رؤية 2030

الأبحاث العلمية في المملكة العربية السعودية ورؤية 2030

يعرف التخطيط الاستراتيجي التربوي بأنه ” إحدى الوظائف الإدارية، وهو عمل يسبق التنفيذ وبموجبه يتم تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها والمدة الزمنية اللازمة لذلك، فالهدف هو نقطة البداية والنهاية في التخطيط”. (وصفي،1997، ص 166)

تتجلّى أهمية التخطيط الاستراتيجي في العملية التعليمية في أنه يشكل خارطة لسير العملية التعليمية وتوجهاتها وإلى أين تصل، كما أنها توضح المنهجية التي يجب أن تسير عليها لتحقيق أهدافها. إضافة إلى ذلك فهي تساعد على التنبؤ بالمتغيرات المستقبلية وكيفية التعامل معها، حيث أنه بمثابة دليل إرشادي لما تسعى إليه المنظمة. (الأزهر ورشيدة، 2019)

علاوة على ذلك يساعد التخطيط الاستراتيجي التربوي في تحديد العوائق والمشكلات التي تعرقل تحقيق الأهداف، كما أنها تشجع القيادة على صياغة رؤية مشتركة، واستثمار نقاط القوة والفرص المتاحة وتفادي المخاطر والحد من جوانب الضعف، وتتيح فرصة متابعة الأداء ومدى تحقيق الأهداف في خطط زمنية محددة.(عبيدات، 2012)

يعد البحث العلمي بوتقة الأمل لكل التحديات والمشكلات التي تواجه العالم، ولا غنى لعلمٍ من العلوم طبيعيّا كان أو إنسانيّا عن الأبحاث العلمية التي تربط بين الوقائع وتفسيرها على أسس علمية صحيحة. ولا شك في أن معيار تحضر الأمم يُقاس بمدى اهتمامها بالأبحاث العلمية وما يتم إنفاقه من تكاليف مادية. وتشير الدراسات إلى أن تقدم الأمم يتناسب اطرادا مع تطوير البحث العلمي. لذا تشهد المجتمعات البشرية في القرن الواحد والعشرين تنافساً شديداً نحو الصدارة والتقدم في الأبحاث العلمية مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والصين والدول الاسكندنافية في أوروبا وغيرها.

إلا أن الوطن العربي لايزال يعاني من شح في الأبحاث العلمية مقارنة بالدول المتقدمة ويرجع ذلك إلى حالة الفقر التي يعيشها أغلب الوطن العربي، إضافة إلى افتقارها إلى سياسة علمية واضحة أي أنها تعاني ضعف في البنية التحتية الخاصة بالأبحاث العلمية سواء كانت نظرية أو تطبيقية بسبب قلة الإنفاق والدعم المادي. (السيد،2017)

ولم يكن مستوى دعم البحث العلمي في السعودية في السابق جيداً، فقد كان البحث العلمي يعاني من ضعف المخصصات في ميزانيات الجامعات السعودية، حتى فقدت الجامعات السعودية أهم وأبرز أهدافها، وما يتصل بتلك الأهداف من دعم الباحثين، وتنمية البيئة البحثية العلمية. (الحارثي، 2011)

وفي العام 2007، نشرت بعض وسائل الإعلام قائمة جاء فيها سوء تقويم الجامعات السعودية على المستوى العالمي (الحارثي،2011). وبناءً على هذا التقييم، بدأت الجامعات تتوجه نحو البحث العلمي وتنميته فتضع الخطط والبرامج لتطويره ودعمه.

وفي عام 2008، اعتمدت المملكة خطة بحثية وطنية بقيادة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية من أجل التحوُّل من اقتصاد قائم على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة، مما دفع إلى إنشاء معاهد بحثية وجامعات حديثة على أعلى مستوى. (أرامكو السعودية، 2016)

وبين عام 2006 و 2009، احتلت المملكة مرتبة 28 في التنافسية العالمية بين العرب والغرب وكان لها الصدارة العربية نتيجة الجهود الهائلة التي بذلتها الدولة. (زحلان،2011)

وفي عام 2012، ظهرت المملكة كأول دولة عربية على الخريطة العالمية للبحث والتطوير في تقرير مجلة «باتيل»، إلا أن تقرير «رويترز طومسون» لأداء البحث والابتكار في دول مجموعة العشرين أفاد أنه رغم النمو المتسارع للبحث والابتكار في المملكة لازال منخفضا مقارنة بما يجب أن يكون عليه في دولة من مجموعة العشرين. (أرامكو السعودية، 2016)

والجدول التالي يوضح حجم الإنفاق السعودي على الأبحاث العلمية بين 2010-2013 حسب ما نشرته وكالة الوزارة للتخطيط والمعلومات التابعة لوزارة التعليم (2014).

*المصدر (مجلة اليونسكو، 2015).

هذا الإنفاق جعل المملكة العربية السعودية تتصدر قائمة الدول العربية في النمو القوي للمنشورات البحثية ما بين عامي 2005-2014. (اليونسكو، 2015)

وبلغ إجمالي الإنفاق على البحث العلمي في المملكة في 2015 نحو 6.75 مليار ريال (1.8 مليار دولار). مما جعل المملكة في المرتبة السابعة والثلاثين عالمياً في الإنفاق على هذا المجال. ونتيجة لذلك، كشف مؤشر نيتشر للأبحاث العلمية 2016 أن الجامعات السعودية تصدرت الترتيب عربياً في معظم تصنيفات الجامعات العربية محققة أعلى معدل نمو في البحوث العلمية عالية الجودة في غرب آسيا. (أرامكو السعودية، 2016)

ومع بداية النهضة التنموية وسعياً إلى تحقيق رؤية 2030 التي توجه المجتمع إلى أن يكون منتجا للمعرفة ومنافسا عالميا، ضاعفت المملكة العربية السعودية حجم الإنفاق على الأبحاث العلمية حتى حققت المرتبة 42 عالمياً (الاقتصادية، 2019). حيث أطلق برنامج لدعم البحث والتطوير في الجامعات عام 2017 ضِمن برنامج التحول الوطني، وتم رصد 6 مليارات ريال سعودي ميزانية للبرنامج حتى 2020، وأُسندت متابعة البرنامج وتطويره إلى مكتب البحث والتطوير التابع لوزارة التعليم. (حضاض، 2018)

كما أصدرت مجلة ” Nature ” – المرموقة في الأوساط الأكاديمية – مؤشرها السنوي لعام 2018 للإنجازات البحثية المنشورة في العلوم الطبيعية، حيث أن المملكة حصلت “على المركز 29 في قائمة الخمسين دولة الأكثر إنتاجية للأبحاث العلمية عالميا. وحصلت على المركز الثاني على مستوى دول غرب القارة الأسيوية في مجال العلوم الطبيعية. (العقاد،2019)

ونتيجة للرؤية الموحّدة حول التعليم والتطوير البحثي، فقد وضح تقييم مؤشر نيتشر في عام 2019 للدول العربية الست عشر التي يتتبع أداؤها -بناءً على الإنتاج البحثي خلال عام 2018- إلى ارتفاع أداء الجامعات السعودية وحصولها على المراكز الثلاثة الأولى بين أفضل المؤسسات العربية. (كينت،2019)

ووفقا لمقاييس جودة النشر العلمي (H-index)، احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة 36 عالميا في عدد الأوراق العلمية المنشورة، كما بلغ عدد براءات الاختراع إلى 569 مما جعلها الأولى عربيا وإقليميا. (الاقتصادية،2019)

ونشرت منظمة المجتمع العربي (2019) بياناً إحصائيا عن التطور التي شهدته الأبحاث العلمية في المملكة العربية السعودية، والملاحظ فيه مدى النمو القوي والسريع للمملكة عما كانت عليه سابقاً.

*المصدر (منظمة المجتمع العربي، 2019)

إن حجم الجهود التي بذلتها الدولة لتطوير البحث العلمي ساعد على استحداث مراكز ومعاهد لدعم البرامج البحثية في الجامعات السعودية، كما أنشأت بعض الجامعات شراكات بحثية عالمية الأمر الذي أدى إلى جودة الأبحاث المنشورة. (وزارة التعليم،2020)

كما يُتوقع زيادة نسبة الباحثين السعوديين عما كانت عليه سابقاً نتيجة تنامي أعداد الملتحقين بالتعليم وتوسع الجامعات السعودية وبرامج الابتعاث. (العصيمي،2018)

إضافة إلى ما سبق، يتوقع زيادة عدد المراكز البحثية في المملكة العربية السعودية عن المراكز الموجودة حاليا حيث وصل عددها 100 مركز بحثي موزعة بين جامعة القصيم وجامعة الملك سعود وجامعة المؤسس الملك عبد العزيز. (المعهد المصري، 2016)

ومع نظام خصخصة الجامعات السعودية وتعدد مصادر التمويل قد تزيد القدرة التنافسية بين الجامعات، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على نسبة الأبحاث العلمية وجودتها، كما ينعكس على تقييم مستوى الجامعات السعودية بين الجامعات العالمية.

وباعتبار أن هناك علاقة طردية بين النمو الاقتصادي والأبحاث العلمية، فإننا سنشهد- بإذن الله- نماء اقتصاديا على كافة القطاعات المختلفة جراء الاهتمام الحثيث التي توليها الرؤية 2030 للمراكز البحثية ودعمها وتطويرها.

إلى جانب ذلك، هناك مطالبات كثيرة من الباحثين السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي إلى ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي ومعرفة طرقه ومنهجياته، الأمر الذي قد يسرع بإدراج منهج البحث العلمي من ضمن مناهج المرحلة المتوسطة والثانوية.

ولا شك أنه في ظل هذا التغير والتطوير للبحث العلمي في المملكة العربية السعودية سترتفع جودة التعليم بكافة مستوياته وهو ما تسعى الرؤية 2030 إلى تحقيقه.

ولا بد من التنويه أنه من الصعوبة إيجاد خطة استراتيجية للأبحاث العلمية موحدة بين جميع الجامعات السعودية بسبب كثرتها وتوسعها حيث لكل جامعة خطة خاصة بها تخدم الرؤية وتحقق أهداف الدولة.

إن الاهتمام بالأبحاث العلمية ليس ترفا أكاديميا بقدر ماهو حاجة ضرورية وملحة تحقق تطلعات الشعوب، وتعكس مدى طموحها واصرارها على تحقيق مزيد من الازدهار والرفاهية على الجوانب الحياتية المختلفة. وبفضل من الله ثم قيادتنا الرشيدة ها نحن نشهد حركة النمو والإبداع في رؤية المملكة العربية السعودية وطن طموح، اقتصاد مزهر، مجتمع حيوي من خلال تصدر المملكة العربية السعودية على مستوى الوطن العربي للأبحاث العلمية وبراءات الاختراع.

 

 

المراجع:

1-أرامكوالسعودية. (2016). مؤشرات البحث العلمي في المملكة. تم الاسترداد من القافلة: https://qafilah.com/ar/

2-الأزهر عزة؛ رشيدة، خالدي. (2018). التخطيط الاستراتيجي التعليمي ودوره في ضمان جودة مؤسسات التعليم العالي-قراءة لتجربة الجامعات الفلسطينية. الدراسات الاقتصادية المعاصرة، 5.

3-أنطوان ،زحلان. (أغسطس, 2011). العلم والسيادة”الآفاق والتوقعات في البلدان العربية:العلم والأمن القومي”. المستقبل العربي، 360. تم الاسترداد من http://search.shamaa.org/PDF/Articles/LbAfj/AfjNo385Y2011/afj_2011-385_011-032.pdf

4-الحارثي ، فهد العرابي . (2011). أزمة البحث العلمي والتنمية. تم الاسترداد من مركز أسبار للبحوث والدراسات والإعلام : http://asbar.com/ar_lang

5-حضاض ،محمد . (13 سبتمبر, 2018). الهدلق: البحث العلمي وتطوير الجامعات” دورهما محوري لتحقيق أهداف رؤية 2030. سبق. تم الاسترداد من https://sabq.org/TZ2R7f

6-السيد ،عبدالقادر محمد. (2018). البحث العلمي في الوطن العربي:الواقع ومقترحات التطوير. المجلة الدولية للبحوث في العلوم التربوية، 2.

7-عبيدات، تركي ابراهيم. (2012). دور التخطيط الاستراتيجي في تطوير قطاع التعليم العالي وتحديد اتجاهاته وسياساته المستقبلية. ندوة إقليمية حول ” إنشاء شبكة خبراء التخطيط الاستراتيجي في مجالات التعليم العالي “. أربد، الأردن. تم الاسترداد من https://www.researchgate.net/publication/276232315_dwr_altkhtyt_alastratyjy_fy_ttwyr_qta_altlym_

8-العقاد ،جمال عبدالرحمن . (2019). مؤشر وطني للأبحاث العلمية كأحد مخرجات رؤية المملكة 2030. مال الاقتصادية. تم الاسترداد من https://www.maaal.com/archives/20190627/124937

9-العصيمي ،نورة أحمد. (2018). دور التمويل على الأبحاث العلمية في الجامعات السعودية، جامعة الملك سعود أنموذجا. المجلة العربية للعلوم والأبحاث، 2. تم الاسترداد من  https://www.ajsrp.com/

10-فريق التحرير.(2019).السعودية 42 عالميا في الإنفاق على البحث والتطوير.الاقتصادية.تم الاسترداد من

https://www.aleqt.com/search/site

11-كينت ، كريستوفر جيمس. (14 سبتمبر, 2019). مؤشر نيتشر لعام 2019: الأداء العلمي العربي هذا العام بالأرقام. للعلم. تم الاسترداد من https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/nature-index-2019-a-year-of-arab-science-in-numbers

12-المعهد المصري. (2016). خريطة المراكز البحثية في المملكة العربية السعودية. المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية. تم الاسترداد من https://ksastudies.net

13-منظمة اليونسكو للعلوم. (2015). تم الاسترداد من https://ar.unesco.org/unesco_science_report

14- منظمة المجتمع العلمي العربي. (2019). تم الاسترداد من http://arsco.org/article-detail-1315-8-0

15-وصفي عقيلي عمر. (1997). الإدارة أصول وأسس ومفاهيم. عمان، الأردن: دار زاهرة للنشر والتوزيع.

البحث في Google:





عن هيفاء إبراهيم السريحي

حاصلة على ماجستير القيادة التربوية، جامعة دار الحكمة الأهلية – جدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *