مستويات تعلم اللغات الأجنبية

استخدام مواد أصيلة عند تدريس اللغات

يؤكد المجلس الأمريكي لتدريس اللغات الأجنبية ACTFL على ضرورة  اختيارِ مواد أصيلة عند تدريس مهارتي القراءة و الاستماع و التنويع في هذا الاختيار. أما في ما يتعلق بتصميم المهام المطلوب من مُتَعَلِّم اللغة إكمالها عند استخدام هذه المواد،  فينصح بضرورة مراعاة التالي:

  • ملاءمتها للمستوى اللغوي للمُتَعَلِّم.
  • تقديمها بشكل مُتدرج و مُسنَد.
  • إتباعُها بأنشطة التحقق.
  • تقديمها بشكل يشجع المُتَعَلِّم و يدفعه إلى تفسير محتواها معتمداً على ذاته.

ماذا يُقصد بالمواد الأصيلة؟

في مجال تدريس اللغات الأجنبية، تُعرّف المواد الأصيلة على أنها مواد كتبها أبناء تلك اللغة، المنتمون إلى ثقافتها قاصدين أن يقرأها أبناء ذات اللغة و ذات الثقافة.

قد ينتاب بعض من معلمي اللغات و مدرسيها قلق مصدره صعوبة مثل هذه المصادر و عدم ملاءمتها لمُتعلمي اللغة لاسيما المبتدئين منهم. و هنا يأتي دور و أهمية التدرج المُسند و الذي هو ببساطة اإشارة إلى كل دعمٍ أو إسنادٍ يُقصَدُ من ورائه تنمية اكتساب المهارات اللغوية و مفاهيمها. وأنشطة التحقق هي تلك الأنشطة التي تهيءُ للمُتَعَلِّم فرصة ممارسة المهارة الجديدة التي يحاول اكتسابها أو تطبيقها تطبيقاً عملياً. أضف إلى ذلك أنّ هذه المصادر الأصيلة لا ينبغي أنْ تقتصر على مقالةٍ من الجرائد أو المجلات المحلية و لا على حوارٍ ثقافي لشخصية مجتمعية بارزة، بل يتعدى هذه الأمثلة ليشتمل كذلك على مواد اأخرى كالمُلصقات والمُعلقات و المنشورات والإعلانات المرئية أو المسموعة وقوائم الطعام في المطاعم ونشرات الأحوال الجوية وكلمات الأغاني ومواد اإذاعية وصفحات الإنترنت وحتى أغلفة الكُتب.

مع كل هذه الأمثلة وغيرها، يصبح التفكير في كيفية انتقاء هذه النصوص ضروريا وأساسيا.  وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ أول و أهم الخصائص التي على أساسها يُنتقى النص من بين المئات ليكون مادةً تعليمية هو مدى تشوّق مُتعلمي اللغة لتعلّمه ورغبتهم في كشف أسراره و خفاياه، إذ لاجدوى من محاولة إقناعهم بضرورة و أهمية التعاطي مع نصٍ لايثير اهتمامهم ولايمت إليهم بصلة.
هذا ولاينبغي إغفال جانب الفائدة المؤمل أن يحصل عليها مُتعلم اللغة بعد تجربته في قراءة النصوص الأصيلة المُنتقاة أو الاستماع إليها، و لا يجب تهميش هذه الفائدة على حساب ترجيح كفة امتاع المتعلمين، وهاتان كفتا ميزان لابد من المساواة بينهما و إن صعُبت الموازنة.

توفر المواد الأصيلة مثالا حقيقيا غير مُصطنع لاستخدام اللغة في مجال من مجالات الحياة اليومية. كما أنّ من شأنها تحفيز المُتعلّم و رفع رغبتهِ بمواصلة التعلُّم و الاستمرار فيه، مُذكرة إياه بأن هناك من يستخدمون هذه اللغة في حياتهم اليومية فعلاً و إنَّ وجودها ليس مُقتصراً على صفحات الكتب فحسب. ناهيك عن أنَّ المواد الأصيلة تُغني التجربة التعليمية كونها تُقدّم معلومةً أو قضيةً أو مفهوماً باللغة التي يرادُ تعلّمها من منظور بيئة تلك اللغة و ثقافتها، و هي بذلك تمثل ثروة لغوية لا غنى للمُتعلِّم عنها.

أما عن السبب الثالث الذي يُشجع معلمي اللغة و مُدرسيها على استخدام مواد أصيلة عند تدريس مهارتي القراءة و الاستماع فهو أنّ إيجاد هذه المواد و استخدامها كمواد تدريسية يوفر على المعلم وقت إعداد هذه المواد و جهد تصميمها و التفكر في سياقاتها، سيما أنّ ما قد يحاول المعلم إعداده لن يكون بذات المستوى و لا على نفس المقدار من الواقعية.

وإلى من يتساءلون: ألا يتطلب البحث عن هذه المواد وقتاً؟ و هل يحتاج إعداد المهام المطلوب من الطالب إنجازها بالشكل و الصيغة المناسبين جهداً؟ فأين جانب المنفعة إذاً؟ و الجواب هو: أنّ هذا كلامٌ صحيح و نقطة صائبة لكنّ مُعلّم اللغة ما أن يجد ضالته فبإمكانه استخدام و إعادة استخدام ذات النص مرات عديدة، علاوة على أنّ المصدر الذي وجد فيه النص قد يكون منبعا لا ينضب للمزيد من النصوص مستقبلا.

تعتمد كل من مهارتي القراءة و الاستماع على التفسير و الفهم، و ينبغي على المُتعلّم الذي يسعى إلى تطوير هاتين المهارتين أنْ يعمل على استخلاص المعنى من النص ذاته، و هكذا صار لزاماً عليه تسخير المحتوى و السياق كأداتين تساعدانه على تفسير النص و فهمه سواء كان النص مسموعا أم مقروءا أم مرئيا.
بناء على ذلك، لابد أن يتم اختيار النص بشكل يكون محتواهُ ملائما لعمر المُتعلّم و مستوى استيعابه. و لا بد كذلك أن يتم تصميم المهام المطلوب من المُتعلّم إتمامها بشكل يتناسب و مقدرته و مستواه في اللغة، إذ بالإمكان استخدام نصٍ واحد لأكثر من مرة و لمتعلمين بمستويات مختلفة وذلك بتغيير المهام لا بتغيير النص ذاته.
من الضروري أن تنتقى المواد الأصيلة بحيث توفر فرصاً يتمكن المُتعلّم من خلالها من التوصل إلى معنى النص. الخلفية المعرفية و التلميحات السياقية و المهارات التفسيرية كلها من الأدوات التي ينبغي مساعدةُ المُتعلّمِ على اكتسابِها ليتمكن من إعادة بناء المعنى و الوصول اليه. و لا ضير من تصميم المهام التي تستهدف الفهم باستخدام اللغة الأم للمُتعلّم على أنْ يكون استخداماً محدوداً يهدف إلى تمكين المُتعلّم من التعبير عما فهمه، شريطة أن يكون هذا المتعلم في مستوى لغوي يتفوق فيه مقدار ما يفهمه على مقدرته على الكلام  أو الكتابة. كما يُنصح بالابتعاد كل البعد عن الترجمة سواء فيما يتعلّق بمعاني الكلمات أو فيما يتعلق بتصميم المهام المطلوب من المُتعلّم إنجازها، وذلك لأنّ الغرض الأول و الأساس لكل هذه الأنشطة هو تقييم مهارة المُتعلّم في التعامل مع النص الأصيل و تطوير مقدرة الاِستنتاج و استراتيجياته لا تطوير مهاراته في الترجمة.

و أخيراً من المهم توفير فرصة للمتعلّمين تمكنهم من تحليل تفسيرهم للنص و كيفية استخدامهم للاستراتيجيات التي مكنتهم من التوصل إلى ذلك التفسير، و يتم ذلك عن طريق تقديم الأدلة التي اعتمدوا عليها في استنباط معاني النص و مفاهيمه.

 

 

المصادر:

 

البحث في Google:





عن سراب العاني

محاضرة في جامعة ييآل Yale University في الولايات المتحدة الأمريكية. عضو في مجلس دراسات الشرق الأوسط في ذات الجامعة ومديرة سابقة لشؤون الطلبة فيه. كاتبة ومؤلفة في مجال تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها. مشرفة اختبارات ومقيّمة معتمدة لدى المجلس الأمريكي لتدريس اللغات الأجنبية ACTFL لكلٍ من اختبار OPI وكذلك اختبار AAPLL. واحدة من الأعضاء القياديين في مجلس مدرسي اللغة العربية في نيويورك. مُدوِّنة في الصفحة الرسمية لمركز دراسات اللغات في جامعة ييآل Yale University.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *