تعليم الفتاة

موقع الفتيات والنساء في النظم التعليمية

إعداد: الدكتور/ إيهاب إبراهيم السيد محمد – دكتوراه في التربية تخصص تكنولوجيا التعليم جامعة عين شمس و   الدكتورة/ فاطمة السيد اليمانى – دكتوراه في التربية تخصص علم نفس جامعة القاهرة

تسعى السياسات الداخلية لكل دولة لتحقيق المساواة في فرص التعليم الابتدائي والثانوي للأولاد والبنات، وقد تطور حصول كل من الأولاد والبنات على فرصة الالتحاق بمرحلة التعليم الابتدائي والثانوي بشكل كبير جداً وعلى الرغم من التحسن الملموس إلا أن هناك المزيد من الجهود التي يجب أن تبذل في المناطق الريفية وحتى في المناطق الحضرية المنخفضة الدخل.

إن إتمام الدورة التعليمية لا يزال يتطلب المزيد من العمل، ونجد أنه عبر العالم تسجل الإحصائيات المعلنة في كثير من الدول أن 9 فتيات من بين 10 فتيات تكمل مرحلة التعليم الابتدائي وتكمل 3 فتيات من بين كل 4 فتيات المراحل الأولى من المدارس الثانوية وتتساوى نسبة إنهاء البنين المرحلة الابتدائية مع نسبة الفتيات، وإن كانت ترتفع نسبة ضئيلة في المرحلة الإعدادية، ويمثل الالتحاق بالمدرسة الثانوية تحدياً دائماً للدول منخفضة الدخل.

إن قضية إتمام الدورة التعليمية قضية مهمة إذ أنها تؤثر في إنتقال التلميذ من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية وكذلك من المرحلة الثانوية إلى مرحلة الدراسة الجامعية.

على الرغم من ضرورة استمرار الجهود لنشر فرص التعليم الابتدائي والثانوي في جميع أنحاء العالم لكل من الأولاد والبنات، فإن الاهتمام بتحقيق هذا الهدف وبالتالي تسجيل هذه الأهداف في السجلات الرسمية قد جعلت كثيراً من الحكومات تغفل عن فحص ما يتم تدريسه في المدرسة وقدرة المعارف التي يتم بثها على إحداث تغيير العلاقات المجتمعية للجنسين.

تفترض الجهود الرامية لتحقيق المساواة في التحاق الجنسين بالمدارس أن المعرفة والممارسات التى يتم بثها تعتبر مفيدة ومواتية، ولا تحتاج إلى تمحيص، وهكذا أغفلت جوانب كثيرة كان لا بد للتلميذ من الاطلاع عليها، وبدلاً من الحصول على معلومات مفيدة لمواجهة التحديات الخاصة بحالة الجنسين المجتمعية فإنها ساهمت في إبقاء الحال على ما هو عليه.

يجب أن ينصب اهتمام المناهج الدراسية على إيجاد تغيير يلقى الترحيب بدلاً من التركيز فقط على جانب النوع (ذكور وإناث) إلى اهتمام أكبر من خلال التعليم الرسمي في المدارس.

يقودنا هذا القول إلى ضرورة التوسع في مناقشة بعض القيم والمعارف والمهارات التي يتم تقديمها إلى كل من الأولاد والبنات.

إن الاهتمام بمناهج الدراسة سوف يسهم في توفير معلومات كافية تؤدي إلى إنهاء الظروف التي لا توفر مساواة حقيقية وفرصا متساوية للأولاد والبنات، حتى يمكن لهذه العقول الصغيرة التفكير في أمور تؤثر على هويتهم وحقوقهم ومسؤولياتهم.

لقد استمر إصلاح المناهج الدراسية على مدى العشرين سنة الماضية، لكن هذه الجهود اقتصرت على موضوعات محدودة وكان محتواها ضعيفاً.

أعادت اليونسكو وعدة منظمات أخرى حديثاً مراجعة إرشاداتها حول تعليم المواد المتعلقة بالذكور والإناث، وتعد هذه الإرشادات وثيقة متميزة، حيث يبقى التساؤل قائماً حول كيفية تنفيذها من خلال السياسات عبر دول العالم.

وتم تضمين هذه السياسات في أهداف التنمية المستدامة الحالية والخاصة بدليل إرشادي عن سياسات التعليم حتى عام 2040م تضمن بنوداً خاصة بمعاملة الذكور والإناث داخل جدران المدارس.

وقد حددت الوثيقة ضرورة وجود مادتين هما المواطنة العالمية، والتعليم الهادف لتحقيق تنمية مستدامة، وسوف يتم من خلال تلك المادتين معالجة قضية المساواة بين الذكور والإناث وكذلك حقوق الإنسان.

من خلال المنطلقات السابقة فإنه يجب إعلاء شأن مقولتين هما:

  • ما هي المعالجة الكافية للمساواة بين الذكور والإناث وهو ما لم يتم ذكره تفصيلياً في الوثيقة.
  • الموارد المالية اللازمة للوفاء بتحقيق المساواة بين الذكور والإناث في مناهج الدراسة (وهو ما يتطلب طباعة كتب دراسية ومواد إرشادية وكذلك تدريب المدرسين وإعادة تأهيلهم).

عن طريق الأبحاث والخبرات الميدانية تم التعرف على أن هذه المؤشرات تلعب دوراً رئيسياً في تنفيذ وتشكيل السياسات على المستويات المحلية.

إن ضعف التعبير عن هذه المؤشرات أو محدوديتها وبالتالي السياسات الخاصة بمناهج الدراسة والنوع، سوف تكون في أفضل الأحوال مجرد أمنيات وليست واقعاً ملموساً.

إن تطوير وتحسين أحوال النساء لا يتطلب فقط إتاحة فرص تعليم أفضل لهن، أو المزيد من فرص العمل، أو قوانين معينة، ولكن إعادة صياغة فهمنا للنوع ودور كل من الجنسين داخل المجتمع.

الأمر الذى يعني ألا نغفل حقيقة واضحة تتمثل فيما جرى عليه العرف من اعتبار المرأة أقل في القدرات من الرجل، وأنها مسؤولة عن إدارة شؤون المنزل وغيره من رعاية الأطفال، وهذه الأيديولوجية (الأبوية) هي أمور طالما أغفلتها السياسات الحكومية.

من الضروري وضع نظرية حول أسباب وآثار دور كل من الجنسين في المجتمعات، وكذلك فهم أن الأبوية لا تؤثر فقط على الفتاة والمرأة الفقيرة بل كذلك على الفتى والرجل الفقير.

إن النوع قد فرض ظروفاً ميزت الرجل خاصة في النواحي الاقتصادية، وفي نوعية الحياة من منطلق الممارسات المتسمة بالعنف، والتي تتعرض له الكثير من النساء، إن النوع له دور فعال في تشكيل حياة كل الطبقات الإجتماعية.

إن تغيير المناهج الدراسية سوف يتطلب تدريب المدرسين والإداريين تدريباً دائماً، ويتطلب كذلك تدريب الأفراد العاملين في مختلف الهيئات وخاصة الهيئات التابعة للأمم المتحدة ووكالات التنمية المزدوجة الجنسية.

إن تغيير العلاقات القائمة بين الجنسين سوف يثير بالضرورة سؤالاً مهماً حول الأعراف السارية والتي تستمر في تمييز الرجل عن المرأة وتفضل كثير من الحكومات تلافي هذا الارتباك، مما يفسر إصرارها على تقبل إتاحة التعليم وتجنب بحث محتواه، عدا مادتي الرياضيات والعلوم، وتبدو نظم الدراسة كما لو كانت مرتبطة بالإنتاجية الإقتصادية مع إبقاء قضية المساواة بين الجنسين على ما هي عليه.

وهناك تغيرات كثيرة في الحياة المعاصرة شجعت بعض المجتمعات على تحولات ذات أهمية، ويتزايد عدد النساء في مجال القوى العاملة، وفي بعض الدول عالية الدخل تكون النساء الأكثر حصولاً على الأجور وهو وضع يناوئ ما جرى عليه العرف من أن الرجل هو العائل.

ومع حصول النساء على دخول أعلى زاد الإحساس بالثقة لديهن مع ما تبع ذلك من عدم قبول العنف المنزلى من جانب النظام القانوني والمجتمعات والعائلات، وإن ظل العنف داخل المنزل هو التهديد الأكبر للمرأة في عدد من بقاع العالم.

لكن من حسن الحظ توسعت القوانين لتجرم العنف المنزلي في العقود القريبة. إن الحصول على قدر وافر من التعليم منح المرأة والرجل مزايا وفرصة للتعايش السلمي مع بعضهم البعض، ولم تعد القضية الآن تتمثل في أن المجتمع قد ظل جامداً على النحو السابق، بل أن هذه التغيرات قد تكون أسرع وأعمق وأكثر استمرارية وثباتاً.

إن أزمة تغير المناخ وخصخصة كثير من منافذ التعليم قد جلب معه أولويات جديدة يجب على القادة وأولياء الأمور مواجهتها، وبالتالي أصبحت قضايا مثل العدالة الاجتماعية والتغير الحتمي للعلاقات الاجتماعية بين الجنسين في مستويات سطحية.

إن اتباع الوسائل الرقمية والإعتراف بالواقع الذي لا يمكن تجاهله وما فرض من استراتيجيات جديدة في مجال التعليم، وكذلك هذه الأساليب الجديدة للتعليم عبر الوسائل الإلكترونية والتي أصبحت متاحة (وإن يكن بقدر غير متساو) قد أدت بنا إلى جعل المساواة بين الجنسين أمراً مألوفاً فلابد أن نعي تماماً ما يفرضه علينا نظام التعليم الجديد.

يجب أن نتقبل فكرة التعليم عن بعد بين العائلات والثقافات التى يصعب عليها ذلك الفهم، وهناك ما هو أكثر من ذلك وهو أن بعض الأزمات قد ألزمت الآباء والمدرسين والمسؤولين عن الرعاية باتباع أساليب جديدة للتعليم.

إن تحول التعليم إلى الوسائل الرقمية ومحاولة الحكومات دعم هذا الاتجاه في المدارس أو المدرسين القائمين كان من الأمور المهمة.

صدرت تقارير كثيرة تتحدث عن رؤية المدرسين والآباء والمسؤولين من أن المهام التي يقومون بها لم يواجهوا صعوبتها من قبل خلال مدة عملهم الطويلة، تضمنت تلك التقارير كذلك رؤى بعض الأفراد حول ما سوف يحمله المستقبل من أعباء، وظهرت من بين هذه الرؤى بعض الاستجابات التى تنطوي على قلق واضح.

تم إكتشاف بوضوح أن كل طفل سوف يتعلم بطريقة مختلفة، إن وضع برنامج تعليم خاص بكل فرد أمر صعب المنال ويفوق قدراتنا.

إن تفريد التعليم يتعدى مواردنا، ويفوق قدراتنا التقنية، ومقدراتنا الاجتماعية والعلمية، ولم يحظ حتى الآن بالبحث اللازم، ولا بد من مناقشات دائمة للوصول إلى تحقيق العدالة في حصول كل فرد على المعرفة.

إن شبكات التعليم الإلكترونى قد اكتسبت مزايا تفوق الوصف في مجال عمليات التعليم، وأصبح التعليم عن بعد (والتركيز عليه) هو الحل الأكثر تفهماً للوضع الراهن.

وفي أغلب الأحيان فإن هذه الطرق سوف تؤدي بنا لا محالة إلى الوصول إلى قدر محترم من التعامل مع قضايا المساواة بين الجنسين الذكر والأنثى ومحاولة تفهم الأوضاع الحالية والعمل على حلها.

إن تغيير المناهج الدراسية خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع النوع لم يعد أمراً مستحيلاً، لكن الأمر يتطلب أن تدرك جميع الأطراف أن المشكلة معقدة، إذ يتطلب تظافر جهود العديد من القطاعات (خاصة وسائل الإعلام)، وأن هذه الجهود تتطلب أموالاً طائلة وعملاً شاقاً لكن مواجهة المشكلة والتصدي لحلها سوف يمثل خطوة حاسمة في تاريخ الجنس البشري.

 

 


قائمة المراجع

  • أحمد الحارثى، إبراهيم بن أحمد مسلم(2003): نحو إصلاح المدرسة في القرن الحادى والعشرين ، مكتبة الشقري ،الرياض.
  • أوتشيدا، دونا، مارفين سيترون، فلوريتا ماكينزى(2004): إعداد التلاميذ للقرن الحادي والعشرين، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة.
  • عبدالطيف الفاربى (2004): مقاربة جديدة في تناول المناهج وخطط التدريس، مجلة علوم التربية، دورية مغربية، عدد 26م.
  • كوثر حسين كوجك (2001): اتجاهات حديثة في المناهج وطرق التدريس والتطبيقات في مجال التربية الأسرية، ط2، القاهرة، عالم الكتب.

البحث في Google:





عن د. إيهاب ابراهيم السيد محمد

دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية، كلية التربية النوعية جامعة عين شمس. تخصص تكنولوجيا التعليم زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا - جمهورية مصر العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *