فلسفة منهج مونتيسوري

مبادئ و فلسفة منهج مونتيسوري التعليمي

هذا المقال هو الثاني من سلسلة مقالات حول ” منهج مونتيسوري التعليمي “من إعداد رشيد التلواتي عضو مُؤسس ومُحرر في مدونة تعليم جديد، والتي ينشرها حصريا على صفحات المدونة، بهدف الإحاطة بأهم ما ينبغي معرفته عن هذا المنهج الرائد. يمكنكم قراءة المقال الأول السيرة الذاتية ل ” ماريا مونتيسوري ” من هنا.

مبادئ و فلسفة منهج مونتيسوري

أكدت ماريا مونتيسوري دائما على أن التعلم لا يقوم به إنسان تجاه آخر، بل هو نابع من الداخل وهذا هو ما ينبغي أن يكون وهو ما ينبغي أن نقر به. فالشخص عليه أن يعمل انطلاقا من ذاته، وإلا فإنه لن يفعل ذلك مطلقا، وكل ما سيحتاجه من الآخر هو التأطير والمراقبة والتوجيه كلما اقتضى الأمر ذلك. كما تشرح لنا مونتيسوري أيضا أن شخصا أو طفلا تلقى تكوينا وتربية جيدة، سيواصل التعلم طويلا بعد انقضاء الساعات والسنين التي قضاها في الفصول الدراسية لأن الفضول الطبيعي وحب المعرفة يدفعانه ويحفزانه على ذلك.

1- هكذا يتعلم الطفل

استعمال وسيلة أو أداة تعليمية يرتكز  في أول ما يرتكز عليه على قدرة الطفل واستعداده، وهكذا فاستعمال وسيلة أو لعبة تفوق كفاءة الطفل وقدرته أو تقل عنها بكثير، يبقى مُجرد مضيعة للوقت ويحول دون تحقيق الأهداف المرجوة. ولهذا ما فتئت ماريا مونتيسوري تشبه عقل الطفل بالإسفنج، فهو يمتص المعلومات والتفاصيل والجزئيات كاملة بشكل مثير للدهشة وهي السيرورة التي يتبعها الطفل –مثلا- في تعلم لغته الأم عند سن الثانية، دون أي تعليم نظامي أو تدخل واضح من أبويه. وهو الشيء الذي يصعب على الكبار فعله لتعلم لغة أجنبية، لأن التعلم بهذه الطريقة شيء طبيعي لدى الأطفال الصغار فهم يستعملون كل حواسهم و يلاحظون أدق تفاصيل بيئتهم ومحيطهم، ولهذا ينبغي أخذ هذا الأمر بجدية أثناء تعليمهم.

وعليه تقترح مونتيسوري ضرورة تبني هذه الطريقة الطبيعية في التعلم وإغنائها والعمل بها داخل الفصول الدراسية المعدة لذلك بشكل يُمكن الطفل من مناولة الوسائل التي تُعلمه وتكسبه المعلومات التعليمية الأساسية.

فبعد تجربة تربوية رائدة دامت لأكثر من 60 سنة تمكنت ماريا من دعم وتقوية فرضيتها لتصبح منهجا قائما بذاته. منهج يمكن تلخيصه في كون الطفل يتعلم القراءة والكتابة والحساب بنفس الطريقة الطبيعية التي يتعلم بها المشي والكلام. وهو ما تمكنت مونتيسوري من أخذه بعين الاعتبار في أقسامها الدراسية. فهي ما فتئت تُشدد على أن يد الطفل هي المعلم الأول له. لكي يتعلم لابد له من التركيز أولا، والطريقة المُثلى -حسب مونتيسوري- للوصول إلى هذا التركيز هي شد انتباه الطفل إلى مهمة أو مهمات يتطلب إتمامها العمل يدويا.

2- أهمية السنوات الأولى من عمر الطفل

تؤكد الطبيبة و المربية ماريا مونتيسوري على أن أهم فترة في عمر الطفل هي الفترة من مرحلة الولادة إلى سن السادسة، وليست هي فترة الدراسة الجامعية –كما قد يعتقد البعض- ففي هذه الفترة يتبلور أهم جهاز لدى الإنسان وهو الذكاء. وليس الذكاء فقط  بل جميع قدراته. وهو الشيء الذي أكدته دراسات لاحقة، لعل أهمها هي تلك التي قام بها بنجمان بلوم حيث يُقر أن 50% من القدرات العقلية للطفل يتم تكوينها بين الولادة وسن الرابعة و  30% يتم تكوينها بين سن الرابعة والثامنة ومنه ف 80% من هذه القدرات يتم تكوينها خلال السنوات الثمانية الأولى من عمر الطفل وهو ما جعله هو الآخر -تماما مثل ماريا مونتيسوري- يؤكد على أهمية الاهتمام ببيئة التعلم، خصوصا في السنوات الأولى من عمر الطفل. وهنا يسوق لنا مثالا : وهو أن فرض حمية غذائية على مراهق يبلغ من العمر 18 سنة لن يؤثر على قامته وطوله بينما يمكنه تأخير نمو طفل ذو سنة واحدة من العمر. ولهذا وبما أن 80% من تطور ونمو العقلي يتم خلال السنوات الثمانية الأولى من العمر فقد وجب الاهتمام بتوفير الظروف الملائمة والمساعدة على تعلم الطفل وتكوينه وتربيته، وهو ما تسعى إليه مونتيسوري من خلال منهجها الذي يحمل اسمها.

3- في الوقت المناسب

ملاحظة أخرى قامت بها ماريا مونتيسوري و أكدتها الدراسات والأبحاث فيما بعد وهي أهمية اختيار الفترات الحساسة المناسبة لكل تعلم. هي فترات محفزة للطفل، ومن ذلك نزول وطلوع الأدراج، ترتيب أشياء في مكانها، العد والقراءة… فمن السهل على الطفل تعلم وفهم شيء معين في الفترة المناسبة، على تعلمه في فترة أخرى من حياته. ولهذا تحرص البيئة التعليمية لمونتيسوري على إعطاء الطفل أكبر مساحة ممكنة من الحرية لجعله يختار النشاط المناسب لفترات اهتمامه الشخصية.

4- متى نبدأ ؟

في أي سن يمكن للطفل ولوج المدارس التي تعمل وفق منهج ومبادئ مونتيسوري؟ عموما يمكن للطفل أن يستأنس بهذا المنهج منذ سن الثانية إلى الرابعة من العمر، حيث يتوقف ذلك على عاملين أساسين هما السن الأدنى الذي تحدده كل مدرسة وكذلك على مدى استعداد كل طفل أو طفلة لتقبل جو الفصول الدراسية والتأقلم مع بيئة مختلفة عن تلك التي اعتادها في المنزل رفقة أبويه، حتى وإن كانت مشابهة لها قليلا. في البداية يكون العمل وفق أنشطة بسيطة وسهلة تنال إعجاب كل الأطفال، بينما تساعده الوسائل والألعاب التي  يعمل عليها بين سني الثالثة والرابعة على تنمية التركيز والربط واكتساب عادات العمل الضرورية للأنشطة والتمارين الأكثر تعقيدا التي سيعمل على حلها لاحقا في السنوات الخامسة والسادسة من عمره. إذن وبتعبير أكثر بساطة وباختصار، يمكن القول أن فلسفة منهج مونتيسوري تقوم على إعطاء السنوات الأولى من عمر الطفل الأهمية الكبرى والعناية المثلى التي تستحقها والتي يجب أن تُعطاها.

5- طفل يعمل و أدوات مساعدة

الفصول التعليمية مونتيسوري هي في الواقع عالم الطفل، لأنها مجهزة لتناسب حجم ووتيرة عمل واهتمامات الأطفال ذكورا و إناثا المتراوحة أعمارهم بين الثلاث و الست سنوات، مُصممة لجعلهم أكثر راحة في بيئة تمنحهم الحرية للاكتشاف والعمل. مُستعينين في ذلك بوسائل وأدوات مرتبة في رفوف قصيرة يمكن لجميع الأطفال الوصول إليها. يمكنهم تحريك الطاولات من مكانها وكذلك الكراسي، وهو ما يضمن توزيعا غير روتيني للطاولات وكذا الأطفال. توزيع مرن مناسب لجميع أنواع الأنشطة. كما يمكن للأطفال الجلوس على زرابي فُرشت على الأرض مباشرة لوضع أكثر راحة.

وجدير بالذكر أن الوسائل التعليمية في بيئة مونتيسوري تنقسم إلى خمس مجموعات رئيسية وهي:

– وسائل من الحياة اليومية للطفل، وتدخل ضمن الأنشطة الأولى التي يزاولها أطفال الثلاث والأربع سنوات.
– الوسائل الحسية ويمكن استعماله من طرف جميع الفئات العمرية.
– وسائل تعلم الرياضيات.
– وسائل تعلم اللغات.
– الوسائل الأكاديمية و هي تلك التي تُستخدم لتعلم العلوم والتاريخ والجغرافيا.

6- دور المدرس في فصول مونتيسوري

في فصل مونتيسوري، لا يوجد مكتب للمدرس. لا حاجة له في بيئة مونتيسوري، فدور المدرس هو توجيه التلاميذ وليس الجلوس على كرسي خلف مكتب لمراقبة التلاميذ… هو قبل كل شيء، مُلاحظ شديد الانتباه. من المفروض فيه التقاط حاجيات و اهتمامات كل طفل وعمله اليومي يكون ثمرة لكل ملاحظاته أكثر مما هو اتباع منهج ومقرر دراسي مفروض ومُعد سلفا. ويحرص على طريقة استعمال الوسيلة التي اختارها كل طفل. كما يلاحظ بعناية درجة تقدم كل طفل ويدون الملاحظات المتعلقة بتعامله مع الوسائل و الأدوات ويتدخل كلما دعت الضرورة، من قبيل منع الطفل من استعمال وسيلة تتجاوز قدراته ومستواه وتشجيع طفل آخر يتردد في اختيار وسيلة العمل، وتوجيه طفل آخر وقع في خطأ ما ومساعدته على اكتشاف أين أخطا (التعلم عن طريق التجربة، التعلم بالاكتشاف).

7- سلوك الأطفال

يمكن تشبيه الفصول الدراسية لمونتيسوري بخلية نحل تعج بالحركة: طفل يمشي و آخر يقف وطفلة تستفسر عن كيفية حل مشكل…وكل هذه الأنشطة هي -طبعا- تحت قيادة المدرس و مع احترام تام لأعمال الآخرين.

8- جو غير تنافسي

تغيب المنافسة داخل الفصول الدراسية مونتيسوري، لأن كل طفل يهتم بعمله الخاص وينشغل بالوسيلة التعليمية التي يعمل عليها. فكل طفل يعتمد عمله السابق كمرجع وتقدمه في العمل لا يكون محط مقارنة مع أعمال زملائه. فماريا مونتيسوري تُقر أن المنافسة أثناء التعلم لا يجب أن تكون إلا بعد أن يكتسب الطفل الثقة اللازمة بنفسه أثناء استعماله للمهارات الأساسية.

9- سرعات مختلفة

استعمال الوسائل بصفة فردية، يسمح بوجود سرعات مختلفة متناسبة مع مختلف مستويات التلاميذ. وهكذا يستطيع الأطفال الأصغر سنا وكذلك الأطفال الذين يتعلمون ببطء أن يعملوا على نفس الأداة أو الوسيلة التعليمية لعدة أسابيع دون أن يتسببوا في تأخير زملائهم. ويستطيع الأطفال الأكبر سنا الانتقال من أداة إلى أخرى بسرعة و تجنب الملل، الذي قد ينتج إن هم ظلوا ينتظرون إتمام الآخرين لعملهم. الأطفال يتعلمون كل حسب قدراته (البيداغوجية الفارقية) وهذا يستدعي أن تكون التعلمات متنوعة وهو شيء يدخل في صميم وقلب منهج مونتيسوري.

كخلاصة، منهج مونتيسوري التعليمي يراعي ويهتم باحترام الطفل و وضع التجربة في خدمة المعرفة و إعطائه الحرية باعتبارها عاملا أساسيا في ضبط النفس، إلى جانب الاهتمام بالمرح  والتقويم الذاتي كوسيلة نحو المعرفة. فالتعليم، حسب مونتيسوري، يجب أن يكون فعالا و داعما و موجها لطبيعة الطفل، باستخدام نظام بسيط من التعليم و الابتعاد عن تراكم المعلومات و التلقين و الحفظ. وتبقى أهم ركيزتين في هذا المنهج هما إعداد بيئة تعليمية تلهم الطفل و تلبي حاجياته في كسب المعرفة و في النمو، واستغلال الفترات الحساسة حين يكون الطفل أكثر قابلية للتعلم.


المراجع

البحث في Google:





عن رشيد التلواتي

مدرس ومدون و مهتم بتكنولوجيا التعليم. عضو مؤسس و محرر بموقع " تعليم جديد ". حاصل على الإجازة في الدراسات الأمازيغية، الأدب الأمازيغي. حاصل على شهادة متخصص مايكروسوفت أوفيس (MOS: Word, Powerpoint).

2 تعليقات

  1. فعلا منهج كنتسوري منهج كامل لابد من اعتماده في شتى المدارس

  2. شكرا على هذا المحتوى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *