المناهج الدراسية في المملكة العربية السعودية

اقتصاد المعرفة والاستثمار البشري والمادي في ضوء نطام الجامعات الجديد في السعودية

مقال علمي كمتطلب تكميلي في مقرر تطبيقات في بناء المناهج، بقلم: باحثة الدكتوراه أ. نهى بنت عبد الله الحارثي، وإشراف أ.د. نهاد بنت محمود كسناوي، الأستاذ المشارك بقسم المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بجامعة أم القرى  

لنفرض أننا أقمنا حديقة خضراء وسط منطقة سكنية، فما العائد المتوقع منها؟ مقابل أجر مالي رسوم دخول للحديقة سيكون العائد المباشر للمستثمر، وعائد غير مباشر بما يُتاح للمنطقة وساكنيها من هواء نظيف وبيئة طبيعية بمنظر المسطحات الخضراء والتنسيقات والمرافق وما إلى ذلك من رفاهية. هذا هو الحال مع عوائد التعليم حيث إن التعليم عملية استثمار اقتصادي لها عائد ومردود. ومع تسارع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية التكنولوجية أصبح العبء في مسايرتها يقع على مؤسسات التعليم الأكاديمي.  وفي هذا المقال سنتناول الموضوعات المتعلقة بالعائد التعليمي واقتصاد المعرفة وكيف يمكننا الاستفادة من إمكانات اقتصاديات التعليم الجامعي بما يخدم الوطن.

إن قطاع التعليم من القطاعات الحيوية المحركة لعجلة الاقتصاد الوطني والذي صدرت موافقة القرار السامي على نظام الجامعات والصادر بمرسوم ملكي رقم (م/ 27) وتاريخ 2-3-1441هـ، لتنظيم شؤون الجامعات السعودية بشكل يحقق استقلاليتها إدارياً ومالياً وأكاديمياً، بما يحقق خفض التكاليف التشغيلية للجامعات على المدى الطويل، وتنص المادة السادسة والخمسون من الفصل الرابع عشر بعنوان أحكام عامة من نظام الجامعات ما نصه: “يحل هذا النظام محل نظام مجلس التعليم العالي والجامعات، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 8) وتاريخ 4-6-1441هـ ويلغي جميع ما يتعارض معه من أحكام”.

ويٌعد إنشاء عدة مجالس بداية الاتجاه لحوكمة الجامعات ومن هذه المجالس: مجلس أمناء في كل جامعة، ومجلس لشؤون الجامعات بعضوية عدد من الجهات الحكومية (وزير التعليم، نائب وزير التعليم للجامعات والبحث والابتكار، نائب وزير المالية، نائب وزير الخدمة المدنية، وزير العمل والتنمية الاجتماعية، ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط، رئيس هيئة تقويم التعليم والتدريب، خمسة من رؤساء الجامعات أحدهم من رؤساء الجامعات الخاصة، واثنان من ذوي الخبرة والاختصاص) بالإضافة لممثلين من القطاع الخاص. وتمتد المجالس لتشمل أيضاً مجالس استشارية دولية، ومجالس طلابية، ومجالس أعضاء هيئة التدريس، كل ذلك بما يسهم في توسيع قاعدة المشاركة في اتخاذ القرار بجودة وكفاءة عالية. يتوقع بذلك خلق مؤسسات أكاديمية مخرجاتها منتجة وفعالة، قادرة على مواجهة التحديات والمتطلبات بعيداً عن عقم الإجراءات الإدارية والمالية الرتيبة، بروح تنافسية محلياً وإقليماً ودولياً.

وبذلك يسهم التعليم الجامعي في توليد واستقطاب العقول الوطنية وحمايتها من الانجذاب والهروب لدول وقطاعات أخرى، كما يدعم تحويل الاقتصاد الوطني من الاعتماد على مصادر دخل محدودة إلى اقتصاد يعتمد على العقول ذات المهارة العالية والطاقات البشرية المُبدعة والمُنتجة، ويخلق روحاً تنافسية للتميز بتعزيز الفرص الاستثمارية والوظيفية، فلم يعد الهدف من مخرجات التعليم العالي فقط توليد قوى عاملة، وإنما طاقات بشرية تُنتج وتُضيف وتَتكيف مع واقع الحياة المتجددة، والثورات المعرفية والاقتصادية والتقنية.

إن من أهم العوائد الاقتصادية والتعليمية من نظام الجامعات تفعيل استثمار مواردها الذاتية بالبحث عن مصادر تمويل جديدة، بما يخفف اعتماديتها الثقيلة على ميزانية الدولة الواعدة. إن الانفتاح لمصادر دخل متنوعة تزيد من الدخل الحقيقي القومي بالاستثمار البشري في مدخلات العملية التعليمية بمخرجات تتناسب مع احتياجات الواقع والمأمول هو المقصود بالعائد التعليمي.

وفي نظام الجامعات في المادة التاسعة والأربعون من النظام المالي للجامعات ما نصه: ” تتكون إيرادات الجامعة من الآتي:

  • الإعانة السنوية التي تخصصها الدولة لها وفق القواعد المنظمة لبرنامج تمويل الجامعات.
  • المقابل المادي للبرامج الدراسية والدبلومات والدورات والخدمات التي تقدمها.
  • التبرعات، والهبات، والمنح، والوصايا، والأوقاف.
  • ريع أملاكها، واستثماراتها، وأوقافها.
  • الموارد المالية الأخرى التي يٌقرها مجلس الأمناء، على ألا تتعارض مع أهداف نشاط الجامعة وطبيعته.”

وأكدت لائحة النظام أن لكل جامعة الأحقية في اختيار التخصصات الأكاديمية والبرامج التي تراها مناسبة وتتوافق مع السياسات التعليمية، ونجد ذلك في التقدم الذي حققته رؤية 2030 من إضافة تخصصات تقنية مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، و أكد نظام الجامعات أيضاً على أن يكون تقاضي الرسوم الدراسية بما لا يخل بجودة المنتج العلمي، وهنا يتساءل كثير من السعوديين عن أحقية أبناءهم وقدرتهم على استكمال تعليمهم الأكاديمي في الجامعات السعودية مع فرض الرسوم للبرامج! وتجدر الإشارة إلى أن التعليم لمرحلة البكالوريوس لازال غير ربحي متاح للطلاب من ذوي الكفاءات التحصيلية العالية، وإن الرسوم لبعض برامج الدبلوم والدراسات العليا والبرامج التدريبية والخدمية. كما أن النظام كفل أحقية إعفاء الرسوم لمن يستحق المنح الدراسية من غير السعوديين.

أما فيما يخص المبالغ المالية مقابل القيام ببحوث علمية أو خدمات استشارية لجهات أخرى داخلية أو خارجية فيجب أن تراعي أهداف الجامعة ورسالتها والمساهمة في توفير الكفايات الوطنية من أعضاء هيئة التدريس لأداء مهمات بعائد مالي للجامعة. ونجد أن أغلب الجامعات أسست إدارات للاستثمارات اقتداء بمركز خدمات الاستثمار التعليمي في التعليم العام الذي أطلقته وزارة التعليم استجابةً للرؤية، كل ذلك بمتابعة دقيقة للحساب الختامي للجامعة عبر الديوان العام للمحاسبة، ومراجعاً خارجياً يتم ترشيحه من رئيس الجامعة.

ويتوقع من هذا النظام رسم ملامح تنفيذية تتناغم مع متطلبات التنمية الوطنية الشاملة في ضوء رؤية 2030، واحتياجات سوق العمل والثورة الصناعية والتقنية، مع مراعاة الجودة النوعية والمعيارية الضابطة لعمليات التطوير وقياس المستوى المنشود للأداء والمخرجات للتميز العلمي والمهني والأدائي، والذي نصت عليه الرؤية الحكيمة في أركانها الثلاثة: (مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح). أما وثيقة تنمية القدرات البشرية من رؤية 2030 فتهدف “لتحسين مخرجات منظومة التعليم والتدريب” والتي في معظمها مخرجات التعليم العالي المسؤولة عنها في المقام الأول الجامعات. وشملت الرؤية جميع مكونات منظومة التعليم والتدريب وأنظمة التقويم والجودة والمناهج والمسارات التعليمية والمهنية والبيئة التدريبية بما يُحقق كفاءة الرأسمال البشري السعودي.

المراجع

رؤية 2030 المملكة العربية السعودية. (2016). في رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

مجلس شؤون الجامعات. (2020). نظام الجامعات: الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/ 27) وتاريخ 2-3-1441هـ.

https://www.vision2030.gov.sa/

 

البحث في Google:





عن نهى الحارثي

محاضر وباحثة دكتوراه بجامعة أم القرى ( تخصص مناهج وطرق تدريس اللغة الانجليزية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *