التقييم

التقييم داخل حجرات الدراسة

هناك حاجة ماسة إلى تطوير الأداء التقييمي للطلاب داخل حجرات الدراسة من قبل المعلمين، فطريقة التقييم التقليدية التي يقوم بها المعلمون تقلل من قدرة الطلاب على التعلم وتقلل المساحة الكافية للتقدم في المواد الدراسية المختلفة.

إن طرح الأسئلة المفتوحة تتيح للطلاب الفرصة للتعبير عن أفكارهم بالشكل الذي يقدم تغذية راجعة للمعلمين في توجيه الاستجابة لهم. وفي كل الأحوال، هناك اختلاف كبير بين الاستجابة التي تصحح خطأ الطالب والاستجابة التي يطلب فيها من الطالب أن يفسر السبب الذي يجعله يقوم بهذه الاستجابة، أو يدعو طلاباً آخرين لتقديم استجاباتهم على نحو من شأنه دعم الرد أو الإجابة الأولى، أو رفضها وتقديم دليل ضدها.
النوع الثاني من الاستجابة يمكنه أن يجذب الفصل إلى حوار، حيث يمكن للتلاميذ من خلاله التعبير عن أفكار متعددة ومن ثم، لا يوصف فتح باب الحوار مع الطلاب وبين الطلاب بأنه خيار تكتيكي فحسب، ولكنه يستطيع أيضاً أن يسهم بفاعلية وبشكل كبير في تطوير إمكانيات الطلاب ووصفهم بالطلاب الفاعلين.

الأنشطة الاجتماعية والخارجية يستطيع الطالب استيعابها تدريجياً عندما يصبح قادراً على تنظيم نشاطه الداخلي أو الذاتي، وتمثل هذه المواجهات مصدراً للخبرات التي تؤدي في النهاية إلى الحوار الداخلي الذي يشكل عملية التنظيم الذاتي للعقل. وإذا نظرنا إلى عملية التعلم بهذه الطريقة، نجدها تحدث على مستويين على الأقل: وهما تعلم الطالب معلومات خاصة بالمهمة التي يقوم بتنفيذها بالشكل الذي يؤدي إلى تطوير خبرته، ويتعلم أيضاً كيف يرسخ طريقة تعلمه الخاصة وطريقة تفكيره المنطقية.

على أي حال، يجب على كل معلم يريد تشجيع الحوار داخل فصله أن  يجيد التعامل مع مشكلتين أساسيتين، تتمثل أولاهما في ترسيخ التوقعات والممارسات الروتينية التي تشجع الطلاب على المشاركة، أما الثانية فتتمثل في تحقيق التوازن بين غلق باب الحوار قبل أن يحتدم ويتفاقم، وبين فتح هذا الباب على مصراعيه حتى يزول السبب الأصلي للجدل (أي الوصول إلى اتفاق ما). وهنا لا يمكن تطبيق قواعد عامة، لأن قدرة المعلم القصوى على إدارة الحوار ومواصلته تعتمد على سمات السياق العام للحوار وعلى إجادته التعامل مع تلك المشاكل بشكل احترافي.

التغذية الراجعة التي يقدمها المعلمون على الأعمال التحريرية تشمل وضع درجات أو تقديرات معينة، بتعليقات أو بدون تعليقات، لتوجيه عملية تحسين مستوى الطلاب، لا يكون لها في الغالب أي أثر إيجابي على عملية التعلم، بينما تحقق التغذية الراجعة التي تقدم تعليقات فقط نجاحاً ملموساَ وكبيراً.

تعتبر الدرجات بمثابة تقدير ما من قبل المعلم لسؤال تم وضعه ويجب الإجابة عليه، فهي ليست وسيلة مساعدة في التعلم، ولا يظهر الطلاب أي اهتمام عن كيفية حصولهم على هذه الدرجات، لأنهم يركزون على الدرجة الموضوعة فقط. وهنا يواجه المعلمون مشكلتين في الاستجابة إلى هذه الظاهرة، تتمثل أولاهما في السياسات المدرسية وتوقعات الطلاب وأولياء الأمور التي تتطلب جميعها في الغالب الوقوف على درجات معينة، وتتمثل المشكلة الثانية في أنه إذا كان لزاماً أن تكون التغذية الراجعة من خلال التعليقات يجب أن تكون فعالة لتسهم في تحسين مستوى الطلاب.

إن الهدف من هذه التعليقات يتمثل في الوفاء بالحاجات المختلفة لكل الطلاب، كلا حسب قدراته. ويجب أن نرى التغذية الراجعة عن طريق التعليقات بوصفها أحد الأشكال الأخرى للحوار المؤدي إلى التعلم، ولهذا يجب أن يكون جميع الطلاب دون سواء مشاركون فيها سواء للتصحيح أو معاودة المحاولة بشكل صحيح.

تعتبر طريقة التقييم الذاتي، أو التقييم الثنائي ( كل طالب يقوم بتقييم زميله) من الطرق المميزة الحذرة في التقييم داخل حجرات الدراسة، ويمكن أن تكون هذه الطريقة مفيدة بشكل خاص إذا استطاع الطلاب المشاركة في تصحيح عملهم الخاص أو تصحيح أعمال زملائهم سواء كان ذلك العمل واجباً دراسياً أو المحاولات التي يبذلونها في التقييمات الإجمالية من خلال تقييمها في مناقشات جماعية، ورؤية عملهم يقيم من جانب أقرانهم وأيضاً رؤية كيفية تعامل الآخرين مع نفس المهام، يساعد الطلاب على التفكير بشأن الطرق التي كانوا يفكرون من خلالها عبر هذه المهام.

علاوة على ذلك، يستطيع الطلاب تقييم هذه التقديرات في ضوء المعايير المتعلقة بجودة نتائج التعلم. ويمكن أن تستخدم هذه المعايير كدليل أو توجيه إذا فهم الطلاب عملية التعلم، واستطاعوا تطوير هذا الفهم من خلال المناقشات الموجهة نحو تطبيق ذلك في أمثلة مادية ملموسة. وتوصف هاتان السمتان للتقييم الذاتي من خلال التقييم الثنائي، وإدراك الحاجة لتوضيح المعايير التي توجه عملية التعلم بالنسبة لكل طالب، بأنهما العناصر الرئيسية في تطوير ما يعرف بالميتامعرفة (أي ما وراء المعرفة) ومن ثم يصبح الطلاب متعلمين مستقلين و أكثر ثقة.

إن النقاشات المختلفة والمثمرة حول ما يقدم من معلومات من قبل المعلم مع منح الطلاب وقتاً محدداً بعد أن ينتهي المعلم من شرح موضوع ما للمشاركة في التغذية الراجعة على طريقة الأداء ككل، وأداء المزيد من العمل الجاد على أي مشكلات تظهر في الصورة يجعل من الطلاب عنصرا فاعلا في التعلم.

من أهم الأهداف التي يجب أن يعمل المعلمون على تحقيقها وترسيخها أن يجعلوا الطلاب يرون التقييم على أنه جانب مهم من عملية التعلم. ويجب توضيح أن تنوع التقييم وتنوع توقيته ومحتواه يكمن في الهدف التي تستخدم نتائج التقييم من أجله، وهذا لا يعني بالضرورة إنكار أهمية الطريقة الاختزالية (أي التي تتسم بالتكثيف والتركيز) بل يسهم في تغيير منظور الصراع الذي ترى من خلاله النظم المكثفة أو المركزة العديدة على أنها جزء لا يتجزأ من التعلم الجيد.

ويعد النموذج الاختزالي للتقييم والذي يعتمد على التكثيف والتركيز من النماذج المقترحة في عملية التقييم، ويجب أن يحتوي هذا النموذج على خمس خطوات في تخطيط وتنفيذ أي جزء من عمليتي التعليم والتعلم نوجزها فيما يلي:

  1. توضيح الأهداف، ويشتمل هذا عادة على إحداث التوازن بين الأولويات المختلفة.
  2. تخطيط أنشطة حجرات الدراسة، وقد يكون هذا أفضل ضمان لتحقيق هذه الأهداف.
  3. تنفيذ هذه الأنشطة في حجرات الدراسة، من خلال التفاعلات الشكلية أو الإجرائية.
  4. إدماج طريقة التقييم المركزة أو المكثفة تدريجياً لبيان أوجه القصور التي تستوجب الاهتمام إذا أردنا تحسين التعلم مستقبلاً.
  5. المشاركة في طرق التقييم المركزة أو المكثفة بفاعلية وبطريقة طبيعية لإعطاء فرصة حقيقية لتقييم تلك الطريقة لأخذ الآراء بشأن فاعليتها التي يجب وضعها في الاعتبار عند تعميم هذه الطريقة.

هناك العديد من العلاقات بين هذه الخطوات، وهي لا توحي بالضرورة إلى تتابع على نحو خطى واحد، حيث تؤدي النتائج النابعة من الخطوة الرابعة والخطوة الخامسة إلى مزيد من العمل لتحسين الخطوة الثانية والخطوة الثالثة على المدى القريب، ولكنها على المدى البعيد قد تحفز المشاركين على معاودة تناول وفهم معنى ومضامين الأهداف الواردة في الخطوة الأولى.

بشكل عام، يستطيع المعلمون تأسيس تفاعلات إيجابية بين كل هذه الخطوات الخمس في الأعوام الدراسية التي يقومون فيها بتدريس للطلاب وإجراء التقييم لهم بشكل متتابع لمعرفة النتائج وإقرار تعميم هذه الطريقة من عدمه.

على أي حال، بالنسبة للأعوام الدراسية التي يسود فيها نظام التقييمات الموحدة من قبل الجهات العليا (الوزارة) مثل تقييم الشهادات العامة، تتبع فيها طرق تقييم مختلفة عن الطريقة المعتادة التي تتبعها المدرسة، مما يجعل التقييم عملاً خارج عن منظومة المدرسة، وهنا ينشأ صراع أو خلاف حتمي في عملية التقييم.

وبالرغم من أن الطرق الحديثة في التدريس يمكن أن تكون لها تأثيرات إيجابية لتحقيق الهدف الأساسي من التعليم في المدرسة أي بناء قدرات الطلاب ليصبحوا متعلمين مستقلين وأكثر ثقة، نجد أن ضغوط التقييمات الخارجية تعوق هذه الطرق.

التقييم هل هو صراع أو إثراء؟

ليس هناك خطأ يذكر بخصوص طريقة التدريس من أجل التقييم إذا كان هدف التقييم واضحاً ومحدداً. ويكون التقييم صالحاً إذا اعتبر من يستخدمونه أن النقاط الجيدة في التقييم تعني أن المتعلم يتمتع بكامل القدرة على فهم واستخدام المادة الدراسية. وبكل الأحوال، لا يمكن للتقييمات التحريرية وحدها وبمفردها وبطريقتها التقليدية أن تفي بهذا المطلب.

وتعزز كل الدروس المستفادة التي تم ذكرها وجهة النظر التي تقول إن صلاحية طرق التقييم التكوينية أو الهرمية تتطلب ثورتين في التعليم. وتتمثل الثورة الأولى في تطوير المهارات والطرق المستخدمة في طرق التقييم البنائية التي تتم عاماً بعد عام من جانب المعلمين والمدارس حسب ما ورد في تقرير استراتيجيات التعلم. أما الثورة الثانية فتتمثل في إقناع من هم في موقع السلطة لتطوير الطرق المستخدمة في طرق التقييم واسعة النطاق أن الاعتماد على التقييمات التحريرية فقط لا يفي بالغرض الذي وضعت من أجله، وأنها ضارة إلى حد بعيد بالطلاب.

ينظر إلى المعلم في أبعد تقدير على أنه هو الشخص الرئيسي المسؤول عن التقييم في الجوانب الأكثر أهمية من عملية التقييم نفسها، ويعتمد توسيع نطاق التقييم على رؤية مفادها أن هناك جوانب من عملية التعلم شديدة الأهمية، لكن لا يمكن تقييمها بالشكل الملائم من خلال التقييمات الموحدة من قبل الجهات العليا (الوزارة) مثل تقييم الشهادات العامة، وتتطلب هذه الجوانب تقييماً بشرياً لتقييم الجوانب المتعددة من سلوكيات الأداء المطلوبة في التعامل مع مهام التقييم الحقيقية الصادقة.
ويتمثل أحد العناصر المهمة في هذه التطورات في ضرورة أن يتشارك المعلمون المسؤولية عن عملية التقييم البالغة الخطورة والمهمة بالفعل لتقييم أداء طلابهم في كل المراحل.
ويمكن تحقيق الثقة في كل المشاركين من خلال نظام صارم يقوم بمراجعة تقديراتهم من خلال اجتماعات المعلمين مع بعضهم ومع الجماعات الأخرى في المدرسة وليس بنتيجة التقييم فقط.

وقد تأكد أن هذه التغيرات يمكن أن تتحقق من خلال صياغة تؤكد على أن عملية التطوير تحتاج إلى سنوات عديدة، وأن المعلمين الذين يشاركون في هذا التطوير موقنين أن المسؤوليات الجديدة المنوطة بهم لها تأثير إيجابي كبير على جوانب عملية التدريس.
إن تحقيق ما سبق من السهولة بما كان لو كانت هناك رؤية تطويرية واسعة ومحددة ولها أهدافها التي يجب أن تتحقق، ولكن قد يكون غياب الرؤية والاهتمام حجرة عثرة أمام تحقيق ذلك.

 

 

المراجع:

  • أحلام الباز حسن الشربيني (2011): تعزيز الدافعية الذاتية لتعلم العلوم والمسؤولية الاجتماعية من خلال التعلم الخدمي لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية، مجلة التربية العلمية، الجمعية المصرية للتربية العلمية، المجلد (14) العدد الثالث.
  • امل محسوب محمد زناتي (2000): الممارسات القيادية لمديري المدارس الثانوية والرضا الوظيفي لمعلميه في جمورية مصر العربية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة عين شمس.
  • أمينة محمد كاظم (2003): اتجاهات معاصرة في بناء بنوك الأسئلة الأسس التربوية لإعداد المعلم الجامعي، القاهرة: جامعة عين شمس.
  • شاكر محمد فتحي أحمد (2004): دور القيادات الإدارية في تغيير الثقافة التنظيمية: نموذج القائد التحويلي، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة الإدارة بالقيم المنعقدة بمعهد الإدارة العامة بمسقط – سلطنة عمان.

البحث في Google:





عن د. إيهاب ابراهيم السيد محمد

دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية، كلية التربية النوعية جامعة عين شمس. تخصص تكنولوجيا التعليم زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا - جمهورية مصر العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *