مجتمعات التعلم المهنية

التربية العملية بين الواقع والطموح

المقدمة:

تمثل التربية العملية ركنًا مهما لا يمكن أن يستغنى عنه على مدى العصور، وإن كان الاهتمام به متفاوتًا بين تخصص وآخر أو مؤسسة وأخرى ومجتمع وآخر، لذلك نجد أن التربية العملية بدأت منذ فجر التاريخ لا بل سبقت الكتابة والتدوين وبدأت مع التربية البدائية أي مع بدايات وجود الإنسان على وجه الأرض وتمثلت في التدريب على الصيد والسباحة وركوب الخيل….  بينما كان الجانب الشفوي أو النظري يقوم على أساس الروحانيات والغيبيات التي تعتمد الملاحظة والحفظ والاستظهار، ولذلك نجد أن هذا الاهتمام ينبع من عدة أمور ترجع إلى أمر شامل جامع ألا وهو الواقع التربوي، وهذا الواقع التربوي دائمًا ما يلقي بآثاره على طموح القائمين على العملية التربوية في إطارها العام والتربية العملية في إطارها الضيق، لذلك لابد من توجيه الأنظار إلى الواقع والمرور إلى الآثار المترتبة على برامج التربية العملية بأبعادها ونتائجها بدءًا من كليات التربية ووصولًا الى مديريات التربية التي ستحتضن مخرجات هذ الكليات. ومن هنا ينبغي التعريف بمفهوم التربية العملية ومراحلها والأهداف المرجو الوصول إليها وهذا ما سيتم عرضه في معرض حديثنا كما يأتي:

مفهوم التربية العملية

  • يعرفها (مرعي ومصطفى): بأنها الجانب التطبيقي الواقعي من برنامج إعداد المعلمين قبل الخدمة والتي تتم داخل قاعات الدراسة الجامعية بإشراف الأستاذ الجامعي المعني بتأهيل الدارسين. والذي يتعدى ليكون على مستوى إعداد وتأهيل وتدريب. [1]
  • يعرفها (نصر وآخرون 2003): بأنها فرص التدريب المتنوعة التي تتيح للطالب المعلم مشاهدة وممارسة التدريب في مواقف واقعية وطبيعية داخل الصف الدراسي ويتم في ضوئها ترجمة المعارف النظرية المتعلقة بالتدريس إلى سلوك تدريسي وأداء ملموس، وهو ما سيتم التطريق له في مراحل التربية العملية. تحت إشراف ومتابعة الأستاذ الجامعي المعني بالتربية العملية. [2].
  • وفي ضوء التعريفات السابقة يمكن تعريفها على أنها: الخطوة العلمية الأولى التي تضع الطالب المطبق على محك الاختبار لمعرفة مدى تمكنه مما حصل عليه نظريًا من معلومات تربوية أو في مجال تخصصه ومدى قدرته على ممارستها بشكل يتسم بالخبرة والرغبة والفاعلية في ممارسة مهنة التدريس مستقبلًا.

مراحل التربية العملية

أولا: مرحلة المشاهدة

   يرى الأمين 2005: أن المشاهدة تمثل الركن الأساس الأول في التربية العملية والخطوة الأولى الممهدة للتدريس الفعلي، ومن أجل أن تحقق أهدافها في إكساب المتعلمين الخبرات والمهارات اللازمة وترسيخ الأشياء النظرية التي درسوها سابقًا بشرط أن تبدأ قبل سنة من التطبيقات التدريسية وأثنائها وحتى بعدها، وأن تتم بمشاركة المعلم الأصيل لتخصص الطالب المطبق في المدرسة، وأن يحضر لها مسبقًا.[3]

ثانيًا: مرحلة التطبيق العملي في الصف الجامعي

والذي ينبغي على الطالب ان يقوم به كمرحلة ثانية من مراحل التربية العملية ويتم أمام الأقران في قاعة الجامعة، ويهدف منه أولا إلى كسر حاجز القلق والخجل لدى بعض الطلبة وتصحيح الهفوات التي قد يعاني منها البعض، وهنا تعد ورش تدريبية تمهيدية مصغرة تعود الطالب المطبق على ضبط الصف واستخدام طريقة التدريس المناسبة والخطوات اللازمة للتدريس بمساعدة وتصويبات أستاذ التربية العملية وملاحظات الأقران.

ثالثًا: مرحلة التطبيق العملي المدرسي

وهي الخطوة الأهم والأخيرة في مجال الإعداد والتأهيل الجامعي للمدرس أو المعلم وفيها يتولى الطالب المطبق مسؤولية التدريس في المدرسة وقيادة الطلبة وهو المجال الحقيقي لتدريبه عمليًا على مهنة التعليم ومختبرًا لاختبار قدراته واستعداداته ومواهبه وخبراته التي نؤهله لميدان العمل المستقبلي الذي أعد له. [3]

أهمية التربية العملية

تمثل التربية العملية فرصة مهنية للطالب المطبق (الطالب المعلم) كي يطلع على بعض الضوابط المدرسية ويتمرن على الانضباط المدرسي والذي يبدأ من احترام نظام المدرسة وهو أول درس يتعلمه طالب التربية العملية ومنها الالتزام بالوقت كونه من المقدسات في الالتزام المدرسي، كما وأن الالتزام بالمظهر العام وشكل الملبس يمثل أهمية عليا في المدرسة انطلاقا من مبدأ المعلم القدوة، ثم إن مرحلة مشاهدة المدرس الأصيل للمادة التي سيدرسها من  قبل المطبق ومرافقته له في بعض الدروس مهمة جدًا في اكتساب خبرات متعددة سواء في اختيار الطريقة التدريسية الملائمة والوسيلة المناسبة لمواقف التعلم وكذلك أسلوب التدريس الأمثل الذي يكيفه للتعامل مع المتعلمين من تمهيد وعرض وإشراك للمتعلمين وأساليب تقويم وإنهاء أو غلق للدرس كلها مكتسبات لها أهمية قصوى تتحقق للطالب المطبق بسهولة ويسر أثناء فترة التطبيق إذا أحسن التخطيط لها ومارسها عن إصرار ورغبة في الفائدة.[4]

والتربية العملية تعتمد جانبين مهمين لإعداد المعلم، الجانب الأول يتمثل في الدراسات النظرية لمواد التخصص والمواد التربوية وتتم داخل الكليات، وهي وسيلة لتعويد الطالب على أداء واجباته المستقبلية كمعلم، وكل ذلك وبالرغم من أهميته لا يحقق شيئًا دون أن يتم تطبيقه بشكل حي، وهنا يظهر الدور الأبرز للجانب الثاني وهو التدريب العملي في المدارس وهو الممارسة التطبيقية الواقعية لما درسه وتعلمه نظريًا وتجريبه في الحقل المدرسي والذي يعطيه خبرات ومهارات تمكنه من أداء واجباته الوظيفية بثقة واطمئنان. [5]

الأهداف المتوخاة من برنامج التربية العملية

    تهدف التربية العملية إلى تحقيق أغراض عديدة سنعرض بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر وهي:

  1. تطبيق الخبرات التي تعلمها واكتسبها الطالب من دراسته الجامعية أثناء التطبيق العملي.
  2. تزويد الطالب المطبق بالمهارات العامة والخاصة التي يحتاجها مستقبلًا.
  3. تطبيق المبادئ والأسس التربوية المتعلقة بالفروق الفردية وظروف الموقف التعليمي الذي يعيشه الطالب المطبق في الواقع تطبيقًا فعليًا.
  4. تعريف الطالب المطبق بمناهج المدرسة في مجال تخصصه وتزويده بالأدلة المساعدة والنشرات التربوية ذات العلاقة بالتخصص لتمكينه من تحليلها وتفسيرها وتقديم ملاحظاته بشأنها.
  5. توفير فرص المشاهدة المتعددة والمستمرة للمعلمين الأكفاء في التخصص أو المعلم الذي يقدم درسا نموذجيا ناجحا (كون التدريس الجيد يؤثر في الملاحظين والتدريس الناجح يؤثر في المتعلمين).
  6. تنمية الخصائص المهنية والصفات الشخصية الاجتماعية للطالب المطبق.
  7. تعميق الصلة بين المؤسسات الأكاديمية (بين كليات التربية وبين المدارس التي تفتح أبوابها للتدريب العملي). [6]

وهنا يبدأ تبادل الخبرات وتلبية متطلبات سوق العمل المتمثل بمخرجات جيدة معدة بما يتلائم والمعايير التي تضعها مديريات التربية من أجل تحديد نوع الخبرات المطلوبة.

واقع التربية العملية

يصطدم واقع التربية العملية وإعداد المعلمين بالمعوقات الآتية:

  1. كثرة أعداد الطلبة في الصف الواحد يفرض واقعًا حرجًا يعيق إعداد الطلبة إعدادًا مثاليًا كون هذا الأمر يؤدي بالقائم على تدريبهم إلى اعتماد أساليب تميل إلى الإلقاء وتبتعد عن إشراك المتعلمين مشاركة فعلية في تقديم النشاطات العملية للمحافظة على الوقت أولاً، ولازدحام قاعة الدراسة بالطلبة الذي لا يترك مجالًا لتطبيق خطوات التدريس العملي ثانيًا.
  2. نظام المحاضرات الذي لا يسمح بالوقت المفتوح، مما يدفع بالقائمين على التربية العملية إلى استخدام التدريس النظري استغلالًا للوقت المتاح وسعيًا للمحافظة على النظام، مما يدفع إلى تقليص نظام التربية العملية بجانبها العملي إلى فترة كورس دراسي واحد وفي مرحلة متأخرة من الدراسة ألا وهي المرحلة الرابعة، واتساع الفترة النظرية على حساب الهدف الأسمى منها وهو الممارسة العملية.
  3. عدم اهتمام أغلب المدرسين وضعف تعاونهم في إنجاح دروس التربية العملية وهذا يكون إما بعدم تشجيعهم لهذه المادة والمواد المرتبطة بها، أو عدم تطبيقهم لفقرات الاستمارة الخاصة بتقييم الطلبة المطبقين بشكل جدي، مما يضعف من تحقيق النتائج التي يطمح المعنيون في التوصل إليها، من إعداد مدرسين يتمتعون بقدر هام من الكفايات أثناء ممارستهم لمهنة التدريس.
  4. عدم التزام أغلب مديري المدارس ومديراتها بتكليف الطلبة المطبقين بالحصص والواجبات التي يراد أن يؤديها المطبق من أجل إعداده عمليًا وتعويده على الالتزام بالدوام اليومي والتدريس اليومي والانضباط وحب المهنة.
  5. عدم اهتمام القائمين على المؤسسات التربوية بالتربية العملية سواء على مستوى المشاهدة أثناء فترة الدراسة، اذ نجد أن تحديد المدارس لا يتم بشكل مخطط له، وإنما بشكل دائم، ما نجده الأقرب للعشوائية، والدليل على ما ورد هو أن أغلب المدرسين في المدارس المختارة يتهرب من تقديم درس نموذجي ما للطلبة، أو أن المدارس لا توجد فيها قاعات لتقديم الدروس النموذجية، وكذلك على مستوى التطبيق نجد أن بعض المدارس غير مؤهلة للتطبيق إما لكثرة أعداد المدرسين فيها مما يجعل من المطبق لا يدرس العدد المحدد له من الدروس أسبوعيًا، أو أن بعض مديري المدارس يعتبر أن فترة التطبيق هي فترة استراحة للطالب وهذا بحد ذاته يمثل واقعا مدمرًا للطاقات المستقبلية على مستوى الأعداد والتدريب في كليات التربية.

في ضوء ما ذكر أعلاه نجد أن التربية العملية لا يمكنها أن تلبي الطموح الذي يسعى المعنيون للوصول إليه والمتمثل في إعداد مدرسين أكفاء معدين إعدادًا تربويًا كافيًا، مما يجعل أغلبهم يفتقرون الى الكثير من المهارات على مستوى التخطيط وإدارة الصف وتنويع الطرائق والاستراتيجيات واستغلال الإمكانات المتاحة وأساليب التقويم والاختبارات.

وتأسيسًا على ما تقدم يستخلص أنه يتحتم علينا كمعنيين مطالبة القائمين على المؤسسات التعليمية والتربوية معًا بتكثيف الجهود من أجل إعداد خطة للنهوض بواقع إعداد معلمي ومدرسي المستقبل إعدادًا يتناسب ومستوى النهوض الذي يراد للبلد أن يصل إليه، وبما يتلائم والانفجار المعرفي الهائل والتقدم التكنولوجي المتسارع، عَلَّنا نستطيع تقليل الفارق بيننا وبين الدول الأخرى، وهذا بدوره سيكون تلبية للطموحات وتغييرًا للواقع المتردي وذلك يبدأ من تهيئة الظروف اللازمة وتثقيف العاملين بمؤسسات التربية والتعليم وتوعيتهم بأهمية التربية العملية وحثهم على المساهمة في تحقيق أهدافها.

 

المراجع

  1. مرعي توفيق ، وشريف مصطفى ، التربية العملية ، ط1 ، جامعة القدس المفتوحة ، عمان ، الاردن ,
  2. الزهراني ، محسن جابر عوض ، دور مواقع التواصل الاجتماعي في حل المشكلات التي تواجه طلاب التربية العملية واتجاهاتهم نحوها ، ط1 ، كلية التربية ، جامعة ام القرى ، المملكة العربية السعودية ، 2013.
  3. الامين ، شاكر محمود ، الشامل في تدريس المواد الاجتماعية ، دار اسامة للنشر والتوزيع ، عمان الاردن ، 2005.
  4. مطاوع ابراهيم عصمت ، واصف عزيز واصف ، التربية العملية واسس طرق التدريس ، دار النهضة العربية للطباعة والنشر , بيروت . 1986.
  5. الجلال ، عبد العزيز وآخرون ، المؤتمر الاول لإعداد المعلمين في المملكة العربية السعودية ، كلية التربية في مكة المكرمة ، جامعة الملك عبد العزيز للفترة من 4 – 7 آذار 1974.
  6. براون جورج ، التدريس المصغر والتربية العملية الميدانية ، ت. محمد رضا البغدادي , وهيام محمد رضا البغدادي ، ط2 , دار الفكر العربي للطباعة والنشر , القاهرة ، 2005.

البحث في Google:





عن متمم جمال الياسري

تدريسي حاصل على شهادة الماجستير في تخصص المناهج وطرائق تدريس الاجتماعيات. مدرس في كلية التربية للعلوم الإنسانية جامعة بابل في العراق، عمل مدرسًا في مديرية تربية كربلاء لمدة تزيد على 7سنوات، عضو في لجنة الإشراف على التطبيقات منذ 5سنوات، لديه خدمة في مجال التدريس 14 سنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *