التفكير الناقد

التَّطور السَّريع في مجال التَّفكير النَّاقد في القرن العشرين

مقدمة:

لقد كان للفلاسفة عبر التاريخ إسهامات منهجية في الإنتاج الفلسفي والتَّطور الفكري المُمنهج والتفكير الناقد، التي أدت إلى التَّطور العلمي والتَّقني منذ العصر اليوناني الإغريقي، العصر الإسلامي، عصرالنهضة والتنوير (صغير ،2022).

في هذا المقال سنتحدث عن الانتشار السريع للتفكير الناقد في القرن العشرين من خلال التطرق إلى عدة جوانب تاريخية و نظرية.

التفكير الناقد في القرن العشرين

لقد ظهر الفهم لقوة وطبيعة التَّفكير النَّاقد في القرن العشرين في صِيغٍ أكثر وضوحًا بشكلٍ متزايد. ففي عام 1906، قام  ويليام جراهام سُمينير بنشر دراسةٍ رائدة لأسسِ علم الاجْتماع والأنثروبولوجيا. في هذه الدراسة، أشار سومِنير إلى الحاجة الماسة للتَّفكير النَّاقد في التَّربية والحياة في قوله: “النقد هو فحص واختبار المُقترحات من أي نوع والتي يَتم تقديمها للقبول من أجل معرفة ما إذا كانت تتوافق مع الواقع أم لا”.

أما أعمال بياجيه (1896-1980) فأسهمت في نشر التَّفكير النَّاقد والحاجة إلى تَحليل المفاهيم وتقييم قوتها وقيودها. كما أسهمت في  ازدياد الوعي بالميول الأنانية والاجْتماعية للفكرالبشري وللحاجة الخاصة لتطوير الفكر النَّاقد القادرعلى التَّفكير في وجهات نظر متعددة، والارتقاء إلى مستوى “الإدراك الواعي”، فتعلم الإنسان قوة المعلومات وأهمية جمع المعلومات بعناية ودقة كبيرين، مع مراعاة احتمال عدم دقتها أو تشويهها أو إساءة استخدامها.

أشار كل من ليبمان (1988) و بارون (1981) إلى أن بداية موضوع التَّفكير النّاقد ظهرت في كتابات جون ديوي خُصوصا في كتابه “كيف نفكر”( 1910\1933)، بينما يَعتقد كل من الدر & باول  (2008) إلى أن بداية موضوع التَّفكير الناقد ترتبط  بكتاب إدوار جلازر “تجربة في التفكير النَّاقد” سنة (1941). و يعتقد آخرون أن جذور التفكير النَّاقد تعود لكتابات أرثر ومبي في سنة 1975. وبعض الفلاسفة اسْتندوا في تعريف التَّفكير النَّاقد على   كتاب بلوم والمرقاة في الأهداف التربوية (ليبمان،1988:بارون ،1981).

يُجمع العلماء على أن هناك ثلاثة مقالات تُعتبر مُوجهة وداعِمة لِتَّطورِ حركة التَّفكير النَّاقد في النِّصف الثاني من القرن العشرين وهي:

  • أولًا: مقال روبرت انيس بعنوان “تعريف التفكير الناقد”  A Definition of Critical Thinking” (Ennis, 1962)
  • ثانيا: مقال جون باسمور بعنوان: ” لتكون ناقدا للتدريس” (1967) On Teaching to be Critical
  • ثالثا: مقال ريتشارد باول بعنوان: “تدريس التفكير الناقد في المعنى””Teaching Critical Thinking in Sense” (Paul, 1992)

التَّفكير النَّاقد في النِّصف الثاني من القرن العشرين وانْتشاره على شكل موجات 

الموجة الأولى: التفكير النَّاقد ومفهوم “المنطق غير الرَّسمي”

كانت هذه المرحلة في سنوات السَّبعين من القرن الماضي، عندما ظهر مجال جديد وهو “مجال المنطق غير الرسمي” والذي أثر بشكل هائل في حركة التفكير النَّاقد وبشكل بارز تميزت به. استخدم الفلاسفة الذين يتناولون “علم  المنطق” مثل سكريفان وبول (1987) ورالف جونسون (1992) وروبرت إنيس (1962) المفهومين بشكل متبادل مفهوم “التفكير النَّاقد” ومفهوم المنطق “غير الرَّسمي”، ولهذا  فإن هناك علاقة قويه بين التفكير النَّاقد والمنطق غير الرسمي. إلا أنَّ التفكير النَّاقد يتطلب قدرات إضافية لا يوفرها المنطق غير الرَّسمي، مثل القدرة على الحصول على المعلومات وتقييمها وتوضيح المعنى.

يتضمن التَّفكير النَّاقد مُركبين المُركب العقلي والمُركب الوجداني \العاطفي الذي يحتوي على الميول والمواقف والتَّصرفات. وبهذا فان “التفكير النَّاقد” يُفهم بأنه مصطلحٌ واسعٌ يشير إلى المواقف والمهارات التي تُشارك في تَحليل الحجج وتقييمها (انيس،2011).

لقد أصبحَ تدريس التَّفكير النَّاقد أهم موضوع في التَّعليم في أمريكا الشِّمالية في ثمانينيات القرن الماضي، كما أنتج هذا المجال كلمات طنانة، مُصطلحات ومفاهيم مَيزت الخطاب التَّربوي داخل وخارج الأوساط الأكاديمية مثل التَّفكير الإبداعي، التَّفكير الذاتي، التَّفكير التأديبي، التَّفكير الناقد، التَّفكير العاطفي، التفكير رفيع المستوى، وإطار التفكير، والتفكير الجيد، والتفكير المُنظم، الفهم، ذكاء المتعلم، الذكاء المُتعدد، والمعرفة الفوقية، الذكاء العاطفي وأنماط التعلم.

الموجة الثانية: تَرجمة التَّفكير النَّاقد إلى “منطق” أو “تفكير” 

كانت هذه  الموجة  في التسعينيات من القرن الماضي، وقد تَمت تَرجمة التَّفكير النَّقدي إلى “منطق” أو “تفكير”، فأصبحَ مَفهوم “المنطق” منذ ذلك الحين هدفًا خصبًا للتفكير النَّقدي لدى الفلاسفة. كما تَطورت حركة أخرى بالتوازي مع تَطورحركة التَّفكيرالناقد، وهي حركة التفكير الإبداعي. منذ أن أعلن جيلفورد (1950) أن علماء النَّفس قد أهملوا الإبداع، فقد تم تطوير المجال، تكييفه وملاءمته للتعليم، ومنذ ذلك الحين مرَّ الإبداع بعملية دَمقرَطة ونزعة عن الرومانسية، كما يعكس هذا التَّطور الانتقال من مفهوم الإبداع إلى مفهوم “التفكير الإبداعي”.

لقد أُجريت محاولات ومُراجعات إضافية لتَرتيب الأشياء واقتراح تَصنيفات مختلفة للاتجاهات، النَّظريات والخطط في هذا المجال. أحد هذه المراجعات هو تأليف كوستا كتاب ” موارد تدريس التفكير وتطوير العقل”(1985 ، 1994 ،2001). يتلاءم هذا العمل مع روح الألفية، والتي بموجبها يَعتمد تدريس التفكير على الاعتراف العالمي بأن مستوى تَطور الأمة يَعتمد على مُستوى تَطور مواطنيها، المربين  وعامة الجمهور (باول& ألدر،2001).

لقد تطور تدريس التَّفكير لأول مرة في الولايات المتحدة وأصبح بعد ذلك ظاهرة عالمية (نيسبت، 2003). ففي إنجلترا، كتب إم جي كوليز و دبليو دي روبنسون مراجعة تتعلق بوضع تعليم التفكير، كما وتُعزى بداية اهتمام الجمهور إلى مسلسل تلفزيوني يهتم بالمعلمين الذين كانوا قادة في التغيير، كان المسلسل باسم “المتحولون” الذي تم بثه في نهاية التسعينيات على قناة (ب ب س2 ,BBC2) (الدر &باول ،2008).

تَضمن هذا المسلسل أفلامًا عن أعمال فيجوتسكي ومن واصلوا أعماله مثل رؤوفين فيورستين وماثيو ليبمان في أستراليا، وقد  تم تطوير مراكز للبحوث في التَّفكير واسْتُخدمت نتائجها في برامج تعليمية مُختلفة في أمريكا الشمالية، وتم اقتراح اسم “تعليم التَّفكير الفعال” بدلاً من “تعليم التفكير”.

عوامل تطوير تعليم التَّفكير النَّاقد

العامل الأول: العلوم المعرفية وتطبيقاتها

أدى ظهور العلوم المَعرفية وتطبيقاتها منذ مُنتصف الخمسينيات من القرن الماضي، من خلال علم النَّفس الترَّبوي المعرفي في كتاب هوارد جاردنر “أطر العقل، الذكاءات المتعددة “(1983)”، إلى زعزعة هيمنة النَّظرية السُّلوكية في الترَّبية والممارسة التَّربوية، كما ساهمت هذه العلوم في التَّحقق من صحة البحث في العمليات المَعرفية التي لا يمكن ملاحظتها. هذا التحقق  يحدث من خلال الإدراك، وهكذا أصبح مفهوم ” التحقق بواسطة الإدراك “هدفًا شرعيًا للبحث، فغيَّر المفهوم النَّظري لإفساح المجال لعلم تطبيقي للتَّعلم والتَّعليم وتوجيه المُمارسة التَّعليمية بطريقة مُشابهة للطريقة التي يُوجهُ بها علم الأحياء المُمارسة الطِّبية (جاردنر، 1983). (Gardner، Bruner & Lockhead، 1990/1993)

لقد كان لتَّطور علم الإدراك أهمية كبيرة من أجل دراسة الَّتفكير وعَمليات التَّعلم، والتي تُعد في الأساس عمليات بنائية. كما  أشار براون إلى أهمية علم الإدراك في مجال بحث مراحل  عمل الإدراك، كمرحلة  التفكير، التَّذكر والتَّعلم (براون ،1990 )، بينما يؤكد ريسنيك (1987) على أهمية علم الإدراك في فهم اكتساب المَعرفة التي يتم تدريسها في المدرسة، وكيفية تَشجيع التَّعلم ذي المعنى. (جابر،2005)

العامل الثاني: مجال علم الفلسفة ومجال علم النَّفس

إستنادًا لباول (1993) وليا (2011)، فإن هذين المجالين يَتبنيان وجهاتِ نظرٍ مُختلفة حول تدريس التفكير، مما يؤدي إلى وجود فجوةٍ بينهما ناتِجة عن تَنوع مفاهيم تدريس التَّفكير، الفلسفة تَتَعامل مع جوهر التَّفكير، ماهيته، تعريفه، وما يجب تَضمينه في برنامج مهارات التَّفكير، نوعية ووظيفة التَّفكير في السُّلوك البشري. بينما يَشرح علم النفس آليات التَّشغيل المَعرفية المُحَددَة ويقدم رؤى حَول العملية، مرحلة التَّعلم واسْتعمال التَّقنيات والطرُّق الخاصة بتدريس التَّفكير. لذلك، يجب مراعاة كلا النَّهجين، نهج علم الفلسفة ونهج علم النَّفس معًا عند تطوير التَّفكير النَّاقد للاستفادة من كليهما. (ومارزانو، 1988)

ثلاثة معيقات في تطور مجال التَّفكير الناقد

المُعيق الأول: التيار الذي يدعو لربط التفكير الناقد بالتطبيق العملي

أشار ماكبيك (1981) في كتابه  “التفكير النَّاقد والتَّعليم”، إلى أن حركة التَّفكير النَّاقد قد انْجرفت في اتجاه خاطئ وأنها تَتعامل بلا داعٍ مع مهارات التَّفكير العام والتفكير المنطقي بشكل أساسي. إن تَعلم المَنطق الرَّسمي وغير الرسمي لا يكفي للتفكير النَّاقد، فقد عرف ماكبيك مفهوم التَّفكير النَّاقد على أنه الميل والمَهارة للقيام بعمل ما من خلال الشَّك المنطقي الانعكاسي (ريفلكتيفي). بصيغة أخرى، فإن  إتْقان التَّفكير النَّاقد لا يَعتمد على مُمارسة المنطق بصورةٍ مجردة إنَّما يجب ان يَرتبط بالمُمارسة العملية  للمهارات الخاصة به.

المُعيق الثاني: إقتراح الأٌطر المرجعية لتَّدريس التَّفكير

اقترح هذا التَّيار أطرًا مَرجعية لتدريس التفكير النَّاقد كالإيديولوجيات والنَّظريات المُختلفة. كما رفض تفضيل تدريس التَّفكير على الأهداف التَّربوية الأخرى، وزَعم  أن تعليم التفكير يَفتقر إلى الأفق “الإنْساني والعاطفي” ، الذي يَتضمن  المَشاعر، المشاركة، الالتزام، الحدس، التَّعاطف والاهتمام.

المُعيق الثالث: روح العصر

إنَّ روح العصر لم تكن دائمًا مُتعاطفة مع تعليم التَّفكير فكانت عائقأ في تطوره، لأن تعليم التَّفكير كان متماهيًا مع التَّعليم التقدمي وحاولت الاتجاهات المُحافظة مَنع تدريس التَّفكير النَّاقد حتى لا يضر عملية التعليم، كما دعا هذا التَّيار إلى “العودة إلى الأساسيات” وعمليات التدريس المنتشرة.

حركة التفكير النَّاقد

ظهرت هذه الحركة بقوة كبيرة في الثمانينيات من القرن الماضي  في أمريكا الشِّمالية كجزءٍ من النَّقد المُستمر للتَّعليم فيما يتعلق بمهارات التَّفكير التي لا يتم تدريسها. تُشجع  هذه الحركة على  تَطوروانْتشار التَّفكير النَّاقد باعتباره نَموذجًا تربويًا مثاليًا.

حركة التَفكير الناقد ،عبارة عن مجموعة من الفلاسفة ، أشهرهم : ريتشارد باول ،هارفي سيجال ،روبرت إنيس ،وستيرنبرغ ،رالف جونسون ،روبرت سوارت وماثيو ليبمان ،جميعهم  يدعمون  تَدريس التَّفكير النّاقد وتَحويله إلى نموذج مثالي. كَتب هؤلاء الفلاسفة ،شَجعوا وبذلوا جهودًا لبناء برامج وتفسيرات ووجهات نظر ومقاربات تَتعلق بجوهرالتَّفكير النَّاقد ،طبيعته والعوامل التي تؤثر على تَطوره.

عرَّف هؤلاء الفلاسفة ” التَّفكير الناقد” بأنه التَّفكير الذي يَحتوي على جميع مهارات “التَّفكير الجيد “، بما في ذلك التفكير الناقد والتَّفكير الإبداعي، والتَّفكيرالذي يكون نتاجُه هو التَّقييم. المنطقي لمُنتجات التفكير المختلفة ، كالجدالات ،الأفكار والإبداعات الفنية وما إلى ذلك.

يتلخصُ هدف هذه الحركة في تَحويل فكرة التَّفكير النَّاقد إلى نموذج تعليمي مثالي ، وتغيير التَّركيز من “نقل المعرفة” إلى عملية التَّعلم الفهم والتَّفكير. وتصبح هذه الفكرة نموذجًا يوجه التَّدريس في مؤسسات التَّعليم والتي سَتوحد برامج الدراسة المُختلفة..

يَتم عرض أفكار الحركة في كُتب مَدرسية ودوريات خاصة بالتَّفكير الناقد. هذه الأفكار تَتماثل مع مستوى الأفكار الرَّئيسية مثل التَّعلم التعاوني ، والمُجموعات البحثية ، والتَّعليم الديمقراطي ، والتعليم لمُجتمع مُتعدد الثَّقافات ، والتَّعليم من أجل التَّفاهم ، وفكرة “المدرسة الحكيمة\ الذكية “.

Smart school

والمدرسة الذكية ، تَحل مَحل فكرة المدرسة التي تُشبه المصنع (ويسك ،1998).كما  تحاول المؤسسات التربوية ورياض الأطفال تطبيق جوهرأفكار الحركة بطرق وبرامج متنوعة (سيغال ، 1988).

قام أتباع التَّفكير النَّاقد بترجمة فكرة “تعليم التَّفكير الناقد” إلى سلسلة من المهارات ، مثل

أ) المنطق غير الرسمي (باول ، 1992) ؛ ب) مهارات “اختبار” مصداقية مصادر المعلومات ، وكشف الافتراضات الأساسية ، واكتشاف الميول ، وما إلى ذلك ؛ ج) مواجهة وجهات النظر ،الآراء والرِّوايات القصصية عالميا  (د) القراءة النَّقدية والتَّعامل مع وسائل الاعلام  بشكل ناقد.

أهم النَّظريات في مجال التفكير النَّاقد    

لقد أسهمت جهود الفلاسفة في مجال التفكير النَّاقد إلى تطوير نَظريات تُعتبر أساسًا ومرجعيةً لتعريف التَّفكير الناقد، بحثه وتدريسه. أما أهم هذه النَّظريات فهي:

نظرية روبرت إنيس Ennis (1962)

إنيس هو أستاذ فلسفة التَّربية ومدير مشروع التَّفكير النَّاقد في جامعة إلينوي، وهو معروف كواحد من أعظم قادة التَّفكير النَّاقد. عرض أفكاره الأساسية في موضوع التفكير النَّاقد في مقالته الأولى عام 1962 التي عَرّف فيها التفكير النَّاقد على أنه “تقييم العبارات”. لقد كان لهذه المقالة تأثير كبير على تَطور التفكير في ذلك الوقت.

تتضمن نظرية إنيس المبادئ التالية:

  1. التفكير الناقد هو نشاط انْعكاسي (ريفليكتيفي) وعَملي يَهدف إلى تحقيق الإيمان المنطقي والعمل.
  2. التفكير الناقد يختلف عن مهارات التفكير العليا في سلم بلوم “التحليل، التركيب والتقييم” إلا أنه كنشاط ذهني، يتضمن هذه  المهارات الثَّلاثة.
  3. يشمل التَّفكير النَّاقد مركبين، المُركب العقلي المهارات والمركب العاطفي المواقف الاتجاهات والميول.
  4. التفكيرالنّاقد يذكرنا بوجود محتوى معرفي و نصوص تعليمية.
  5. يُمكن تدريس التَّفكير النَّاقد في إطار مُنفصل أو بالاشتراك مع مواضيع الدراسة المختلفة، أي دمج مركبات التفكير الناقد المركب العقلي (المهارات) والمركب العاطفي (المواقف الاتجاهات والميول) مع النصوص التَّعليمية الخاصة في كافة المواضيع.
  6. ينعكس التَّفكير النَّاقد في المجالات الأساسية للتفكير كالوضوح، والاستنتاج، والاستدلال والعلاقات المتبادلة بين الأمور.
  7. إن المهارات (المركب العقلي) ليست كافية من أجل تَحقيق إمكانات التَّفكير النّاقد بل توجد حاجة لمركب العاطفة، فكل مهارة تحتاج إلى ميل، اتجاه أو نزعة لتَتَحقق.

نظرية باول Paul (1992)

ريتشارد باول، أستاذ الفلسفة ومدير مركز التفكير النَّاقد والنَّقد الأخلاقي في جامعة كاليفورنيا. قدم باول (1992) المفهوم للتَّفكير الناقد” المعنى القوي” أصبح هذا المفهوم جزءًا من خطاب حركة التَّفكير النَّاقد. كان أساس حجته لإيجاد هذا المفهوم هو أن أساس التَّفكير النَّاقد ينعكس في فهم “شبكات الجدل” أو “وجهات النَّظر العالمية” وفهم المُعتقدات الأساسية وراء الحجج والبراهين، وليس مجرد إتقان مهارات التفكير المنطقي. كذلك أشار باول إلى أنه لا يوجد فرق بين التَّفكير الجيد والتَّفكير النَّاقد. (باول وآلدر ،2001)

تتضمن نظرية باول تسع سمات ذهنية في التَّفكير الناقد وهي:

  1. الفضول الفكري، إن المفكرين الناقدين ينتقدون بيئتهم ويسعون للتفكير في تفسيرات معارضة معقولة.
  2. الشجاعة الفكرية للتَّعامل مع الأفكار والتَّعامل بأمانة مع الأفكار والمعتقدات ووجهات النظر المختلفة.
  3. التواضع الفكري، أو إدراك حدود الوعي وعدم ادعاء أنك تعرف أكثر مما تعرفه بالفعل.
  4. التفكير المستقل، أي الميل والالتزام بالتفكير المُستقل.
  5. التعاطف الفكري\ الشعور الوجداني تعني الاعتراف بأن عليك أن تضعَ نفسك في مكان الآخر من أجل فهمه بصورة حقًيقية.
  6. النَّزاهة الفكرية تعكس الإقرار بضرورة أن تكون صادقًا مع المعيار الفكري والأخلاقي المَخفي وراء أحكامِك على سلوك الآخرين وآرائهم.
  7. المُثابرة الفكرية تعكس الرَّغبة في التَّمسك بالأفكار والحقائِق على الرَّغم من الصُّعوبات والعقبات والإحباطات.
  8. الإيمان بالبصيرة تعكس الثقة بأن مصالحنا العليا ومصالح الإنسانية على المدى الطويل تشمل التَّشجيع الصحيح ورعاية النَّاس حتى يتعلموا التفكير بشكل منطقي ومتماسك.
  9. التَّفكير المُنصف يعني الارْتباط  بنفس الطريقة مع جميع وجهات النظر.

نظرية جون ماكبيك McPeck (\19811992)

جون ميكبيك هو أستاذ علم الاجتماع التربوي في جامعة ويسترن انتاريو بكندا، وتتكون نظرية ميكبيك من النقاط التالية:

  1. لا توجد قدرة عامة للتَّفكير النَّاقد وأفضل وسيلة لنقل التَّفكير النَّاقد هو المنهج الليبرالي القائم على التَّخصُصات النَّظرية…
  2. يُعرف ميكبيك التَّفكير النَّاقد بأنه الاستخدام الصَحيح للشَّك التأملي في مجال المُشكلة التي تتم مناقشتها.
  3. مُصطلح “التفكير النَّاقد” له أهمية محددة، ولكن هذه المعايير تَتغير من مجال إلى آخر.
  4. لا يَتعلق التَّفكير النَّاقد فقط بتقييم العبارات، ولكن بعمليات التَّفكير التي تَنطوي على حل المُشكلات والمُشاركة النَّشطة في أنشطة مُحددة.
  5. تَعلم المنطق الرَّسمي وغير الرَّسمي لا يكفي من أجل التَّفكير النَّاقد.
  6. يَتضمن التفكير النَّاقد مهمة وإنجازًا، ويمكن أن يكون مع أو بدون نجاح.
  7. إن مفهوم التفكير النَّاقد ليس هو نفسه العقلانية، بل هو بعد من أبعاد العقلانية أو التفكير العقلاني.
  8. يَتطلب التَّفكير النَّاقد التَّخصص في المجال أو في المَوضوع الذي يُطلب النِّقاش فيه أو تدريسه.

نظرية ماثيو ليبمان(1988) Lippmann

ماثيو ليبمان أستاذ الفلسفة ومدير معهد النُّهوض بفلسفة الأطفال وتطويرها في كلية مونتكلير بنيوجيرسي. ظهرت مقالته الأولى في مجلة القيادة التربوية عام 1988. ووفقًا لليبمان، فإن نتاج التَّفكير الناقد هو “الحكم الذكي”. من خلال هذا الوصف للتفكير الناقد نستطيع القول أن تعريف ليبمان يُعتبر تعريفًا وظيفيًا، و يُترجم في العمليات التالية:

  1. إن نتائج التفكير النَّاقد هي أحكام.
  2. يعتمد التفكير الناقد على المعايير، الإملاءات، المبادئ المثالية، الأهداف، الأدلة الواقعية، الاختبارات، الدعم، الأساليب، السياسة الاتفاقيات، القواعد، والأنظمة.
  3. التَّفكير النَّاقد هو تفكير يُصحح نفسه.
  4. يُوضح التَّفكير النّاقد الحساسية للسِّياق المُعين الذي يُصاحب حدوثه.
  5. يُساهم التَّفكير النَّاقد في التَّعليم المهني من خِلال اسْتخدام الحكم الصَّحيح.

نَظرية هارفي سيغال Siegel (1988)

هارفي سيغال هو أستاذ التربية بجامعة ميامي، تتركب نظريته من النقاط التالية:

  1. أن التفكير الناقد يَتكون من عنصرين: العنصر الأول هو القُدرة على تقييم المبررات والبدائل”. أما العُنصر الثَّاني فهو النَّهج النَّاقد الذي يَشمل الميول التي تُشكل “الروح النَّاقدة”.
  2. يتطلب من الفرد تَطوير القدرة على التفكير النَّاقد وتَطوير نَهج وأسلوب تَعليمي خاص بالتَّفكير النَّاقد.
  3. يؤمن سيغال بأن التَّفكير النَّاقد مُرتبط بأخلاقيات التَّعليم وذات صلة به. فيجب أن تفي أساليب التَّدريس لدينا بالمعايير الأخلاقية ويجب أن يَلتزم المعلمون بمبادئ وقواعد الأخلاق، وأن يساهموا بنشاط وفعالية في التَّعليم الأخلاقي للمتعلم.
  4. يّتضمن التَّفكير النَّاقد مجموعة غنية من الميول العاطفية وعادات التَّفكير المبدئية وسِمات الشَّخصية والعواطف، ويُمكن اعتبار كل هذه االمركبات معًا كنهج ناقد.

وبهذا، فاستنادا لنظرية ومفهوم سيغال، أن تكون “مفكرًا ناقدا” يعني أن تكون عقلانيًا وأن تُصدق وتَتصرف على أساس الحقائق التي يتم تقييمها استنادًا للمعايير، فالشخص العقلاني هو الشَّخص المُتسق في أفكاره وأفعاله والذي  يَعمل بصورة موضوعية ومحايدة وقابلة للتَّعميم.

خلاصة:

لقد ساهمَ عملُ الباحثين والفلاسفة في مَجال التَّفكير النَّاقد في بلورة تعريف التَّفكير النَّاقد الذي يُمكن اعتماده لأغراضِ الأبحاث المُختلفة في مجال التّدريس والتقيم للتَّفكير الناقد. كما أشار المفكرون الذين تم استعراض نظرياتهم (ليبمان 1988: إينيس، 1987) إلى الاصطلاحات التالية:  “التفكير الجيد” “القرارات الأفضل” ، “القرارات الصحيحة”، “الحكم الذكي” و”تقييم التصريحات” أثناء ممارسة التفكير الناقد. بينما تحدث آخرون عن استراتيجيات التَّفكير والتَّعلم التي تَخلق “شبكات من الجدال. وتدمج العناصر المعرفية، مثل المهارات التَّحليلية والمهارات التَّركيبية والتَّقويمية مع العناصر العاطفية كالتسامح والانفتاح الذهني (إلدر& باول ،2001:2008) (Elder& Paul ، 2001:  2008)

استنادا للنظريات أعلاه يمكن تلخيص خصائص التفكير النّاقد في النقاط التالية:

  1. يَرتبط بقدرةٍ فطريةٍ طبيعية تَختلف من شخصٍ لآخر.
  2. يُمكن رعاية وتَنمية هذه القدرة وتطويرها في أي شخص وفقًا لميلِ الفرد إلى التَّفكير الناقد.
  3. . يرتبط التَّفكير النَّاقد بذكاءِ الفرد وحساسيته للمحيط الذي ساهم في تنميته.
  4. يحث التفكير الناقد الفرد على التفكير والفهم والاسْتنتاج ومحاولة القيام بالأشياء مرة أخرى.
  5. يتضمن التفكير النَّاقد مجموعة من الأنشطة العقلية المعقدة التي تُوجه طريقةَ تفكير المُفكر.
  6. يُمكن التفكير النَّاقد المُفكر النَّاقد من مُمارسة الأنشطةِ العقلية والتَّفكير في عملية التَّفكير نفسها.
  7. يعكس التفكير النَّاقد المسؤولية والحساسية والتَّعاطف مع الآخرين.
  8. يوجه التفكير النَّاقد الفرد لاستخدام عمليات التَّحليل، الاستْنتاج، التقييم وتكوين العناصر المختلفة في عملية التفكير فهو يَتضمن عملية التفكير على التفكير “ميتا كوجنيتسيا” وكذلك التَّفكير على المشاعر.
  9. يبحث التَّفكير النَّاقد عن بدائل أثناء النِّزاعات والصِّراعات ويَهدف إلى اكتشاف الحقيقة وتَصحيح طُرق التَّفكير الخاطئة.
  10. يرتبط التَّفكير النَّاقد بالمستويات المعرفية والعاطفية.
  11. يُمكِن تَطوير التَّفكير النَّاقد أثناء التَّخصص في موضوع معين، لذا فإن الاعْتماد على البحث والتَّحقيق المُستمر يؤدي إلى تَنمية التَّفكير النَّاقد لدى الطالب.

 

الرَّسم يوضح خصائص  التفكير الناقد استنادا للَّنظريات التي اسْتعرضت في المقال

 

 


 

المراجع:

صغير،ع. (2022). التَّفكير النَّاقد، مفكرون، مناهج ونظريات. تعليم جديد. 

جابر، و. (2005) طرق التدريس العامة تخطيطها وتطبيقاتها التربوية، دار الفكر ناشرون وموزعون.

 

Baron. J. (1988). Thinking and deciding. New York: Cambridge University Press.

Brown, A. L. (1990). Domain specific principles affect learning and transfer in children. Cognitive Science, 14, 107–133

Costa, A. (1991). The search for intelligent life, in A. Costa, (Ed.). Developing minds: A resource book for teaching thinking, (pp. 100- 106). Alexandria, VA: Association for Supervision and Curriculum Development

Costa, A. L., & Marzano, R. (1991). Teaching the language of thinking. In A. L. Costa (Ed.),

Dewey, J. (1910) How We Think. Boston, New York and Chicago: D. C. Heath.

Ennis, R. H. (1962). A concept of critical thinking: a proposed basis for research in the teaching and evaluation of critical thinking ability. Harvard Educational Review 32:81-111.

Ennis, R. H. (1987). A taxonomy of critical thinking dispositions and abilities. In Baron, J. B., & R. J. Steinberg, editors. Teaching Thinking Skills: Theory and Practice. New York: WH Freeman, pp. 9-26.

Ennis, R. H. (2011). Critical thinking: reflection and perspective. Inquiry 26,1 and 2.

Elder, L. and Paul, R. (2008). The Thinker’s Guide to Intellectual Standards. Foundation for Critical Thinking Press.

Gardner. H. (1983) The Theory of Multiple intelligence,Routledge

Johnson, R. H. (1992), “Critical thinking and informal logic”, in Talaska, R.A. (ed.), Critical Reasoning in Contemporary Culture, Albany: State University of New York Press, pp. 69-88.

Lai, E. (2011). Critical thinking: A literature review. Pearson Research Report Retrieved from http://www.pearsonassessments.com/hai/images/tmrs/CriticalThinkingRevie wFINAL.pdf

 Lippman, M. (1988). Critical thinking: what can it be? Analytic Teaching 8:5-12. https://journal.viterbo.edu/index.php/at/article/view/40

Marzano, R. (1998). The Dimensions of Learning: Toward Educated Instruction. Jerusalem: Branco Weiss Institute for the Development of Thinking.

 McPeck, J. (1981). Critical Thinking and Education. New York: St. Martin’s Press. Norris, S. P., & R. H.

Nisbett, R. E., & Masuda, T. (2003). Culture and point of view. Proceedings of the National

Academy of Sciences, 100(19), 11163-11170. https://doi.org/10.1073/pnas.1934527100

Paul, R.  (1982).  Teaching  critical  thinking  in  the  “strong”  sense:  a  focus  on  self-deception,  world-views,  and  a  dialectical  mode  of  analysis.  Informal Logic Newsletter, 4,2:2-7.

Paul, R. (1993). Critical Thinking: What Every Person Needs to Survive in a Rapidly Changing World. Revised Third Edition. Santa Rosa, CA: Foundation for Critical Thinking.

Paul, R., & Elder, L. (2001). Critical thinking: Tools for taking charge of your learning and your life. Upper Saddle River, NJ: Prentice Hall.

Resnick, L. B. (1987). Education and learning to think. Washington DC: National Academy Press

Scriven, M. and Paul, R. (1987) Defining Critical Thinking. 8th Annual International Conference on Critical Thinking and Education Reform. http://www.criticalthinking.org/pages/defining-critical-thinking/766

 Siegel, H. (1988). Educating Reason: Rationality, Critical Thinking and Education. New York and London: Routledge,

William G. Sumner, (1899) “The Conquest of the United   States by Spain”, Yale Law Journal, v. 8, no. 4 (168–193).

Wiske, M. (Ed.). (1998). Teaching for understanding. San Francisco: Jossey-Bass

البحث في Google:





عن عطاف مناع صغير

مرشدة ومحاضرة في قسم التربية في الكلية العربية لإعداد المعلمين في حيفا، منذ سنة 1997 وحتّى الآن ، كما عملت في كليتي غرناطة (كفر كنا ) وكلية سخنين لإعداد المعلمين في السَّنوات ( 2004- 2006 ) بالإضافة لعملها في الكلية في حيفا. طالبة دكتوراه في علم النفس التربوي والتفكير. صدر لها العديد من المقالات في الإدارة التربوية والفلسفة باللغة العربية و اللغة العبرية. صدر لها العديد من الدواوين الشعرية. - فلسطين -

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *