هجرة الكفاءات

مقدمة في المبادئ الأساسية للتعلم

يعتبر التعلم بمثابة تقدم متدرج في الفهم والمهارات في مجال ما ويعني التعلم تجاوز ما هو مجرد ملء للعقول بالمعلومات، حيث إنه يتطلب تحويل الفهم البسيط إلى إدراك كامل ودقيق.

يجب التأكيد على التعلم والتدريب على كيفية التعلم، حيث تقع هذه العملية في مركز وقلب التعليم المجدي ويجب دعم الطلاب بالتوجهات والاستراتيجيات والسلوكيات التي تتيح لهم الفرصة للتعلم مدى الحياة مع حب الاستطلاع والرغبة في التعلم بشكل دائم، ومنحهم القدرة على التطوير والارتقاء بمهاراتهم وتطويعها.

عندما يحتل التعلم مكانة محورية في المنهج الدراسي، فسوف يؤثر على وضع الأهداف التعليمية، وعمليات التقييم، والتطبيقات العملية داخل الفصول، ونقدم في هذه المقالة أربعاً من وجهات النظر المهمة عن التعلم وتتلخص هذه الأربع رؤى في التالي:

  • التعلم كنموذج للمعرفة.
  • التعلم كعملية تنموية متدرجة.
  • التعلم كنشاط اجتماعي ذي تأثير مجتمعي.
  • التعلم كعملية تأمل.

التعلم كنموذج للمعرفة

إننا نتعلم عن طريق الاستماع، والمشاهدة، والمحاكاة، غير أن التعلم يزيد عن طريق الفعل، والنماذج والمناقشة، وكذلك نختبر ما تعلمناه عن طريق الكتابة، والتحدث، والقيام بالأفعال، والتدريس. ويحتوي التعلم في الأساس على عملية صنع الروابط وتنشيط الذاكرة، ويخبرنا التعلم بشيء ما عن كيفية قيام عقولنا بالعمل، وعن كيفية بنائها.

في أبحاث التعلم، العمليات العقلية المشاركة فيه توصف في الأساس بأنها عمليات معرفية، أما المكونات الضرورية للمعرفة فتتمثل في الذاكرة العاملة (أي القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات في عقل الشخص) والذاكرة ذات المدى الطويل (أي ما تحتويه الذاكرة من مفاهيم، ومهارات ومعارف استوعبها الشخص بمرور الوقت، ويمكنه استدعاؤها).

ومن بين العناصر المهمة لعملية المعرفة هناك التكوين المعرفي للعقل الذي يحتوي على هذين النوعين من الذاكرة، فالذاكرة ذات المدى القصير محدودة جداً، ولكن الذاكرة ذات المدى الطويل تتميز بالقدرة على الاحتفاظ بمخزون هائل وغير محدود من المعرفة، أما ما يهمنا في معظم المواقف فيتمثل في كيفية استدعاء الشخص للمعارف المختزنة في الذاكرة ذات المدى الطويل، وقدرته على استخدامها للتفكير بكفاءة فيما يقابله من معلومات ومشكلات حالية، ولهذا فمن خلال النطاق الطبيعي للقدرات المعرفية نستطيع تقدير كيفية تنظيم الأشخاص للمعلومات في ذاكرتهم طويلة المدى مما يعتبر أكثر أهمية من تقدير قدرة الذاكرة العاملة.

ويقوم الطلاب بممارسة التعلم بطرق مختلفة وتوجد وجهات نظر عديدة لتوضيح طرق تعلم الطلاب للمواد الدراسية المختلفة ولذلك فإن مادة الرياضة يركز في تعلمها على الفهم الإدراكي، بينما تركز مادة الرسم والفنون على تقدير وإتقان الجانب التقني، وتعلم العلوم الإنسانية يركز على الأساليب التحليلية والتأملية ولا يقتصر التعلم بهذا الشكل بوجه حصري على كل مادة على حده ولكن يجب التأكيد على أن هناك تكامل للمعرفة وبنظرة أكثر عمقاً يجب أن نهتم بتطور المعرفة ككل.

ينبغي علينا أيضاً أن نكون مدركين للفارق بين الخبراء والمبتدئين وأقصد بالمبتدئين الطلاب الذين يستخدمون أساليب تعليمية غير ملائمة وكأنهم يرغبون في العزف على لوحة مفاتيح آلة البيانو الموسيقية بحثاً عن نغمة موسيقية، بينما أقصد بالخبراء الطلاب الذين يلجؤون إلى المخزون المفاهيمي والخبرات، والاستراتيجيات التعليمية لديهم وكأنهم عازفون متمكنون على آلة البيانو، يدركون تماماً التدرج المنسجم للنغمات.

إن فهم وإدراك قواعد المعرفة العقلية، وكيفية عملها في مختلف المجالات، يعتبر أمراً ضروريا ومبدأ مهماً من مبادئ التعلم.

التعلم كعملية تنموية متدرجة

تتبلور الفكرة الرئيسية لمفهوم التعلم في كونه عملية تنموية، أي أن الطلاب يتعلمون بطرق مختلفة في مراحل عمرهم المختلفة، وقد قسم بياجيه عملية التعلم إلى أربعة أجزاء: وهي مرحلة الحركة الشعورية (من وقت الولادة وحتى عامين) ويتم تعلم الحركات الجسدية الأساسية فيها ويظل مرتبطاً بحاجاته الشخصية وقناعاته الذاتية، ومرحلة مـا قبـل القيام بـالفعـل (من عمر الثانية وحتى السابعة)، ويتكون التفكير الخيالي غير المنتظم، واكتساب المهارات الحركية فيها، ومرحلة الحركة والفعل (من عمر السابعة وحتى الحادية عشر) حيث يفكر الطلاب بشكل بسيط وعملي ومنطقي، وأخيراً مرحلة العملية الناضجة (من عمر الحادية عشر وما بعدها) حيث يستطيع الطلاب تعميم تفكيرهم، ويعتمدون على طرق متشابكة ومجردة.

ولا تعتبر مراحل التقدم والتدرج في التعلم بمثابة سلسلة من المفاهيم النظرية البسيطة، ولكنها مجموعة من الحركات المهمة التي تتسم بالفهم والتغير ولحظات الدهشة، حيث إن هذه المراحل تحويلية أي تحدث تغيراً واضحاً في مفهوم التعلم.

إننا عندما نتعلم، ننتقل من المعرفة إلى التعلم العميق لهذا يجب أن نفهم أين موقع الطلاب في رحلة التعلم، وهل تمثل إشكاليات للطلاب، وبالطبع من المهم أن ندرك متى تكون وأين تكون معارفهم عند المرحلة الفارقة.

وهناك بعض الأخطاء الشائعة في عملية التعلم، حيث إنها تظهر عندما يواجه الطالب بعض المفاهيم التي تتعارض مع عملية التعلم، وتعتمد على أنظمة ثانوية موازية، وتظهر لذلك بعض الأمثلة الشائعة منها الجاذبية والطفو، والتمثيل الغذائي من بناء وهدم في جسم الإنسان ويجب على المعلمين تحديد المفاهيم الخاطئة الشائعة، كي يعملوا على تصحيحها بشكل أو بآخر. لا يتمثل الهدف الحقيقي من التدريس في التوصل إلى الإجابة الصحيحة، ولكنه يتمثل في معرفة كيفية العمل والتعامل مع الإجابة الخاطئة لفتح ممرات لمزيد من الفهم.

ولا يعتبر فهم احتياجات الطلاب التعليمية مقصوراً على المعرفة، ولكي يتمكن المعلمون من تنظيم ودعم التطور الفكري والاجتماعي لطلابهم فيجب عليهم فهم ظروف وبيئات طلابهم الشخصية، وما تحتويه من تفاصيل اجتماعية، واقتصادية وثقافية.

إن فهم بيئات الطلاب يساعد على نجاح العملية التعليمية، بل يجب على المعلمين المتميزين أن يتسموا بسعة الأفق، وفهم الدور الذي تلعبه مشاعر الطلاب وأحاسيسهم في عملية التعلم، وأن يتخذوا في اعتبارهم الأثر الذي يمكن لخلفياتهم تأديته على استثارة دوافع الطلاب.

إن القدرة على تحديد ومعرفة طبيعة تعلم الطلاب طبقاً لتطورهم التعليمي في مجال محدد، اعتماداً على آفاق هذا التطور، مع فهم للاحتياجات التعليمية الخاصة والبيئات الشخصية للطلاب، يعتبر أمراً ضرورياَ لطرق التدريس الفعالة ويدعم بشكل مباشر عملية التعلم لدى الطلاب.

التعلم كنشاط اجتماعي ذي تأثير مجتمعي

لا يتعلم الطلاب بمعزل عن كل شيء بل حتى القراءة الفردية لكتاب ما تتضمن تواصلاً بين شخصين، ولكي نختبر استفادة الطلاب من قراءة كتاب ما، يجب على الطلاب أن يقدموا وصفاً واستنتاجاً ومفهوماً لما قاموا بقراءته من خلال التواصل مع شخص آخر، وعلاوة على ذلك يتعلم الطلاب بشكل أفضل في مجموعات حيث يتمكنون من بناء المعرفة من خلال الحوار والمناقشة، والمشاركة، بشرط أن تكون هذه المجموعات لديها تعليمات واضحة بخصوص العمل الجماعي.

ويجب على المعلم أن ينقل الكثير من خبرات التعلم ويتشارك فيها مع طلابه ومنها التوقعات والآمال، ومعايير النجاح، والتقييم الخاص بالأداء، وكذلك يحتاج الطلاب إلى المشاركة في خبرات التعلم من خلال مجموعة عمل جيدة التنظيم، وكذلك في مجموعات المشروعات والمناقشة.

تعد نظرية جان جاك رسو في التعلم من أقدم نظريات التعلم والتي تتمثل في أن التعلم يجب أن يكون مناسباً، وفي سياق من الفهم الكامل والواقعية. وقد أثرت هذه النظرية على كثير من أفكار رجال التعليم في القرن العشرين وأدت إلى استحداث نماذج مبنية على الاستفسار والاستكشاف في عملية التعلم.

وتركز نظرية البناء الاجتماعي على أهمية التعلم من خلال المجتمع، وقد أوضحت النظرية أننا نتعلم من خلال بناء المعرفة أثناء تفاعلنا مع باقي الناس من خلال اللغة، وقد قدمت تلك النظرية فكرة مهمة، وهي منطقة التنمية والتطور المركزي، وهى تلك المنطقة التي يجب على المعلم أن يتفاعل فيها مع طلابه، فيأخذهم من المهام التي أنجزوها بمفردهم إلى التحديات الماثلة أمام ما يعرفونه أو يستطيعون فعله، من خلال تنظيم عملية التعلم الخاصة بهم نحو المستوى التالي من الفهم والإدراك، ويسمى هذا النوع من التعليم بالارتقاء التعليمي وتعتبر نظرية البناء الاجتماعي واحدة من أكثر نظريات التعلم تأثيراً في عالم التربية الحديث.

لقد شهد العصر الحديث طفرة كبيرة في استخدام وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي داخل حجرات الدراسة، وتتيح وسائل التواصل الاجتماعي الاتصال بين الناس سواء أكان تواصلاً غير متزامن أو متزامن في كل أنحاء العالم، وبصرف النظر عن بعد المكان أو اختلاف الزمان.

وتوحي تلك الوسائل أيضاً بعلاقة جديدة بين المعلمين والمعرفة، فلن يصبح المعلمون المصدر الوحيد للمعرفة لطلابهم، ولن يتحتم عليهم السيطرة على عملية التعلم بالشكل الذي كانوا يقومون به من قبل، أي قبل مقدم التقنيات الحديثة، فالآن يستطيع الطلاب تبادل الأفكار مع بعضهم البعض أثناء بناء المعرفة الخاصة بهم، ويستطيعون التعلم بمفردهم سواء بشكل ذاتي أو من خلال تجمعات الطلاب، وباستخدام مختلف الطرق. وفي ظل هذا النموذج الجديد من التعلم يحتاج المعلمون إلى تطوير أنفسهم، فقد أصبحت الفصول تحتوي على جماعات من الطلاب ممن يستخدمون شبكة الإنترنت في التعليم، إلى جانب التقنيات الحديثة التي توفر بيئات التعلم الحديثة.

ومن المهم أيضاً أن نقدر الدور الذي تقوم به المدرسة في المجتمعات المحلية من خلال مشروعات مجتمع المدرسة، فتلك المشروعات تشكل العلاقات بين المدارس والسلطة المحلية، والمؤسسات الرسمية أو الغير رسمية.

التعلم كعملية تأمل

من الضروري للطلاب أن يتأملوا فيما تعلموه بالفعل، وكيف تعلموه، وما هي الاستنتاجات التي توصلوا إليها من هذه العملية، وعندما يقوم الطلاب بذلك فسيكون لديهم الفرصة للتفكير في التقييم والافتراضات المصاحبة لعملية التعلم، حيث تطور هذه العملية أسلوبا نقدياً للتوصل للمعرفة.

والتعلم لا يحدث من الفراغ، ويحتاج الطلاب الوقت الملائم لعملية التأمل، حتى تكون لديهم الفرصة لمعرفة مكانهم الحقيقي في عملية التعلم، ويجب ألا يتأملوا فقط ما تعلموه، بل يجب عليهم كذلك تأمل الطريقة التي تعلموا من خلالها، وكيف تلهمهم تلك العملية استحداث أساليب خاصة بهم أثناء عملية التعلم.

إن إعمال الذهن والتأمل في الفكر يسمى عملية ما بعد المعرفة، وقد تشمل عملية ما بعد المعرفة، كل الأساليب الخاصة بالتعلم، ومنها مثلا التنظيم الذاتي، والتخطيط للمستقبل، ومعرفة الوقت المناسب لتطبيق القواعد، واتخاذ القرارات المهمة، ولا يتفق الخبراء حول ما إذا كانت عملية التعلم عامة أو محدودة النطاق، ويجب أن يتأكد المعلمون من أن الطلاب يحصلون على الوقت الكافي للتأمل في عملية التعلم عند كل مرحلة منها.

 


قائمة المراجع

  • Heritagek,M.(2008).Learningprogressions:Supporting instruction and Formative assessment. Washington, DC: Council of Chief State School Officers.
  • Pellegrino,J,W.,Chudowsky,N.,&Glaser,R.(2001).Knowing what students know: The science and design of educational assessment Washington,DC:National Academy Press.
  • Wiliam,D.(2011).Embedded formative assessment.Bloomington,IN: Solution Tree.

البحث في Google:





عن د. إيهاب ابراهيم السيد محمد

دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية، كلية التربية النوعية جامعة عين شمس. تخصص تكنولوجيا التعليم زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا - جمهورية مصر العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *