تضمين التنمية المستدامة في مناهج الحاسب الآلي وتقنية المعلومات، رؤية مقترحة

تعد التنمية المستدامة إحدى الأولويات التي انطلقت منها بنية الإطار الوطني لمناهج التعليم العام في المملكة العربية السعودية، و هي كذلك هي من أبرز المنطلقات التي بنيت عليها رؤية المملكة 2030، ومفهوم التنمية المستدامة Sustainable Development  الذي ظهر لأول مرة في عام 1972م خلال قمة الأمم المتحدة في ستوكهولم يشير إلى التنمية التي تستجيب للحاجات الحالية الحاضرة بدون تعريض حاجات وقدرات الأجيال القادمة للخطر أو عدم استيفاءهم لها، من خلال التطور الجماعي المشترك الموجه لإصلاح نوعية الحياة البشرية ومجتمعاتها.

وتتضمن التنمية المستدامة عدداً من الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتقنية والبيئية، والتي يمكن تضمينها في مناهج التعليم العام، من خلال المعارف والخبرات والقيم والأنشطة التي توجه المتعلم نحو البيئة وتغيرات المناخ، والتنوع البيولوجي ومخاطر الكوارث، وتكافؤ الفرص والشراكة المجتمعية، وتعزيز البحث العلمي، والخدمات الإلكترونية، وكل ما من شأنه أن يرفع من مستوى الممارسات المستدامة عبر التعليم.

وبالرغم من النظرة الشائعة عن جمود مناهج علوم الحاسب الآلي وتقنية المعلومات في تنمية القيم والاتجاهات لدى المتعلمين في موضوعات متعددة، إلا أن هذه النظرة بدأت تتغير في ظل انتشار التكنولوجيا وتقنيات الاتصالات والتأكيد على قيم المواطنة الرقمية، والتي تعد مناهج علوم الحاسب الآلي والمعلومات بيئة خصبة لتضمين ممارساتها.

وبالإطلاع على وثيقة مناهج الحاسب وتقنية المعلومات في المملكة للمرحلة الثانوية خاصة، نجد أن الموضوعات التي يتناولها المنهج، تعد مثاليةً في نظري لتضمين أبعاد التنمية المستدامة من خلال أهداف المنهج، والممارسات والأنشطة وطرق التدريس وسبل التقويم، فالمناهج المطورة تتضمن موضوعات في عمارة الحاسبات، والبرمجة، والحوسبة السحابية، والاقتصاد المعرفي، والمصادر الحرة، والتي يمكن توظيفها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بالرغم من أن وثيقة المنهج لم تتناول التنمية المستدامة بشكل صريح أو أبعادها، وهذا يعد قصوراً في المناهج المطورة، ولا يحقق الأولويات التي تقوم عليها بنية الإطار الوطني لمناهج التعليم العام.

ومن خلال هذا المقال أود تقديم مقترح لتضمين أبعاد التنمية في عناصر المنهج لعلوم الحاسب الآلي وتقنية المعلومات من خلال عدد من النقاط الموجزة:

فعلى مستوى الأهداف يمكن تضمين:

  • تعريف التنمية المستدامة وأبعادها خاصة بعدها التقني كهدف رئيسي للمنهج، وتعزيز الاتجاهات نحوها.
  • ربط التنمية المستدامة بمضامينها التكنولوجية بالأساس الإسلامي الذي يدعو إلى عمارة الكون و الحفاظ على الموارد والعدالة، وتكافؤ الفرص البشرية.
  • توظيف تقنيات الحاسب والمعلومات في حل المشكلات البيئية والكواراث و تحقيق التنمية الاجتماعية، ودعم البحث العلمي.
  • تنمية اتجاهات المتعلم نحو الحوسبة الخضراء، وحماية الموارد، وترشيد الاستهلاك.
  • تنمية القيم المرتبطة بحسن استخدام الموارد وحمايتها، وقيم الإحسان في العمل لتحقيق أعلى قدر من التنمية الاجتماعية، و تعزيز دور تقنية المعلومات والاتصالات في توفير فرص العمل وخفض البطالة، ويمكن توظيف وحدة مهن وتخصصات الحاسب بشكل كبير لتحقيق هذا الهدف.

أما في مجال المحتوى فعلى الرغم من جودة الموضوعات التي يتناولها المحتوى وحداثتها، إلا أن هناك قصوراً في تناول موضوعات التنمية المستدامة مثل الحوسبة الخضراء ويقصد بها استخدام الموارد التكنولوجية بكفاءة وفاعلية بدون أي مردود سلبي على البيئة، وكذلك موضوع النفايات الإلكترونية وكيفية التعامل معها أو ايجاد الحلول الإبداعية لها.  ويمكن إضافة وحدة لتوظيف علوم الحاسب والمعلومات في تحسين بيئة البحث العلمي لتحقيق الاستدامة الاقتصادية وبناء رأس المال البشري، كما يمكن تعزيز أهداف التنمية المستدامة والتأكيد عليها من خلال وحدة الخدمات الإلكترونية وأهمية الحكومة الخضراء في حفظ الموارد وتحسين نمط الحياة. ولعل البيانات المفتوحة ومفهومها من الموضوعات التي يجدر تناولها في مناهج الحاسب الآلي وتقنية المعلومات لأهميتها في تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية ورفع مستوى الشفافية والحوكمة للقطاعات المختلفة، مع توضيح الدور المهم لتقنية المعلومات في هذا المجال.

وعلى مستوى الأنشطة التعليمية ففي تصوري أن الأنشطة هي المجال الأمثل لإكساب المتعلمين القيم والمهارات والاتجاهات نحو التنمية المستدامة من خلال الانغماس في المشاريع والتعلم النشط والتعاوني، الذي تتجلى فيه المضامين والممارسات لتوظيف علوم الحاسب وتقنية المعلومات في خدمة التنمية الشاملة، والبيئة وحل الأزمات والكوارث، فعلى سبيل المثال يمكن إشراك المتعلمين في أنشطة البرمجة والذكاء الاصطناعي لإيجاد الحلول التقنية لمشكلات المجتمع ورفع مستوى رفاهيته، وحل مشكلات البيئة من حولهم، وكل ذلك من خلال توظيف تقنية الاتصالات والمعلومات وبذلك يتم توجيههم نحو فوائد هذه العلوم في حل المشكلات من حولنا، فمن خلال البريد الإلكتروني و تقنيات الاتصالات تم خفض استهلاك الموارد من الورق والحبر وغيرها. كما يمكن أيضا من خلال النظم الخبيرة حل مشكلات الزراعة والصرف الصحي، ومن خلال تقنية الروبوت والذكاء الاصطناعي يمكن التحكم بالحرائق و الكوارث البيئية.

ولعل قيام المتعلمين بالزيارات للمعارض والمؤتمرات التي تناقش أحدث وأبرز منتجات الحوسبة التطبيقية، وأبرز الابتكارات لمن هم في مثل سنهم، هذه الابتكارات التي وجدت لحل مشكلات من واقع حياتنا، هي من أفضل الخبرات التي تنمي اتجاهات نحو الأثر الإيجابي للتقنيات الخضراء في حل المشكلات البيئية، ورفع مستوى الاستدامة الاجتماعية بحلول إبداعية تضمن الرفاهية والاقتصاد المزدهر.

إن تبني المدخل البيئي أو التكنولوجي أو الدمج بينها في تدريس مناهج الحاسب الآلي واستخدام طرق التدريس المتمركزة حول المتعلم مثل المشاريع، وحل المشكلات، و تكليفهم بمهام تقويم أصيلة من خلال تصميم عروض الفيديو، وإنشاء المواقع، وتصميم تطبيقات الهواتف الذكية التي تتناول التنمية المستدامة ينمي اتجاهاتهم نحوها، ويضمن للمتعلم اكتساب مهارات القرن الحادي والعشرين.

كما أن علوم الحاسب الآلي بمجالاتها المختلفة، وتقنية المعلومات والاتصالات تلعب دوراً أساسياً في مستقبل التقنيات الطبية، والزراعية، والصناعية، ومجال الاقتصاد والأعمال، وهذا يستوجب مرونة في مناهج الحاسب لتضمينها كل جديد في المجال، وتعزيز اتجاهات الطلاب نحوها ومستقبلها في سوق العمل، وتعزيز القيم المجتمعية، والمواطنة الرقمية، والتنمية المستدامة من خلالها.

البحث في Google:





عن إيمان صالح الضلعان

محاضرة في جامعة الإمام محمد بن سعود بالمملكة العربية السعودية، حاصلة على ماجستير في مناهج وتقنيات التعليم وشغوفة بتقنيات التعلم الإلكتروني والنقال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *