نظرية فيجوتسكي

استخدام نظرية اختيار جلاسر لفهم فيجوتسكي

يسعى التربويون بشكل حثيث لتطوير فهمنا حول كيفية تعلم الطلاب، ونحن بطبيعة الحال نقوم بدراسة أعمال المنظرين المعرفية المختلفة، وعلى الرغم من سيادة نظرية بياجيه لفترة طويلة، إلا أن بعض المنظرين كان لهم أهميتهم المتزايدة وجهودهم الكبيرة لفهم التعلم.

و قد قام فيجوتسكي بوضع نظريته الثقافية – الاجتماعية للتطور المعرفي أثناء عمله في الاتحاد السوفيتي. و على الرغم من أنه جاء بعد بياجيه، إلا أن أعماله لم تظهر في الغرب إلا في فترة الثمانينات. و قد وفرت نظرية فيجوتسكي العديد من التطبيقات التربوية المعاصرة و ساعدت نظرية الخيار لجلايسر في فهم أسلوب عمل نظرية فيجوتسكي.

و تقترح نظرية فيجوتسكي أن النمو العقلي المعرفي يعود إلى ثلاثة عناصر هي: الثقافة، و اللغة، و التفاعل الاجتماعي، و على اعتبار أن الثقافة هي أهم شيء، و من ثم اعتبار اللغة و التفاعل الاجتماعي على أنها الوسائل التي تقود الثقافة من خلال التطور المعرفي.

فاللغة تعمل كمسهل للتفاعل الاجتماعي وبذلك يكون التفاعل الوسيلة التي تعزز الثقافة من خلالها ذلك النمو المعرفي. ويحدد فيجوتسكي ثلاثة مفاهيم محددة يجب فهمها و تطبيقها لكي يستمر النمو المعرفي بشكل فاعل:

  1. مرحلة النمو التقريبي: تصف هذه المنطقة مدى صعوبة المهام الصعبة على المتعلمين ليكملوها وحدهم، إلا أن إكمال المهمة قد يكون ممكنًا بمساعدة شخص أكثر معرفة، و هذا يعني أن التعلم يحدث فقط عندما تكون هناك مهمة في هذه المنطقة.
  2. يصف فيه فيجوتسكي الدعم، و الذي يشير إلى طبيعة المساعدة التي يقدمها شخص أكثر معرفة، و تدريجيًا مع الانتقال من المرحلة السابقة يصبح المتعلم أكثر قدرة على حل المشكلات و إكمال المهام.
  3. أما المفهوم الثالث فهو الأكثر أهمية و يتعلق الأمر بالأدوات النفسية، و التي توفر سببًا آخر يكون فيه التفاعل الاجتماعي حيويًا في التطور المعرفي. و الأدوات النفسية هي آليات عقلية أو عمليات نستخدمها لاختيار بيئتنا، و التفاعل مع الآخرين، و من الأمثلة عليها: المعادلات، و اللغة المكتوبة، و الرموز، و الخرائط، و الطريقة العلمية، و اللغة الشفوية.

و باستخدام نظرية فيجوتسكي يمكن تصميم غرفة صفية تعمل على تعزيز النمو المعرفي عبر التفاعل الاجتماعي، و هذا الصف يستخدم نشاطات موسعة و مكثفة عن تعلم اللغة، مثل: القراءة، و الكتابة، و التحدث. كما أنه لايتم التأكيد على التفاعلات الاجتماعية فقط، بل يشجع ويطور بشكل منظم كجزء من المنهاج، و سوف يعمل المتعلمون بشكل متكرر في مجموعات بدءًا من الأزواج و انتهاء بالمجموعات.

إن هذه النظرية و مبادئها تضم معًا الاستراتيجيات، و النشاطات، و الإجراءات التي تعزز الإحساس العام بالتعلم، لذلك سيقوم المعلمون الناجحون إن لم يكونوا جميعهم باستخدام توصيات فيجوتسكي في صفوفهم.

و بحسب نظرية الخيار لجلايسر، فإن جميع السلوكيات يتم اختيارها بشكل واعٍ، و لسبب محدد، و هي ما يمكن أن ننظر له على أنه فرصتنا الأفضل لإشباع واحدة من خمس أساسية و هي على الترتيب: البقاء، الحب و الانتماء، القوة، الحرية، و المتعة. بمعنى آخر، عندما نعبر عن هذه الحاجات نختار سلوكًا، أو مجموعة من السلوكيات التي نعتقد أنها سوف تمكننا من تلبية هذه الاحتياجات.

إن طبيعة هذه الاحتياجات الخمس تحدد حاجاتنا لأشخاص آخرين. و كما يقول جلايسر (نحن كائنات اجتماعية و لتلبية احتياجاتنا يجب أن نبني علاقات جيدة). على سبيل المثال إن تلبية حاجة الحب والانتماء تتطلب وجود أشخاص آخرين، و الحاجة للقوة تتطلب الاحترام و هكذا.

لنفترض أن نظرية فيجوتسكي مقبولة، سنحتاج لدعم و مساعدة الطلاب لإكمال مهامهم في منطقة النمو التقريبية، و التي من خلالها سوف يحاولون اكتساب الأدوات النفسية لاكتشاف بيئتهم، و التفاعل معها، و مع الآخرين.

إن تعليم الطلاب على مساعدة الآخرين ليس صعبًا كما يبدو، فالخطوة الأولى هي التعرف إليهم و إكسابهم الحاجات الخمس، و تعليمهم أساسيات نظرية الخيار، و التي تعتبر ممارسة عادية من ممارسات مدرسة النوعية لجلايسر.

و قد يقوم المعلم بتوضيح – بلغة مناسبة – طبيعة الاحتياجات، و من ثم يعطي بعض الأمثلة على سلوكيات تساعدهم في تلبيتها، و تاليًا، يقوم بأخذ أمثلة إضافية من الطلاب، و يقوم بتوضيح المفاهيم، و كمثال: يمكن للمعلم أن يقدم الحاجة للقوة و من يوضح للطلاب، أنه يمكن فهم هذه الحاجة، كالحاجة للاحترام أو الاستماع، و بعد ذلك، يطلب من الطلاب تذكر مناسبات شعروا فيها بالاحترام أو أن الناس الآخرين استمعوا لهم، ثم يطلب منهم إعادة تذكر ما شعروا حين ذلك تجاه عدم الاحترام أو التجاهل…. ثم يمكن أن يسألهم عن سلوكهم حيال ذلك كله.

إن المعلم القادر على تطبيق نظريتي فيجوتسكي و جلايسر سوف يتمكن من خلق صف يمكن أن يركز على العلاقات الاجتماعية الفعالة، و تتكون أساسًا من مكونات النمو المعرفي، حيث يمكن أن يحيي الطلاب بحماسة، و أن يسألهم عن اهتماماتهم، و هواياتهم، و ماذا يفعلون بعد المدرسة، ثم يشركهم في وضع القواعد الصفية، مع الأخذ بعين الاعتبار اهتماماتهم و رغباتهم عند تصميم و تنفيذ النشاطات الصفية.

و يمكن لهذا المعلم أن يدرس مهارات التفاعل الاجتماعي، مثل: مهارات المحادثة (البدء، الانضمام، التفسير، التحدث)، و مهارات التأكيد (الأسئلة التوضيحية، الطلب، الرفض)، و مهارات التفاعل (تكوين الأصدقاء، المشاركة، الدعوة، تشجيع الآخرين)، و مهارات حل المشكلات، و الجلوس بهدوء، و الاكتشاف، و اختيار الحلول، و المسؤولية.

 


المراجع:

Glasser, William, M.D. (1998). Choice Theory: A New Psychology of Personal Freedom.

Glasser, William. (1990)The Quality School: Managing Students without Coercion. Harper and Row Publishers, Inc, 10 East 53rd Street, New York, NY 10022

Vygotsky, Lev (1978). Mind in society: The development of higher psychological processes. Cambridge, MA: Harvard University Press

البحث في Google:





عن د. رابعة عكور

حاصلة على درجة دكتوراة الفلسفة في التربية – مناهج اللغة العربية وأساليب تدريسها- جامعة اليرموك، لها العديد من الأبحاث العلمية المنشورة بالمجلات العلمية المحكمة والمؤتمرات الدولية، محاضرة سابقة في الجامعة العربية المفتوحة، عضو سابق ضمن فريق المركز الوطني للمناهج لتأليف مناهج اللغة العربية من مرحلة (الروضة-الثاني عشر) في المملكة الأردنية الهاشمية، و عضو في كل من (الاتحاد الدولي للغة العربية، الموسوعة الدولية في اللغة العربية، اتحاد الأكاديميين و العلماء العرب)، و تشغل حاليًا مدربا مختصا في تنمية مهارات اللغة العربية في برنامج تدريب و تأهيل معلمي أثناء الخدمة، و مدرس معلمين في برنامج تدريب و تأهيل معلمي ما قبل الخدمة في أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *