إن مجتمعنا – كسائر المجتمعات الآخرى- له خصائصه التى تميزه وله من الإمكانات المادية والبشرية التى تعززه، وله أيضا مشكلاته التى نشأت فى ظل ظروف معينة ونتيجة متغيرات متنوعة.
وبنظرة سريعة على الوضع الحالى نجد أنه لا يوجد لحل بذاته جدواه إلا إذا كان يناسب مع طبيعة هذه الظروف ويتناسب بشكل ما مع نوعية المتغيرات ومع الإمكانات المتاحة.
من ثم فإن هذا الوضع يضع مجتمعنا أمام موقف جد مشكل مفاده أن الحل الأوحد لأي مشكلة تواجه مجتمعنا غير كاف؛لأنه قد يصعب علينا استخدام الحل الأوحد لعدم توافر الإمكانات أو لأنه لايتناسب مع ظروف مجتمعنا.
وبالتالي يجب أن يكون هناك حلولاً بديلة نختار من بينها الحل المناسب لإمكاناتنا،وأكثرها جدة فى حل المشكلة أو التخفيف من حدتها.
من هنا تبرز الحاجة إلى تنمية عقليات مبدعة،لا تقف عند حل واحد لأى مشكلة بل تذهب إلى أبعد من ذلك فتبتكر حلولا بديلة متنوعة وغير تقليدية تنتقى من بينها الأنسب فى حل المشكلة فى ضوء نوعية المتغيرات وطبيعة الظروف والامكانيات.
إن جوهر العملية الإبداعية تعني تجاوز الواقع والذهاب إلى ما وراءه واقصد هنا بالتجاوز إنشاء علاقات جديدة لم تكن موجوة من قبل،أوإقتراح حلول جديدة لم تكن توجد من قبل للمشكلة،وذلك فى إطار مناخ عام يحفز العملية الإبداعية.
ولما كان الإبداع عملية عقلية من العمليات العقلية العليا؛ فإنه يمكن تنميتها، ولا تقع مسئولية عملية التنمية تلك على المؤسسات التربوية النظامية فحسب، ولكن تشترك معها المؤسسات الأخرى فى المجتمع وسوف يتم تناول ذلك بالتوضيح فيما بعد.
ويجب بدء عملية التنمية المشار إليها سابقًا منذ الصغر لأنها تصعب بعد ذلك فى الكبر لذلك كانت مرحلة رياض الأطفال من أخطر المراحل التى يتشكل فيها الفرد ويجب التركيز مع طفل الروضة من البداية لإخراج جيل يتسم بالإبداع وتنوع الحلول البديلة.
دعونا نتفق على أن التربية الصحيحة للأفراد ومنها بالطبع الأطفال وخاصة طفل الروضة أكثر إتساعا من مجرد المرورفى خبرات عديدة فى مجالات شتى منها خبرات تربوية وتعليمية داخل المؤسسات النظامية للتربية وخارجها ، فهناك مؤثرات أخرى وخبرات يتعرض لها الأفراد أو المجموعات فى الأسرة ، وفى المؤسسات الأخرى فى المجتمع دعونا نعرج عليها فى جنبات هذا المقال.
أدوارالأسرة:
الأسرة هى أول مؤسسة ينتمى إليها الفرد ( الطفل) ويتعلم فيها، وتتكون فيها منذ صغره لبنات سماته الشخصية فى سنواته الأولى من خلال المناخ العام داخل الأسرة وما يتم فيه من تفاعلات بين أفرادها، وما يقوم به والديه من ممارسات. فالتفاعل الصحى الذى يقوم على أساس الحرية المحسوبة للسلوك والتشجيع على إبداءالرأى وتقبله وعدم كبته ، والتعود على تقبل الآخر بكل سماته والممارسات الديمقراطية التى تبتعد عن القسر والقمع وتسفيه الآراء تشكل فى أساسها المناخ العام المشجع على الإبداع .
ولكل أسرة واجبات ومسؤليات لاكتشاف الاستعداد للإبداع لدى أطفالها و غرس النبتات الإبداعية فيهم ، ورعايتهم والعمل على تنمية هذه النبتات وذلك من خلال ملاحظة ممارستهم لهواياتــــــــهم المختلفة من (كتابات نثرية أوشعرأوقصة – رســـم – موسيقى- خطابة – تصوير- رياضة …) وتشجيعهم على ممارستها والتعاون مع المتخصصين فى المؤسسة التعليمية لرعايتهم وتنمية السمات الابداعية لديهم فى مجالات هواياتهم ومتابعتهم والتدعيم المادى أوالمعنوى لأعمالهم الابداعية ، وحث أطفال الأسرة على زيارة المعارض الفنية والندوات الأدبية، والقراءة عن المبدعين ومساقات تفكيرهم التى قادتهم إلى إنجازاتهم الإبداعية.
كما ينبغى ألا تعتبر الأسرة أن ممارسة هذه الهوايات مجرد مضيعة للوقت أو ترف فقط ، ولكن تنظر إليهاعلى أنها أنشطة تربوية مفيدة تتكامل مع الدراسة العلمية لتحقيق النمو الشـــــــامل المتكامل لأطفالهم،واكتشاف إستعداداتهم للعملية الابداعية،وهذا هو جوهرأساليب التربية الحديثة .
أدوار مؤسسات رياض الأطفال:
يأتى دور المؤسسات التعليمية متمثة فى مؤسسات رياض الأطفال مكملاً لدور الأسرة حيث تتوافر الامكانات المادية والبشرية كى يمارس الأطفال هواياتهم تحت إشراف علمى مقنن متمثل فى إشراف نفسى وتربوى للتأكد من وجود الاستعداد للعملية الإبداعية لديهم وتبنيهم بالتوجية والإرشاد والعمل بطريقة علمية سليمة على تحويل هذه الاستعدادات إلى قدرات إبداعية ورعايتها وتنميتها .
ويصاحب هذا الجهد التربوى تكوين مجتمعات علمية يمارس من خلالها الأطفال تحت إشراف علمى وتربوى ما ينمى إبداعاتهم على أن تقام معارض سنوية تنشر فيها ما ينجز من إبداعات كنوع من تشجيع الأطفال المبدعين وحفز غيرهم على الإبــداع ويفضل إنشاء لوحة شرف يكتب فيها أسماء المبدعين كنوع من الدعم المعنوى لهم.
أما فيما يتعلق من أساليب التدريس داخل قاعات الدراسة فيمكن تصميم مواقف تعليمية تساعد على تنمية الإبداع حيث يوظف أسلوب تنظيم المحتوى العلمى للمنهج ، واستراتيجيات تدريسها ، والأنشطة التعليمية (كمدخلات) لهذه المواقف لتنمية إبداع االأطفال( كمخرج.)
ويمكن أن يتخذ المحتوى العلمى للمناهج الدراسية كوسط لتنمية الإبداع حيث ينظم محتوى العلمى لكل منهج حسب طبيعته وذلك فى ضوء ما توصى به إحدى النظريات فى التعليم مثل (مونتسورى- جانيية – أوزبل – برونر….) فى هذا الشأن . حيث ثبت من خلال الدراسات أنه عندما ينظم المحتوى العلمى حسب طبيعته وفق إحدى هذه النظريات فإن هذا يساعد على تنمية إبداع الأطفال.
ويتكامل مع أسلوب تنظيم المحتوى إستراتيجيات التعليم والتعلم المناسبة لتنظيم المحتوى العلمى ، وقد أوصت الدراسات باستخدام إستراتيجية حل المشكلات ، والاكتشاف بأنواعه ( إرشادى – موجه – حر- مفتوح) والألعاب التعليمية – والتعلم التعاونى – والتعلم فى مجموعات صغيرة – والتدريس بالفريق.حيث ثبت فاعليتها فى تنمية قدرة الأطفال على تكوين علاقات جديدة بين المتعلقات التى يتضمنها المحتوى العلمى وهذا يعتبر جوهر العملية الإبداعية .
ومن الضرورى أن يتضمن إستخدام إستراتيجيات التعليم والتعلم نوعيات معينة من الأسئلة التى تحث الأطفال على التفكير وتكوين العلاقات مثل
( لماذا ….؟ ، كيف ….؟ ، ما العلاقة ….؟ ،كون علاقات جديدة بين….، علل….، ماذا لو ….؟ أوجد أكبر عدد من المرادفات ل…. ،أوجد أكبر عدد ممكن من الحلول الصحيحة غير الروتينية ل…. ، إنقد النص التالى ….، عبر باسلوبك عن….، إشتق أكثر من نتيجة ….)
ومن أساسيات التدريس من أجل الإبداع أن تركز ممارسات معلم رياض الأطفال على ما يلى:-
- ألاتقدم المعلومة فى صورتها النهائية للأطفال .
- مساعدة الطفل على فهم منهج التفكير الكامن.
- تنمية الرؤية الناقدة للأمور والقضايا والمواقف والسلوكيات.
- التركيز على تكوين علاقات جديدة بين العناصر أوالمكونات لأى موقف.
- التأكيد على نسبية الحقائق والنظريات وحتى الآراء ،وأنه ليس هناك مطلقات فى العلم.
- نبذ التفكير الخرافى أوالتفكيرالغيبى أوالتفكير بعقول الآخرين فى حل المشكلات وتبنى التفكير العلمى لحلها.
- ليس هناك حلا وحيـدا فقط للمشكلة ولكن هناك حلولا بديلة وغير روتينية.
ويتم كل هذا فى مناخ ديمقراطى يرحب بآراء الأطفال المغايرة وإنتقاداتهم وتقبلها دون رفضها أو كبتها . ويغلف كل هذا إشراف ديمقراطى من إدراة مؤسسة رياض الأطفال يكفل حرية التعبير عن الرأى ، وتقبل الرأى الآخر وتشجيع الرؤى الناقدة البناءة.
أدوار المؤسسات غير النظامية للتربية:
تتعدد هذه المؤسسات وتتنوع أهدافها وبالتالى تسهم بطريقة أو بأخرى فى تربية الأفراد عن طريق ما تقدمه . وسوف يقتصر هنا على الإعلام والجمعيات العلمية ، ودور العبادة لارتباطها أكثر من غيرها بتوجيه الأطفال وتشكيل عقلياتهم .
من المفضل أن يعرض الإعلام بوسائله المسموعة، والمرئية والمقروءة برامج أو دراما لسيرحياة المبدعين فى كافة المجالات سواء فى الماضى أو الحاضر وإلقاء الضوء على مساقات تفكيرهم التى قادتهم إلى إبداعاتهم وكيف ثابروا وحاولوا إلى أن توصلوا إلى إنجازاتهم ، وكيف أن هذه الانجازات ساهمت وتسهم فى تقدم الحضارة الإنسانية . و استضافة المبدعين من الشباب لعرض إبداعاتهم فى كافة المجالات وتشجيعهم ماديا أو معنويا وحفز غيرهم من الشباب على الاقتداء بهم .
وبالنسبة للجمعيات العلمية فإسهامها فى حث العقول على الإبداع يكون من خلال أنشطتها ، ومؤتمراتها وما ينشر فيها من دراسات وبحوث علمية عن العملية الإبداعية ، ومساقات تفكير المبدعين ،والمناخ الحافز للإبداع وندواتها التى تستضيف فيها المبدعين من العلماء والأدباء ورواد الفنون بكافة أنواعها كى يرووا تجاربهم ورحلتهم مع الإبداع .
أما فيما يتعلق بدور العبادة فينبغى أن تحث على التفكير والتدبر فى الأمور وتحذر من مغبة جمود العقل، وتدعوا إلى الحكمة والتبصر وتستشهد فى ذلك بما جاء فى الكتب السماوية ، وقصص الرسل والأنبياء وسيرالحكماء ومواقفهم العقلانية.
خلاصة القول تتطلب تنمية الإبداع أن تتضافر جهود كل من الأسرة والمؤسسات التربوية النظامية وغير النظامية ، وأن تلتزم بما تمت الإشارة إليه من واجبات ومسؤليات وممارسات وتفاعلات كمتطلب أو شرط مسبق لتحقيق المستويات المعيارية لها ومن ثم الوصول إلى مستوى الجودة فى مدخلاتها وعملياتها ومخرجاتها ، على أن تتسق توجهاتها ولا تتناقض ويجرى هذا كله فى مناخ ديمقراطى بعيدا عن الاتجاهات التسلطية واحترام ذكاء الطفل وأفكاره ةتقدير الرأى الآخر ، وتقبل النقد وتشجيع الجديد غير التقليدى وذلك على مستوى الأسرة والمؤسسات التربوية النظامية وغير النظامية بل والمجتمع أيضا.
قائمة المراجع
- أحمد رشدى طعيمة(2009): المعلم كفاياته وإعداده وتدريبه، دار الفكر العربى ،القاهرة.
- إيناس عبد الرازق خليفة(2013):رياض الأطفال،الكتاب الشامل،دار المنهل، القاهرة
- ثناء يوسف الضبع(2008): معايير اداء معلمة رياض الاطفال في ضوء الجودة الشاملة،المؤتمر الدولى الأول لإعداد المعلم،القاهرة
- كوثر حسين كوجك (2001): اتجاهات حديثة في المناهج وطرق التدريس والتطبيقات في مجال التربية الأسرية، ط2، القاهرة، عالم الكتب.
- محمد أمين المفنى،(2008): رؤية للتربية فى المستقبل ، مؤتمر لجنة التربية بالمجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة.