استراتيجية التلميذ اليقظ

رؤية مستقبلية للفلسفة البرجماتية بالتعليم في المملكة العربية السعودية

التعمق في الفلسفات التربوية هو الوسيلة للوصول إلى الغاية، وهي معرفة أصول الأفكار والتراكم المعرفي، فدراسة النظريات والفلسفات التربوية وسيلة للحكم على الأنظمة التربوية، ووسيلة أيضاً للتعرف على حقيقة المشكلة التربوية ومقدمات نتائج الأحكام التربوية، وإسقاط الإيجابيات على التعليم في المملكة العربية السعودية استشرافا وإصلاحا.

وفي هذا المقال محاولة معرفة ما يتصل بالفلسفة البرجماتية؛ مبادئها وانعكاساتها على عناصر المنهج ثم بيان جوانب القوة والضعف فيها، وما تَكوّن لدى الكاتبة من رؤية في تطبيقها تربوياً والاستفادة منها في التعليم السعودي.

لابد من الاهتمام بوضع المتعلمين في مركز الخبرة، بما يتوفر من بيئة تعلم تساعد على الفهم والإبداع واكتشاف المعرفة بطريقة ذاتية تزيد من ثقتهم بأنفسهم وتحقق ذواتهم. والمساهمات الإيجابية التي يوفرها توظيف تلك الفلسفة على عناصر العملية التعليمية هي مطبقه بالواقع بنسب متفاوتة، ولكن برأيي تحتاج إلى عمليات فلترة (التصفية) وضبط وانتهاج الأسلوب الانتقائي في اختيارات الكاتبة، والسبب أن بعض الأمور التي تدعو لها تلك الفلسفات تتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي وسياسة التعليم في المملكة العربية السعودية.

وفي النقاط التالية سألقي الضوء على رأيي الشخصي في إتباع دمج الفلسفة بالتعليم في وزارة التعليم:

  • عندما أتبنى فلسفة فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على كل من صياغة الأهداف واختيار المحتوى وما يناسبه من طرق تدريس واستراتيجيات وأنشطة وأساليب تقويم كونها متكاملة مع بعضها البعض.
  • الفلسفة البرجماتية على الرغم من اهتمامها بالمتعلم، إلا أنه يُعاب عليها التركيز غير المبرر على انفعالاته ووجدانه ومشاعرة، لدرجة كبيرة تضر بالجوانب الأخرى من عناصر العملية التعليمية، لذلك عندما نتبنى هذه الفلسفة للمتعلم لابد من وضع حدود لهذا الاهتمام، بحيث لا يكون هناك قصور في تنمية بقية الجوانب المعرفية والمهارية، فالاهتمام بمشاعر المتعلم وعواطفه نقطة إيجابية، ولكن لا يكون ذلك بطريقة متعمقة حتى لا ينغمس المتعلم في متاهات تزيد من حبهم لذواتهم وتقديمهم لمصالحهم الذاتية على حساب الآخرين.
  • في حين أن النظام التعليمي في وزارة التعليم تمنع الحرية المطلقة للمتعلم في أن يختار مواد التعلم وكيفية تعلمها، وإن كنت أؤيد ذلك المنع، لكن أنتقد أن تكون مطلقة وأرى أن يتم تقييدها بخيارات تناسب موضوع التعلم من خلال الأنشطة التعليمية والمهمات الأدائية سواء الموجهة أو الحرة، خاصة أن المتعلمين قد لا يملكون الدراية الكاملة لما يجب أن يتعلموه والإجراءات اللازمة لعملية التعلم.
  • لابد من مساعدة المتعلم في تنمية مهارات التفكير الناقد والإبداعي والتأملي والاكتشاف من خلال البحث والتنفيذ والتفسير وتحليل المادة العلمية، فهي وسيلة لتنمية جوانب التفكير المختلفة.
  • أختلف مع الفلسفة البرجماتية في التهميش الزائد للمعلم، أكثر من عناصر العملية التعليمية الأخرى مما يؤدي إلى الأنانية واللامبالاة للمتعلم، وهذا بالتأكيد غير مرغوب فيه لكنه حاضر في الفلسفة.
  • أتفق مع الفلسفة البرجماتية في التركيز على إثارة الميول لدى المتعلم وتزويده بالخبرات الجديدة، من خلال طرق التدريس التي تحقق الترابط بين العناصر المختلفة للمعرفة، وفي المقابل أتفق أيضا مع ما يُطرح في التعليم الحالي في عدم إهمال الاهتمام بالحوار والمناقشة، فهما تساعدان المتعلم على إثارة تفكيره والمشاركة وإتاحة فرصة الأسئلة والمناقشة، مع احترام أرائهم واقتراحاتهم، مما يساعد على تنمية شخصية المتعلم معرفيا ووجدانيا و مهارياً.
  • أرى أنه من المهم الاستفادة من الفلسفة البرجماتية برفع مهارات المتعلم على التعلم الذاتي واكتساب المعارف والمهارات ذاتياً، وأيضا تنويع الأنشطة والخبرات لمراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين، والاهتمام بالأنشطة والخبرات المحفزة على التفكير الإبداعي والتفكير الناقد والابتكار لدى المتعلمين، والبعد عن الأنشطة التقليدية.

وختاما وبالرغم من الإيجابيات والسلبيات في الفلسفة البرجماتية على عناصر العملية التعليمية إلا أنني أرى أن توظيفها لابد أن يكون مقيدا ومشروطا بعدد من الضوابط حتى نضمن أن تنجح العملية التعليمية في تحقيق أهدافها.

استشراف التعليم في ضوء الاستفادة من الفلسفة البرجماتية على عناصر العملية التعليمية:

أرى كمشرفة في وزارة التعليم أن التوظيف الأمثل (المنضبط) للفلسفتين قد تم تفعيله بالفعل من خلال إشباع حاجات المتعلم في ضوء حاجات المجتمع، وفي سبيل ذلك تمت إعادة صياغة الأهداف والمحتوى وطرق التدريس والأنشطة وأساليب التقويم لمساعدة المتعلم على اكتساب المهارات الشخصية والاجتماعية والنمائية في كافة الجوانب دون تغليب جانب على جانب.

كما إن مبدأ التعلم الذاتي والاكتشاف وتحفيز عمليات التفكير بأنواعها الإبداعية والناقدة والتأملية المتبعة في الفلسفة البرجماتية حاضرة في مناهجنا، ولكن بدرجات متفاوتة ومختلفة وأشكال متباينة.

ولو تأملنا الأنشطة الإثرائية في المناهج لوجدنا أن أغلبها تطبق الأنشطة من خلال التعلم الذاتي والعلاقات الاجتماعية وتحفيز التفكير والربط بين النظرية والتطبيق وتقديم خبرات واقعية للمتعلم وغرس القيم السليمة في نفوس المتعلمين، ولكن بطريقة منضبطة لا إفراط ولا تفريط وإتباعا لما تمليه علينا مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي يُعد الضابط الأساسي في كل أمور العملية التعليمية.

والجدير بالذكر أن بعض منطلقات تلك الفلسفة لا يمكن تطبيقها في وزارة التعليم، كون أسسهم ومبادئهم تتعارض مع الأسس الإسلامية المنطلق لأسس التعليم السعودي، التي تقوم عليها المناهج الدراسية، ومنها إعطاء المتعلم الحرية المطلقة لاختيار مواد تعلمة بأي طريقة كانت على حسب أقرانه ومجتمعه (الفلسفة البرجماتية)، وكذلك جعل المتعلم هو المسيطر والمحرك لأبعاد العملية التعليمية، وعدم إلزامه بقواعد صفية تضمن وتقيس تفاعله وتحقق الأهداف التعليمية لديه.

وفي الحقيقة وبعد الاطلاع على الأسس التربوية للفلسفة، أرى أن توظيفها في وزارة التعليم في هذه الفترة غير مطلوب، لعدم الحاجة لذلك، كون أن مبادئ وأسس ومزايا كل فلسفة موجودة بالفعل ومطبقة في الميدان، وما ينقصنا هو التوظيف والتطبيق العملي لخبرات التعلم في حياة المتعلم (المطبق في الفلسفة البرجماتية) وبالرغم من وجوده إلا أنه في ضعف وقصور ملاحظ يحتاج لبحث وعلاج تربوي.

متى تم الاعتماد على ما سبق من خلال توظيف ما هو متناسب في الفلسفة البرجماتية في عناصر التعليم في المملكة العربية السعودية فإن:

  • محور الارتكاز في بيئة التعلم ستكون المعرفة والابتكار الذي يولده المتعلم وييسره المعلم.
  • التعليم قائم على التطبيق والأداء والتوظيف والمعنى، واكتساب الخبرات سيكون مرتبطا بالتنمية البشرية في مجالات الحياة المختلفة.
  • المعلم ميسر وموجه ومراقب ومساعد ومستشار ومشجع على اكتساب المعرفة وإنتاجها.
  • المتعلم ماهر بناء، مبدع، مفكر، مكتشف، باحث عن المعرفة ومنتج لها ويملك المرونة المعرفية.

البحث في Google:





عن د. هتاف بنت مساعد الفريدي

مشرفة تربوية في وزارة التعليم، باحثة دكتوراة "مناهج وطرق تدريس"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *