التعلم القائم على التساؤل

التعلم القائم على التساؤل … التعلم للابتكار

يسعى الجميع في مجال التربية والتعليم إلى طرح المزيد من الأسئلة وترقّب الجواب المناسب.. يقوم بهذا كل من يحيط بعالم الطفل من الآباء في المنزل إلى المعلمين في المدارس إلى كل من يلتقيه الطفل في مسيرة نموه، حتى يصل لمرحلة سوق العمل وتحمّل المسؤولية ليبدأ رحلة الحياة الحقيقية فيجد نفسه لا يملك المهارات اللازمة لجعله مقبولاً وناجحاً، ولا حتى اللغة التي تعبّر عن أفكاره وطموحه كما يرغب..
والسبب الرئيسي وراء ذلك هو أننا علمناه في مدة لا تقل عن ثمانية عشر سنة كيف يجيب وكيف يختار الجواب المطابق لما يريده المعلم، بينما سوق العمل يتطلب مهارات التفاوض التي تعتمد على اختيار السؤال المناسب وليس الجواب.

آلة صنع الجواب…

ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، نجد أن التطور التقني الذي غيّر معظم أدواتنا واستخداماتنا لم يغيّر في منظومة التعليم ثنائية “المعلم يسأل والطالب يجيب”. لم تعد مشكلتنا الآن هي إيجاد الجواب عن الأسئلة، ولكن مشكلتنا الحقيقية هي افتقادنا للأسئلة نفسها”[1]. ونرى أن الطالب الذي اعتاد التعليم القائم على “أجب على الأسئلة التالية”، يجد أن البحث العلمي تحدٍّ حقيقيّ له ولما تعلمه من مهارات في مسيرة تعليمه، حيث يطلب منه البحث صياغة الفرضية المناسبة ووضع الأسئلة التي تجيب عنها هذه الفرضية، وتطلب منه الخلفية العلمية للبحث تحت سؤال “لماذا؟”،وتطلب منه إجراءات البحث تحت سؤال “كيف؟”، ويطلب منه وضع الخطة المستقبلية تحت سؤال “ماذا لو؟”. لذلك نجد إحجام الطالب عن ذلك واعتباره عبئاً ثقيلاً مما يضطره إلى الاستعانة بمحركات البحث عبر الشبكة العنكبوتية لنسخ الأبحاث الجاهزة، ويُحرم من متعة التعلم الحقيقي من خلال البحث العلمي.

عندما نريد التأسيس للتعلم القائم على الاستفسار والتساؤل، لابد من توفر عنصري التخطيط والمرونة عند المعلم، بالإضافة إلى أن ضرورة أن يتمتع المعلم بالقدرة على معرفة طلابه جيدًا من حيث اهتماماتهم وأفق أفكارهم.

فمن خلال التعلم القائم على التساؤل نجعل الطالب محور العملية التعليمية بشكل حقيقي، فهو من يسأل وهو من يجيب، ويقف المعلم كمدير لحلقة حوارٍ راقٍ، ليقف بكل يقظة وانتباه فيلتقط كل فكرة ويوجهها بالشكل الملائم الذي يخدم هدف الدرس. مع التعلم القائم على التساؤل ، نحن بحاجة لفهم المقصد من التخطيط والمرونة، أي أن أخطط وفقًا لما يحتاجه طلابي وأقيّم مهاراتهم أو معرفتهم، تمامًا مثل أي معلم آخر.  يكمن الاختلاف فقط في كيفية إيصال المعلومات، حيث يجب أن يكون المعلم مرنًا ومنفتحاً وقابلاً للتكيف.

قوة الأسئلة الصحيحة هي البوصلة:

 قد تتساءل عن كيفية التخطيط للدرس إذا كنت مطالباً بالمرونة والقدرة على إعادة بناء الأهداف بسرعة كلما انحرف الطلاب بك عن المسار.. أذكر هنا ما ذكره ستيفن كوفي في كتابه العادات السبع للناس الأكثر فاعلية: “إن الطائرة لا تسير في المسار المعد لها معظم الوقت، ورغم ذلك تصل الطائرة إلى محطتها المحددة. لذلك لا مشكلة أن تحيد عن المسار 90% من الوقت، أهم شيء هو أن الفريق لديه شعور بالاتجاه، إنهم يعرفون المسار الصحيح، وعندما يحيدون عنه، لا يلبثون أن يعودوا إليه، المهم هو أن تكون لديهم وجهة، وخطة للطيران، وبوصلة لمعرفة الاتجاهات”[2]

تذكر، عندما يأخذ الطلاب الدرس في اتجاه مختلف عما خططت له، فإن وظيفتك هي أن تضيء طريقهم إلى حيث تلتقي أهدافكم معاً.

عندما يسحبهم فضولهم في اتجاه مختلف تمامًا، أنصحك أن تتركهم يركضون معه، ولا تنس أن تجد فوراً الصلة بين ما تريدهم أن يتعلموه وما يريدون تعلمه.

عليك إضاءة الطريق فقط واترك باقي المهمة ل GOOGLE

تتمثل وظيفة المعلم في إضاءة الطريق أمام طلابه لإرشادهم إلى طريق الاكتشاف الخاص بهم. إذا أراد الطلاب معرفة شيء ما، في إيجاد الشغف للمعرفة والبحث عنها. يتمثل الفن الحقيقي في التدريس في طرح الأسئلة الصحيحة، وأن تصبح كمعلم شريكًا للطالب في التفكير.. الجميع يعتبر متعلما في التعلم القائم على التساؤل .

تكمن الفكرة وراء التعلم الحقيقي القائم على التساؤل في إثارة فضول طلابك، وهو الشرارة التي تحفزهم وتجعلهم يرغبون في معرفة المزيد. إذا كان بإمكانك إبراز فضول طلابك وحبهم للتعلم، فقد قمت بما عليك. يمكن أن تقوم Google بالباقي!

كن بارعاً بربط الأفكار واغتنام الفرص..

المعلمون الجيدون هم من يجيدون ربط الأفكار وإيجاد طرق إبداعية لتحقيق أهداف الدرس. يعرفون طلابهم جيدا لذلك يمكنهم التنبؤ بما سيثير اهتمامهم. على سبيل المثال أحد المعلمين قام بربط درس في القواعد بخبر هام في الرياضة وما جاء من أخبار في تويتر عن النوادي الرياضية وجعلها في قصاصات ورقية أعطاها لطلابه، وطلب منهم أن يجدوا جميع القواعد النحوية للدرس فاستمتع الطلاب وتعلموا المزيد عن القواعد أكثر بكثير مما هو مخطط له نظرياً.[3]

متى تقف على الإشارة الحمراء ومتى تتابع المسير..

بصفتك معلمًا لابد من وجود الخطة الفصلية لمادتك، لذا يمكنك دائمًا التعود على الوقت المناسب للتوقف. بمجرد أن يستفسر الأطفال بالفعل عن الموضوع ويستكشفونه ويبحثون فيه ويخرجون شيئًا لإثبات أنهم يفهمونه، يمكنك أن تقرأ أنهم انتهوا.

استمع لصوت الطلاب وامنحهم الوقت المناسب لإنتاج شيء يوضح اكتساب المعرفة والفهم، دعهم يختارون كيف سيثبتون لك أنهم تعلموا شيئًا ما. بعد ذلك انتقل للفكرة التي تليها وتابع المسير..

ماذا عن المطبات على الطرق؟..

عندما يصطدم الطلاب ببعض الحواجز أو المطبات، شجعهم على اتباع نهج مختلف بدلاً من الاستسلام، شجعهم على العمل الجماعي والخروج بفكرة إبداعية جديدة، شجعهم على التفكير خارج الصندوق بعيداً عن الأفكار الاعتيادية، واحتفل بجميع الأفكار الجديدة.

ماذا لو شعرت بالضعف أو الارتباك أمام استفساراتهم؟  

لابد أن يبدأ المعلم أيضًا في تعلم كيفية طرح الأسئلة، لأن الأسئلة الجيدة تقود للاستفسار الجيد. إذا كنت معلمًا غير معتاد على الاستفسار الذي يقوده الطلاب، اجعل الطلاب يبدؤون درسهم عبر جدول يكتبون فيه أسئلتهم الأساسية في بداية الوحدة: “ما أعرفه، ما أفكر فيه، ما أتساءل عنه” هذا سيساعدك في التعرف أكثر على طلابك وعلى حدود معرفتهم وسيرشدك إلى توجيه البوصلة في الدرس للاتجاه الصحيح.

معرض التساؤلات وتكامل الأدوار:

من الممكن إنشاء “معرض التساؤلات” حيث يطلب من كل طالب أن يصمم في ورقة خريطة لجميع تساؤلاته ويلصقها أمامه وكلما وصل لجواب معين أشار إلى ذلك في ورقته.. ثم يقوم المعلم بدعوة المعلمين من التخصصات الأخرى بزيارة الفصل والاطلاع على معرض التساؤلات والمساهمة في إيجاد حوار أوسع مع الطلاب حول استفساراتهم وحسب التخصصات الأخرى، وهذا لا شك سيسهم في الغنى المعرفي عند الطلاب، بالإضافة إلى تسهيل المهمة على المعلم نفسه.

من السؤال إلى الابتكار:

أخيراً تذكر دائماً أن كل الابتكارات بدأت بسؤال، كما يقول Bernard Baruch: “شهد الملايين سقوط التفاحة لكن نيوتن سأل لماذا؟”[4]

شجع الطلاب على تحويل تساؤلاتهم إلى ابتكارات، انتقل معهم من ماذا؟ إلى لماذا؟ إلى كيف؟ إلى ماذا لو؟ حتى تأخذ بجذوة أفكارهم إلى طريق الابتكار والإبداع..

 

 

المراجع:

Teaching Students to Ask Questions Instead of Answering Them. (n.d.). Retrieved December 4, 2020, from https://www.researchgate.net/publication/257968538_Teaching_Students_to_Ask_Questions_Instead_of_Answering_Them

Mathis, G. (2015, August 24). Inquiry-Based Learning: The Power of Asking the Right Questions. Retrieved December 04, 2020, from https://www.edutopia.org/blog/inquiry-based-learning-asking-right-questions-georgia-mathis

Covey, S. R., & Covey, S. (2018). The 7 habits of highly effective families: Building a beautiful family culture in a turbulent world. Gordonsville, VA: St. Martin’s Press

Bernard Baruch Quotes. (n.d.). Retrieved December 04, 2020, from https://www.brainyquote.com/quotes/bernard_baruch_12201

الإحالات:

[1] Teaching Students to Ask Questions Instead of Answering Them. (n.d.). Retrieved December 4, 2020, from https://www.researchgate.net/publication/257968538_Teaching_Students_to_Ask_Questions_Instead_of_Answering_Them

[2] Covey, S. R., & Covey, S. (2018). The 7 habits of highly effective families: Building a beautiful family culture in a turbulent world. Gordonsville, VA: St. Martin’s Press

[3] Mathis, G. (2015, August 24). Inquiry-Based Learning: The Power of Asking the Right Questions. Retrieved December 04, 2020, from https://www.edutopia.org/blog/inquiry-based-learning-asking-right-questions-georgia-mathis

[4] Bernard Baruch Quotes. (n.d.). Retrieved December 04, 2020, from https://www.brainyquote.com/quotes/bernard_baruch_122011

البحث في Google:





عن لمى قشلق

مدربة دولية معتمدة في تعليم STEM، مدربة برامج الموهوبين TPT، مدربة مهارات التفكير، مدربة روبوت، ممارس معتمد في مفاتيح المفكرين. أشرفت على العديد من المسابقات المحلية والدولية والتي حققت المركز الأول على مستوى المملكة والمستوى الإقليمي ومراكز متقدمة على المستوى العالمي . مسؤولة لجنة الاعتماد لحصول أول مدرسة في الشرق الأوسط على اعتماد STEM. أسست قناة متخصصة في تعليم STEM.

8 تعليقات

  1. مقال رائع … بوركت جهودكِ

  2. مقاله اكثر من رائعه بالفعل اطفالنا وطلابنا بحاجة الى من يعلمهم ويقودهم الى الإبتكار والأبداع من خلال تحفيز الفضول لديهم وتعليمهم فن السؤال وكذلك معلمينا ومعلماتنا يجب ان يتمكنو من طرق التعليم الحديثه بإستمرار وتجدد دائم وملاحقة التطورات في العملية التعليميه بارك الله فيك استاذه لمى ونتطلع للمزيد من هذه المقالات التي تنقلنا بإنسيابيه وتمتع في طرق المعرفه .

    • ريم سرحان

      روعة مقال جدا مهم ويفيد كل المعلمين واعتبره من أساليب التعليم الحديثه ويلبي حاجة الطلاب في عصرنا الحاضر ويلبي سوق العمل لتخريج طلاب نفخر ب اجازتهم بالمستقبل

  3. امل سليمان اربيع

    فكرة اضاءة الطريق للطلاب ودور المعلم الموجه والمحفز تنمي قدرة الطلاب على البحث العلمي وتطورهم فيه وذلك بما يتناسب مع مهارات العصر الذي نعيش فيه
    ماشاء الله تبارك الله اللهم بارك ابداااااع

  4. د. محمود أبو فنّه

    تشتمل هذه المقالة على توجّه سديد وحديث
    في التعليم، فهي تؤكّد على أهميّة اتباع أساليب
    جديدة تنمّي التفكير والإبداع والمشاركة الفعّالة للطلاب.

  5. د.رياض محمد

    يطرح المقال أفكار متميزة لنقلة نوعية في التعليم حيث أن التعلم الحقيقي هو الذي يفتح آفاق التفكير عند الطلاب ويضيء عقولهم
    أشكر كاتبة المقال على هذا الطرح المبدع والمتميز

  6. عماد الدين

    من أروع المقالات التي تناولت جانب حيوي وهام في التعليم
    أشكر كاتبة المقالة على هذا الفكر العميق

  7. ابوالعنين قطب ابوالعنين غانم

    الجودة فى التعليم الفنى تبدء بوضع منتج حصرى والعرف على مكوناته استخراج المطربات المستخدمة والبحث عن أهمية كل مكون وطرح الاسءلة ماذا وماذا لو وكيف وما سبب وجود هذا وعرض شكوى للمستخدمين لهذا المنتج ومناقشة الاعطال المتكررة وكيف يمكن تطوير المنتج والعمل على الأوسكار المستخدمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *