يعد التقويم اللغوي جزءاً أساسياً من مكونات النظام التعليمي، حيث يواكب عمليتي التعلم والتعليم، ويعكس صورة شاملة للنظام التعليمي بما يشمله من مدخلات، عمليات، ومخرجات، فهو لا يقتصر على توصيف الوضع الراهن فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى التشخيص والعلاج، مما يجعله أداة أساسية لتحسين العملية التعليمية وتطويرها، ولهذا يجب أن تُولى عملية التقويم اللغوي اهتماماً خاصاً في جميع مراحلها، بدءاً من التخطيط، مروراً بإعداد الأدوات اللازمة، وصولاً إلى الاستفادة من النتائج، فهذه العملية تمكن المعلم والمتعلم من قياس مدى تحقيق الأهداف المرجوة واتخاذ القرارات اللازمة للتطوير والتحسين، ورغم أهمية التقويم، إلا أن الواقع يشير إلى وجود ضعف في أساليب التقويم اللغوي الحالية، التي تركز في معظمها على التحصيل الدراسي فقط، مع إهمال تقويم المهارات اللغوية الأساسية. بناءً على ذلك، تتناول هذه الورقة المحاور الآتية: الفرق بين تقويم التحصيل وتقويم المهارات، مشكلات التقويم اللغوي، الأطر المرجعية، وأخيرًا حلول للحدّ من مشكلات التقويم اللغوي، وفيما يلي تفصيل ذلك:
أولاً: تقويم التحصيل
يتعلق هذا النوع من التقويم بقياس التحصيل الدراسي للطلاب من حيث استيعابهم للمحتوى اللغوي، ويركز بشكل أساسي على المعلومات والمعارف التي يكتسبها المتعلمون. وتتسم سماته بما يلي:
- يتعلق بالجوانب المعرفية التي يسهل قياسها كالتذكر واسترجاع المعلومات.
- يقتصر على استخدام الاختبارات التقليدية التي تقيس التذكر الآلي للمعلومات دون تقييم القدرات الإبداعية أو المهارية.
- يقتصر تقويم التحصيل على نواتج قصيرة الأمد ومحدودة الأثر(علام،2004).
ثانياً: تقويم المهارات
يتجاوز هذا النوع قياس المعلومات إلى تقييم القدرات اللغوية العملية، مثل المهارات الشفوية، الكتابية، والفهم. يمكن تلخيصه في النقاط الآتية:
- الأداء اللغوي الشفوي: يتضمن تقويم ما يصدر عن المتعلم من أحاديث أو قراءات جهرية. وتعد الملاحظة المدروسة من أهم وسائل قياس قدرة الطالب على توظيف معرفته في مواقف الحوار والمناقشة.
- الأداء اللغوي الكتابي: يعتمد على تقييم أعمال كتابية إبداعية أو وظيفية يطلب من المتعلم إنتاجها، بما يحاكي المواقف الحياتية الواقعية.
- الفهم الاستماعي والقرائي: يركز على مهارة استقبال اللغة شفهياً وكتابياً بمستوياتها المتعددة (فضل الله، 2005).
ثالثاً: مشكلات التقويم اللغوي
تشير الدراسات إلى أن التقويم اللغوي الحالي يمثل الحلقة الأضعف في النظام التعليمي، حيث يقتصر استخدامه غالباً على اختبارات التحرير التي تهمل المهارات اللغوية الشفوية، وتظهر أبرز المشكلات كما يلي:
- قصور أساليب التقويم: تقتصر على قياس التحصيل دون الاهتمام بالمهارات المهارية والعاطفية.
- التركيز على الحفظ: إهمال المستويات العليا من التفكير، مثل التحليل والتقييم.
- قلة الدورات التدريبية: نقص التأهيل لدى المعلمين والمعلمات لاستخدام أساليب التقويم الحديثة.
- صعوبة التطبيق: التقويم المهاري يتطلب وقتاً وجهداً أكبر، مما يمثل تحدياً أثناء الحصص الدراسية.
- غياب الأهداف العلاجية: قلة الاستفادة من نتائج الاختبارات في تحسين مستوى الطلاب، سواء من خلال خطط علاجية أو برامج إثرائية.
ويرى الحميدي والظفيري (2016) أن عملية التقويم في المدارس بمختلف المراحل الدراسية أصبحت ترتبط بشكل كبير بالامتحانات، حيث ينحصر دور المعلم في قياس الجانب المعرفي فقط، دون أن يُعطى الاهتمام الكافي لتنمية المستويات المعرفية العليا. وعلى الرغم من أهمية التقويم اللغوي في تحليل المعلومات ونقدها ومعالجتها، بالإضافة إلى دوره في مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب من خلال تنويع الأنشطة التعليمية، فإن الواقع يشير إلى استمرار استخدام الأساليب التقليدية التي تركّز على قياس التحصيل اللغوي فقط.
وتدعم هذه الملاحظة نتائج بعض الدراسات مثل دراسة بني خالد (2018)، التي أكدت أن الأساليب التقليدية هي الأكثر شيوعاً، بينما أشارت دراسات أخرى كـدراسة خطاطبة (2009) ودراسة عفانة (2011) ودراسة محمد (2016) إلى وجود ضعف ملحوظ لدى معلمي اللغة العربية في تطبيق أساليب التقويم اللغوي الحديثة بشكل فعال.
ويؤكد هذا الواقع الحاجة الملحّة لتدريب المعلمين على أدوات وأساليب تقويم حديثة تسهم في تعزيز جودة التعليم اللغوي والانتقال من التركيز على الحفظ إلى تطوير المهارات العليا للتفكير والتحليل.
وبناءً عليه؛ يظل التقويم اللغوي حجر الأساس في تحسين النظام التعليمي وتطويره، ومن خلال معالجة المشكلات المرتبطة به، يمكن تحقيق تقدم ملموس في مستوى الطلاب وتعزيز قدرتهم على استخدام اللغة بشكل أفضل، ويحتاج ذلك إلى تضافر الجهود بين المعلمين والمختصين والمخططين لتحقيق تقويم لغوي شامل ومتوازن يخدم الأهداف التعليمية ويعالج نقاط الضعف بفعالية.
رابعًا: الأطر المرجعية للتقويم اللغوي
الإطار المرجعي يُشير إلى إمكانية تقييم مستوى النمو اللغوي لأي طالب أو مجموعة من الطلاب مقارنةً بمستوى النمو اللغوي للطلاب من عمر معين في بلد معين. يُستخدم هذا الإطار كأساس للمقارنة والوصف والتفسير واتخاذ الأحكام، ويُبنى على معايير محلية، وطنية، قومية أو عالمية. تسهّل هذه المعايير دراسة الواقع التربوي، وتساعد في تحديد الطلبة الذين يظهرون قدرات استثنائية تتطلب رعاية خاصة، أو أولئك الذين يعانون من صعوبات تعلم تحتاج إلى تدخل مناسب ودعم إضافي.
تُصنف أنواع التقويم بناءً على الغرض منه، حيث يمثل هذا الغرض الإطار المرجعي لتصنيف التقويم. وفقاً لذلك، يمكن تصنيف التقويم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
- التقويم التشخيصي: يُستخدم قبل البدء في تنفيذ البرنامج الدراسي، ويهدف إلى تحديد مستويات الطلاب المختلفة لوضع خطة تدريس تراعي هذه المستويات.
- التقويم التكويني: يُجرى أثناء عملية التدريس ويهدف إلى معالجة مشكلات التعلم بشكل فوري لضمان تقدم الطلاب في التعلم.
- التقويم الختامي: يُجرى في نهاية مرحلة تدريسية محددة ويستخدم لاتخاذ قرارات إدارية مثل انتقال الطالب إلى مستوى تعليمي أعلى أو تحديد التخصص الدراسي الأنسب له. يمكن أيضاً تصنيف التقويم بناءً على مقارنة النتائج إلى:
-
التقويم محكي المرجع:
هذا النوع من التقويم يعتمد على اختبارات تُفسَّر نتائجها بناءً على محكّ معين يُحدّد مسبقاً، ويتم قياس أداء الطلاب بناءً على هذا المحك.
- يعكس مدى تمكن الطالب من محتوى معين ويُحدد أداؤه بالمقارنة مع العلامة القصوى المحددة للمادة الدراسية.
- على سبيل المثال، يتم ترتيب الطلاب وفقاً لتحصيلهم: الأول للأعلى أداءً، ويليه الثاني، وهكذا حتى الأخير.
وفقًا لملكاوي (2010)، يمثل المحك المرجعي النقطة التي يقارن بها أداء كل طالب بالمستوى المحدد مسبقاً.
-
التقويم معياري المرجع:
يقيس أداء الطالب بناءً على مقارنة أدائه بأداء الآخرين ضمن مجموعة مشابهة (مثل فئة عمرية واحدة أو مستوى دراسي واحد).
- يستند هذا التقويم إلى التفاوت الطبيعي بين الأفراد في السمات النفسية والعقلية.
- تُوزَّع الدرجات وفقاً للمنحنى الطبيعي؛ حيث تتمركز الأغلبية حول المتوسط، بينما يكون عدد قليل عند الأطراف (الأعلى والأدنى).
- يمكن أن تشمل هذه الأطر المرجعية عدة مجالات مثل القراءة، الانتباه، الطلاقة، والقدرات الحركية.
لإنشاء اختبارات مرجعية معيارية في مجال تقويم اللغة، يمكن أن تركز على مهارات محددة (مثل الكتابة أو الطلاقة) مع مراعاة ارتباطها بمهارات أخرى أو بمتغيرات شخصية وانفعالية(ملكاوي،2010).
وتُعد الأطر المرجعية للتقويم اللغوي خطوة أساسية في تحسين أداء الطلاب ومعالجة التحديات المرتبطة بالتقويم التقليدي. إن تنفيذ هذه الحلول يساعد على بناء نظام تقويم لغوي متكامل يعزز من جودة التعليم ويرفع كفاءة الطلاب في مختلف المهارات اللغوية.
خامسًا: حلول للحدّ من مشكلات التقويم اللغوي
- العناية بالجانب التطبيقي: تعزيز استخدام أساليب تقويم الأداء للتحقق من مدى إتقان الطلاب للمهارات والمعارف اللغوية في مواقف تطبيقية تعكس الاستخدام الواقعي للغة.
- مشاركة أولياء الأمور: إشراك أولياء الأمور في عملية التقويم من خلال إبلاغهم بالصعوبات التي يواجهها أبناؤهم ودورهم في تقديم الدعم اللازم، سواء في تحسين القراءة أو الكتابة أو التعبير الشفهي.
- غرس الاتجاهات الإيجابية: تشجيع الطلاب على تبني مواقف إيجابية تجاه التعلم، وغرس عادات التعلّم المستمر التي تساهم في تحسين أدائهم اللغوي بشكل تدريجي.
- التدريب على التقويم الذاتي: تمكين الطلاب من تصحيح أخطائهم بأنفسهم، سواء في القراءة أو التعبير الشفهي أو الكتابة، مما يعزز استقلاليتهم ويزيد من قدرتهم على تطوير مهاراتهم اللغوية.
- إعداد دليل للمعلمين: تصميم دليل إرشادي متكامل يوضح المعايير وأدوات وأساليب التقويم اللغوي، مع أمثلة عملية تُسهِّل تطبيقه بشكل فعال.
- تنظيم برامج تدريبية: إقامة ورش عمل وبرامج تدريبية مستمرة تُركز على تطوير معلمي اللغة العربية، لتنمية مهاراتهم في استخدام أساليب التقويم الحديثة، وتقديم دعم عملي في تصميم وتنفيذ اختبارات شاملة.
- تطوير أنشطة اللغة العربية: مراجعة الأنشطة والتدريبات في مناهج اللغة العربية، بحيث تتوافق مع أهداف التقويم الحديثة وتُحفّز التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب.
- تطوير أدوات القياس: تصميم اختبارات شاملة تقيس الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية لدى الطلاب، مع التركيز على تحقيق التكامل بين هذه الجوانب.
- تحسين بيئة الصف: تحسين تنظيم الحصص الدراسية وإدارتها بما يتيح تنفيذ عمليات التقويم العملي والفعّال دون التأثير سلباً على سير العملية التعليمية.
- الاستفادة من التكنولوجيا: الاستعانة بالتقنيات الحديثة، مثل الأنظمة الذكية وبرامج تحليل الأداء، لتقديم تقويمات دقيقة وملاحظات شاملة تُساعد المعلمين على تحديد نقاط القوة والضعف لدى الطلاب.
وأخيرًا تتطلب معالجة مشكلات التقويم اللغوي تبني نهج شامل يوازن بين النظري والتطبيقي، ويركز على تفاعل جميع الأطراف في العملية التعليمية. من خلال تطبيق هذه الحلول، يمكن تحسين جودة التعليم اللغوي بشكل يواكب احتياجات الطلاب والمجتمع التعليمي، ويؤدي إلى بناء قاعدة متينة لمهارات اللغة العربية على المستويات المختلفة.
المراجع:
- بني خالد، نزيه، والعليمات، محمد. (2018). مدى استخدام معلمي اللغة العربية في المرحلة الأساسية لاستراتيجيات التقويم البديل في الأردن واتجاهاتهم نحوها (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة آل البيت.
- الحميدي، حامد، والظفيري، محمد. (2016). مدى استخدام معلمي اللغة العربية بالمرحلة المتوسطة بدولة الكويت لأساليب التقويم البديل من وجهة نظرهم. مجلة العلوم التربوية، 1(3)، 168-210.
- خطاطبة، منتصر. (2009). درجة امتلاك وممارسة معلمي اللغة العربية لاستراتيجيات التقويم البديل في المرحلة الأساسية الدنيا في محافظة عجلون (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة اليرموك.
- عفانة، محمد. (2011). واقع استخدام معلمي اللغة العربية لأساليب التقويم في المرحلة الإعدادية في مدارس وكالة الغوث الدولية في قطاع غزة في ضوء الاتجاهات الحديثة (رسالة ماجستير غير منشورة). الجامعة الإسلامية غزة.
- علام، صلاح الدين. (2004). التقويم التربوي البديل: أسسه النظرية والمنهجية وتطبيقاته الميدانية. دار الفكر العربي.
- فضل الله، محمد رجب. (2005). متطلبات التقويم اللغوي في ظل حركة المعايير التربوية. في المؤتمر العلمي السابع عشر – مناهج التعليم والمستويات المعيارية: الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس، مج 1، القاهرة: الجمعية المصرية للمناهج وطرق التدريس.
- محمد، حسين. (2016). معايير التقويم اللغوي ومدى تطبيقها في الحلقة الثانية من التعليم الأساسي في دولة الإمارات العربية المتحدة (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة الإمارات.
- ملكاوي، فتحي. (2010). استعمال أطر مرجعية متعددة في تقويم مهارات النمو اللغوي الواقع والطموح. في الموسم الثقافي الثامن والعشرون لمجمع اللغة العربية الأردني، المؤتمر 28، تشرين الأول، ص 645-691.