المعلم و المعرفة

الأدوار الجديدة للمعلم في عصر المعرفة

يشهد العالم تطوراً معرفياً وتكنولوجياً وثورةً معلوماتية في شتى المجالات. هذا الانفجار الهائل في المعرفة والذي غزا كافة نواحي الحياة، يُحتم علينا مواجهة التغيرات الناتجة عنه، ومنها الأدوار والمسؤوليات الجديدة للمعلم الذي له دور مهم في صنع الحياة ورسم مستقبل مشرق. فجودة التعليم مرهونة بأداء المعلم الذي يُعد حجر الزاوية، وأحد العوامل المهمة لنجاح العملية التعليمية، والركيزة الفعّالة التي يُعاون فيها المتعلم على التعلم المستمر، والتفوق في دراسته، حتى يستطيع تقديم تعليم نوعي متميز.

ومع ظهور التقنيات الحديثة وتوظيفها في العملية التعليمية، كان لابد من إعداد أفراد يستطيعون التفاعل مع معطيات عصر المعرفة وتغيراته، فأصبح المعلم الذي يُعتبر أحد المحركات الهامة في العملية التعليمية المرشد الإيجابي لطلابه في التعامل مع متغيرات التكنولوجيا الحديثة والمراقب الفعّال لسير العملية التعليمية من خلال تلك التقنيات الحديثة. وفي ظل هذه التطورات المتسارعة للتكنولوجيا في عصر المعرفة، تغيرت أدوار المعلم التقليدية والتي كانت تُركز على التلقين، وأنه هو المصدر الرئيسي للمعلومات، وعلي عاتقه يقع العبء الأكبر من المسؤولية في إعداد الإنسان وتهيئته لخدمة المجتمع، إلى أدوار جديدة تتناسب مع تطور التقنيات في عصر المعرفة.

وقد أوصت العديد من الدراسات والندوات بضرورة توضيح دور المعلم لكي يتناسب مع عصر المعرفة، ومنها الندوة التي اُقيمت في مصر عام (2002) بعنوان “المدخل المنظومي والمعلوماتية”، وهو نفس ما توصل إليه المؤتمر الدولي الرابع لإعداد المعلم (2011) بعنوان “أدوار ومسؤوليات المعلم في التعليم العام والعالي تجاه ظاهرة العنف والتطرف في ضوء متغيرات العصر ومطالب المواطنة” أي ضرورة العناية بالمعلم وأدواره المتغيرة، والاتجاه إلى المزيد من تمهينه، كما أكدت دراسة الرومي (2012) على الحاجة إلى تعريف المعلمين بالأدوار المطلوبة منهم في ضوء عصر المعرفة، والحاجة إلى تدريبهم عليها لتمكينهم من القيام بأدوارهم.

ومن هنا تنبع أهمية وضرورة أن يكون للمعلم أدوار تتماشى مع عصر المعرفة، أهمها تمكنه من فهم علوم العصر وتقنياته المتطورة بشكل مستمر، وتوظيفها التوظيف الأمثل في العملية التعليمية، وعرض المادة التعليمية بطريقة متميزة، وتدريب المتعلمين على استخدام هذه التقنيات في تعلمهم، وامتلاك استراتيجيات التقويم النظامية وغير النظامية.

وفي ضوء ما تقدم يُمكن أن نُجمل أهم الأدوار الجديدة للمعلم في عصر المعرفة كما يلي:

توظيف التكنولوجيا في العملية التعليمية:

أثّر ظهور التكنولوجيا وتطورها المتلاحق على العملية التعليمية، وغدت المرشد الحقيقي للمعلم، فأصبح المعلم قادرا على توجيه المادة التعليمية لتلاميذه بكل سهولة. ولم يعد المعلم مُقتصراً على المحتوى المُقرَّر فقط، بل قادراً على توجيه المتعلم للمعلومة الصحيحة وفهمها بكل سهولة من خلال مواقع أكاديمية أو وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاهدة الدروس والمحاضرات وتسجيلها، وبالتالي فإنَّ ذلك يُمكن المتعلم من مُشاهدة الدرس مرة أخرى، مما يُساعده على فهم أعمق للمعلومة وحفظها، كما أنَّ التقنيات الحديثة تُمكن المعلم من إعداد اختبارات إلكترونية والتي تمتاز بتوفيرها لوقت المعلم وجهده في تصحيحها ورصد العلامات.

وفي عصر المعرفة ظهرت المدارس الإلكترونية والفصول الافتراضية والتعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني والتعليم المدمج، والتي تعتمد على توظيف التقنيات الحديثة في العملية التعليمية. وبظهورها، تَحَتَّم على المعلم أن يُواكب هذا التطور، من خلال امتلاكه لمهارات تُمكنه من التعامل والتفاعل مع هذه الأساليب والتقنيات الحديثة التي أنتجتها المعرفة وتم توظيفها في العملية التعليمية.

توظيف المقررات الإلكترونية في العملية التعليمية:

المُقرر الإلكتروني هو مُقرر تستخدم في تصميمه أنشطة ومواد تعليمية تعتمد على الحاسوب، وتحتوي على وسائط تفاعلية يتلقاه المتعلم عبر الإنترنت. وهو ذو فائدة كبيرة للمتعلم، حيث يتمكن من تجاوز الحواجز النفسية ويُشجعه على الحديث مع معلمه وأقرانه بجرأة عبر وسائل الاتصال الخاصة بالمقرر الإلكتروني. وأهم ما يُميز المقرر الإلكتروني أنه مُتاح 24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع والعطلات، بالإضافة إلى إمكانية عرض محتواه بأشكال مدعمة بوسائط تفاعلية، واستضافة معلمين من أي مكان في العالم، وعرض التجارب العملية بكل سهولة وفي بيئة آمنة، إضافة إلى العديد من المميزات التي تجعل العملية التعليمية أكثر متعةً وتشويقاً. وهذا يدفع المعلم إلى توظيف هذا النوع من المقررات ما يضطره لاستخدام أساليب واستراتيجيات جديدة في التدريس، تتناسب مع مُتطلبات التعامل مع المقررات الإلكترونية، من القدرة على استخدام الحاسوب والتعامل بشكل جيد مع برمجياته، والقدرة على التفاعل الجيد مع الإنترنت. كما أن المعلم يجب عليه أن يُحدد مستوى مهارة المتعلمين في استخدامهم للتكنولوجيا الحديثة وتقديم الدعم الفني لهم، ومُتابعتهم باستمرار.

وهنا يجب علينا أن نعي جيداً أن استخدام المقررات الإلكترونية وتوظيف المعلم لها في العملية التعليمية لا يعني أن دور المعلم انتهى، وأن المتعلمين يمكنهم الاستغناء عنه، بل إن دوره تغير حتى يستطيع مواكبة التغيرات في عصر المعرفة.

إعداد وتصميم مواقع إلكترونية تعليمية:

لكي تُحقق العملية التعليمية الهدف المنشود منها بطريقة نوعية ومتميزة، لابد من إعداد معلمين قادرين على التعامل مع الفضاء الإلكتروني، وخاصة فيما يتعلق بإعداد وتصميم مواقع إلكترونية تعليمية، التي تُمثل مستودع المعلم ومخزونه المتنوع من الموارد التعليمية والأنشطة الخاصة بالمقرر الدراسي من خلال إثرائها بالمعلومات والأنشطة التي تُعين المتعلم على فهم دروسه، وهذا يتطلب إلمام المعلم وتعلمه بعض لغات البرمجة مثل (HTML)، وإتقان التعامل مع برامج تصميم المواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى تدريبه على كيفية إدارة هذه المواقع، وإرشاد المتعلم وتوجيهه للتعامل معها.

تطوير التعلم الذاتي:

أهم ما يتصف به النظام التعليمي التقليدي أنه تعليم إجباري ليس له علاقة بذات المتعلم أو ميوله أو اتجاهاته. ومع تطور التكنولوجيا التي أحدثت تغيرات في النظام التعليمي حيث أصبحت تُتيح الفرصة للمتعلمين بأن يتعلموا بشكل ذاتي، وبدافعٍ منهم فيما يختارونه من موضوعات تتناسب مع ظروفهم واحتياجاتهم وميولهم. والكثير من علماء التربية وعلم النفس، يعتبرونه الوسيلة الأفضل للتعلّم، وذلك لتحقيقه تعليماً يتناسب مع قدرات المتعلّم وسرعته الذاتيّة في استيعاب تلك العلوم وتلقيها، بالإضافة إلى أنه يجعل المتعلم أكثر نشاطا وإيجابية. وبذلك فإن من أهم الأدوار المستحدثة للمعلم هو تضمين أساليب واستراتيجيات حديثة في تدريسه تُرشد المتعلم إلى التعلم الذاتي، وتعويدهم على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية.

 

من خلال ما سبق، نجد أن المعلم يُعد حجر الزاوية في المنظومة التعليمية كلها، وأن الجودة المنشودة من التعليم تعتمد عليه، إذ أن الأهداف التعليمية لن تتحقق إذا غاب المعلم الكفء، الذي يُساير ويُواكب التطورات والتغيرات المتسارعة في عصر المعرفة. إننا نُوصي بضرورة إنشاء معاهد تُقدم برامج خاصة بإعداد المعلمين في ضوء معايير الجودة العالمية مع مراعاة الأساليب المستحدثة في التدريس، والاستفادة من التقنيات الحديثة في إعدادهم وتدريبهم عليها، وهذا يدخل ضمن مهمات ومسؤوليات كليات التربية والعلوم والمؤسسات التربوية في تهيئة وإعداد وتدريب المعلم لكي يستطيع القيام بالأدوار والمهام المنوطة به في ظل الاجتياح المعرفي.

البحث في Google:





عن أميرة فؤاد عيد النحال

معلمة تكنولوجيا المعلومات بغزة، حاصلة على ماجستير مناهج وطرق تدريس- تكنولوجيا التعليم، طالبة دكتوراه، رئيس مجلس الإدارة لجمعية ريحانة لتنمية المرأة والطفل، عضو مجلس استشاري للجمعية الإسلامية برفح، عضو مؤسس لجمعية تطوير القدرات الشبابية برفح، ناشطة إعلامية.

7 تعليقات

  1. أميرة فؤاد

    مقالي الأول في موقع تعليم جديد

  2. ناصر العبيدلي

    مقال رائع وأفكار جديدة تغير من النظرة النمطية والتقليدية للمعلم ولأساليب التعلم .. بوركت جهودكم

  3. عمر محمد أبو عثمان

    شكرا على المقال وعلى الافكار الجديدة المطروحة ..الاشكال المطروح غالبا كيف نزحزح
    اذهان المتعلمين عن مواقع التواصل المختلفة إلى قاعة الدرس ومواقع التعليم من أجل استيعاب أحسن ومردود أكبر..شكرا

    • أميرة فؤاد النحال

      كل شي ممكن، من خلال نشر ثقافة توظيف مواقع التواصل الاجتماعي التوظيف الأمث في العملية التعليمية
      شكرا لمداخلتك سيدي

  4. أبوبكر عمر

    ماشاء الله موقع رائع ومستحق لكل التركيات منا أسأل الله أن يعين الجهود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *