لماذا نتعلم التربية الجمالية

لماذا نتعلم ؟

لماذا نتعلم ؟

سؤال قد يبدو بسيطاً لأكثرنا ولكن دعونا نبدأ حديثنا بقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)، “سورة الزمر: الآية 9” آية تدعونا للتفكر والتأمل.

ما أودُ طرحه هنا لماذا نتعلم ؟ وما الغاية من ذلك؟ هل هو شغفُ العلم، أم تفاخرٌ لنا؟ وهل الشغفُ هنا محمودٌ دائماً؟ أم أنه في بعض الأحيان نقمة على صاحبه، وكيف يمكن أن نملك ذكاء عاطفيا في معاملاتنا اليومية؟

الشغف هنا ليس كافياً دوماً؛ لأنه قد يحملنا على أن ندوس على كل شيء أمامنا، ونتجاهل مشاعر الآخرين حتى أقرب الناس لنا، وبالتالي لابد من وقفة تأمل في حياتنا وأعمالنا، وكذلك  التأمل في حياة ونجاحات الآخرين، واتباع منهج التفكير والقرار، والتفكر دائما بكلمة (الثمن) التي تحمل الكثير من المعاني، فالثمن هنا ليس النقود التي في جيوبنا، أو ما نملكها، وإنما الثمن قد يكون ما ندفعه من أعمارنا، الثمن قد يكون حياتنا، حياة نقضيها داخل مجتمع يرسم للناس عدة صفوف، وعلينا السير في تلك الصفوف والمسارات بإيقاع زمني محدد، فإذا أخذت وقتك لتحقيق حلمك أو هدفك، فأنت تحيد عن المسار الذي رسمه لك مجتمعك، وربما تكون منتقد من قبل الجميع، ولكن لا عليك طالما هناك إنجاز يحسب لك.

الكثير منا لا يعرف لماذا يتعلم وربما لا يهتم لذلك، ولقد عانى أغلبنا من هذا السؤال في حياته الجامعية الأولى دون تحديد أهداف تذكر، فالأفراد قد يتعلمون من أجل حب التعلم، أو ملء الفراغ، أو المغامرة والاكتشاف، أو أنهم يتعلمون من أجل توسيع قاعدة الإدراك، فالتعلم في كل الأحوال يرتقي بوعي الإنسان ويوسع مداركه، ويساهم في تحول حياته إلى أكثر جدية والترميز على ما هو قادم.

إذا لماذا نتعلم ؟ …… هنالك الكثير من الأسباب التي تدعونا وتدفعنا للتعلم ومن أهمها:

  • نتعلم من أجل أن نتأدب، فالعلم الذي لا يغير من كيمياء النفس ويجعلك إنساناً أرقى هو ليس علماً مفيداً، فالطب الذي لا يقذف في قلبك رحمة ليس علما، والتعليم الذي يجرد من الإنسانية أثناء العملية التعليمية التعلمية ليس علما، والأدب هنا له عدة مستويات أولها وأسماها الأدب مع الله (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إله إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)”محمد 19″
  • نتعلم لِنُحَصل شروط القوة (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) “مريم12”

العلم مهمة وأمانة، وبالتالي لابد من أخذ موضوع العلم والتعلم بجدية واهتمام، كي لا ندفع أعمارنا ثمناً باهظاً لاستهتارنا، حيث على الجميع أن يتحمل مسؤولية القرار الذي يأخذه وينجزه بقوة وتفوق، وفكرة تحصيل العلم هو أساس لتحصيل القوة، والقوة هنا لا تعني البطش والهيمنة، كما نرى في العديد من الدول والمجتمعات  من إنتاج أسلحة الدمار وإثارة الفتنة والتناحر بين الشعوب، بل التناحر أيضا بين أبناء المجتمع الواحد، مما يؤدي إلى وقف عجلة التنمية والتقدم لتلك الأمم، وبالتالي يصبح التعليم هنا أداة للبطش ويتساوى مع الجهل، بل قد يكون أسوأ منه، وإنما القوة هنا تعني إتقان العمل والإخلاص فيه.

  • نتعلم من أجل تحصيل الحكمة: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) ” البقرة ٢٦٩” والحكمة أرقى مستويات التحصيل في التعليم، فالحِكمةُ مَرْجِعُها إلى العَدْل والعِلْم والحِلْم فهي الغاية، وهي مقترنة بالأدب، وتعرف الحكمة على أنّها حالة أو صفة يتم من خلالها التمييز ما بين المقبول وغير المقبول، مقترناً بِحُكمٍ عادل وبصيرة، وتشمل الحكمة القدرة على التعلّم والتلفّظ بأقوال حكيمة والتصرف بحكمة وموعظة، كما تمتاز بأنها مزيج ما بين المعرفة والخبرة والفهم العميق للتسامح والتوازن.
  • نتعلم لنبتغي الإصلاح (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) “هود 88″، وبالتالي لابد لنا أن نبتغي العلم دائماً من أجل الصلاح والإصلاح كلما استطعنا ذلك، إلا فلا فائدة من علمٍ نسعى به إلى خراب أو تدمير من حولنا، أو حتى تدمير البشرية مثلما يحدث الآن في الكثير من الدول وما ينتج عن الأبحاث العلمية وغيرها من ممارسات تؤثر سلباً على حياة البشرية.
  • نتعلم لتكتمل المنظومة الأخلاقية المرتبطة بالعلم، منظومة الثلاث دوائر: دائرة معرفة النفس، ودائرة معرفة الكون، ودائرة معرفة الخالق، فهذه الدوائر الثلاث متكاملة، متداخلة بينها ترابط كبير تعتمد على بعضها البعض، حيث معرفة الخالق، والتفكر في خلق النفس والكون له أثر كبير في رفعة العلم والعلماء.
  • التعلم يحسن الفهم لمعنى الحياة والتعامل مع تحدياتها المختلفة، فإنك كلما تعلمت كنت كمن يكنز القطع الذهبية في كل مرة، فالتعلم ينمي ويعزز الانفتاح والازدهار في المستوى الفكري. لذا كان التساؤل لماذا نتعلم ؟ هو سؤال مهم في رحلة الحياة لأن الهدف الأسمى هو مرضاة الله وإعلاء قيمة الأمة.

·        نتعلم لنكوّن مجتمعاً راقياً، والمجتمع الراقي في رأينا هو المجتمع الذي يؤمن أفراده بالتقدم والتطور وتربطهم رباط المودة والتراحم وعلاقات الحب والاحترام والمثل العليا، وينأى أبناؤه عن الأنانية وحب الذات، وتأكيد روح التعاون والتكافل، وتحقيق العدالة التي نفتقدها في هذه الزمان، ولكي نحقق المجتمع الراقي لابد أن نتمتع جميعا بالأخلاق والمبادئ والقيم النبيلة التي تدفعنا إلى إتقان العمل والتفاني كما ذكرنا سابقا، قال تعالى(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) “المائدة 2”.

  • نتعلم ليكون اقتصادناً قوياً، ونعني هنا بالاقتصاد القوي اكتفاءَ المجتمع ذاتيا في كل النواحي، ويأتي ذلك بالتخطيط الجيد، والتعاون البناء بين جميع مؤسسات الوطن لتضمن تلبية طلبات واحتياجات المواطنين المعيشية بشكل لائق، مع إيجاد توازن في عملية التوزيع أو ما يسمى (بعدالة التوزيع) والتي من شأنها أن تدفع الأفراد إلى بذل المزيد من الجهود من أجل تنمية بلدهم والوصول بها إلى الرخاء والتقدم وبذلك تتحقق (زيادة الإنتاج)، وهذا ما نفتقر له في غالبية مجتمعاتنا العربية، نظراً للأطماع السياسية والشجع الذي أصاب العديد من المسؤولين.
  • نتعلم لنحقق السياسة المستقرة، والتي لا تتحقق إلا بعد تربية الشباب التربية الصالحة وإعدادهم للحياة مبكراً، ورسمهم لأهدافهم منذ أنامل أصابعهم كي لا يتبقى لديهم وقت لإثارة المشكلات الاجتماعية وغيرها من المشاكل الحياتية التي ترهق الشباب العربي وتأخذ من وقته كثيراً، فالسياسة المستقرة هي تلك السياسة التي تجعل الأمة آمنة مطمئنة، يعيش أفرادها في ود وسلام، وهذا بالضبط ما نحتاجه في حياتنا المعاصرة.

إن ما ذكرته مسبقاً ما هي إلا بعض الإضاءات التي نحتاجها في حياتنا اليومية، لنتفكر في أهدافنا وأسباب سعينا للتعلم، ونسأل أنفسنا دائما هل نحن فعلا هذا ما نحتاجه من تعلمنا، هل تحقق لنا ذلك، وما نسبة تحصيلنا له، إن كانت الإجابة غير مرضية فهذا يعني أن تعلمنا فيه خلل، والشيء الذي فيه خلل لا يقبل، فكفانا تقليداً، فدعونا نتفكر في قوله تعالى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا) “الإسراء 36”.

واختم مقالي هذا بقول العالم الأسترالي وليم براغ الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء:” الشيء المهم في المعرفة والعلم ليس الحصول على الحقائق بقدر ما هو اكتشاف طرق جديدة للتفكير فيها. الأميون في المستقبل ليس ممن لا يعرفون القراءة والكتابة أو حتى المهارات الحاسوبية والتقنيات الحديثة، ولكنهم هم الذين لا يستفيدون من فرص التعلم.”

المراجع:

– القرآن الكريم.
– سعيد بن أحمد آل لوتاه، 1995: ( لماذا نتعلم ؟)، مطبعة المعهد التقني، ط 1، دبي، 1996.  (من هنا)
– بسمة كمال العتيبي2017 “ما معنى الحكمة”. https://mawdoo3.com
–  أمينة منصور حطاب 2018  ” لماذا نتعلم ..؟ ” http://alrai.com/article

البحث في Google:





عن إلهام جميل حسن أبو حجر

نائب مدير مدرسة في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - حاصلة على درجة الماجستير مناهج وطرق التدريس تخصص تكنولوجيا التعليم من الجامعة الإسلامية - طالبة دكتوراه مناهج وطرق تدريس في الجامعة الإسلامية غزة فلسطين.

4 تعليقات

  1. محمد طه بصل

    سؤال في الصميم، وجهد موفق لتقديم إجابات، أرجو أن تضاف إلى غيرها ليتمكن المنفذون من وضع آليات التطبيق المناسبة..تقبل الله جهودكم.

  2. أمل بنت سليمان

    موضوع موفق و مهم ومرتبط بالقيم والمبادئ الدينية والهوية الإسلامية. بحاجة ماسة إلى أن نكرر ذلك على شبابنا وأطفالها.
    جزاك الله خير

  3. سؤال جيد ومقال مهم، إجابة السؤال تحفزنا على التعلم أكثر، والمقال يستعمل بعضا مما في القرآن الكريم من نفائس وكنوز،
    وهذا في رأيي ما نحن بحاجة إليه وليس أن نجري وراء تراث غيرنا ونقتبس منه، فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

  4. عيسى عنان

    سؤال مهم جدا، ومقال حدد الكثير من الاجابات التي تجعل القارئ يقتنع بما يريده
    جزاك الله كل خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *