القط سيسان

سلسلة حكايات كما يجب أن تروى، الحكاية السادسة: القط سيسان

يدخل هذا الموضوع في إطار التعاون بين مدونة تعليم جديد والكاتبة ليلى جبارة، وهو السادس من سلسلة “حكايات كما يجب أن تروى. تُنشر حصريا على صفحات الموقع.

” القط سيسان ” قط مشاكس، يحب اللعب، يمشي بخفة وهو سريع الحركة، إلا أنه ذو طباع حادة، فكثيرا  ما يأخذ أشياء ليست له ولا يهتم بالعواقب، فكلما اشتهى شيئا إلا وتحايل للحصول عليه ولو بطرق غير مشروعة.

كان يتسلل للبيوت ويأخذ ما يشتهيه من الطعام خِلسة وكم كان يحب سرقة القديد (وهو لحم مقطع مملح مجفف في الشمس والهواء) من بيت الخالة زُبيدة.

الخالة زُبيدة امرأة مسنة وطيبة تعيش وحيدة ولكنها لا تشعر بالوحدة، فقد رزقها الله بجيران نبلاء يزورونها ويساعدونها دوما، مما جعل البسمة لا تفارق تغرها.

وقد تفطنت لما يقوم به سيسان فعاقبته بوضع الفلفل الحار الذي يُستخدم في الطهي (ويسمى الشطة) في القديد ولما تناوله أخذ يتلوى من شدة الألم ويموء بصوت عالٍ فرق قلبها لحاله وقامت بإعطائه بعض الزيت للتخفيف من الطعم اللاذع للشطة، فندم على فعلته  واعتذر منها ووعدها بالكف عن تصرفاته السيئة ورحل.

وبعد أيام عاد سيسان إلى بيت الخالة زُبيدة  وأخذ يتجول في المطبخ في غفلة منها، ورأى قدحا من الحليب الدافئ موضوعا على المائدة فقفز إليه وتحسسه بشواربه ثم نظر يمينا وشمالا ولم ير أحدا فشربه بسرعة، وما كاد ينتهي حتى لمحته الخالة زُبيدة وصاحت:

“عدت ثانية، يا لك من قط مشاكس، ماذا فعلت؟” ، شعر سيسان بالخوف وقفز بسرعة فاصطدم بالقدح الذي انكسر ووقع على ذيله وتسبب بقطعه، فاقتربت منه الخالة زُبيدة وأخذت ذيلة قائلة: “هذا جزاؤك أيها المشاغب”.

ترجاها سيسان أن تعيد له ذيله ووعدها أن يستقيم، ولكن الخالة زًبيدة رفضت، فهذه ليست المرة الأولى التي يتصرف فيها سيسان بشقاوة ويعد ويخلف، وقررت أن تعلمه درسا لن ينساه فقالت: “اسمعني جيدا لتحصل على ذيلك عليك أن تعيد الحليب الذي شربته من غير إذن.”

فكر سيسان قليلا ثم قال: “حسنا يا خالة سأحصل على الحليب حالا لأسترجع ذيلي.”

فقالت: “اتفقنا… أحضر الحليب تسترد ذيلك بإذن الله، فعليك إرجاع ما أخذته بغير حق.”

ذهب سيسان عند البقرة وحياها قائلا: “مرحبا أيتها البقرة، هل لي ببعض الحليب من فضلك؟، فقد شربت حليب الخالة زُبيدة من غير إذنها وهي الآن تحتفظ بذيلي ولن تعيده لي إلا إن أعدت لها الحليب.”

قالت البقرة: “مرحبا بك يا سيسان، ولكني آسفة لا أستطيع إعطاءك الحليب، فكما ترى جف ضلعي من شدة الجوع فإن أردت أن الحليب فأحضر لي بعض العشب الطازج.”

قصد سيسان البستاني ولم يجده في البستان فذهب إلى بيته وطرق الباب بلطف فتح البستاني الباب وقال: “أهلا يا سيسان، تفضل بالدخول”.

رد سيسان:” شكرا يا عم ولكني مستعجل، هلا أجد عندك بعض العشب الطازج، وأطعم البقرة لتدر حليبا آخذ بعضه للخالة زُبيدة التي تحتفظ بذيلي لأني شربت حليبها دون إذنها.”

قال البستاني: “لك ذلك أيها القط سيسان شريطة أن تحضر لي القليل من الماء لأسقي به العشب الذابل من شدة الحر.”

توجه سيسان إلى الساقي وطلب منه قليلا من الماء، فرد عليه بالإيجاب مقابل أن يحضر من يرمم البئر.

ذهب سيسان عند البناء وحياه قائلا: “السلام عليك يا عمي.”

رد البناء : “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تعالى و اجلس هنا في الظّل. يظهر عليك أثر التعب:”

قال سيسان:” لا وقت للجلوس يا عماه لأنني على عجلة من أمري، فهلا أسديت لي معروفا وجئت معي لترمم البئر فأحصل على بعض الماء أعطيه للبستاني فيعطيني بعض العشب لتأكله البقرة فتعطيني حليبا للخالة زبيدة التي تحتفظ بذيلي لأني شربت حليبها من غير استشارتها.”

قال البناء:”أنا مشغول جدا ولكن بعد قليل ستكون استراحة الغداء ولن أذهب لمنزلي وعليه إن أحضرت لي بعض الخبز المحمص سأساعدك إن شاء الله.”

اتجه سيسان إلى الخباز وحياه ثم طلب منه خبزا محمصا يعطيه للبناء حتى يرمم بئر الساقي فيهبه على الماء ليأخذه للبستاني فيسقي به العشب فيعطيه بعضه لتأكله البقرة فتجود عليه ببعض الحليب ليأخذه للخالة زُبيدة فيسترد ذيله الذي تحتفظ به.”

ضحك الخباز من مظهر سيسان مقطوع الذيل وقال ساخرا: “قط بلا ذيل حقا إنه لمنظر مضحك لا نراه دائما.”

غضب سيسان من تهكم الخباز وهمّ بالرحيل فاستوقفه الخباز معتذرا: “لا تغضب يا سيسان كنت أمازحك فقط، وسأعطيك الخبز المحمص إن ساعدتني في التخلص من الفئران التي تعيش في المخزن و أتلفت كل ما فيه.”

سر سيسان كثيرا بهذه المهمة ومن فوره اصطحبه الخباز إلى المخزن، وما هي إلا ساعة من الزمن حتى قضى سيان على كل الفئران التي كانت تصول وتجول بكل حرية، ففرح الخباز كثيرا بما فعله القط وكيف أصبح المكان نظيفا فأعطاه كيسا مليئا بالخبز الطازج. هنا فقط تبسم القط سيسان وتنفس الصعداء فقد حصل على ما عمل من أجله.

أخذ سيسان الخبز للبناء، وبعدما تناول بعضه ذهب معه لترميم البئر فسعد الساقي بذلك وأعطاه الماء الذي أعطاه للبستاني مقابل العشب، فحمل العشب للبقرة التي أكلت منه وشبعت ثم أعطته الحليب وأسرع به للخالة زُبيدة وناولها معه بعض الخبز المحمص، فقالت شاكرة:” بوركت يا سيسان إنه خبز شهي من أين حصلت عليه؟”، فقص عليها سيسان كل ما جرى معه.

سرت الخالة زُبيدة كثيرا بجدية القط وتغير سلوكه فأحضرت الذيل وأعطته إياه قائلة: “لم يكن يهمني الحليب بقدر ما أردت أن تتعلم أن الاستيلاء على أشياء الآخرين فعل قبيح، وهو من أكل حقوق الناس المحرم بأي طريقة ووسيلة كانت، والواجب على من فعل شيئاً من ذلك أن يردّه إلى صاحبه ويطلب منه العفو، كما تعلمت أن العزيمة الصادقة مثمرة والإخلاص في العمل طريق النجاح وكما ترى فلكل مجتهد نصيب، والآن هيا للعشاء معي فقد أعددت بعض السمك وأنا أعرف كم تحبه.”

شعر سيسان بسعادة غامرة وقرر أن يعدل سلوكه ويصبح قطا مهذبا يحسن التصرف دائما ولا يقضي جل وقته في اللعب والعبث بل يعمل بجد من أجل العيش الكريم.

البحث في Google:





عن ليلى جبارة

متحصلة على شهادة ليسانس في علوم الإعلام والاتصال، تخصص اتصال وعلاقات عامة، جامعة الجزائر 2005. باحثة في شؤون الأسرة والطفولة. مشرفة على القسم الاجتماعي في جريدة البيان سابقا، وصحفية في أسبوعية الشروق العربي سابقا، وكاتبة صحفية في جريدة البصائر سابقا. كاتبة صحفية في موقع زاد دي زاد بوابة الصحافة الجزائرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *