الأسرة في حياة الطفل المعاق

الأسرة في حياة الطفل المعاق

مقدمة:

الأسرة هي اللبنة الأولى للمجتمع تتضح فيها كافة أشكال وعناصر المجتمع، وهي المؤثر الأول والأساسي في حياة الطفل، وبمساعدتها يمكن للطفل تقبل إعاقته وتجاوزها وتحقيق النجاح في مجتمعه مثله مثل باقي الأطفال. وتمر الأسر التي ولد فيها طفل معاق بمراحل وأزمات مهما كانت درجة وعيهم وتقبلهم مما يؤثر على أنماط العلاقات الأسرية وعلى حياة الطفل داخل الأسرة.

سنتناول في الدراسة الحالية تعريف الأسرة وأهميتها، ثم سنتطرق إلى ما تتعرض له الأسرة التي يولد بها طفل معاق وكيفية إدارة هذه الضغوط (من التجارب العملية والدراسات السابقة) للوصول بالطفل المعاق إلى مرحلة التكيف والتواؤم مع مجتمعه وتأدية دوره.

إشكالية الدراسة:

تكمن إشكالية الدراسة الحالية في بيان أثر الجو الأسري الذي يعيش داخله الطفل المعاق على نموه النفسي، اللغوي، المعرفي والاجتماعي، والتكيفي وكيف يمكن للأسرة أن تحقق نتائج إيجابية بالنسبة لتعلم الطفل، في ظل علاقاتها ببعضها وبطفلها المعاق ومدى تقبلها له. وعليه وضعنا فرضيات حول:

  • الاضطرابات الأسرية وأثرها في عرقلة نمو الطفل.
  • الجو الأسري المضطرب وأثره على الطفل المعاق في مجالي تكيفه وتعلمه.
  • دور العلاج والمساعدة الأسرية في مساعدة المركز والمدرسة والمؤسسات التعليمية والتربوية.

أهمية الدراسة:

أهمية أكاديمية:

تقديم إطار نظري للعلاقات الاسرية للأطفال المعاقين وحصر وتحديد الضغوط التي تتعرض لها الأسرة وتحديد دورها في رعاية وتأهيل الطفل المعاق.

أهمية تطبيقية:

وضع تصور عملي تطبيقي لدور الأسرة في حياة طفلها وكيفية تجاوز آثار الإعاقة.

أولًا: تعريف الأسرة

عرَف معجم الدوحة التاريخي (الأسرة) بأنها رهط الشخص الأدنون وعشيرته[1]، وبذلك تكون الأسرة هي أقرب المحيطين بالفرد وتمثل عشيرته أي أقرب أقاربه.

ويختلف تعريف الأسرة بين الباحثين طبقًا لأدوارها، فمنهم من يذهب إلى تعريفها حسب تكوينها؛ حيث تعرفها ف. ساتير (V. Satir) على أنها مجموعة مكونة من شخصين بالغين يعيشان تحت نفس السقف، و يمارسان علاقات جنسية مشروعة في المجتمع، و مثل هذه الجماعة ترتبط بوظائف تتدعم بالمبادلة. ويذهب بعضهم إلى تعريفها حسب تشكيلتها مثل ب. دومينيك .(P.Dominique) الذي يعتبرها مجموعة من المكانات (أب، أم، ولد) ينضبط بعضها على بعض في نسق من الروابط، أي يكون لكل واحد حقوق وواجبات عليه القيام بها.[2]

ويمكننا أن نضع تعريفًا إجرائيًا للأسرة بأنها جماعة مكونة من أفراد تربطهم صلة قرابة من الدرجة الأولى يعيشون معًا ويتشاركون في حياة اجتماعية واقتصادية وغيرها.

ثانيًا: نمو الطفل داخل الأسرة

تعتبر عملية نمو الطفل داخل الأسرة من أهم المؤثرات في حياة الطفل؛ حيث يؤثر نمو الطفل وأسلوب تربيته ومعاملته على أنماط شخصيته طوال حياته، ليس هذا فحسب، بل ويرى العلماء أن المرحلة العمرية (للأبوين) التي يولد فيها الطفل تؤثر على سلوك وتربية الطفل. ففضلًا عن الآثار المترتبة على إنجاب الأم بعد سن الأربعين، فقد أوضحت الدراسات أن الوالدين صغار السن أكثر استثارة لحواس أطفالهم، بينما الوالدان كبار السن يكونان أكثر خبرة في التعامل مع الأطفال وأقل استثارة لحواسهم [3]. ولذلك تعتبر الأسرة أهم مؤثر في حياة طفلها العادي وتكون أكثر تأثيرًا في حياة الطفل المعاق الذي تشكل أسرته كل حياته وعالمه؛ لاعتماده على أسرته فترة طويلة قبل أن يواجه المجتمع.

ويمكننا تلخيص أثر الأسرة على الطفل المعاق قبل الولادة وفي السنوات الأولى من عمره كما في الشكل التالي:

تأثير الأسرة على الطفل المعاق

ويتضح من الشكل السابق أثر الأسرة على الطفل المعاق سواء قبل ولادته أو بعد الولادة، وهو ما يؤكد لنا أهمية التوعية الأسرية قبل وبعد الولادة في حياة أطفالنا.

ثالثًا: تأثير العلاقات الأسرية على الطفل المعاق[4]

  • علاقة الطفل بوالدته:

يعتمد نمو الطفل وتكيفه وتغلبه على إعاقته على أول ما تقع عينيه عليه وهي (أمه) حيث تنشأ بينهما علاقة أحادية يتعلق فيها بوالدته، وتكون والدته السند والمعين له بعد المولى عز وجل لتكيفه مع اعاقته والتدريب على تجاوزها.

  • علاقة الطفل بالوالدين:

الوالدان هما كل حياة طفلهما وهما اللذان يضبطان كافة علاقات الأسرة ومن ثم فإن تقبل الوالدان للطفل ومساعدته في التدريب على التغلب على إعاقته وتقبل إخوته له يساهمان في تكيف الطفل وتدربه على الحياة الطبيعية لتجاوز الإعاقة.

  • علاقة الطفل بإخوته:

أثبتت الدراسات أن إخوة الطفل المعاق يكونون أكثر ضبطًا لسلوكهم وانفعالاتهم مقارنة بغيرهم من الإخوة بالأسر التي لا يوجد فيها طفل معاق، وهو ما يبرز دور إخوة الطفل المعاق في حياته.

رابعًا: أثر الإعاقة على الأسرة

تتأثر الأسر التي يولد فيها طفل معاق وتمر بعدة مراحل سنتناولها فيما بعد. وقد بينت الدراسات أن هناك نوعان من الآثار (الإيجابية والسلبية)، ففي حين يسبب ضيق الموارد المالية والمتطلبات اللوجستية والطلبات الجسدية في إرهاق الأسرة والضغط عليها، على الجانب الآخر أظهرت الدراسات أن الأسر التي لديها أطفال معاقون يزداد وعي أفرادها بقوتهم الداخلية، ويعزز التماسك الأسري، ويشجع التواصل مع المجتمع من ناحية أخرى[5].

خامسًا: المراحل التي تمر بها أسرة الطفل المعاق

حددت الدراسات المراحل التي تمر بها الأسرة التي يولد بها طفل معاق طبقًا للخطوات التالية:

مراحل استقبال خبر وجود إعاقة عند الطفل في الأسرة:

  • مرحلة الصدمة
  • مرحلة الإنكار والتشكيك
  • مرحلة الحزن والأسى
  • مرحلة الانفعالات العنيفة والغضب
  • مرحلة الشعور بالذنب
  • الشعور بالاكتئاب
  • مرحلة التكيف وقبول الأمر الواقع

وبالطبع فتلك المراحل ليست ثابتة، بل يمكن أن تتخطاها بعض الأسر أو لا تكون بنفس الترتيب وذلك يعتمد على خبرة الأسرة وثقافتها وقربها من الأسر الأخرى الموجود لديها أفراد من ذوي الإعاقة.

سادسًا: دور الأسرة في حياة الطفل المعاق

للأسرة عدة أدوار في حياة طفلها المعاق بدءًا من الميلاد مرورًا بالنمو بما يتضمنه من تعليم وتدريب وانتهاءً بالمساعدة في الاختيار السليم لمهنة المستقبل التي تتواكب مع قدراته وإعاقته وتأهيله للاعتماد على ذاته في حدود قدراته، ونتناول تلك المراحل في السطور التالية:

1- تقبل الطفل المعاق وتأهيل أفراد الأسرة للتعامل معه:

يعتبر هذا الدور من أهم أدوار الأسرة في حياة طفلها المعاق ويترتب عليه مستقبل الطفل المعاق، حيث أن تقبل الأسرة لطفلها المعاق وتهيئة إخوته للتعامل معه وتقديم الرعاية والتدريب والعون له من أهم قواعد النجاح في تأهيل الطفل المعاق.

2- رعاية وتدريب الطفل المعاق:

يقع على عاتق أسرة الطفل المعاق الدور الكبير في تدريب وتعليم الطفل. حتى لو قُدم له الدعم والرعاية في مؤسسة متخصصة فإن تعاون الأسرة مع المركز أو المدرسة يؤتي بثمار جيدة في تعليم الطالب، وقد كانت قصص نجاح المشاهير من ذوي الإعاقة مرتبطة بدعم أسرهم.

3- تهيئة الشخص المعاق للتكيف مع مجتمعه:

تتكفل غالبية أسر الأشخاص من ذوي الإعاقة بتدبير أمور مستقبل أطفالها سواء من حيث التعليم، أو التدريب، أو التأهيل للعمل، أو الزواج وهي كلها أمور تتكفل بتدبيرها وتهيئتها غالبية أسر المعاقين؛ ليضعوهم على الطريق السليم ليتكيفوا في حياتهم ويعتمدوا على أنفسهم بقدر الإمكان وفق قدراتهم واتجاهاتهم وميولاتهم.

التوصيات:

  • أهمية توعية الأسرة (الزوجان) قبل الزواج بالأسباب الوراثية والبيئية للإعاقة؛ للتقليل من أسباب حدوث الإعاقة لأبنائهم.
  • توعية المجتمع بما تتحمله أسر الأشخاص ذوي الإعاقة من ضغوط، وتقبل المجتمع لما قد يبدر من أشخاص أسر ذوي الإعاقة نتيجة الضغوط عليهم.
  • توفير التسهيلات والرعاية والامتيازات للمعاقين وأسرهم بما ييسر أمورهم ويخفف الضغوط عن أسرهم.
  • تدريب المؤسسات التعليمية بسبل التواصل الفعال مع أسر المعاقين وتدريب تلك الأسر على كيفية تأهيل وتدريب أبنائها.
  • تأهيل الأشخاص ذوي الاعاقة بالتعاون مع الأسر ومراكز التدريب والتأهيل بما يحقق الحد الاقصى من تكيفهم مع مجتمعهم وفق قدراتهم.

 


الإحالات: 

[1]  معجم الدوحة التاريخي (2021). باب الأسرة، متاح على https://dohadictionary.org/dictionary/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D8%A9

[2]  ليلى سليمان مسعود (2005). العلاقات الأسرية، الإعاقة و العلاج الأسري، المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجيا والعلاقات الاجتماعية، العدد 29، ص ص 32-45.

[3] Kendra Cherry(2021). Parental Age and Child Development,Available at https://www.verywellfamily.com/parental-age-impact-child-development-4150443

[4] Barbara Mandlec, et al (2003). The Relationship between Family and Sibling Functioning in Families Raising a Child with a Disability, Journal of family nursing, Volume: 9 issue: 4, page(s): 365-396. https://doi.org/10.1177%2F1074840703258329

[5] National home sharing &short break network(2021). The Impact of Disability on a Family, Available at http://nhsn.ie/information/information-for-host-families/the-impact-of-disability-on-a-family/

المراجع:

معجم الدوحة التاريخي (2021). باب الأسرة، متاح على https://dohadictionary.org/dictionary/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D8%A9

 ليلى سليمان مسعود (2005). العلاقات الأسرية، الإعاقة و العلاج الأسري، المجلة الجزائرية في الأنثروبولوجيا والعلاقات الاجتماعية، العدد 29، ص ص 32-45.

Kendra Cherry(2021). Parental Age and Child Development,Available at https://www.verywellfamily.com/parental-age-impact-child-development-4150443

Barbara Mandlec, et al (2003). The Relationship between Family and Sibling Functioning in Families Raising a Child with a Disability, Journal of family nursing, Volume: 9 issue: 4, page(s): 365-396. https://doi.org/10.1177%2F1074840703258329.

National home sharing &short break network(2021). The Impact of Disability on a Family, Available at http://nhsn.ie/information/information-for-host-families/the-impact-of-disability-on-a-family/

البحث في Google:





عن د. طارق عبد المجيد

حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة في التربية – تخصص علم النفس التربوي- تربية خاصة (جامعة كفر الشيخ- جمهورية مصر العربية)، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة بالمجلات العلمية المحكمة والمؤتمرات الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *