القيم العلمية

القيم العلمية في مقررات العلوم وسبل تنميتها

يعتبر الجانب الوجداني ذا أهمية كبيرة لتحقيق نمو شامل لشخصية المتعلم، حيث يلعب دور كبيرا في ضبط وتوجيه السلوك الفردي والمجتمعي. ونتيجة للتطورات المتسارعة في مجال المعلومات والتكنولوجيا والاتصالات والتركيز الكبير على الجانب المعرفي والمهاري دون الجانب الوجداني المتمثل في القيم والاتجاهات والميولات وأوجه التقدير، انخفضت منظومة القيم لدى الأفراد مما أثر على المجتمعات فانتشرت سلوكيات غير مقبولة اجتماعيا.

والقيم هي أحد مكونات الجانب الوجداني وأكثرها ثباتاً، حيث يعرفها أبو العينين (1988) بأنها “مجموعة من المعاير والأحكام تتكون لدى الفرد من خلال تفاعله مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية، بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته يراها جديرة بتوظيف إمكانياته وتتجسد خلال الاهتمامات أو الاتجاهات أو السلوك العلمي أو اللفظي بصورة مباشرة أو غير مباشرة”. ومما سبق يتضح أن إطلاق لفظ قيمة يتضمن ثلاث عمليات كما اشار لها (Raths,Harmin and Simon,1978) وهي:

  • عملية الاختيار: حيث يختار الفرد مجموعة من التصورات حول موضوع معين.
  • عملية التقدير: حيث تقدير الفرد لاختياراته وتتضمن الاعتزاز بالقيمة و إعلانها.
  • عملية تمثيل القيم: بالسلوك الظاهري للفرد وتكرارها وتثبيتها في سلوكه.

والقيم ليست بمعزل عن بعضها البعض بل تتكون من مصفوفة من القيم (نسق قيمي ينظم ويوجه سلوك الفرد بصورة لا شعورية في أغلب الأوقات، وتتألف من الجانب المعرفي وهو المسؤول عن تزويد الفرد بالمعلومات عن طبيعة القيم، وهو مرتبط بحرية الفرد واختياراته، والجانب الوجداني المسؤول عن اختياراته وأهميتها وفاعليتها في تحقيق آماله، والجانب السلوكي وهو الجانب الذي يمثل القيم فعلياً في حياته ومن خلال أعماله (الجلاد 2007؛ أماني الموجي 2016 و Ferreira 2014). وهذا النسق القيمي يرتقي من الطفولة المبكرة وحتى نهاية العمر وليس قاصرا على فترة أو مرحلة عمرية معينة، ومع نمو الفرد تزداد المعايير التي يحتكم إليها كما يتغير مفهوم المرغوب والمفضل له مع اكتساب خبرات جديدة (خليفة، 1992). وارتقاء القيم واستيعابها يمر بمراحل مختلفة حددها كراثول وزملاؤه في ثلاث مستويات وهي: التقبل أي الاعتقاد بأهمية القيمة، والتفضيل أي تفضيل الفرد لقيمة معينة، والالتزام بالدرجات وعدم الخروج عنها. (الخليفة ،1992)

ونتيجة لما أفرزته الثورة العلمية والتكنولوجية في العصر الحالي حيث القيم مرتبطة دائما بالمجتمع والمستجدات فيه، أدى ذلك إلى التأثير على منظومة القيم، حيث ظهرت بعض القيم واختفى البعض منها. وتؤكد العديد من البحوث التربوية والاجتماعية على الدور المحوري للقيم في التأثير المباشر على سلوك الفرد مما يؤثر على المجتمعات، حيث تلعب دورا كبيرا في المحافظة على الهوية لذلك كان لابد من العناية بالقيم في المنظومة التربوية من خلال غرس القيم في شخصية الفرد وذلك بتضمينها في المناهج الدراسية سواء بصورة مباشرة وصريحة أو غير مباشرة وضمنية.(فاطمة بوكرمة ، 2012؛ جميلة سليماني، 2012)

وتعد العلوم بناء معرفيا تراكميا عبر الزمن، وهي ضرورة ملحة لجميع المجتمعات. وتلعب مناهج العلوم دورا مهما في تقدم المجتمعات من خلال بناء مواطن مثقف علمياً وعلى درجة عالية من الكفاءة والأداء، حيث تقدم للمتعلم أشكالا متعددة من المعرفة العلمية والمهارات والاتجاهات والقيم العلمية (خطابية، 2011)، ويؤكد (زيتون، 2010) أن تنمية الاتجاهات و القيم العلمية من الأهداف الأساسية لتعليم العلوم باعتبارها موجهة للسلوك ومتنبئة به، وبالتالي تكوين العقلية العلمية التي تحتاجها المجتمعات للتطور والتقدم.

وتركز المعاير القومية للتربية العلمية (NSES) القائمة عليها مناهج العلوم الحالية في أهدافها على ثلاث مجالات وهي: المجال المعرفي، والمجال المهاري، والمجال الوجداني. وفي المجال الوجداني توجد ثلاث أبعاد للقيم العلمية، وهي القيم المرتبطة بالتعليم والمرتبطة بالعلوم والمرتبطة بتعليم العلوم. وهذه القيم الثلاث مترابطة ومتداخلة ومتشابكة مع بعضها البعض، حيث العلم ليس بمعزل عن المجتمع. (Hilderbrand, 2007 و علي، 2002)

والقيم العلمية هي محصلة الاتجاهات الإيجابية لدى الأفراد إزاء موضوع علمي أو موقف متصل بالعلوم. والعلوم ليست بمعزل عن المجتمع حيث القيم في العلوم تتضمن قيما مرتبطة بتعليم العلوم والقيم المعرفية في العلوم والقيم المجتمعية والقيم الخاصة بالعلم والعلماء. (Corrigan, Cooper, Keast& King, 2010;cunduz,2015;Gorgut,2018)
ويذكر  (Clement, 2006) في نموذجه KVP الذي يوضح التقاطع بين المعرفة العلمية والقيم والممارسات الاجتماعية أن القيم العلمية في تدريس العلوم ترتبط  بالقيم الاجتماعية والتي توجه السلوك والممارسات (كممارسات اجتماعية)، حيث القيم توجه الممارسات العلمية والاجتماعية والتي تظهر في النتائج والمعرفة العلمية، فالترابط بين العلوم والتكنولوجيا والقيم والمجتمع . وتؤثر القيم العلمية على الممارسات والاستقصاء العلمي واختيار الظواهر العلمية للدراسة والطرق العلمية والإجراءات وتشكل الأساس الأخلاقي العلمي للعلوم حيث الأمانة العلمية والتعامل مع البيانات والدقة في النتائج العلمية والتعامل مع الاختلاف والتنوع العلمي. (Burkhard, 1999; Mckaughan, 2017 cunduz,2015;Gorgut,2018)

وتؤكد اليونسكو (UNESCO, 1991) على أهمية تعليم القيم العلمية لتكون إطارا مرجعيا للأفراد في مختلف المواقف التي تواجههم خصوصا مع مستجدات العصر الحالي، بحيث تسهم القيم العلمية في تعزيز مهاراتهم المتصلة بالعلم، مما يساعد على التعامل مع المشكلات المجتمعية والحقائق وعلى الإحساس بالمشاركة في قضايا العلم ومشكلاته.

والمطلع على مناهج العلوم يلاحظ تركيزها على المعلومات العلمية والاهتمام بالجانب المعرفي العلمي على حساب الجانب الوجداني الذي تتشكل من خلاله القيم العلمية. فأتت القيم العلمية في كتب العلوم بصوره مهمشه وغير صريحة. والعديد من المؤتمرات أشارت إلى ضرورة الاهتمام بالقيم ومنها المؤتمر التربوي الدولي الأول (2012)، والمؤتمر الدولي القيمي الثاني (2018). وجاءت رؤية المملكة العربية السعودية لتؤكد على القيم الإيجابية المحققة للتنمية المستدامة للفرد والمجتمع.
والقيم العلمية في مناهج العلوم تتألف من: حب الاستطلاع، والتفكير العلمي، والأمانة العلمية، وتقدير العلم والعلماء، وقبول النقد، وأخلاقيات البحث العلمي.

وتعتقد الباحثة بأن عملية تنمية القيم العلمية في مناهج العلوم لا تتعلق بوجود محتوى معين لضمان تنميتها، إذ نلاحظ أن كل معرفة علمية تطرح في كتب العلوم تندرج منها قيم ومهارات علمية، ولابد أن تشتمل كل وحدة علمية من الوحدات الدراسية في كتب العلوم القيم العلمية الستة المذكورة سابقاً. ولا تتم عملية تقسيم القيم العلمية بحيث تختص بها وحدات دون أخرى، بل لابد من تنميتها جميعاً في كل وحدة دراسية وذلك بعملية تكرارها المستمر وتعزيزها لتنمو بصورة صحيحة.
ولتنمية القيم العلمية في كل درس من دروس العلوم بالوحدات الدراسية، يمكن ترك مساحة بعد كل تساؤل علمي مرتبط بصورة  أو شكل أو نموذج يثير اهتمام المتعلم في بداية كل درس لكتابة الإجابة ومناقشتها مع الآخرين، تليها مرحلة معالجة المفاهيم العلمية الأساسية، وتتم بطرق استقصائية وتجريبية من خلال استقصاء مبني أوموجّه أو حرّ، يكتب فيه المتعلم ملاحظاته وقياساته وتفسيراته للوصول إلى نتائج وتعاميم. وهذا ما تفتقر له المناهج الحالية التي تركز على الفصل بين المحتوى والأنشطة الاستقصائية وفي الغالب العام تكون الأنشطة الاستقصائية بعيدة عن المحتوى العلمي. ثم يتم بعد ذلك تناول المفهوم العلمي بعد المعالجة وتدوين النتائج بدلا من السرد العلمي، ثم نقوم بتقويم بنائي لكل مفهوم علمي من خلال سؤال يربط بين المحتوى العلمي وبيئة المتعلم و القيمة العلمية، ويكون السؤال مفتوحا لتعزيز القيم العلمية وتقدير قيمة العلم في المجتمع وأهميته وتتضح فيه استقلالية المتعلم، ثم تأتي مرحلة التلخيص والتقويم الختامي متضمناً أسئلة مفتوحة لتعزيز نمو القيم العلمية،ويتم تكرار هذه الآلية في كل درس من دروس العلوم.

وتحتاج تنمية القيم العلمية لعدة استراتيجيات متنوعة منها:

  • مدخل الغرس المباشر: من خلال وضع أهداف وجدانية محددة ومستوى أداء محدد ليعبر عن اكتساب القيم وطرق تدريس مثل القصة والشرح والقراءة والتلخيص.
  • مدخل توضيح القيم: من خلال المناقشات العلمية وحل المشكلات والاستقصاء والتعلم التعاوني والعصف الذهني وطريقة المشروع والرحلات الميدانية.
  • مدخل تحليل القيم: ويقوم على استخدام أساليب التفكير المنطقي والناقد في التعامل مع قضايا العلوم.

ولابد من تقويم القيم العلمية من خلال أساليب تقويم متعددة مثل: بطاقة ملاحظة، مقاييس القيم والاتجاهات، اختبارات، البحوث والتقارير، تقويم ذاتي، مهام أدائية، ملفات الإنجاز.

وكخلاصة لما سبق، فإن تنمية القيم العلمية في مناهج العلوم ضرورة ملحة لابد لكل معلم علوم مراعاة تنميتها أثناء تدريسه وعدم الاقتصار على المحتوى المعرفي والمهاري فقط بل لابد من تضمين الجانب الوجداني في جميع المواضيع العلمية وتكرارها وتعزيزها.

 

 

المراجع:

  • أبو العينين، على خليل. (1988). القيم الإسلامية والتربية. المدينة المنورة: مكتبة إبراهيم الحلبي.
  • الجلاد، ماجد. (2007). تعلم القيم وتعليمه. عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.
  • الموجي ، أماني محمد. (2016). تقويم مناهج العلوم للمرحلة الابتدائية في ضوء نسق مقترح للقيم العلمية بمصر. دراسات عربية في التربية وعلم النفس، 473-508.
  • بوكرمة، فاطمة الزهراء أغلال. (2012). دور المدرسة في التربية على القيم. عالم التربية، 246-260.
  • خطابية، عبدالله. (2011). تعليم العلوم للجميع. عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع.
  • خليفة، عبداللطيف محمد. (1992). ارتقاء القيم. الكويت: عالم المعرفة.
  • زيتون،عايش. (2010). الاتجاهات العالمية المعاصره في مناهج العلوم وتدريسها. عمان: دار الشرق.
  • سليماني، جميلة. (2012). التربية على القيم. مجلة عالم التربية،21، 288-297.
  • على، محمد السيد. (2002). التربية العلمية وتدريس العلوم. القاهرة: دار الفكر العربي.
  • Burkhard, J. (1999). Scientific values and moral education in the teaching of science .perspectives on science ,7(1),87-110.
  • Clement,P. (2006). Didactic transposition and the KVP modle:conceptions as interactions between scientific knowledge ,values and social practices . Portugal: procedings of ESERA Summer School 2006,IEC.
  • Corrigan,D:Cooper,R:Keast,D:&King,D. (2010). Expert Science Teacher’sNotion of scientific literacy. Australia: International Conference of STEM.
  • Ferreira,C, S. (2014). Teachers Experinece of The Implementation of Values in Education in School “Mind the gap”. South Afraican of Education , 34 (1) 1.
  • Gorgut,I. (2018). Values Education and Physical in Turkey . International Education Studies, (11) 3 p18.
  • Gunduz,M. (2015). The Openion of Primary School Teachers on How to Teach Values . International Online Journal of Education Science , 7(3),201-214.
  • Hilderbrand, G. M. (2007). Diversity,Values and the science curriculum . The NetherlandsScience Puplishers , 45-60.
  • Mckaughan, D. (2017). What Role Do Values Play in Scientific Inquiry. Retrieved from https://www.bigquestionsonline.com/2017/02/13/what-role-values-play -in-scientific-inquiry
  • Raths,L;Harmin,M;Simon. (1978). Values and Teaching :Working With Values in the Classroom . USA: Charles,E& Merrill Publishing Company .
  • (1991). Values and Ethics and the Science and Technology Curriculum. APEID, 24-39

البحث في Google:





عن وفاء محمد الربيعان

معلمة علوم وفيزياء، باحثة دكتوراه في مناهج وطرق التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. مهتمة بالبحث العلمي وتدريس العلوم، لها العديد من الأوراق العلمية في مجلات ومؤتمرات علمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *