم السياسات اللازمة لتحقيقه من قبل الدول، عن طريق سن القوانين والتشريعات البيئية التي تحكم العلاقة بين الفرد وبيئته، أو المؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية التي تسهم في تشكيل الوعي البيئي، وهنا تبدو أهمية التربية البيئية التي يمكن أن تقدمها المؤسسات التربوية المختلفة من خلال غرس المفاهيم الصحيحة عن البيئة وما قد ينجم عن إساءة التعامل معها من أضرار ومخاطر.

ثانياً: التربية البيئية 

يعتمد الإنسان اعتمادا كبيراً في حياته وتقدمه على البيئة وما فيها من مصادر طبيعية، وبالتالي لا يمكن ضمان أي تطور للمجتمع البشري دون ضمان حماية البيئة التي يعمل فيها الإنسان. وهذا ما أكده مؤتمر (ستوكهولم عام 1972) الذي قدم تصورا شاملا للمشكلات البيئية ودعا إلى ضرورة نشر الوعي البيئي لدى كل أفراد المجتمع العالمي من أجل المشاركة في حماية البيئة ورعايتها وضرورة المحافظة عليها. وجاءت ضمن توصيات المؤتمر ضرورة الاهتمام بالتعليم البيئي (أو التربية البيئية) التي هي مسميات لفكرة واحدة تهدف إلى توعية كل قطاعات المجتمع بالبيئة والمشكلات الناجمة عن التعامل معها… وقد أفرز هذا الاتجاه برامج للتوعية تظهر في وسائل الإعلام كما استوعب رجال التربية هذا الهدف من خلال تطعيم المناهج الدراسية في مراحل التعليم المختلفة بالتربية البيئية وفي ندوة (بلغراد التي عقدت في عام 1975) بدعوة من اليونسكو وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتم تحديد غايات وأهداف وخصائص التربية البيئية، باعتبارها عملية تهدف إلى توعية الإنسان بالبيئة الكلية المحيطة به وتقوية اهتمامه بها وبالمشكلات المتصلة بها وتزويده بالمعلومات والمهارات التي تساعده على حل المشكلات البيئية التي تواجه مسيرة حياته. وفي هذا الإطار، اتجه العالم خلال السبعينيات من القرن الماضي إلى ضرورة تضمين البعد البيئي في أهداف المؤسسات التعليمية في كافة المراحل التعليمية من أجل المحافظة على البيئة المحلية ومقوماتها وتنمية الوعي بأهمية البيئة ودراسة مشكلاتها، وتحليلها، وتنمية المهارات اللازمة لفهم العلاقات بين الإنسان وبيئته الطبيعية.

أهداف التربية البيئية 

أكدت المواثيق الصادرة عن المنظمات الدولية العالمية والاقليمية المعنية بالتربية البيئية على ستة أهداف للتربية البيئية يمكن تلخيصها في التالي (العديلي، والحراحشة، 2013):

  1. أن تغرس التربية البيئية في المتعلم الاتجاهات والقيم اللازمة للاهتمام بالبيئة من أجل حماية البيئة وتحسينها.
  2. أن تنمي التربية البيئية في المتعلم القدرة على العمل والمشاركة الإيجابية في مشروعات حماية البيئة، وتحقيق الأمن البيئي.
  3. أن تنمي التربية البيئية في المتعلم القدرة على إدراك الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجمالية للبيئة.
  4. أن تنمي التربية البيئية في المتعلم المهارات اللازمة للمساهمة الإيجابية في حماية البيئة وتحسينها.
  5. أن يدرك المتعلم أبعاد البيئة وعناصر النظام البيئي، وأن للبيئة قضاياها التي تستحق الاهتمام لتأثيرها على الإنسان والمجتمع.
  6. أن يدرك المتعلم مخاطر التلوث البيئي، ودور الإنسان ومسؤوليته في الحد من هذه المخاطر.

ولتحقيق هذه الأهداف يجب على مؤسسات التعليم البيئي العمل وفق أربع مستويات:

الأول: تقديم المعلومات الأساسية الضرورية حول القضايا البيئية وتقدير حجم المخاطر الناجمة عن التلوث البيئي بأشكاله المختلفة.

الثاني: تنمية القدرة على استكشاف المشكلات والقضايا المختلفة المرتبطة بالتلوث البيئي، وعند هذا المستوى يجب التركيز على تحليل القضايا وطرح الحلول اللازمة للتعامل مع هذه المشكلات.

الثالث: إكساب المتعلمين المهارات والأدوات اللازمة للتعامل مع المشكلات البيئية، مثل مهارة الحصول على المعلومات المطلوبة ومصادر الحصول عليها وكيفية تحليلها والاستفادة منها.

الرابع: تشجيع المسؤولية الشخصية تجاه البيئة: وهذا المستوى مبني على المستويات الثلاثة السابقة، ويسهم في تكوين مواطنين واعين ومهتمين بيئياً، ويسلكون سلوكاً إيجابياً تجاه البيئة.

المحور الثالث: نحو رؤية استشرافية لتنمية الوعي البيئي لمواجهة التحديات المناخية المعاصرة 

تتعدد آليات المجتمع في تحقيق الوعي البيئي للأفراد، فمؤسسات المجتمع على اختلاف مستوياتها من الممكن أن تؤدي دوراً مهماً في نشر الوعي البيئي وتأتي على رأس هذه المؤسسات مؤسسات التربية الرسمية وغير الرسمية في المجتمع، كالأسرة والمدرسة والجامعة وأجهزة الإعلام، وغيرها، وسوف نقدم فيما يلي رؤية استشرافية لما ينبغي أن تقوم به هذه المؤسسات في المجتمعات المختلفة من أجل العمل بصورة متكاملة على نشر الوعي البيئي، بما يتيح الحماية المنشودة للبيئة بغية تحقيق أمنها وسلامتها.

أولا: دور الأسرة في مجال الوعي البيئي والتنشئة البيئية 

تمثل الأسرة الجماعة الإنسانية الأولى التي يتعامل معها الطفل والتي يعيش معها السنوات التشكيلية الأولى من عمره، ومعلوم مدى تأثير هذه السنوات في تنشئة الطفل وتشكيل شخصيته تشكيلاً يبقى أثره بعد ذلك في سلوكه وتصرفاته، فالأسرة تستطيع أن تؤدي دوراً مهماً في إكساب أفرادها الثقافة التي تساعدهم على التأمل في البيئة المحيطة بهم سواء كانت بيئة طبيعية أو مادية، وذلك من خلال غرس وتنمية القيم والمبادئ والمعايير السلوكية التي تحدد اتجاهات الفرد مع الوسط البيئي المحيط به، وبذلك تصبح الأسرة من أهم مؤسسات المجتمع في تهيئة الأفراد للحفاظ على البيئة، وحمايتها من خلال ما تستطيع الأسرة غرسه في نفوس الناشئة من قيم تتعلق بالتعامل مع البيئة وكيفية استثمارها الاستثمار الأمثل من أجل حمايتها من الملوثات وتقليل فرص الاستخدام السيء للبيئة، وتستطيع الأسرة القيام بدورها في حماية البيئة من خلال التركيز على بعدين رئيسيين:

– البعد الوقائي والذي يهدف إلى الحيلولة دون وقوع المشكلات البيئية.

– والبعد العلاجي الذي يهدف إلى تخفيف حدة المشكلات البيئية والتصدي لها والتغلب عليها.

فالأسرة تستطيع أن تسهم في غرس الاتجاهات الإيجابية في نفوس الأطفال نحو البيئة ومكوناتها وكيفية التعامل معها، وذلك من خلال المفاهيم البيئية التي يجب أن يتعلمها الأطفال في المنزل مثل مفاهيم النظافة والنظام والجمال، ويتحقق ذلك من خلال تعويد الأبناء على كيفية التخلص من النفايات ومقاومة الحرائق والاعتناء بنباتات الزينة، فينشأ الطفل مُلماً بحقوقه وواجباته نحو البيئة من أجل الحفاظ عليها، وفي الوقت نفسه يشعر بقيمة العائد عليه من البيئة، وبذلك يتكون الانتماء للبيئة وحمايتها وتحقيق أمنها. ولابد من الإشارة إلى أن قدرة الأسرة على تحقيق أهداف التربية البيئية يتوقف بالدرجة الأولى على ما تمتلكه الأسرة من معلومات واتجاهات ومهارات في مجال البيئة والتربية البيئية، وعلى ما تلقاه الوالدان من معلومات عن البيئة ومفاهيم التربية البيئية، وما تشكل لديهما من اتجاهات إيجابية نحو البيئة، إضافة للمهارات التي يتمتع بها الوالدان في التعامل مع البيئة الطبيعية بمكوناتها ومواردها المختلفة الدائمة والمتجددة، مما ييسر قيام الاسرة بتوعية أبنائها بيئياً، وغرس القيم الإيجابية في نفوسهم وتوجيههم وإرشادهم لاتباع السلوك البيئي الصحيح من خلال التنشئة الاجتماعية السليمة.

ثانياً: دور المدرسة في تنمية الوعي البيئي والتربية البيئية 

تحتل المدرسة مكانة مهمة في مجال تنمية الوعي البيئي بحيث تعكس الحاجات الاجتماعية للبيئة، وتحاول إكساب التلاميذ العادات السليمة والاتجاهات والقيم التي تحقق حماية البيئة والمحافظة عليها وصيانتها. وتستطيع المدرسة تحقيق التوعية البيئية من خلال تضمين قضايا البيئة في المقررات الدراسية التي يدرسها التلاميذ في المراحل التعليمية المختلفة، ومن خلال الأدوار التي يمكن للمعلم أن يؤديها باعتباره القدوة والمثل للتلاميذ، بالإضافة إلى الدور الذي يمكن أن تؤديه الأنشطة المدرسية اللا صفية في تحقيق الوعي البيئي لدى تلاميذ المدارس، من خلال أنشطة جماعات الخطابة والإذاعة المدرسية، والكشافة المدرسية والصحافة وغيرها من جماعات النشاط في المدارس. وسوف تعرض الورقة فيما يلي الأدوار التي يمكن للمدرسة أن تقوم بها من أجل تفعيل دورها في تحقيق التربية البيئية ونشر الوعي البيئي:

1- دور المناهج الدراسية في مجال التربية البيئية ونشر الوعي البيئي 

تستطيع  المناهج الدراسية أن تسهم في نشر الوعي البيئي وتحقيق أهداف التربية البيئية من خلال التركيز على توضيح دور الإنسان في توازن النظام البيئي والأضرار الناجمة عن التلوث البيئي، وأشكاله ومسبباته، والآثار المترتبة عن الاستخدام السيء للبيئة، مما يتيح الفرصة أمام التلاميذ  لإدراك أهمية البيئة الطبيعية ومواردها ومكوناتها في الحياة، وواجبهم في الحفاظ على سلامة البيئة باعتباره واجبا إنسانيا بالدرجة الأولى. لأن الآثار السلبية التي يمكن أن تنتج عن السلوك الخاطئ تجاه البيئة ستنعكس بالدرجة الأولى على الإنسان في حاضره ومستقبله. وتجدر الإشارة إلى أن هناك ثلاثة مداخل رئيسة يمكن من خلالها تضمين التربية البيئية في المناهج الدراسية ومن هذه المداخل:

  • المدخل الدمجي: وفقاً لهذا المدخل يتم إدماج الموضوعات البيئية في بعض المقررات الدراسية أو ربط محتوى المقرر بقضايا بيئية مناسبة، وفى إطار هذا المدخل يمكن تطعيم المناهج الدراسية بالعديد من القضايا البيئية.
  • مدخل الوحدات الدراسية المنفصلة: هذا المدخل يعالج الموضوعات البيئية كوحدات مستقلة، حيث تدرس وحدة مستقلة عن التربية البيئية في فترة زمنية محددة بجميع أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية.
  • مدخل المقررات الدراسية المستقلة: وفي هذا المدخل يتم تدريس التربية البيئية كمنهج دراسي مستقل بذاته، شأنه شأن أي مقرر دراسي آخر في أي برنامج دراسي، وفي هذا المقرر يتم التركيز على ثلاث جوانب رئيسة هي التعليم عن البيئة، والتعليم من البيئة، والتعليم من أجل البيئة، ومن خلال هذا المقرر يتم الجمع بين التخصصات المختلفة في مقرر مستقل بغرض معالجة موضوع البيئة معالجة كلية من كافة الجوانب ومن كافة التخصصات.

وأياً كان المدخل المستخدم في تضمين التربية البيئية في المناهج الدراسية فإن الأساس في تحقيق أهداف هذه المقررات هو قدرتها على مراعاة اهتمامات وميول وحاجات التلاميذ ليتم أخذها بعين الاعتبار عند إعداد هذه المقررات الدراسية، ومن ثم فإن مصممي هذه المناهج عليهم إدراك أهمية هذه المناهج في تكوين اتجاهات إيجابية نحو البيئة لدى التلاميذ، وكذلك لابد من أن تكسب هؤلاء التلاميذ مهارات اتخاذ القرارات تجاه المشكلات البيئية إضافة لتأكيدها على المهارات العملية في التعامل مع البيئة ومكوناتها ومواردها. وبشكل آخر يمكن القول بأن التربية البيئية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد الأهداف، وعند بناء المحتوى العلمي وفي أساليب التدريس وأساليب التقويم.

2- دور المعلم في مجال التربية البيئية ونشر الوعي البيئي 

يعتمد نجاح وتحقيق التربية البيئية في برامج التعليم بمراحله المختلفة على المعلمين الأكفاء الذين يمكنهم تنفيذ هذه البرامج، فالمعلم يعد عاملاً أساسياً لإنجاح التربية البيئية وتحقيقها لأهدافها، كما أن إلمام المعلم بقضايا البيئة وأهميتها ومشكلاتها، يمكنه من توصيل المعلومات اللازمة عنها لتلاميذه بصورة مبسطة وشيقة، وهذا يتطلب ضرورة الاهتمام ببرامج إعداد المعلم بكليات التربية لكي تتضمن هذه البرامج ما يمكن المعلمين من التعامل مع متطلبات التربية البيئية. ولنجاح المعلم في القيام بمهامه وأدواره في نشر الوعي البيئي وتحقيق التربية البيئية السليمة عليه أن يراعي ما يلي:

  1. إثارة اهتمامات التلاميذ نحو بيئتهم باختيار مواضيع وظواهر وقضايا تحفزهم على دراستها والمشاركة في حلها.
  2. الاهتمام بتدريب التلاميذ على التفكير العلمي السليم في حل ما يوجههم من مشكلات بيئية وإكسابهم المهارات اللازمة للتعامل مع البيئة.
  3. توجيه التلاميذ للسلوك البيئي القائم على ترشيد الاستهلاك.
  4. مساعدة التلاميذ على التوسع المعرفي في مجال التربية البيئية من خلال تكليف التلاميذ بالقراءات الحرة وإعداد التقارير والبحوث حول البيئة وملوثاتها ومخاطر التلوث البيئي وغيرها.
  5. مساعدة التلاميذ على اكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع البيئية من خلال مشاركتهم في نظافة المدرسة وتجميلها وصيانة التالف من الأثاث المدرسي.
  6. مساعدة التلاميذ على اكتساب القيم والاتجاهات الإيجابية نحو البيئية من خلال الاهتمام بالجانب الوجداني.

ولتحقيق كل ما سبق لابد للمعلم أن يكون ملماً إلماماً كافياً بالتربية البيئية وفلسفتها وأهدافها ومبادئها ومفاهيمها والمشكلات البيئية وأضرارها وكيفية التعامل معها. ‏وهذا يتطلب الاهتمام بإعداد المعلم في هذا الجانب قبل التحاقه بمهنة التعليم، وتدريبه بعد الالتحاق بالمهنة بغرض تنميته مهنياً في هذا الجانب.

3- دور الأنشطة المدرسية في مجال التربية البيئية ونشر الوعي البيئي 

تسهم الأنشطة المدرسية إسهاماً جيداً في تحقيق التربية البيئية وتنمية الوعي البيئي لدى التلاميذ، فمشاركة التلاميذ في الأنشطة المدرسية البيئية تساعدهم على اكتساب المعارف عن طريق الممارسة العملية مما يسهم في تنمية الجانب المهاري للتلاميذ في التعامل مع البيئة، وهناك العديد من الأنشطة المدرسية اللاصفية التي يمكن الاستفادة منها في نشر الوعي البيئي وتحقيق أهداف التربية البيئة، مثل جماعة الإذاعة المدرسية وجماعة الصحافة المدرسية، وجماعة الخطابة، وهي كلها تعتبر من أبرز وسائل الاتصال داخل المدرسة لكونها ذات تأثير فاعل في توجيه الرأي العام الطلابي نحو قضايا البيئة ومشكلاتها، وهناك جماعة التصوير الضوئي وجماعة الفنون التشكيلية، التي تعد من أهم وأبرز مجالات الأنشطة التربوية التي تعمل على تنمية الخيال والتذوق الجمالي لدى التلاميذ وتنمية لمهارات اليدوية والعقلية ويمكن توظيف هذه الجماعات في تقديم اللوحات التشكيلية والفوتوغرافية التي تنقل صوراً واقعية إيجابية أو سلبية عن الواقع البيئي، وهناك جماعة النشاط المسرحي الذي يعتبر من أبرز الأنشطة وأسرعها تأثيراً في التلاميذ لما يزخر به من جمالية الحوار والأداء الحركي وما يمتاز به من نواحي تشويقيه هامة كالإضاءة والموسيقى والمؤثرات الحركية وغيرها، ومن ثم فهو نشاط يقدم الوقائع مجسدة وملموسة ومرئية ومسموعة ويخاطب عدة حواس في آن واحد مما يجعل تأثيره أقوى في نفوس التلاميذ من أجل تنمية وعيهم بمشكلات البيئة وأهمية المحافظة على أمنها وجمالها، وهناك جماعة الرحلات المدرسية  ذات النشاط المحبب لجميع التلاميذ وهناك جماعة الخدمة العامة وأصدقاء البيئية التي تعني بالجهود الإيجابية التطوعية للتلاميذ للمساهمة في خدمة مجتمعهم وبيئتهم كلاً في حدود إمكانياته.

إن هذه الأنشطة تعمل على تحقيق النمو الاجتماعي للتلاميذ وتدربهم على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية وتنمي فيهم الإحساس بالمشكلات المحيطة بهم، ومن ثم يمكن الاستفادة من هذه الأنشطة المختلفة في تنمية الوعي البيئي من خلال مشاركة التلاميذ في حملات النظافة المدرسية وحملات تجميل البيئة وغرس الأشجار ورعايتها ومن خلال معارض اللوحات التشكيلية أو الفوتوغرافية التي يشترك فيها التلاميذ والتي تعكس الممارسات السلبية والإيجابية لتعامل الإنسان مع البيئة. وكذلك من خلال المسابقات الثقافية حول موضوعات بيئية معينة عن طريق كتابة تقارير أو عمل أبحاث عن مشكلات البيئة وأضرارها، فكل ذلك يمكن أن يحفز التلاميذ على العمل من أجل البيئة وترسيخ المفاهيم الخاصة بالتربية البيئية. ‏

ثالثاً: دور الجامعة في مجال التربية البيئية ونشر الوعي البيئي 

تلعب الجامعات دوراً مهماً في تنمية المجتمعات البشرية وتطورها، فهي التي تصنع حاضرها وتخطط معالم مستقبلها، باعتبارها تشكل القاعدة الفكرية للمجتمعات البشرية. ويمكن للجامعة أن تسهم في نشر الوعي البيئي وتحقيق التربية البيئية عبر وظائفها الرئيسية الثلاث، على النحو التالي:

1- وظيفة التدريس 

تهدف إلى تنمية شخصية الطالب في جميع جوانبها وإعداده للتعامل مع البيئة المحيطة به، من خلال تزويده بالمعارف وتكوين الاتجاهات الإيجابية لديه. ويتم ذلك من خلال الوظيفية الأساسية للجامعة، وهي وظيفة التدريس من خلال تركيزها على التربية البيئية وفق المداخل البيئية في مناهج التدريس الجامعي (المدخل الدمجي، ومدخل الوحدات الدراسية المنفصلة ومدخل المقررات الدراسية المستقلة) والتي سبق الحديث عنها.

2- وظيفة البحث العلمي 

وتهدف هذه الوظيفة إلى توليد المعرفة والإضافة إليها. فالجامعة من خلال ما يقوم به الأساتذة في الكليات والمراكز البحثية المختلفة تستطيع أن تولي البيئة اهتماماً من خلال تناولها في الأبحاث والدراسات التي يقوم بها أعضاء هيئة التدريس، ومن خلال توجيه الخطط البحثية لطلاب الدراسات العليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في كافة التخصصات نحو البحث في البيئة ومشكلاتها وملوثاتها والأضرار الناجمة عنها، وكيفية البحث عن حلول لمواجهة انتشار الملوثات التي أدت إلى تغيير المناخ وتلوث الهواء والغذاء والتربة، والتلوث الإشعاعي والتكنولوجي، والتلوث الثقافي وغيرها من الموضوعات التي تمثل رافداً مهماً من روافد البحث العلمي في الجامعات، يضاف إلى ذلك أيضاً ضرورة توجيه أنشطة المؤتمرات والندوات العلمية نحو موضوعات تتعلق بالبيئة وحمايتها وأمنها والمحافظة عليها، بغرض توجيه اهتمامات المجتمع الجامعي والمجتمع المحلي نحو الوعي البيئي.

3- وظيفة خدمة المجتمع وتنمية البيئة 

تنطلق هذه الوظيفة من وظائف الجامعة، من كون الجامعة منارة علمية وثقافية في المجتمع، فقد انتهى العصر الذي كانت فيه الجامعة (برجاً عاجياً) معزولة عن المجتمع وقضاياه ومتقوقعة حول همومها العلمية فقط ومنغلقة على معاملها دون أن تنخرط فيما يدور حولها من قضايا أو مشكلات، ودون أن تقود فعالياته وتسهم في حلول مشكلاته، أما الآن فقد أصبحت الجامعة مدعوة للانفتاح على المجتمع المحلي وتقوية الروابط معه وتقديم المشورة له، ومساعدته على استغلال موارده وأن تنوع من خدماتها التي تقدمها للجمهور خارج نطاق الحرم الجامعي، وظهر مصطلحات تعمق من هذه الوظيفة الثالثة للجامعة، مثل مصطلحات المشاركة المجتمعية والشراكة المجتمعية مع الجامعات في إشارة إلى ضرورة انخراط الجامعة مع المجتمع المحلي المحيط بها من أجل خدمته وتنميته بيئياً.

ويمكن للجامعة من خلال وظيفتها الثالثة أن تؤدي دوراً مهماً في حماية البيئة والمحافظة عليها ونشر الوعي بمشكلاتها من خلال توليها لمهام القيادة الفكرية للمجتمع: وتقديم البرامج الخاصة، وعقد الندوات والمحاضرات والمؤتمرات، وتقديم البرامج التدريبية للطلبة والمواطنين، وغير ذلك مما من شأنه أن يسهم في حماية البيئة. والتوسع في برامج التعليم المستمر من خلال البرامج المهنية المتخصصة والدورات الفنية والمهنية، كدورات الإرشاد الأسري والإرشاد الزراعي والإرشاد الاستهلاكي والإرشاد الصحي والإرشاد البيئي، والبستنة، وتربية النحل، وتربية نباتات الزينة، وغيرها. وغني عن القول أن مثل هذه النشاطات تسهم في زيادة حصيلة المواطنين المعرفية وتوسيع مداركهم، مما يسهم في زيادة وعيهم البيئي. وأيضاً في مجال المحاضرات العامة والندوات العامة التي تستهدف زيادة الوعي البيئي للمواطنين في المجتمع المحلي.

رابعاً: دور الإعلام في مجال التربية البيئية ونشر الوعي البيئي 

لا ينكر أحد دور وسائل الإعلام في التأثير على الأفراد وربطهم بمجتمعهم عبر توعيتهم بالمشاكل التي تحيط بهم ونقل التراث الثقافي والاجتماعي بين الأجيال، ومنذ بداية القرن العشرين تعاظم دور الأعلام أكثر من أي وقت مضى في تعميق الوعي بكافة قضايا المجتمع بما في ذلك الوعي البيئي، وذلك من خلال غرس المفاهيم الصحيحة عن البيئة وتوعية الأفراد بمشكلات التلوث البيئي ومخاطرها على الأفراد وما ينجم عنها من أضرار قد تؤدي إلى كوارث صحية واجتماعية واقتصادية.

ويستطيع الإعلام نشر وتطوير الوعي البيئي من خلال قدرته على تغيير نمط سلوك الأفراد تجاه البيئة ومراقبة المشاكل البيئية وعرضها على المواطنين وتزويد قدرة الناس على تقييم العمل البيئي الذي يتم داخل المؤسسات المعنية بحماية البيئة، والاهتمام ببرامج التثقيف القانوني لتوعية المواطنين بالقوانين التي تنظم العمل البيئي وتهدف إلى المحافظة على البيئة وتحقيق أمنها. يضاف إلى ذلك أيضاً أن الإعلام بفضل ما يمتلكه من تقنيات حديثة، وقدرة واسعة على الانتشار بين فئات المجتمع بمختلف مستوياتها الثقافية والفكرية والاجتماعية، أصبحت له الريادة في مجال التوعية الإعلامية بصفة عامة، فالتقدم التكنولوجي الذي حدث في مجال الإعلام والتحول نحو الإعلام الرقمي زاد من أهميته، وضاعف من قدرته على التأثير في حياة المجتمعات والأفراد، ومن هنا فإن الإعلام يستطيع أن يقوم بدور ريادي في مجال التوعية البيئية وتحريك الاهتمام الجماهيري بقضايا البيئة ومشكلاتها والأضرار الناجمة عن سوء استخدامها، بل وتقديم  الإنذار المبكر ورصد أي خلل بيئي يحدث، ولفت انتباه الرأي العام إلى كيفية التعامل مع هذا الخلل.

ولتفعيل دور الإعلام في التوعية البيئية وتحقيق الأمن البيئي يجب العمل على ما يلي:

  • ضرورة إيجاد إعلام بيئي متخصص يستند إلى العلم والمعرفة وحداثة المعلومات، والقدرة على التعامل مع المعطيات التكنولوجية المتجددة ويتطلب ذلك الإعداد الجيد للأطر (الكوادر) الإعلامية المتخصصة في مجال الإعلام البيئي، والاهتمام بالتنمية المهنية للإعلاميين من خلال تكثيف الدورات التي تعقد بالتعاون بين أجهزة الإعلام ووزارة البيئة.
  • تكثيف البرامج الإعلامية التي تهدف إلى تنمية الوعي البيئي وترشد الناس إلى السلوك البيئي الجيد للتعامل مع كافة المتغيرات البيئية.
  • الاستفادة من خدمات الإنترنت في إنشاء قنوات إعلامية عبر الإعلام الرقمي توجه اهتمامها إلى التوعية الإعلامية بمخاطر التلوث البيئي بجميع أنواعه، وكيفية المحافظة على البيئة.
  • نشر التجارب العالمية الرائدة في مجال معالجة المشكلات البيئية لتوضيح كيفية محاكاتها والاستفادة منها، خاصة في ظل سهولة الانتقال المرن للبرامج والمعلومات بفضل التقدم التكنولوجي والاستفادة من خدمات الإنترنت التي توفرها الشبكات العنكبوتية.
  • ‏التعاون مع الجامعات لنشر نتائج الدراسات البيئية ونقل فعاليات المؤتمرات والندوات المحلية والإقليمية والدولية ذات الصلة بالشأن البيئي.
  • توعية الأفراد بالثقافة القانونية المتعلقة بالبيئة وتوضيح العقوبات المترتبة على الإخلال بالتوازن البيئي، والتعدي على البيئة وسوء استخدام مواردها.
  • توجيه البرامج الإعلامية الدينية لإصدار المزيد من الفتاوي الدينية المتعلقة بالبيئة، وتوضيح الأحكام الدينية المتعلقة بالتعدي على البيئة وسوء استخدامها لحث الناس على الالتزام الديني تجاه البيئة والمحافظة عليها وتحقيق حمايتها وأمنها.

الخاتمة:

إن الرؤية الاستشرافية التي تم عرضها لتحقيق الأمن البيئي وتنمية المهارات اللازمة للتعامل مع المخاطر البيئية المعاصرة، جاءت كانعكاس للاهتمام العالمي والإقليمي والمحلي بموضوع البيئة والعمل على تحقيق أمنها وحمايتها والذي زاد في الآونة الأخيرة، بسبب حجم الأخطار والمشاكل البيئية التي هددت كل دول العالم بلا استثناء والتي ربما، في جانب كبير منها، حدثت بفعل الاستخدام السيء من قبل الإنسان، غير أن هذه الرؤية التربوية المطروحة  قد لا تأتي أكلها إلا إذا تظافرت الجهود مجتمعة بين كافة الجهات المعنية بتنمية الوعي البيئي والمهتمة بحماية البيئة والمحافظة عليها، والمقصود بهذه الجهات مؤسسات المجتمع ككل بدءا من الأسرة والمدرسة والجامعة والإعلام، وتُضاف إليها مؤسسات التشريع المعنية بسن القوانين لحماية البيئة، ومؤسسات المجتمع المدني لتحفيز الناس على المشاركة في أي أنشطة تتعلق بحماية البيئة وأمنها والمحافظة عليها، هذا فضلا عن ضرورة مراعاة أن تشمل جهود التربية البيئية جميع فئات الشعب وشرائحه، حيث أنها ليست مهمة المدرسة فقط، بل مهمة كل مؤسسات المجتمع المعنية بنشر الوعي البيئي الذي يهدف إلى تنظيم العلاقة بين الإنسان والإطار البيئي الذي يحيط به.

المراجع:

أولا: المراجع العربية:

  • الأنصاري، نعيم محمد (2009). التلوث البيئي مخاطر عصرية واستجابة علمية. عمان: دار دجلة للنشر.
  • ابن منظور، ابو الفضل الانصاري (2003). لسان العرب. ج2 بيروت: دار الكتب العلمية.
  • الحسن، فتحية (2010). مشكلات البيئة. عمان: مكتبة المجتمع العربي.
  • حسن، محمد إبراهيم (2014). البيئة والتلوث. دراسة تحليلية لأنواع البيئات ومظاهر التلوث. الإسكندرية: مركز الإسكندرية للكتاب.
  • دردار، فتحي واخرون (2012). البيئة والتلوث بغداد: دار الكتب والوثائق الوطنية.
  • دهيبة، محمد محمود (2010). علم البيئة. عمان: مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع.
  • رشوان، حسين عبد الحميد (2016). البيئة والمجتمع. الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث.
  • رضوان، سامر جميل (2020). الاهتمام واللامبالاة وتأثيرهما على سلوك الإنسان. تم المراجعة بتاريخ 15 أكتوبر :2020   altibbi.com/534.
  • زاهد، عدنان حمزة وآخرون (2017). النفايات الصلبة: المشكلة والحل ، https://www.kau.edu.sa تم المراجعة بتاريخ 2/10/2021 :
  • سرحان، نظيمة احمد (2005). منهاج الخدمة الاجتماعية لحماية البيئة من التلوث. القاهرة: دار الفكر للنشر.
  • السعود، راتب (2007). الإنسان والبيئة. عمان: دار الحامد للنشر والتوزيع.
  • سعيد، فاتن (2010). الحفاظ على البيئة والوعي الصحي. مصر: مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع.
  • شعبان، اسامه حسين (2019). الاخطار والكوارث البيئية. القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع.
  • الطراف، عامر(2018). التلوث البيئي والعلاقات الدولية. لبنان: بيروت.
  • عامر، محمد أمين ، وسليمان مصطفى محمود (2009). تلوث البيئة مشكلة العصر. ط 2. القاهرة: دار الكتاب الحديث.
  • عباسي، مصطفى عبد اللطيف (2014). حماية البيئة من التلوث. الإسكندرية: دار الوفاء للطباعة والنشر.
  • العديلي، عبد السلام موسى، والحراحشة. كوثر عبود (2013). أثر دراسة مساق في التربية البيئية في اتجاهات طلبة جامعة آل البيت نحو بعض القضايا المتعلقة بسلامة البيئة. مجلة المنارة. جامعة آل البيت. مح (19). ع (2).
  • الغرأوي، نجم ، والنقار. عبد الله (2010). ادارة البيئة نظم ومتطلبات وتطبيقات. ط2.عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.
  • الكايد، بيان محمد (2011). سيكولوجية البيئة وكيفية حمايتها من التلوث. عمان: دار الراية للنشر والتوزيع.
  • المبارك، عبد الصادق عبد العزيز (2015). اتجاهات طلاب كليات التربية بجامعة بخت الرضا نحو التربية البيئية. مجلة جامعة بخت الرضا العلمية. العدد الخامس عشر. ص ص 2-26.
  • المنيأوي، ياسر محمد فاروق (2008). المسؤولية المدنية الناشئة عن تلوث البيئة. الإسكندرية: دار الجامعة الجديدة.
  • وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية (2020). استراتيجية مصر للتنمية المستدامة (رؤية مصر 2030). وزارة التخطيط . مصر.
  • اليونسكو(1977). التربية في مواجهة مشكلات البيئة. الوثيقة (14) من وثائق مؤتمر تبلبس للتربية البيئية. الاتحاد السوفياتي.

ثانياً: المراجع الأجنبية

  • Ford, M. (2004). Environnemental education in the condor bioreserve : Curent statuts and recommandations for future woks. Journal of sustainable foresteries. Vol. 18, No. 2,3, p.p. 257 – 275.
  • Ozden, M. (2018). “Environmental Awareness and Attitudes of student teachers: An Empirical research”, International Research in Geographical and Environmental Education 27 (1), pp 40-54.
  • Ross, Mckinsey (2014). environnemental pollution control masures, New York, Marcel Dekker Company for Printing and Publishing, at the following location http://bookos.org/g/Ross%20E.%20McKinney.
  • UNESCO (1978). Final Report Intergouvernemental Conférence on Environnemental Education Organized by UNESCO in Cooperation with UNEP, Tbilissi, USSR, 14-26 Octobre 1997, Paris : UNESCO ED/MD/49
  • UNESCO-UNEP (1976) the Belgrade Charter. Connect: UNESCO-UNEP Environmental Education Newsletter, Vol. 1 (1) pp. 1-2.

البحث في Google:





عن أ.د/ مجدي محمد يونس

أستاذ أصول التربية بكلية التربية جامعة المنوفية مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *