البنائية

التطبيقات التربوية للنظرية البنائية – الجزء الأول

توطئة

ماذا يجري في ذهن المتعلم، مثل: معرفته السابقة، وقدرته على التذكر، وقدرته على معالجة المعلومات، قدرته على التفكير، قدرته على التخطيط والتنبؤ، وقدرته على اكتشاف المفاهيم والعلاقات وربطها ببعض وتطبيقها في المواقف التعليمية والحياة الواقعية، ودافعيته نحو التعلم، وكل ما يجعل التعلم لديه ذا معنى؟ الإجابة على هذه التساؤلات يعد ثمرة من ثمار ظهور ما يسمى بالنظرية البنائية والتي تركز على المتعلم ونشاطه أثناء عملية التعلم، وتؤكد على التعلم ذا المعنى القائم على الفهم، وذلك من خلال الدور النشط والمشاركة الفاعلة للطلبة في الأنشطة التي يمارسونها بهدف بناء المفاهيم والمعارف العلمية. فعملية التعلم وفق منظور البنائية عملية نشطة تسعى إلى تفسير المثيرات وإحداث تغيرات في المخططات المعرفية للطلبة. إن المتعلم وفق منظور البنائية يعتبر محور العملية التعليمية، فيبني تعلمه بنفسه من خلال التفاوض الاجتماعي مع الآخرين للوصول إلى الاستنتاجات. كما أن المتعلم وفق منظور البنائية لا يبني معرفته من معطيات العالم المحسوس فقط بل يتعدى ذلك مشاركة المعرفة مع الآخرين والتفاوض معهم حولها لتعديل المعاني. وتعد إستراتيجية دورة التعلم بمختلف تطور مراحلها الدائرية وما تمخض عنها بما يسمى حاليا بنموذج التعلم البنائي وغيرها الكثير من الاستراتيجيات والنماذج التعليمية ترجمة لأفكار النظرية البنائية التي تستمد أصولها وإطارها النظري كما يرى البعض من نظرية بياجيه في النمو المعرفي. ما يُهمنا في هذا المقال- وسلسلة المقالات التي ستليها إن شاء الله – ليس الخوض في تفاصيل النظرية البنائية بل في نتائجها المتمثلة في تطبيقاتها التربوية في العملية التعليمية. وفي هذا المقال والذي عنونته ب (التطبيقات التربوية للنظرية البنائية الجزء الأول) سنتناول بشكل مختصر إستراتيجيات دورة التعلم الثلاثية والرباعية والخماسية والسباعية ومراحل كل إستراتيجية ومن ثم نتطرق إلى نموذج التعلم البنائي ومراحله الأربع كأبرز التطبيقات التربوية للنظرية البنائية، وفي سلسلة المقالات التالية – إن شاء الله- سنتناول أهم الاستراتيجيات والنماذج التعليمية الأخرى الناتجة عن التطبيقات التربوية للنظرية البنائية

إستراتيجيات دورة التعلم ونموذج التعلم البنائي

تعد دورة التعلم بمختلف تطور مراحلها من الطرق التدريسية التي تم اقتراحها لمعالجة صعوبات التعلم وتحسين مستوى تحصيل المتعلمين. وتقوم على ثلاث مرتكزات أساسية وهي: الاستقصاء و المعرفة و دينامية جماعة التعلم، ومن خلالها يتحول الصف الدراسي إلى مجموعة عمل واحدة لكل عضو فيه دوره ونشاطه، ويتحول المعلم إلى مراقب لسير العملية التعليمية. (George,2006) المشار إليه في (شريهد، 2016، 6). ويذكر(Bybee ,2006,et. al, 32) بأن إستراتيجية دورة التعلم تعود في أصولها التاريخية والنظرية إلى نموذج (هاربرت، 1900) الذي يتكون من أربع مراحل وهي: (الإعداد، العرض، التعميم، التطبيق) حيث يجمع بين الطريقتين القياسية والاستقرائية، وحل المشكلات عند (جون ديوي، 1933) الذي يتكون من خمس خطوات وهي: (تحديد المشكلة، تحديد الشروط المرتبطة بالمشكلة، صياغة فرضية لحل المشكلة، وضع قيم الحلول المختلفة، اختيار أفضل الأفكار التي توفر الحل). وقد ساعد تطوير مناهج علوم المرحلة الابتدائية في جامعة كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية على ظهور إستراتيجية دورة التعلم الثلاثية عام (1962) على يد كل من (روبرت كاربلس و مايرون أتكن) كتطبيق عملي لنظرية بياجيه، وتتكون من ثلاث مراحل دائرية وهي: الاستكشاف، وتفسير المفهوم، وتطبيق المفهوم. ومن ثم أجريت عليه مجموعة من التعديلات عام (1974) على يد (كاربلس وآخرون) فأصبحت إستراتيجية دورة التعلم الرباعية، وتتكون من أربع مراحل دائرية وهي: الاستكشاف، والتفسير، والتطبيق، والتقويم. ومن ثم طُورت إلى دورة التعلم الخماسية وتتكون من خمس مراحل دائرية وهي: الانشغال، والاستكشاف، والتفسير، والتوسع، والتقويم، ومن ثم طُورت إلى دورة التعلم السباعية وتتكون من سبع مراحل دائرية وهي: الإثارة أو الانشغال، والاستكشاف، والتفسير، والتوسع، والتمديد، والتبادل، والفحص أو الامتحان. و انطلاقا من جهود (كاربلس وزملائه) تبنت (سوزان لوكس هورسلي وآخرين، 1990) مصطلح نموذج التعلم البنائي وطورته بشكله المستخدم حاليا. وبهذا أصبحت إستراتيجية دورة التعلم بمختلف دوراتها المتعاقبة ونموذج التعلم البنائي طرقا تعليمية ناجعة في التعليم والتعلم، وتحولا مهما في المسار التربوي حيث استثار همم المنظومات التربوية في معظم البلدان بتطوير مناهجها التعليمية وتدريب وتأهيل المعلمين لتمكن من تطبيق تلك الطرق عمليا في الصفوف الدراسية. كما فتحت تلك الاستراتيجيات مجالا خصبا أمام الباحثين على الصعيدين العالمي والعربي وتمخضت عنها دراسات تجريبية كان لها آثار إيجابية في الرفع من مستوى تحصيل الطلبة وتنمية تفكيرهم واتجاهاتهم ودافعيتهم نحو التعلم، حيث أنه في إستراتيجية دورة التعلم يقوم الطلبة أنفسهم بالتحري والاستقصاء والتنقيب والبحث، وتقوم أساسا على مبدأ النموذج الاستقصائي، وهي بذلك تراعي القدرات العقلية للطلبة، وتقدم العلم كطريقة وبحث وتفكير، كما أنها تدفع الطلبة إلى التفكير وتهتم بتنميته، وتنسجم مع الكيفية التي يتعلم بها الطلبة. كما أن دوراتها متكاملة فيما بينها وتؤدي كل مرحلة وظيفة معينة للمرحلة التي تليها.

أولا: إستراتيجية دورة التعلم الثلاثية

كما أسلفنا بدأها (روبرت كاربلس وزملائه) في ستينيات القرن العشرين بما ينسجم مع خصائص الطفل النمائية وتساعد على تنمية تفكيره، وكتطبيق تربوي لأفكار النظرية البنائية ونظرية بياجيه في النمو (العقلي) المعرفي. وتتكون عمليا من ثلاث مراحل دائرية نلخصها بالاستفادة من توثيق (زيتون، 2007) وهي:

 الأولى: مرحلة الاستكشاف Exploration Phase

تهدف هذه المرحلة إلى تفاعل الطلبة مباشرة مع إحدى الخبرات الحسية الجديدة المتعلقة بالمفهوم قيد التعلم، وقد يكتشف الطلبة علاقات لم تكن معروفة لديهم من قبل، وبهذا تكون هذه المرحلة متمركزة حول الطالب، ويقتصر دور المعلم على تخطيط الأنشطة، وإعطاء الطلبة المواد والتوجيهات المطلوبة، وتشجيعهم ومساعدتهم على القيام بالأنشطة ومواصلة القيام بها دون التدخل فيما يكتشفونه، وتؤدي هذه المرحلة من خلال ما تتضمنه من أنشطة جديدة إلى استثارة الطلبة معرفيا بحيث يفقدون اتزانهم المعرفي ويصبحون في موقف (عدم الاتزان) المعرفي.

 الثانية: مرحلة تقديم المفهوم (مرحلة الشرح) Explanation Phase

وتسمى أيضا مرحلة تطوير المفهوم أو مرحلة الإبداع المفاهيمي، وتهدف هذه المرحلة لوصول الطلبة إلى المفاهيم ذات العلاقة بخبرتهم الحسية التي مارسوها في مرحلة الاستكشاف. ويتم ذلك من خلال مناقشتهم مع بعض، ومقارنة المعلومات وتصميم النماذج المفسرة للمفهوم وبناء فرضيات جديدة ودمج الأفكار الجديدة بالمعرفة الموجودة لديهم وتنظيم المعرفة تحت إشراف وتوجيه المعلم. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في الإشراف والتوجيه، وفي حال عجز الطلبة عن الوصول إلى المفهوم يقدمه المعلم من خلال الشرح أو إحالة الطلبة إلى مصادر تعلم أخرى.

 الثالثة: مرحلة تطبيق المفهوم Concept Application

تهدف هذه المرحلة إلى التوسع في المفهوم المراد تعلمه من خلال مرحلتي الاستكشاف والإبداع المفاهيمي، وتعميم الخبرات السابقة وتطبيقها على مواقف تعليمية جديدة وربطها بالحياة اليومية. ويتم ذلك من خلال قيامهم بأنشطة مخططة تساعدهم على انتقال أثر التعلم. ولكي يعود الطلبة إلى اتزانهم المعرفي فيتم ذلك من خلال عملية التنظيم الذاتي المتضمنة عمليتي (التمثيل والمواءمة). ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة بربط ما تعلمه الطلبة حول المفهوم وتطبيقه في المواقف الحياتية.

 ثانيا: إستراتيجية دورة التعلم الرباعية (4E’s)

تبين مما سبق ذكره عن إستراتيجية دورة التعلم الثلاثية أنها تتكون من ثلاث مراحل تكمل بعضها وهي: استكشاف المفهوم التي تؤكد على الخبرات الحسية، ومرحلة تقديم المفهوم التي تؤكد على إيجابية الطلبة في التوصل إلى المفهوم، ومرحلة تطبيق المفهوم التي تؤكد على توظيف استخدام المفهوم في مواقف تعليمة جديدة. ومع تطور المناهج التعليمية واستراتيجيات تدريسها تم تطوير إستراتيجية دورة التعلم الثلاثية إلى إستراتيجية دورة التعلم (المعدلة) الجديدة المكونة من أربع مراحل دائرية وسميت (4E’s) لأن مراحلها الأربع تبدأ بالحرف E وقد طورها (كاربلس وآخرون) عام (1974)، وتتكون من أربع مراحل دائرية وهي: الاستكشاف، والتفسير، والتطبيق، والتقويم. نلخصها بالاستفادة من توثيق (زيتون،2007؛ رزق، 2008) كما يلي:

 الأولى مرحلة الاستكشاف Exploration Phase

تهدف هذه المرحلة إلى تفاعل الطلبة مع الأدوات والأنشطة التي لها علاقة بالمفهوم المراد تعلمه والمعدة مسبقا من قبل المعلم بغرض بناء المفهوم واستكشافه من قبل الطلبة أنفسهم بمساعدة بعضهم البعض وفق توجيهات المعلم. أي أن هذه المرحلة تتمركز حول الطالب وتثير عدم التوازن المعرفي (عدم الاتزان) لديه. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة بتجهيز الأدوات والأنشطة التي لها علاقة بالمفهوم وإعطاء التوجيهات الكافية بما يضمن استمرار عملية الاكتشاف وسيرها بسلاسة.

 الثانية مرحلة التفسير: Explanation Phase

تهدف هذه المرحلة إلى مساعدة الطلبة على تلخيص نتائجهم التي تحصلوا عليها حول المفهوم في مرحلة الاستكشاف، والبناء الذاتي للمفهوم. كما تهدف أيضا إلى الوصول إلى الاتزان المعرفي من خلال (التمثيل والمواءمة)، ويتم الوصول إلى الاتزان عندما يتشكل المفهوم الجديد أو يتم ربطه بمفاهيم سابقة. وتساعد هذه المرحلة الطلبة على التواؤم الذهني، وتتمركز مبدئيا حول الطالب، ولكن بدرجة أقل من المرحلة السابقة حيث إن المعلم يوجه تفكير الطلبة لبناء المفهوم بطريقة تعاونية. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة توفير بيئة صفية مناسبة حيث يطلب من الطلبة تزويده بالمعلومات التي تحصلوا عليها وجمعوها في مرحلة الاستكشاف ويساعدهم على تنظيمها ومعالجتها عقليا باللغة المناسبة التي يتطلبها المفهوم.

الثالثة مرحلة التوسع Expansion Phase

 تهدف هذه المرحلة إلى مساعدة الطلبة على التنظيم العقلي للخبرات وترتيبها وتشجيع التعلم التعاوني. ويكون ذلك من خلال ربط الخبرات الجديدة بالخبرات السابقة المشابهة، واكتشاف تطبيقات جديدة لما تم تعلمه، وفي هذه المرحلة يجب ربط المفاهيم المستخلصة بآراء وأفكار وخبرات أخرى، والهدف من التوسع مد التفكير إلى ما وراء المعلومات الموجودة لدى الطلبة وهنا يطلب المعلم من الطلبة إضافة أعمق لفهمهم للمفهوم وتطبيق ما تعلموه من خلال التوسع بالأمثلة. وتتمركز هذه المرحلة حول الطالب بدرجة أكبر من مرحلة التفسير. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في مساعدة الطلبة على تنظيم أفكارهم من خلال ربط ما تعلموه بأفكار وخبرات أخرى ذات علاقة بالمفهوم، وتشجيع الطلبة على استكشاف مفاهيم تالية والتي لها علاقة بالمفهوم قيد التعلم.

الرابعة مرحلة التقويم Evaluation Phase

تهدف هذه المرحلة إلى التغلب على الصعوبات الناجمة من الاختبارات التي يتعرض لها الطلبة كون التعلم ينمو غالبا ببطء نسبيا، لدى يفضل أن يكون التقويم مستمرا وليس نهاية الحصة أو الموضوع، أي أن التقويم ليس مرحلة منفصلة عن المراحل السابقة، بل يتم إجراؤه في كل مرحلة من مراحل الإستراتيجية وليس في نهايتها فقط. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة بتشجيع الطلبة على بناء المفاهيم ومهارات عمليات التعلم، والتخطيط للتقنيات اللازمة التي تمكن الطلبة من الملاحظة والتصنيف والاتصال والقياس والتنبؤ والاستدلال وضبط المتغيرات وصياغة الفرضيات وتفسير البيانات وعمل النماذج والتجارب حول المفهوم قيد التعلم.

ثالثا: إستراتيجية دورة التعلم الخماسية (5E’s)

تبين مما سبق أن دورة التعلم الثلاثية التي بدأها (روبرت كاربلس وزملائه) ومن ثم طورها إلى ما يسمى إستراتيجية دورة التعلم الرباعية (4E’s). ومن ثم طورها بايبي (Bybee) إلى ما يسمى بإستراتيجية دورة التعلم الخماسية (5E’s). وتسمى أحيانا باسمه (إستراتيجية بايبي (5E’s)). وقد وصف (بايبي): مراحل إستراتيجية دورة التعلم الخماسية الخمس – مرحلة الانشغال، مرحلة الاستكشاف، مرحلة التفسير أو الشرح، مرحلة التوسع، مرحلة التقويم- في ضوء طبيعة المتعلم، وطبيعة المعرفة، وطرق التدريس المستخدمة من قبل المعلم، وتم التركيز على نماذج التصاميم البنائية، وقد تم الإشارة إليها ب (5E’s) لأن كل مرحلة من المراحل الخمس تبدأ بحرف E، ولكل مرحلة وظيفة محددة ومعدة للإسهام في عملية التعلم. وقد تم وصف المراحل في ضوء: افتراضات النشاط الذهني للطلبة، والأنشطة التي يشترك فيها الطلبة، والأساليب المستخدمة من قبل المعلم. وفيما يلي تلخيص لمراحل الإستراتيجية بالاستفادة من توثيق (شريهد، 2016):

الأولى: مرحلة الانشغال Engagement Phase

تهدف هذه المرحلة إلى تحفيز التلاميذ وإثارة فضولهم واهتمامهم بالمفهوم أو بموضوع الدرس، وربط الخبرة الجديدة المراد تعلمها بخبرات التعلم السابقة، وتشخيص المفاهيم الأولية الخاطئة، وتنظيم تفكير التلاميذ بالمفهوم المراد تعلمه، وذلك لجعل أفكار الطلبة مستعدة لاستقبال التعلم الجديد. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في: تحديد المهمة من خلال خلق الإثارة، وإثارة الأسئلة المحيرة وتشجيع التنبؤ، وتحفيز الإجابات التي تكشف ما لدى الطلبة من معلومات وخبرات سابقة، أو كيفية تفكيرهم تجاه المفهوم.

الثانية: مرحلة الاستكشاف Exploration Phase

تهدف هذه المرحلة إلى إحداث نوع من عدم الاتزان المعرفي، وتفاعل الطلبة مباشرة مع الخبرات الجديدة التي تثير لديهم تساؤلات قد يصعب عليهم الإجابة عنها، ومن ثم يقومون من خلال الأنشطة الفردية أو الجماعية بالبحث عن إجابات لتلك التساؤلات، وأثناء ذلك قد يكتشفون أشياء لم تكن معروفة لديهم من قبل. كما أن هذه المرحلة تساعد الطلبة في تنظيم الذات من خلال تزويدهم بقاعدة مشتركة من خلال المفاهيم والعمليات والإجراءات. وتتمركز هذه المرحلة حول الطالب، ويقتصر دور المعلم في هذه المرحلة على التخطيط للأنشطة وتجهيز المواد وإعطاء التوجيهات المطلوبة للطلبة ومساعدتهم على القيام بالأنشطة.

الثالثة: مرحلة التفسير أو التوضيح Explanation Phase

تهدف هذه المرحلة إلى توضيح وشرح المفهوم المراد تعلمه، وفي هذه المرحلة يحاول الطلبة الوصول بالخبرات المتوفرة لديهم وما توصلوا إليه في المرحلة السابقة، وذلك من خلال المناقشة مع بعضهم وتحت إشراف المعلم إلى فهم المفهوم، وإذا عجز الطلبة عن ذلك يقدم إليهم المفهوم من خلال الشرح أو الإحالة إلى مصدر تعلم بأي وسيلة متاحة أو من خلال الأمثلة المشابهة للمفهوم حتى يتمكن الطلبة من استيعاب المفهوم. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في توجيه تعلم الطلبة وتيسيره وتوضيح أفكارهم وتفسير المفاهيم (الخاطئة/البديلة) وتوفير مفردات المفاهيم، وتقديم أمثلة على المفهوم والمهارات، واقتراح خبرات جديدة حتى يتم التوصل إلى ما يسمى بالاتزان المعرفي.

الرابعة: مرحلة التوسع Elaboration Phase

تهدف هذه المرحلة إلى اكتشاف تطبيقات جديدة للمفهوم، وتسمى هذه المرحلة أحيانا بالإتقان، والمقصود بهذه المرحلة هو اتساع مدى فهم الطلاب للمفهوم من أجل إعانتهم على انتقال أثر التعلم على تعميم خبراتهم السابقة على مواقف تعليمية جديدة. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في توفير فرص للطلبة للتعاون في الأنشطة المعدة من قبله سلفا ومناقشة فهمهم الحالي وإظهار مهاراتهم وتشجيعهم على تطبيق المفاهيم والمهارات في مواقف تعليمية جديدة وفي المواقف الحياتية.

الخامسة: مرحلة التقويم Evaluation Phase

تهدف هذه المرحلة إلى تقييم تعلم الطلبة للمهارات والمفاهيم التي تعلموها، فالتقويم عملية تشخيصية علاجية، ويكون في كل مرحلة من مراحل الإستراتيجية أي أنه بنائي. كما يجب أن يتخذ التقويم إجراءات متعددة ليكون مستمرا ومتكاملا يعزز ويشجع على البناء المعرفي للمفاهيم. كما أن التقويم يكون مبنيا على تشخيص أخطاء التعلم والعمل على علاجها أولا بأول. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في استخدام مجموعة من الإجراءات التقويمية (الرسمية وغير الرسمية) للحكم على مدى اكتساب الطلبة للمعرفة والمهارات والفهم العلمي.

رابعا: استراتيجية دورة التعلم السباعية (7E’s)

هي امتداد لإستراتيجية دورة التعلم الخماسية وقد قدم خبراء متحف ميامي مراحلها السبع (كل مرحلة تبدأ بالحرف E) نلخص مراحلها كما يلي: بالاستفادة من (الثلاب وآخرون، 2017):

الأولى: مرحلة الإثارة (التنشيط) Excitement Phase

تهدف هذه المرحلة إلى تحفيز الطلبة وإثارة فضولهم واهتمامهم بموضوع التعلم أو المفهوم من خلال تشجيعهم على طرح عدد من التساؤلات المتعلقة بالمفهوم المراد تعلمه، ولكي يتم إثارة الطلبة لطرح التساؤلات لابد من القيام بنشاط أو أكثر يتعلق بتعلم الموضوع أو المفهوم. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في خلق الإثارة وتوليد الفضول وإثارة الأسئلة وتشجيع التنبؤ وتنشيط الطلبة.

الثانية: مرحلة الاستكشاف Exploration Phase

تهدف هذه المرحلة إلى إرضاء الفضول وحب الاستطلاع لدى الطلبة عن طريق توفير الخبرات لهم والتعاون معا لاستيعاب معنى المفهوم وإدراكه، وفي هذه المرحلة يقوم الطلبة في مجموعات تعاونية بالبحث وتقصي المعلومات حول المفهوم والتفكير بحرية في حدود النشاط الذي سيقومون به، وصياغة الفرضيات والتنبؤات التفسيرية الجديدة، وتبادل المناقشات مع بعضهم، وتسجيل الملاحظات والأفكار وتعليق الأحكام على الأحداث والمشاهدات. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في تشجيع الطلبة وتوجيههم للعمل بالحد الأدنى من الإشراف والتوجيه، وملاحظة الطلبة والاستماع إليهم، والتحقق من مشاركتهم جميعا في الاستكشاف، وطرح التساؤلات المساعدة على الاستقصاء والتحري إذا اقتضت الضرورة لذلك.

الثالثة: مرحلة التفسير (التوضيح): Explanation Phase

تهدف هذه المرحلة إلى شرح وتوضيح المفهوم المراد تعلمه وتعريف المصطلحات وذلك من خلال إحالة الطلاب إلى المصادر المعرفية المختلفة ومنها جلسات المناقشة والتفاعل مع المعلم للوصول إلى التعريفات وتفسيرات المفهوم، وكذلك تفسير الإجابات والحلول الممكنة أو الاستفادة من تفسيرات الآخرين، ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة بتشجيع الطلبة على توضيح المفاهيم والتعريفات وشرح الملاحظات وتفسيرها وربطها بخبراتهم السابقة ويزودهم بالتفسيرات كأساس لتفسير المفاهيم الجديدة وتوضيحها.

الرابعة: مرحلة التوسع Elaboration Phase

تهدف هذه المرحلة إلى اكتشاف تطبيقات جديدة للمفهوم يكتشفها الطلبة من خلال استخدامهم مفاهيم أخرى، وذلك بطرح تساؤلات والتوصل إلى استنتاجات مقبولة مع الأدلة وصياغة القرارات. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة بتشجيع الطلبة على تطبيق المفاهيم والمهارات وتوسيعها في مواقف جديدة والطلب من الطلبة توضيح الدليل والبيانات وتوظيفها في مواقف تعليمية جديدة.

الخامسة: مرحلة التمديد Extension Phase

تهدف هذه المرحلة إلى توضيح العلاقة بين المفهوم والمفاهيم الأخرى، كما يتم فيها تمديد المفهوم إلى موضوعات جديدة في مواد وفروع دراسية أخرى، ويتطلب من الطلبة في هذه المرحلة عمل الاتصالات ورؤية العلاقات بين المفهوم والمفاهيم الأخرى، وصياغة الفهم الموسع للمفاهيم أو الموضوعات الأصلية، وعمل الربط والعلاقات بين المفهوم ومواقف الحياة اليومية الواقعية. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة بالبحث عن اتصال المفهوم مع المفاهيم والموضوعات الدراسية الأخرى، وطرح الأسئلة المثيرة لمساعدة الطلبة على رؤية العلاقات فيما بينهما.

السادسة: مرحلة التبادل Exchanging Phase

تهدف هذه المرحلة إلى تبادل الأفكار والخبرات أو تغييرها، وفيها ينشر الطلبة حصيلة جهودهم ونتائج بحوثهم بشكل منفرد أو في فرق جماعية، وهذا يتطلب إتاحة الفرصة لهم لعرضها على بعضهم البعض تبادليا أمام الصف. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في تشجيع الطلبة على المشاركة والتعاون من خلال الأنشطة وتبادل الخبرات.

السابعة: مرحلة الامتحان Examination Phase

تهدف هذه المرحلة إلى تقييم تعلم فهم الطلبة للمفاهيم والمهارات والعمليات التي تم تعلموها، وعلى الطلبة الاستجابة للأسئلة المفتوحة النهائية مستخدمين الملاحظات والأدلة والتفسيرات السابقة المقبولة وتقديمها في المعرفة العلمية واستخدام التقييم البديل للاستدلال عن فهمهم للمفهوم أو الموضوع. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة بملاحظة الطلبة في تطبيق المفاهيم والمهارات والعمليات الجديدة، وتقييم معرفة الطلبة والبحث في الأدلة التي يقدمونها ومدى تمكنهم من تغيير أفكارهم أو سلوكهم، والسماح لهم بتقييم معرفتهم ومهارتهم العلمية والجماعية.

خامسا: نموذج التعلم البنائي CLM

يخلط البعض بين إستراتيجية دورة التعلم الرباعية (4E’s) ونموذج التعلم البنائي حيث يتكون كلاهما من أربع مراحل دائرية. فنموذج التعلم البنائي نابع من مراحل إستراتيجية دورة التعلم التي اقترحها كل من (اتكن وكاربلس، 1962) والمكونة من ثلاث مراحل، ومن ثم أُدخلت عليها بعض التعديلات من قبل (كاربلس واخرون، 1974) وتكونت من أربع مراحل وتعاقبت التطورات وإدخال التعديلات والتي تمخض عنها تبني (سوزان لوكس هورسلي وآخرون، 1990) مصطلح نموذج التعلم البنائي وطورته بشكله المستخدم حاليا. وهذا النموذج يجعل المتعلم محور العملية التعليمية، فهو يقوم بمناقشة المشكلة وجمع المعلومات التي تسهم في حل المشكلة ثم مناقشة الحلول المقترحة تعاونيا ومن ثم دراسة إمكانية الحلول بصورة عملية.

مراحل نموذج التعلم البنائي

نلخصها كما يلي: بالاستفادة من توثيق (رزق، 2008 ؛ العبيدي وأبو دامس، 2008):

 الأولى: مرحلة الدعوة: Invitation Stage

تهدف هده المرحلة إلى جذب انتباه الطلبة ودعوتهم إلى التعلم، من خلال طرح المعلم لعدد من الأسئلة التي تتضمن المعرفة الجديدة من مفاهيم وتعميمات ومهارات ومسائل، وتشجيعهم على التفكير بإشراكهم في حل المشكلات والنشاطات التي تثير دافعيتهم وتدفعهم إلى البحث بغرض التوصل إلى الحل، وهذه المشكلات لها ارتباط بنشاطات الطلبة وخبرتهم السابقة. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في إعداد النشاطات المرتبطة بالمشكلات، والاهتمام بما لدى الطلبة من معلومات سابقة أو اعتقادات أو خبرات حول المشكلة.

الثانية: مرحلة الاستكشاف Exploration Stage

تهدف هذه المرحلة إلى انخراط الطلبة وتفاعلهم في حل المشكلات والنشاطات المرتبطة بالمشكلات التي تعرض عليهم، ومحاولة تقديم الإجابات عن الأسئلة المطروحة في المرحلة السابقة، حيث يقوم الطلبة بالملاحظة والقياس والتجريب بأنفسهم من خلال العمل ضمن مجموعات تعاونية غير متجانسة. ويقتصر دور المعلم في هذه المرحلة على إرشاد وتوجيه وتشجيع الطلبة على العمل.

الثالثة: اقتراح التفسيرات والحلول Proposing Explanations and Solutions Stage

تهدف هذه المرحلة إلى قيام الطلبة بمناقشة ما قاموا به في مرحلة الاستكشاف من خلال التفاوض الاجتماعي فيما بينهم بغية الوصول إلى الأفكار والمفاهيم المطلوبة والمقارنة بين الحلول المقترحة. وفي هذه المرحلة قد تتغير تصورات الطلبة غير الصحيحة. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة في الاهتمام باختيار العديد من النشاطات التي تؤكد المفاهيم والأفكار العلمية السليمة بحيث تبين هذه النشاطات ما قد يقع فيه الطلبة من أخطاء.

الرابعة: مرحلة اتخاذ الإجراءات Taking Action Stage

تهدف هذه المرحلة إلى قيام الطلبة بتطبيق ما توصلوا إليه من حلول ومفاهيم واستنتاجات في مواقف صفية مشابهة أو في الحياة العملية. وتتطلب هذه المرحلة وقتا كافيا للمناقشة والتفاعل فيما بينهم، وتطبيق ما توصلوا إليه وتعلموه في المراحل السابقة. وفي هذه المرحلة كلما قام الطلبة باتخاذ الإجراءات بأنفسهم، وتم تطبيق المفاهيم الجديدة على المواقف التي طرأت، وامتد التعلم إلى خارج المدرسة بشكل واضح، وتم الربط بين العلم والتكنولوجيا والمجتمع تحققت أهداف التعلم بنموذج التعلم البنائي. ويكمن دور المعلم في هذه المرحلة بتحدي وتشجيع الطلبة بأن يجيدوا تطبيقات عملية على المفاهيم أو يتخذوا إجراءات لما تعلموه، فإذا اكتشفوا مفهوما فإن عليهم مثلا التفكير بمفاهيم تالية مرتبطة بالمفهوم، أو التعامل مع مواقف جديدة قد تطرأ حول المفهوم.

خلاصة وتعليق

تعد إستراتيجية دورة التعلم بمختلف تطور دوراتها الثلاثية والرباعية والخماسية والسباعية وتبني نموذج التعلم البنائي بصورته الحالية ثمرة من ثمار النظرية البنائية ومن أبرز تطبيقاتها التربوية في العملية التعليمية، وعلى الرغم من أنها بدأت خصيصا بمادة العلوم وتطوير مناهجه إلا أن شهرتها التربوية والتطوير الذي طرأ عليها وسع من تطبيقها لتشمل كافة المواد الدراسية، وقد بينت نتائج الدراسات التجريبية على مختلف المواد الدراسية أثرها الإيجابي في الكثير من المتغيرات التعليمية. إن التطورات التي طرأت على المراحل الدائرية لدورة التعلم كانت أمرا طبيعيا وضرورة حتمية فلا يمكن تنفيذ مرحلة الاستكشاف دون المرور بمرحلة استثارة الطلبة وتوجيههم نحو الاستكشاف. كما أن مرحلة التقويم هي مرحلة بديهية، فالتقويم لابد أن يكون بنائيا في كل مرحلة من مراحل دورة التعلم حتى يطمئن المعلم من الانتقال بين المراحل، لذلك فمرحلتي التمديد والتبادل في دورة التعلم السباعية تعد إضافة مهمة تمكن الطلبة من التعمق في المفهوم وربطه بمفاهيم تالية وتطبيقات حياتية. وباعتبار الوقت الزمني من العيوب التي واجهت دورة التعلم السباعية وخاصة إذا ما ظهرت مشكلات جديدة في المراحل الأخيرة وتستدعي إعادة الدورة باستثارة وتنشيط جديد، لذا ومن وجهة نظري المتواضعة يعد نموذج التعلم البنائي بمراحله الأربع هو الأنسب فيما إذا أتقن المعلم خطة الدرس والمهارات المتعلقة بتنفيذ مرحلة الدعوة حتى لا يضطر الرجوع إليها من جديد. فمراحل النموذج متكاملة فيما بينها فلكل مرحلة وظيفة معينة تمهد للمرحلة التي تليها. فمرحلة الدعوة تدفع الطلبة إلى البحث والتنقيب للوصول إلى حل لما يعرض فيها، وفي مرحلة الاستكشاف ينهمك الطلبة في النشاطات بحثا عن الحل لما عرض عليهم في مرحلة الدعوة، وفي مرحلة اقتراح التفسيرات والحلول يقود المعلم الطلبة للوصول إلى الأفكار المطلوبة من خلال حلولهم وتفسيراتهم ومقترحاتهم في مرحلة الاستكشاف، وفي مرحلة اتخاذ الإجراءات يتم تطبيق المفاهيم التي تم التوصل إليها في مرحلة التفسيرات والحلول في مواقف صفية أو حياتية، وهذا هو ما تهدف إليه دورة التعلم بدورتها السباعية.

 


المراجع

  • الثلاب، سعيد والظفيري، محمد وعطية، دعاء، (2017). أثر دورة التعلم السباعية في اكتساب المفاهيم الكيميائية لدى طالبات الصف الخامس العلمي وتنمية ميولهن نحو المادة، مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية والإنسانية/جامعة بابل، العدد (35)، ص ص (1140- 1160).
  • رزق، حنان بنت عبدالله، (2008). أثر توظيف التعلم البنائي في برمجية بمادة الرياضيات على تحصيل طالبات الصف الأول المتوسط بمدينة مكة المكرمة، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة أم القرى، السعودية.
  • زيتون، عايش محمود، (2007). النظرية البنائية واستراتيجيات تدريس العلوم، ط1، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان- الأردن.
  • شريهد، على محمد، (2016). أثر التدريس باستخدام إستراتيجية دورة التعلم الخماسية في تنمية التفكير الرياضي وتعديل التصورات البديلة، أطروحة دكتوراه غير منشورة، كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب.
  • العبيدي، هاني و أبو دامس، حسين، (2008). أثر تدريس الهندسة باستخدام دورة التعلم الرباعية في تحصيل طلاب الصف السابع ومستويات تفكيرهم الهندسي، مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد (9)، العدد (4)، ص ص (255- 286).
  • Report W, Joseph. A. T, April G, Pamela V Sc, Janet. C. P, Anne. W, and Nancy. L,(2006). “The BSCS 5E Instructional Model Origins and Effective-ness”, A Repared for the Office of Science Education National Institutes of Health, by Rodger W. Bybee act, 12 June 2006 BSCS 5415 Mark Dabling Boulevard Colorado springs, pp 1-80, www.bscs.org.

البحث في Google:





عن د. عبده صالح محسن بهوث

دكتوراه في تحليل وتقييم أنظمة التربية والتكوين (تعليم الرياضيات نموذج) من كلية علوم التربية -جامعة محمد الخامس - الرباط - المغرب. باحث في مجال تعليم وتعلم الرياضيات - وزارة التربية والتعليم اليمن.مهتم بتدريب وتأهيل معلمي الرياضيات. محاضر في معاهد التدريب والتأهيل بالجمهورية اليمنية.محاضر في بعض الجامعات الخاصة بالجمهورية اليمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *