مقدمة:
في غزة، لا يبدأ اليوم الدراسي في الفصول المدرسية كما هو الحال في أي مكان آخر. في غزة، تبدأ الدراسة بين ركام المباني، ويواجه الطالب مشهد القصف في كل لحظة، ويتنقل بين أحياء مدمرة. التعليم هنا ليس فقط من أجل تحصيل المعرفة، بل هو رسالة صمود ضد كل محاولات القضاء على الأمل.
وفي هذه الظروف الاستثنائية، لا تقتصر تحديات طلبة التوجيهي على تجاوز الامتحانات فقط، بل تتعداها إلى التحدي الأكبر: كيف يتعلّمون في ظل انقطاع الكهرباء، وتدمير المدارس، وتفشي الأزمات الأمنية؟
رغم كل ذلك، يؤكد الطلاب في غزة أن التعليم لا يتوقف، حتى لو كانت المدارس مغلقة، والمكتبات مدمرة، والمراجع شحيحة. التعليم هنا هو “مقاومة فكرية” لا تنتهي. (وزارة التربية والتعليم، 2023)
التحديات التي يواجهها الطلبة: العزلة والتدمير
خلال فترات الحرب والعدوان، لا يستطيع الطلبة الوصول إلى مدارسهم بشكل طبيعي. الطرق مغلقة، والمواصلات معطلة، والمدارس إما مغلقة أو مدمرة. (يونيسف، (2024وتُضاف إلى ذلك التحديات اليومية الأخرى، مثل الانقطاع المستمر للكهرباء والانقطاع عن الإنترنت، مما يعيق الطلاب عن الاستفادة من الوسائل الإلكترونية. هنا، تصبح التحديات أكبر بكثير من مجرد تعلم مادة دراسية.
لكن رغم هذه العقبات، يبقى الأمل مستمرًا في ظل التحدي، فالتعليم في غزة لا يقتصر على المعلمين أو الفصول الدراسية، بل يتحوّل إلى حلول بديلة أوجدها الطلبة لكي يبقوا على صلة بالمنهاج الأكاديمي. (أبو خوصة، 2021)
مريم، طالبة في الفرع العلمي، تقول:
“كانت المدارس مغلقة، والإنترنت ضعيف، لكنني لم أتوقف عن الدراسة. استخدمت دفاتري القديمة، واستعنت بأصدقائي في المجموعات التعليمية عبر الواتساب. لم يكن هناك خيار آخر.”
مثل مريم، يسير مئات من طلبة الثانوية العامة في غزة على نفس الطريق، يواجهون مصيرهم بكل ما أوتوا من إصرار.
استراتيجيات التعليم البديلة: أفكار مبتكرة في مواجهة الصعوبات
أمام التحديات العديدة، ابتكر الطلاب في غزة مجموعة من الاستراتيجيات التعليمية البديلة، حيث لم يعد التعليم التقليدي متاحًا، لذلك لجأوا إلى طرق أخرى تساعدهم على متابعة دراستهم.
1- التعليم عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي
رغم تقطع الإنترنت، وارتفاع تكاليفه، استطاع الطلاب الاستفادة من بعض المصادر المجانية، مثل الفيديوهات التعليمية على يوتيوب، أو مجموعات الفيسبوك التي تحتوي على شروحات وملخصات الدروس. هذه الوسائل، رغم ضعف الاتصال في بعض الأوقات، كانت الأمل الوحيد للطلاب لمتابعة المواد الدراسية. (أبو خوصة، (2021
2- المجموعات الدراسية الإلكترونية
أصبحت منصات مثل واتساب وتليجرام الوسيلة الأساسية للتواصل بين الطلاب والمعلمين، حيث يتم إرسال الشروحات والنصائح والمراجعات عبر هذه التطبيقات. المجموعات ليست مجرد أماكن لتبادل المعرفة، بل مجتمعات دعم معنوي، إذ يتبادل الطلاب النصائح واللحظات التي تحمل الأمل في وسط المعركة. (أبو خوصة، (2021
3- الدراسة الذاتية والتعاون بين الأقران
في غياب المعلمين، أصبح الطلاب يتعلمون بشكل مستقل، حيث يستخدمون الكتب المدرسية والملخصات التي أعدّوها في أوقات سابقة. يزور بعضهم الآخر في منازلهم أو ينظمون جلسات تعليمية جماعية، مما يتيح لهم فرصة مراجعة وتبادل الأفكار والاستفادة من خبرات بعضهم .(حلس، (2020
4- دروس منزلية بديلة
من الأمور التي ساعدت في التخفيف من وطأة العزلة كانت الدروس المنزلية التي كان يقدمها بعض المعلمين أو الأقارب الذين يمتلكون مهارات تدريسية. في بعض الأحيان، كان الأهالي أنفسهم يقدّمون الدروس للطلاب من خلال الملخصات والمراجع البسيطة المتوفرة لديهم. (وزارة التربية والتعليم، (2023
الصمود الأكاديمي: مقاومة المعرفة تحت القصف
فيما يواجه الطلاب هذه التحديات، فإن الجانب النفسي يلعب دورًا لا يقل أهمية. في غزة، لا يتعلّم الطالب مجرد المواد الدراسية، بل يُصارع من أجل الحفاظ على الحلم. كيف يمكن لشاب أو شابة أن يواصل مسيرته التعليمية بينما يعيش بين القصف والانفجارات؟ كيف يوازن بين الدراسة والقلق على الأسرة والأصدقاء؟
لكن في قلب هذه الظروف القاسية، يولد الصمود الأكاديمي. (أبو خوصة، (2021
وسيم، طالب في الفرع الأدبي، يشرح مشاعره:
“أحيانًا، كنت أدرس في ظل أصوات الطائرات، وكنت أفكر: ما الذي يمكن أن أفعله سوى أن أدرس وأواصل؟ كنا نبحث عن الأمل في أي مكان. أنا أدرس ليس فقط من أجل النجاح، بل من أجل أن أستمر في الحياة.”
هذه الكلمات تبرز كيف أن التعليم في غزة ليس مجرد عملية تعلم، بل هو أداة للبقاء في وجه كل ما يعصف بالطلاب من تحديات.
دور الأسرة والمجتمع: دعم لا محدود في ظل الشدائد
في ظروف الطوارئ، لا يمكن لطلبة التوجيهي أن يواجهوا هذه التحديات بمفردهم. وهنا يبرز دور الأسرة في دعم العملية التعليمية، فالأب والأم لا يقتصر دورهما على تقديم الدعم العاطفي فقط، بل يشمل المساعدة في توفير الأدوات التعليمية، حتى وإن كانت بسيطة. بالإضافة إلى ذلك، تقدم المجتمعات المحلية دعمًا كبيرًا، حيث يُنظم بعض المعلمين أو الأقارب دروسًا تعليمية مجانية من خلال استخدام الموارد المتاحة، مثل الكتب القديمة أو المراجع الإلكترونية.) وزارة التربية والتعليم، (2023
التحديات المستقبلية: كيف نستعد لما بعد الطوارئ؟
على الرغم من قوة إرادة الطلبة، لا يمكن اعتبار هذه الاستراتيجيات البديلة حلاً دائمًا. فهي مجرد وسيلة مؤقتة للنجاة في ظل الطوارئ. مع ذلك، يجب أن يكون هناك دعم مستدام من الجهات المعنية، سواء كانت حكومية أو مجتمعية، لتوفير الأدوات والموارد التي تُمكّن الطلاب من متابعة تعليمهم دون انقطاع. (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، (2023
خاتمة:
إصرار طلبة التوجيهي في غزة على إتمام دراستهم في ظل العدوان ليس فقط شاهدًا على صمودهم الشخصي، بل هو تأكيد على أن التعليم في غزة ليس مجرد خيار، بل هو مقاومة حقيقية ضد جميع محاولات إيقاف الحياة. هؤلاء الطلبة ليسوا مجرد أشخاص يسعون وراء درجات في امتحانات، بل هم حاملو شعلة الأمل في زمن الحرب، وحراس المعرفة في قلب الأزمات.
المراجع:
– أبو خوصة، س. (2021). استراتيجيات التكيف لدى طلبة الثانوية العامة في قطاع غزة في ظل الأزمات المتكررة. مجلة العلوم التربوية والنفسية، 5 (3)، 44-65.
– الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. (2023). إحصاءات التعليم في قطاع غزة 2022/2023 http://www.pcbs.gov.ps.
– حلس، ر. (2020). أثر الأوضاع الأمنية على تحصيل طلبة المرحلة الثانوية في غزة. المجلة التربوية الفلسطينية، 8 (1)، 90-115.
– وزارة التربية والتعليم الفلسطينية. (2023). تقرير حول سير العملية التعليمية في ظل الطوارئ والحروب.
– يونيسف. (2024). أثر النزاع على تعليم الأطفال في غزة. https://www.unicef.org