الجامعات

نموذج الجامعة المنتجة في مواجهة تحدي التمويل لدى الجامعات الحكومية

تتسارع إيقاعات العالم اليوم ومتغيراته، ولمواكبة تلك الإيقاعات والإبداعات، يتحتم علينا أن نمتلك القدرة على الإسهام، إنتاجا وإبداعا، وذلك لايتم إلا بالعلم والتعليم.  فالتعليم هو الركيزة الأساسية للتنمية الشاملة بصفة عامة، والتنمية البشرية بصفة خاصة، ولا تقتصر أهميته على كونه يؤدي إلى تحسين نوعية عنصر العمل وزيادة إنتاجيته وإنما هو أيضًا حق من حقوق الإنسان، وغاية في ذاته ويحتاج إليه البشر لتمكينهم من ممارسة أدوارهم الإنسانية المختلفة على نحو أفضل، كما أن أفضل الاستثمارات يتمثل في الاستثمار برأس المال البشري الذي يعتبر من متطلبات الاستدامة في التنمية البشرية.

ولا يخفى على أحد أن مؤسسات التعليم العالي ذات متطلبات وحاجات مستمرة للموارد المختلفة اللازمة لتطوير التعليم فيها، وهي بذلك تواجه تحديات وصعوبات متفاوتة في توفير الاعتمادات المالية التي يتطلبها تشغيل تلك المؤسسات والتوسع بها وخصوصا في الدول النامية حيث تكون الدولة هي المصدر الرئيسي لتمويل التعليم، لذا كان لابد لهذه المؤسسات أن تتوجه نحو زيادة إنتاجيتها وتهيئة فرص النمو الاقتصادي بها، وهذا لن يتم إلا من خلال الشراكة في مشاريع بحثية إنتاجية،  والمشاركة في التطوير التقني. وقد شهدت مؤسسات التعليم العالي مؤخرا تحولاً ملحوظاً في أدوارها التعليمية والبحثية استجابة لبعض المتغيرات الاقتصادية العالمية التي جعلتها مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالاندماج في آليات السوق، مما زاد من أعبائها المالية. فالجامعات بشكل عام والحكومية منها على وجه الخصوص تعاني من الأزمات المالية التي يصعب حلها، والتي تلقي بظلالها على المسيرة التعليمية في تلك الجامعات. حيث أن الاعتمادات المالية الحكومية المتاحة تتجه نحو النقص وذلك بالمقارنة بحجم الطلب عليها. ويعزى ذلك إلى النمو السكاني السريع حيث يتزايد عدد الطلاب
في سن التعليم العام، ومن ثم يرتفع عدد الراغبين في الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي. فضلًا عن ارتفاع تكلفة الطالب في المرحلة الجامعية مقارنة بتكلفة أي مرحلة أخرى (الشربيني، 2009). وإن من أبرز البدائل المتاحة أمام كثير من مؤسسات التعليم العالي ما يطلق عليه -الجامعة المنتجة- Productive University و هي الجامعة التي تسعى لإبداع الطرق لخفض التكاليف وزيادة الإنتاجية وخلق مصادر تمويلية ذاتية غير تقليدية عن طريق تسويق منتجاتها، ليس بهدف الربح كما في القطاع الخاص، وإنما لتغطية نفقاتها وتكاليف التطوير المستمر وتحسين جودة التعليم والمساهمة في التنمية المجتمعية الشاملة. (الخير، 2016).

“ويعد نموذج الجامعة المنتجة نموذجا مرنا يحقق التوازن بين وظائف الجامعة الثلاث (البحث والتدريس وخدمة المجتمع) على اعتبار أن الجامعة جزءٌ لا يتجزأ من آليات السوق ومؤسسة لإنتاج وتسويق المعارف والبرامج والأبحاث المرتبطة بالسوق وعقد صفقات الشراكة مع مؤسسات المجتمع الأخرى” (الشربيني،مرجع سابق).

و من متطلبات أي جامعة منتجة، توفير الكوادر المؤهلة علمياً وعملياً للدخول في سوق العمل ووجود برامج تعليمية مواكبة للتطـور والحداثة وحاجة السوق. وتطوير القدرة والمهارة في التطبيق، والمحافظة على أخلاقيات العمل والتعامل، وتوفير مصادر تمويلية متنوعة دون الاعتماد على المصدر الحكومي، و كذلك إنشاء مركـز للاستثمارات العلمية الميدانيـة، يهدف إلى الاهتمام بالنتـاج العلمي التطبيقي والدراسات والاستشارات والأبحاث. وبهذا يعتبر نموذج الجامعة المنتجة، أن الجامعة جزء لا يتجزأ من آليات السوق.

وإنه ومع التطور التكنولوجي الهائل فقد بدأت مؤسسات التعليم العالي تتسابق في التطور من أجل تحسين مخرجاتها فبدأت حركة التطور في المباني والمختبرات والمناهج  بهدف المساهمة في التنمية اللازمة للمجتمع ، معتمدة في تمويلها على التمويل الحكومي والمنح الخارجية بشكل كبير وهذا يجعلها تتأثر بالتغيرات في ميزانية الحكومة، ولأن الجامعات الحكومية تسعى جاهدة لمعالجة مشاكل التمويل الكائنة لديها والمحافظة على أداء دورها بصورة تتوافق والتطور الهائل في شتى المجالات، فقد بدأت تتحول من دورها التقليدي إلى دور أكثر تأثيرا  في حركة التقدم الاجتماعي أي أنها في طريقها لتتحول إلى جامعات منتجة تخرج المؤهلات المطلوبة وتقدم الاستشارات العلمية وتتابع مشاكل التطوير والإنتاج في الأعمال، وتمارس كذلك النشاطات الإنتاجية المرافقة للعملية التعليمية وتحقق من كل ما سبق إيرادا  ماليا يعزز أهدافها ويزيد من فعاليتها التنظيمية.

وأنصح الجامعات الحكومية التي تواجه تحدي التمويل وعليها الكثير من الالتزامات، باتباع طرق للتقليل من الإنفاق وزيادة الايرادات، بأن تقوم بالآتي:

  • استثمار مرافقها المتنوعة كمراكز إنتاج متقدمة، بالعمل على إعادة الاستفادة من مقتنياتها (إعادة التدوير)، وذلك عن طريق ورشها التابعة لبعض التخصصات.
  • كما ويمكنها الاستفادة مما يدره تسويق منتوجها للمجتمع المحلي. فعلى سبيل المثال، يمكن لتخصصات تصميم الأزياء أو تخصصات الفندقة وغيرها من التخصصات العملية أن تعرض منتجاتها في محلات تابعة للجامعة بغرض بيعها، وما يعود عليها من ربح يتم الاستفادة منه في دعم تنفيذ الخطط التطويرية للجامعة.
  • تسويق إنتاجها العلمي إلى حقول المجتمع المختلفة و توسيع نشاطاتها الإنتاجية، مثل إنشاء مراكز تدريب لتقديم خدمات مدفوعة الأجر، أو بإنشاء محلات تجارية على أسوارها للإيجار.
  • الاستفادة من برامج التعاون والمنح الدولية بدعم الأنشطة الإنتاجية، وتعزيز علاقتها مع الشركات الوطنية والدولية ورجال الأعمال، لتأمين الحصول على الدعم المالي كهبات منتظمة.

التحديات التي تواجه عملية التحول لجامعة منتجة

  • من أبرز التحديات التي تواجه عملية التحول لجامعة منتجة هي نظرة الكثير من المهتمين بالتعليم الجامعي للجامعة المنتجة أنها مشروع تجاري لأنها ترتبط بآليات السوق – وهذا من وجهة نظرهم – سوف يهدد الوظيفة التقليدية للجامعة، رغم أن الجامعة المنتجة في جوهرها تخدم أغراض تعليمية واجتماعية.
  • سيطرة العولمة وضعف الوعي القومي وما نتج عن ذلك من عزوف أفراد المجتمع عن المنتج المحلي والاهتمام بالمنتجات المستوردة -مع انتشار ثقافة أن المستورد أفضل دائما – قد يكون حائلاً دون تسويق منتجات الجامعة المنتجة محلياً.
  • “غياب القيادات المعرفية القادرة على إدارة الجامعات باعتبارها منظمات معرفة منتجة للمعارف بالرغم من توافر الموارد والإمكانات المادية والبشرية والتقنية”(الوذيناني، 2006).

وختاما، نستطيع القول أن الانتقال والتحول من جامعات غير منتجة إلى جامعات منتجة يتطلب تكاتف الجهود وزيادة درجة التنسيق و التعاون مع كافة مؤسساتنا العلمية والتعليمية للمباشرة بإعداد وصياغة استراتيجيات حديثة ومبتكرة لجسر الهوة الإنتاجية واللحاق بركب الجامعات المنتجة والمتميزة.

 


المراجع:

  1. أبو الخير، راوية (2016): ” مدى توافر متطلبات الجامعة المنتجة وعلاقتها بالفعالية التنظيمية في الكليات التقنية بمحافظات غزة”، رسالة ماجستير في أصول التربية، جامعة الأزهر،غزة- فلسطين.
  2. الشربيني، فهمي (2009):”طرق جديدة لزيادة موارد الجامعات “، مجلة المعرفة، المجلد (1) العدد (177)،السعودية.
  3. الوذيناني، جواهر (2006): “إدارة المعرفة مدخل لتحقيق نموذج الجامعة المنتجة“، رسالة ماجستير في الإدارة التربوية والتخطيط،جامعة أم القرى، السعودية.

البحث في Google:





عن راوية حسن أبو الخير

طالبة في برنامج الدكتوراه المشترك بفلسفة الإدارة التربوية بين الجامعة الإسلامية وجامعة الأقصى بغزة . محاضر بقسم الأعمال الإدارية والمالية بكلية فلسطين التقنية -دير البلح

2 تعليقات

  1. علاء أحمد أبو مزيد

    جهد مميز ومبارك د. راوية ومزيدا من الابداع

  2. مقال رائع بالتوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *