تعليم التفكير

نظرية المرونة المعرفية : التطبيقات التدريسية في برامج إعداد المعلمين

يقدم المعلمون و المحاضرون في برامج إعداد المعلمين المعلومات باستخدام نموذج خطي، على سبيل المثال: يمكن أن يقدم المعلم للطلاب شريط فيديو منذ بدايته وحتى نهايته، أو يمكن أن يتم تغطية كتاب مقرر من الفصل الأول و حتى الفصل الأخير و ضمن تسلسل منطقي. وتقترح النظرية الاجتماعية المعرفية وهي إحدى النظريات التي توجه عملية تصميم التدريس أن هذا لا يعتبر مشكلة حيث تكون المعلومات المقدمة مبنية بشكل جيد وسهل. مع هذا و في معظم الأحيان فإن زيادة صعوبة مادة التعلم المقدمة يعني عدم تقديم مادة محددة بشكل جيد، حيث يكون المجال المعرفي المدرس معقدا و يحتوي على بيانات ذات بناء ضعيف، و إن استخدام التدريس الخطي التقليدي لن يكون فاعلًا و بشكل مباشر.

إن التدريس الخطي الذي يأخذ شكل الإلقاء وأشكال التدريس الأخرى، وحسب نظرية المرونة المعرفية سوف يفشل في تحقيق الأهداف التربوية المستهدفة، وهذا يعود بشكل جزئي للإفراط في تبسيط مادة التعلم المقدمة، وينتج عن هذا التبسيط المفرط عدم القدرة على نقل المعرفة عبر المجالات الجديدة والمتنوعة.

إن أحد الأهداف الرئيسية في معظم البرامج التربوية و خاصة في التدريس المهني هو مساعدة الطلاب على نقل ما تعلموه إلى مواقف مختلفة و حتى منفردة، و يطلق على هذه القدرة اصطلاح “المرونة المعرفية”، و هذا يتضمن القدرة على تمثيل المعرفة من جهات النظر المفاهيمية، و من ثم القدرة على بناء المعرفة من هذه التمثيلات المفاهيمية و تمثيلات الحالة، و المتوافقة مع حاجات فهم موقف حل المشكلات المقدم للمتعلم و ذلك حين يكون هناك حاجة لاستخدام هذه المعرفة. وحسب نظرية المرونة المعرفية، فإن طريقة تدريس الطلاب عامل مؤثر مهم في نوعية البناءات المعرفية التي يبنيها ويخلقها الطلاب، وعلى طريقة تخزين هذه البناءات فإن طريقة بناء الطلاب للمعرفة المكتسبة يحدد درجة المرونة التي يظهرها الطلاب حين يجب عليهم استخدام هذه المعرفة المكتسبة.

تتطلب عملية تشجيع المرونة المعرفية بيئة تدريسية مرنة، ويجب تقديم المعلومات باستخدام طرق مختلفة، وتقديم هذه المعلومات أيضا من أجل تحقيق أهداف مختلفة، حيث تساعد طرق التدريس المرنة للطلاب على تعلم درجة تعقيد مادة التعلم التي يدرسونها، وهذا يساعدهم في العمل على هذه المادة من خلال وجهات نظر مختلفة.

من خلال المادة الداعمة المناسبة، فإن الحاسوب يكون مكيفا بشكل جيد للتدريس المرن، و يمكن أن يقدم الحاسوب التنوع الضروري لتقديم المعلومات المبنية بشكل ضعيف و مساعدة الطلاب على استكشاف وجهة نظر واحدة حول موضوع معين أو قضية معينة. على سبيل المثال: تقدم أنظمة النصوص الإلكترونية وسيلة غير خطية ومتعددة الأبعاد في عملية تقديم المباحث الدراسية المعقدة التي تفتقرها أنظمة التقديم الرسمية (الكتب المقررة، المحاضرات)، مع هذا فإن من المهم أن تتذكر أن التدريس التقليدي يمكن أن يكون ناجحًا في تدريس المباحث الدراسية البسيطة والمبنية بشكل جيد، وحيث لا تكون المعلومات بسيطة و مبنية بشكل جيد.

تدعم قوة الحاسوب و نموذج تقديم النص الإلكتروني مقاومة أكثر مرونة نحو تدريس طريقة تدريس يطلق عليها تدريس الوصول العشوائي، و هذا يسمح للمتعلم الوصول إلى المعلومات حيث يحتاج ذلك و حسب الترتيب الذي يريده.

وفي النهاية، فإن الجوانب ضعيفة البناء من المعرفة تشكل مشكلة لاكتساب المعرفة المقدمة و التي تم علاجها من خلال استخدام مبادئ نظرية المرونة المعرفية، و يتم تطبيق هذه النظرية المعرفية في التعلم بشكل نظامي على إحدى طرق التدريس. إن تدريس الوصول العشوائي للمعلومات يقوم بدوره بتوجيه بيئات التعلم الحاسوبية غير الخطية التي يطلق عليها اصطلاح “نصوص إلكترونية مرونة معرفية”.

الافتراضات الأساسية البنائية

حسب وجهة نظر أحد النقاد الذين يدعمون استخدام منهجية سلوكية في عملية التدريس، قدم البنائيون الافتراضات الأساسية التالية:

  1. التعلم عملية بنائية: يتعلم الشخص من خلال الخبرة و التعلم عملية يقوم من خلالها المتعلم بالبناء على التمثيلات الداخلية للعالم.
  2. التفسيرات الشخصية: إن الحقيقة ليست متشاركة، إن ما يتعلمه الشخص مبني على تفسيراته الشخصية بخبراته الذاتية.
  3. التعلم عملية فاعلة: يأخذ المتعلم دورا فاعلا في تطوير المعرفة من خلال الخبرة.
  4. التعلم تعاوني: يحصل الشخص على النمو المفاهيمي من خلال التفاعل مع الآخرين، وبمشاركته التصورات المتعددة، ومن خلال مشاركته التطورات المختلفة يغير الشخص تمثيلاته الداخلية.
  5. التعلم موقفي: يجب وضع عملية التعلم ضمن مواقف حياتية حقيقية، ويجب أن تكون أوضاع التعلم ومواقع التعلم حقيقية.
  6. يتم دمج عملية الامتحان: يجب ألا تكون عملية الامتحان نشاطا مستقلا ومنفصلا عن عملية التعلم ويجب دمج عملية الامتحان ضمن خبرة التعلم.

نظرية المرونة المعرفية

يقدم سبير وآخرون ( ۱۹۹۲ ) نظرية بنائية للتعليم والتعلم وتؤكد هذه النظرية على الحاجة للتعامل مع المجالات المعرفية المعقدة، والمبنية بشكل ضعيف وبشكل مختلف عن المجالات المعرفية البسيطة والمبنية بشكل جيد. ومن الأمثلة المبنية بشكل ضعيف: التاريخ، الطب، القانون. وبرامج إعداد المعلمين من الأهداف الرئيسة للتدريس المرن، وهذا يعود بشكل جزئي لحقيقة أن على المعلمين تطبيق ما تم في المواقف الجديدة والمنفردة وحسبما يقول ديك ( ١٩٩١ )، ويشير ( سبيرو ) أن المنهجيات المستخدمة لتدريس المعلمين الجدد لا تكون فاعلة حين يراد تطوير مهارات نقل المعرفة الفاعلة، وحيث يتعلم المتعلم لأول مرة، فإنه يقوم بتمييز وتصنيف المعرفة، ومع تعلـم الشخص مبادئ متقدمة ( حل المشكلات )، فإن التعميم لمجالات معرفيـة أخـرى نتيجـة منطقية الحدوث، وليس مجرد عملية بسيطة من تصنيف المعلومات. وتركز منهجية ( سبيرو ) في التدريس على استخدام طرق تقديم مختلفة للمعلومات. ويجب تغطية المحتوى لعدة مرات، وكل مرة لتحقيق هدف معين، ولهذا فإن هناك أمثلة مختلفة ومتعددة حول استخدامات مفهوم معين.

بالنسبة لمجالات المعرفة المبنية بشكل جيد، فإن طرق التدريس السلوكية تكون فاعلة الاستخدام، وهذا يعني إمكانية تدريس المعلومات المبنية بشكل جيد بطريقة خطية تقليدية، حين يكون أحد المباحث المدرسية ضعيف البناء ومعقدا. وتكون المرونة المعرفية فاعلة بشكل خاص حين يتم استخدام منهجيات التدريس الموصى بها من خلال نظرية المرونة المعرفية، كما يطور المتعلم قدرة نقل المعلومات للموقف الآخر، ويمكن تسهيل عملية نقل المعرفة من خلال استخدام سياقات أو وجهات نظر مختلفة ومتعددة والتي يستطيع الطالب استخدامها لاستكشاف المبحث الدراسي. ومن حالة لأخرى، تكون المواقف المعقدة غير منتظمة “مجالات مبنية بشكل ضعيف”، وهذا يفرض مشكلة على نظريات التدريس التقليدية، حيث إن التعقيد المعرفي لمبحث مدرسي يؤدي عادة لفشل عملية التعلم، ويعزى هذا الفشل بشكل رئيس إلى الإفراط في تبسيط المبحث المدرسي وعدم قدرة الطالب على تطبيق المعرفة المكتسبة حديثا في المواقف المختلفة “الفشل في نقل المعرفة”، وتتطلب عملية علاج المشاكل المرتبطة مع تعقيد وعدم انتظام محتوى التعليم وتعلم العمليات التي تنتج درجة أكبر من المرونة المعرفية. تتضمن المرونة المعرفية القدرة على تمثيل المعرفة من وجهات النظر المفاهيمية المختلفة، ومن ثم استخدام هذه المعرفة في وقت لاحق، والقدرة على البناء من هذه التمثيلات المفاهيمية معرفة مصممة حسب حاجات فهم المواقف الجديدة ومواقف حل المشكلات المختلفة.

النصوص الإلكترونية

كما تمت الإشارة في السابق، يعتبر النص الإلكتروني إحدى المنهجيات المستخدمة بمساعدة الحاسوب في تدريس الطلاب، والتي تهدف بشكل رئيسي للوصول للمرونة المعرفية، فالنص الإلكتروني اصطلاح يستخدم ضمن سياق الدراسة المالية للوثائق غير الخطية المنتجة من خلال الحاسوب، وتتضمن النصوص الإلكترونية قواعد المعلومات على شكل وسائط إلكترونية ووثائق ومدونات إلكترونية، وتكون الروابط والعقد الإلكترونية العنصر الأهم في معظم وثائق النصوص الإلكترونية. ولتوضيح مفهوم العقد الإلكترونية فهي عبارة عن أجزاء من المعلومات يمكن أن تكون صورة أو مقالة، وتسمح الروابط الإلكترونية لمستخدم النص الإلكتروني التنقل بين العقد الإلكترونية.

لكل مستخدم طريقة متفردة في الانتقال بين العقد الإلكترونية، وهناك نوعان من الروابط الإلكترونية:

  1. المرجعية
  2. التنظيمية

توجه الروابط المرجعية المستخدم من عقدة إلكترونية لعقدة أخرى، وتقوم الروابط التنظيمية بنقل وتواصل نوع العلاقة الموجودة بين العقد الإلكترونية، ويمكن بناء مادة تدريسية إلكترونية مبنية على نماذج التدريس السلوكية ” الخطية ” نموذج لنصوص إلكترونية مرنة معرفيًا، حيث يطبق هذا النموذج نظرية المرونة المعرفية في تصميم النصوص الإلكترونية التدريسية، ويمكن استخدام هذا النموذج في برامج إعداد المعلمين.

التطبيقات في برامج إعداد المعلمين

يتم حاليا استخدام نظرية المرونة المعرفية في العديد من السياقات وقامت ستيفانز ( ١٩٩٥ ) باستخدام نظرية ( سبيرو ) لتطوير بنية تعلم حاسوبية للمعلمين المتدربين الذين يتعلمون منهجية محددة، لتدريس الطلاب القراءة والكتابة – ورشة عمل قراءة – الكتابة وقامت ( ستيفانز ) أولا بتصوير معلم خبير على شريط فيديو وهو يستخدم هذه المنهجية داخل الغرف الصفية “سجلت التفاعلات بين المعلم والطلاب”، وعلى الرغم من الفروق في دينامية الغرفة الصفية، استخدم جميع المعلمين منهجية – ورشة عمل القراءة والكتابة – وبعد أن تم التسجيل والتحرير لشريط الفيديو، قامت ( ستيفانز ) بعمل قرص حاسوبي لهذه المنهجية.

التطبيقات داخل الغرفة الصفية

ليس هناك ضرورة لإنتاج وتصميم تصاميم تدريسية معقدة مثل النصوص الإلكترونية المرنة معرفيًا في المجالات المعرفية المبنية بشكل جيد، وكما تمت الإشارة في السابق، يتم استخدام هذه المنهجيات التدريسية بالشكل الأفضل في المجالات المعرفية ضعيفة البناء، ويمكن أن تستفيد مباحث العلوم والتاريخ من هذا النموذج التدريسي، على سبيل المثال، يمكن تدريس الطلاب من خلال تقديم مشكلات تتطلب منهم البحث عن المعلومات وطرح الأسئلة. ومع انشغال الطلاب ببناء عملية الحل، يتم تقديم المشكلة من قبل المعلم باستخدام طرق مختلفة، أولا: يتم مناقشة المشكلة بين مجموعة صغيرة من الطلاب والمعلم، ويقوم الطلاب باستخدام العصف الذهني من أجل توليد المعرفة والأسئلة التي تحتاج للدراسة والبحث. يقدم المعلم بعد ذلك ظروف المشكلة حيث تم تقديم هذه الظروف مسبقا لبعض الطلاب، وعلى الرغم من أن مجال المعرفة مألوف للطلاب، فإن عليهم إعادة تطبيق هذه العملية في كل حالة، ويجب على الطلاب معرفة كيفية تفعيل المعرفة من حالة لأخرى.

 


المراجع:

Gedeon O. Deak (2000) The Growth of Flexible Problem Solving: Preschool Children Use Changing Verbal Cues to Infer Multiple Word Meanings, Journal of Cognition and Development, 1:2, 157-191, DOI: 10.1207/S15327647JCD010202

Spiro, R. J., Feltovich, P. J., Jacobson, M. J., & Coulson, R. L. (1992). Cognitive flexibility, constructivism, and hypertext: Random access instruction for advanced knowledge acquisition in ill-structured domains. In T. M. Duffy & D. H. Jonassen (Eds.), Constructivism and the technology of instruction: A conversation (pp. 57-76). Hillsdale, NJ: Lawerence Erlbaum Associates

Stevens, A. D. (2009). Social problem-solving and cognitive flexibility: Relations to social skills and problem behavior of at-risk young children (Unpublished doctoral thesis). Seattle Pacific University (UMI No. 3359050)

البحث في Google:





عن د. رابعة عكور

حاصلة على درجة دكتوراة الفلسفة في التربية – مناهج اللغة العربية وأساليب تدريسها- جامعة اليرموك، لها العديد من الأبحاث العلمية المنشورة بالمجلات العلمية المحكمة والمؤتمرات الدولية، محاضرة سابقة في الجامعة العربية المفتوحة، عضو سابق ضمن فريق المركز الوطني للمناهج لتأليف مناهج اللغة العربية من مرحلة (الروضة-الثاني عشر) في المملكة الأردنية الهاشمية، و عضو في كل من (الاتحاد الدولي للغة العربية، الموسوعة الدولية في اللغة العربية، اتحاد الأكاديميين و العلماء العرب)، و تشغل حاليًا مدربا مختصا في تنمية مهارات اللغة العربية في برنامج تدريب و تأهيل معلمي أثناء الخدمة، و مدرس معلمين في برنامج تدريب و تأهيل معلمي ما قبل الخدمة في أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *