الذكاء الاصطناعي

كيف يستطيع الذكاء الاصطناعي التأثير على التعليم ؟

فاز هذا المقال بجائزة تعليم جديد التربوية، في نسختها الأولى، عن فئة استخدام التكنولوجيات الحديثة في التعليم.

لا شك أن الذكاء الاصطناعي لم يعد حكرا على شريحة مجتمعية معينة بل أصبح في متناول الجميع وقد تسلل فعليا للعديد من مجالات حياتنا اليومية. المدرسة بدورها لم تسلم من هذا الغزو التكنولوجي السريع الذي بدأ في خلق طفرة نوعية مهمة في سلوكيات كافة المتدخلين في العملية التعليمية-التعلمية، وفي طريقة تعاملهم مع التكنولوجيات الحديثة، لدرجة ازداد معها التخوف من حلول الذكاء الاصطناعي محل المعلم(ة) و البرامج الرقمية محل المقررات الحالية. ماذا يقصد إذن بالذكاء الاصطناعي؟ و كيف أصبح يؤثر على التعليم؟

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

صاغ عالم الحاسوب جون مكارثي هذا المصطلح بالأساس في عام 1956 [1] وعرَّفه بنفسه بأنه “علم وهندسة صنع الآلات الذكية”[2]، ويعرّف أندرياس كابلان Andreas Kaplan ومايكل هاينلين Michael Haenlein  الذكاء الاصطناعي بأنه “قدرة نظام معين على تحليل بيانات خارجية واستنباط قواعد معرفية جديدة منها، و تكييف هذه القواعد واستخدامها لتحقيق أهداف ومهام جديدة. “[3]

يفترض هذا أن مَلَكة الذكاء يمكن وصفها بدقة لدرجة تمكن الآلة من محاكاتها، وهذا ما أثار جدلاً تاريخيا حول طبيعة العقل البشري وحدود المناهج العلمية، وهى قضايا تناولتها نقاشات علمية  و وفلسفية منذ القدم.

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي إذن كسلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها. من أهم هذه الخاصيات القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، و مع ذلك يبقى هذا المصطلح جدليا و ذلك لعدم توفر تعريف محدد للذكاء.[4].

الفرق بين نظام الأتمتة « Automation » والذكاء الاصطناعي   « AI »

قبل البدء في توضيح مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على مجال التعليم لا بد من التمييز بين مصطلحين أساسيين وهما:

الأتمتة وهي نظام يعتمد على القواعد التي تحددها البرمجة، فالآلة هنا تتبع المتسلسلات المنطقية المحددة سلفا وهو ما يعني كون الرمز A يفضي منطقيا إلى الرمز B وهكذا. أما الذكاء الاصطناعي فهو بمثابة تعليم الآلة لتستنتج بنفسها، وتدرك ما يجب أن تفعله وما لا يجب أن تفعله.  فالتشفير أو الترميز هنا لا يكون صريحًا حيث يسمح للآلة بقدر معين من المناورة.

آثار الذكاء الاصطناعي على التعليم

وفقا لتوماس أرنيت Thomas Arnett، مؤلف في (معهد كريستنسن Christensen Institute) فالذكاء الاصطناعي لا يشكل تهديدا بقدر ما سيساعد على تبسيط مهام التدريس الأساسية ومساعدة مديري المؤسسات التعليمية على التصدي للتحديات الرئيسية التي تواجه المدرسة كالرفع من كفاءة المعلمين، وتوقع متطلبات المتعلمين المختلفة…

و جاء في تقرير أرنيت (التدريس في عصر الآلة Teaching in the Machine Age) 5  “إن التقدم التكنولوجي سيشكل قفزة هامة في المجال التعليمي حيث سيمكن من الارتقاء بجودة التعليم في المستقبل القريب”[6].

فالذكاء الاصطناعي يستطيع أن يساعد على توجيه الأسئلة استنادًا إلى نقاط ضعف الطفل، كما سيمكن من دراسة سلوك المتعلمين والعمل على مساعدتهم… وبصيغة أخرى التطبيق الأمثل لمبادئ البيداغوجية الفارقية واحترام الذكاءات المتعددة للمتعلم.

من جهة أخرى فقد أظهرت بعض الدراسات أن الطلاب يميلون إلى اللجوء إلى الأجهزة الذكية أكثر من المدرس لطرح الأسئلة و هذا يرجع إلى حقيقة أنهم يخافون من إزعاج المعلم كما أنهم يتجنبون احتمال تقييمهم سلبا عند طلب التفسيرات بشكل متكرر، حيث إن الآلة مجردة من العاطفة أو الحكم المسبق على الأشخاص![7] و يمكن أن نستحضر هنا الواقعة الشهيرة للطفل جاغييل Jariel ذي الست سنوات والذي ضبطته والدته يستخدم الجهاز الذكي أليكسا في حل واجباته المنزلية.[8]

الذكاء الاصطناعي و إعادة تحديد دور المعلم(ة)

لا يخفى علينا أن التكنولوجيا تتدخل بشكل أفضل من البشر في سياقات معينة، وستتطور لا محالة لتصبح أكثر وأكثر حضورا في حياتنا وذلك في جميع المجالات بما في ذلك مجال التعليم، وهنا يمكن أن نتساءل: هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل المعلم(ة)؟

من الصعب الإجابة القطعية على هذا التساؤل في الوقت الراهن، لكن أغلب الباحثين يرون أن دور المعلم سيكون دائمًا موجودًا، لكنه سيختلف من حيث قيمته العملية والتربوية، ليصبح أكثر شمولية بحيث سيهتم أكثر بالبعد الاجتماعي الذي لا ولن تتمكن الآلة من تعويضه، فأصل المثابرة والتحفيز في المدرسة عند العديد من المتعلمين يبقى هو التفاعل الإنساني والاتصال البشري.

هذا ما خلص إليه  أيضا الكاتب الأميركيّ جوردن شابيرو الذي اعتبر أن الذكاء الاصطناعي سيوفر أدوات تمكّن المعلمين من أداء رسالتهم بفاعليّة أكبر و جهد أقل لأنّه سيؤمن جميع المعلومات التي سيحتاجها المعلم(ة) لتقييم أدائه وأداء طلّابه وتحسينهما بسرعة وفعالية.[9]

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم

توفر الطبيعة الرقمية والديناميكية للذكاء الاصطناعي مجالا مختلفا لا يمكن العثور عليه في البيئة التقليدية النمطية للمدرسة في وقتنا الحالي. فتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم ستمكن من اكتشاف حدود تعلم جديدة وتسرّع إنشاء تقنيات مبتكرة. و من بين تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم نجد:

المحتوى الذكي

تهتم مجموعة من الشركات والمنصات الرقمية حاليا بإنشاء “محتوى ذكي” و ذلك من خلال تحويل الكتب التعليمية التقليدية إلى كتب ذكية وثيقة الصلة بالغاية التعليمية، وفي هذا السياق فقد ابتكرت شركة Content Technologies Inc. –وهي شركة تطوير ذكاء اصطناعي متخصصة في أتمتة العمليات التجارية وتصميم التعليم الذكي، مجموعة من خدمات المحتوى الذكي للتعليم.

Cram101 على سبيل المثال، يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي للمساعدة في نشر محتوى الكتب المدرسية عبر دليل الدراسة الذكي الذي يتضمن ملخصات الفصول واختبارات الممارسة الصحيحة والاختيارات المتعددة. كما يمكن   JustTheFacts101 من  إبراز ملخصات نصية محددة لكل فصل، يتم أرشفتها بعد ذلك إلى مجموعة رقمية وإتاحتها على موقع أمازون.

تقوم شركات أخرى أيضا بإنشاء منصات محتوى ذكية متكاملة مع دمج المحتوى بتمارين الممارسة والتقييم مثل برنامج Netex Learning الذي يتيح للمعلمين تصميم مناهج رقمية ودمجها مع وسائط الصوت و الصورة، بالإضافة إلى إمكانية التقييم الذاتي.[10]

أنظمة التعليم الذكي

أنظمة التعليم الذكية (intelligent tutoring systems) المعروفة اختصارا ب ITS  هي أنظمة كمبيوتر مصممة لدعم وتحسين عملية التعلم والتدريس في مجال المعرفة،  وهي تقوم بتوفير دروس فورية دون الحاجة إلى تدخل من مدرس بشري، و تهدف ITS إلى تيسير التعلم بطريقة مجدية وفعالة باستخدام مجموعة متنوعة من تقنيات الحوسبة و الذكاء الاصطناعي.

و حسب تعريف كاتي هافنر (Katie Hafner ) فالتعليم  الذكي هو نظام يضم برامج تعليمية تحتوي على عنصر الذكاء الاصطناعي حيث يقوم النظام بتتبع أعمال الطلاب وإرشادهم كلما تطلب الأمر و ذلك من خلال جمع معلومات عن أداء كل طالب على حدة، كما يمكن أن يبرز نقاط القوة والضعف لدى كل متعلم، وتقديم الدعم اللازم له في الوقت المناسب.[11]

ومن بين هذه الأنظمة نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

[12]Bayesian Knowledge Tracing

CIRCSlM-Tutor

ZOSMAT

AutoTutor

تقنية الواقع الافتراضي(VR)   و الواقع المعزز (AR)

تقنية الواقع الافتراضي عبارة عن محاكاة تفاعلية تتيح للمستخدم فرصة خوض تجارب مختلفة كالمشاركة في مباراة لكرة القدم أو زيارة أماكن معينة وهو جالس في منزله. يمكن للمستخدم إذن أن يكون جزءا من هذه التجربة، كما يمكنه التنقل داخلها، والتفاعل أيضا من خلال أجهزة خاصة تساعده في الاندماج بشكل كلي، وهي في الغالب عبارة عن نظارات للواقع الافتراضي أو وحدات تحكم مع استشعار للحركة.

تساعد هذه التقنية المتعلم على تنمية قدراته من خلال القيام بجولات افتراضية في أماكن تاريخية كسور الصين العظيم أو تصور وفهم وإدراك بعض البيانات العلمية المعقدة والتي لا تتيح دراستها بالأبعاد الثنائية الفهم المطلوب كمعاينة نظام المجموعة الشمسية عن قرب مثلا .

أما بالنسبة لتقنية الواقع المعزز (AR) فهي تختلف مع سابقتها في كونها تنقل المشاهد بعرض ثنائي أو ثلاثي الأبعاد في محيط المستخدم، حيث يتم دمج هذه المشاهد أمامه، لخلق واقع عرض مركب. و تتيح هذه التقنية أيضا مجموعة من الخيارات التعليمية كمحاكاة عمليات معقدة كالعمليات الجراحية أو القيام بتشريح جسم الإنسان بالنسبة لطلبة الطب مثلا.

لا يمكن لأحد أن ينكر مساهمة الذكاء الاصطناعي في الارتقاء بالتعليم، وهو دور مرشح للتطور بشكل كبير في السنوات اللاحقة. يجب إذن مسايرة هذا التقدم التكنولوجي بروية وعقلانية حتى تسلم المدرسة من سلبياته التي و لاشك لن يخلو منها. و هذا ما سأحاول تناوله في موضوع لاحق بإذن الله.

 


المراجع

مقابلة ” Getting machines to think like us” منشورة بتاريخ 3/7/2006 على موقع CNET

جون مكارثي، WHAT IS ARTIFICIAL INTELLIGENCE   نسخة محفوظة بتاريخ 12/11/2007 على موقع واي باك مشين

مقال للكاتبين Andreas Kaplan وMichael Haenlein منشور على موقع science direct: https://www.sciencedirect.com

مقال تحت عنوان ” تكنولوجيا التعليم داخل الصفوف الدراسية: كيف ولماذا؟ منشور على موقع وايز : http://www.wise-qatar.org

مقال بعنوان: “أمثلة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم” منشور بتاريخ 8/8/2018 على موقع افتراضي: http://eftradi.com/

بحث لنيل شهادة الماجيستير: KORHAN G¨UNEL ، INTELLIGENT TUTORING SYSTEMS FOR EDUCATION، يوليوز 2006، إزمير

موقع ويكيبيديا : https://ar.wikipedia.org/

موقع   https://www.semanticscholar.org


[1] للتفصيل في هذه النقطة ارجع لمقابلة ” Getting machines to think like us”  المنشورة على موقع CNET بتاريخ 3/7/2006 على الرابط: http://archive.is/20120718195116/http:/news.com.com/Getting+machines+to+think+like+us/2008-11394_3-6090207.html

[2]   جون مكارثي، WHAT IS ARTIFICIAL INTELLIGENCE   نسخة محفوظة بتاريخ 12/11/2007 على موقع واي باك مشين.

[3]  مقال منشور للكاتبين Andreas Kaplan وMichael Haenlein  على موقع:  sciencedirect على الرابط:

Andreas Kaplan; Michael Haenlein (2019) Siri, Siri in my Hand, who’s the Fairest in the Land? On the Interpretations, Illustrations and Implications of Artificial Intelligence, Business Horizons, 62(1), 15-25

[4] موقع ويكيبيديا : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1_%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A

[5] لقراءة التقرير كاملا: https://www.christenseninstitute.org/wp-content/uploads/2017/03/Teaching-in-the-machine-age.pdf

[6] مقال للكاتب  Sebastien Turbot تحت عنوان Artificial Intelligence In Education: Don’t Ignore It, Harness It  منشور على موقع فوربس بتاريخ 22/08/2017 على الرابط:  https://www.forbes.com/sites/sebastienturbot/2017/08/22/artificial-intelligence-virtual-reality-education/#5a891d826c16

[7]  مقال ل Stéphanie Lemieux بتاريخ27/11/2018  على الرابط:  https://ecolebranchee.com/limpact-de-lintelligence-artificielle-sur-lenseignement-et-le-monde-du-travail/

[8]  لمشاهدة فيديو الطفل جاغيل: https://geeko.lesoir.be/2018/12/29/un-enfant-de-6-ans-utilise-alexa-pour-faire-ses-devoirs/

[9]  مقال منشور على موقع وايز تحت عنوان ” تكنولوجيا التعليم داخل الصفوف الدراسية: كيف ولماذا؟ ” على الرابط : http://www.wise-qatar.org/innovative-trends-education-technology-classrooms

[10] مقال منشور بتاريخ 8/8/2018 بعنوان: “أمثلة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم” على الرابط: http://eftradi.com/%D8%A3%D9%85%D8%AB%D9%84%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D9%8A/

[11] بحث لنيل شهادة الماجيستير: KORHAN G¨UNEL ، INTELLIGENT TUTORING SYSTEMS FOR EDUCATION، يوليوز 2006، إزمير

[12] لمعرفة المزيد عن هذا النظام : https://www.cs.cmu.edu/~ggordon/yudelson-koedinger-gordon-individualized-bayesian-knowledge-tracing.pdf

البحث في Google:





عن خديجة لطفي

أستاذة حاصلة على دبلوم مركز تكوين المعلمين و المعلمات، و إجازة في الدراسات الفرنسية تخصص تدريس. مهتمة بدراسة الظواهر الاجتماعية و حاصلة على دبلوم الدراسة عن بعد من جامعة مونتريال في موضوع " Réfugiés et demandeurs d’asile réalités psychosociales et éducatives et pistes d’intervention" - المملكة المغربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *