الثقافة التربوية

الثقافة التربوية للمعلم، المعنى والأهمية

العنصر الرئيسي في صناعة التعليم هو المعلم لا شك في ذلك، فالعنصر البشري هو الأهم في هذه الصناعة. ويواجه المعلم تحديات متنوعة تفرض عليه بطريقة أو بأخرى أن يمتلك الكثير من المهارات والمعارف ليستطيع بتلك المهارات مسايرة الواقع المتسارع النمو ومسايرة تضاعف المعرفة بشكل عام والكم المعرفي التعليمي بشكل خاص.

ويشهد القرن الحالي تحولات غير معقولة ومؤثرة في كافة المجالات وخاصة مجال التعليم، وها نحن بين يوم وليلة وفي هذا العام بالتحديد قد تغير كل شيء بالنسبة للتعليم، فتحول إلى تعليم عن بعد بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، وتحولت المدرسة إلى مدرسة افتراضية، وتحول الحضور إلى المدرسة إلى حضور افتراضي وتغيرت طبيعة المهام المنوطة بالطالب، كما تغيرت مهام المعلم. فمن لم يستطع الالتحاق بالركب فقد تجمد مكانه بل تقدم كل من خلفه وصار هو في وضع أقل مما كان عليه.

ومن هذا المنطلق كان وجوباً على نظم التعليم الحديثة أن تعد المعلم إعداداً قوياً وتأكد على تطوير مهاراته وإكسابه ما نسميه الثقافة التربوية في جميع المجالات التربوية وإمداد المعلم بكل ما هو جديد في مجاله ككل لأن ذلك له تأثير على الكيفية والطريقة التي يفكر بها المعلم وبالتالي ينعكس على كل ما يقدمه داخل حجرة الدراسة من معلومات. في السطور التالية، سوف يتم إلقاء الضوء على معنى الثقافة التربوية للمعلم وأهميتها وكيفية تطويرها.

في البداية يجب التطرق إلى معنى الثقافة التربوية ، حيث تعتبر من أهم الأساسيات التي تؤثر على تكوين المعلم المهني على مدى تاريخه المهني، فهي التي تشكل وعيه ووجهة نظره المهنية. فعند بداية الحياة المهنية للمعلم تكون هناك رغبة قوية عنده  لإثبات الذات والنهم من كل المعارف والمعلومات المتعلقة بمجال عمله. ولكن هناك بعض المؤثرات الخارجية التي قد تؤثر عليه مثل تجربته كطالب التعليم قبل الجامعي وتجاربه كطالب الجامعة وتجربته الشخصية مع أقرانه سواء في التعليم قبل الجامعي أو الجامعي أو الدراسات العليا التي يقوم بها.

إن تمة علاقة قوية بين معتقدات المعلم التربوية من جهة والتخطيط للعمل واتخاذ القرارات التربوية داخل الفصل من جهة أخرى، و تعتبر الثقافة التربوية للمعلم الترمومتر الذي يستطيع من خلاله قياس تقدمه ودرجة هذا التقدم تعني تقدم مستواه أو انخفاضه وتعطي مؤشرا على الطرق التي من خلالها يستطيع تطوير أدائه المهني.
وتوجد تعريفات كثيرة للثقافة التربوية نخلص منها بهذا التعريف وهو “حصيلة المعلم فيما يتعلق بالتعليم جميع المناحي التربوية والتعليمية”.

تنوعت مداخل إصلاح التعليم في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، منها ما تبنى النظرية التكنولوجية والتي تعني أبسط صورها إمداد المؤسسات التعليم بأحدث الأساليب التكنولوجية. ومنها ما تعلق ببعض الإصلاحات داخل المؤسسات التعليمية مثل مدخل الإصلاح المتمركز على المدرسة والذي يتبنى إصلاح جميع العناصر المتعلقة بالمدرسة سواء العناصر الداخلية مثل المعلم والإدارة المدرسية أو العناصر الخارجية مثل إصلاح  المديريات التعليمية وما يتبعها من إدارات فرعية كذلك المشاركة المجتمعية الفعالة.

وظهر في الأفق مدخل جدید  تبنى تطوير أداء المعلم أطلق علیه معرفة المعلم المهنیة، و یركز على القاعدة الأساسية للمعرفة المهنية للمعلم من حیث ما يجب أن یعرفه المعلم، والمصادر التي استقى منها معرفته وكیفیة تنظیم تلك المعرفة داخل عقله، وتطور هذا المدخل لیركز على السیاق الذي یعد ویؤهل المعلم. وقد ترتب على ذلك ظهور مجال البحث المعروف باسم معرفة المعلم الذي یهتم بدارسة ما یعرفه المعلم وما یفكر فیه وما يعتقده في إشارة واضحة إلى ثقافته التربوية.

في أغلب الأحيان، يدين المعلم في سلوكه التدريسي للثقافة التي يعتقدها نحو التعليم كعملية بجوانبها المختلفة وخاصة ما یمتلكه من معتقدات مرتبطة بالتربیة والتعلیم، فالسلوك والتعامل داخل الفصل والتفاعل بكل صوره مع الطلبة یدل على حصیلة ما لدیه من معتقدات حول عملیتي التعلم والتعلیم. ومن المتعارف عليه أن المعتقدات التربویة لیست بناءً صُلباً، فالمعتقدات التربویة تتسم بالثبات النسبي ولیس الثبات المطلق، لأنها معرضة للتغيير والتحديث والتطوير، وهذا ما تم توجيه البحوث إليه في تطویر التعلیم بالدول المتقدمة والمراكز البحثية التربوية حیث تم التعرف على المعتقدات الثابتة لدى المعلم ثم تقييمها في ضوء التطورات السريعة لأدوار المؤسسات التعليمية والأدوار الجديدة لمعلم القرن الحادي والعشرین حيث تغيرت من كونه ملقنا فقط إلى میسر وموجه ومطور لتلامیذه إلى معلم رقمي ومیسر إلكتروني لبیئات التعلیم والتعلم الحديثة.

وتؤثر ثقافة المجتمع بما تحتويه من عناصر، مثل النظرة المجتمعية للتعلیم وأهدافه ومكانته داخل المجتمع ومهام المعلم وأدواره في تشكیل الثقافة التربویة للمعلم. فهناك مجتمعات تنظر للمعلم على أنه میسر ومرشد وموجه ومحفز للطلاب وله كل الصلاحيات لبناء الطلاب، ومجتمعات أخرى تنظر للمعلم على أنه ملقن ومحفظ فقط، ومجتمعات تنظر للمعلم على أنه قائد ومبدع یملك حق المبادرة ویستطیع أن یتخذ القرارات الخاصة بالتعليم والتعلم. ولهذا يجب أن يكون المعلم معبراً عن نفسه وبأسلوبه عن هويته العلمية، فلا فيجب أن ينساق وراء المادة فقط ولكن عليه أن يحقق التوازن بين العلم و المال فيأتي العلم أولاً ثم تأتي المادة  في مرتبة أقل حتى لا يترسخ في ذهن المجتمع أن المعلم لا يعمل إلا من أجل المال والمال فقط دون غيره، وتُفقد بذلك رسالة العلم التي من المفترض أن يحمل لواءها المعلم.

هناك بعض المصطلحات الحديثة نسبياً في التعليم من الأهمية بما كان أن يكون المعلم على دراية كاملة بها، مثل مصطلح الجودة ومصطلح الاعتماد. فمصطلح الجودة يرسخ عند المعلم أنه لا يجب فعل الشيء فقط من أجل فعله كتأدية واجب، بل يجب أن يبحث عن الجودة فيما يقدمه داخل الفصل من أداء سواء على مستوى مادته العلمية والتي يجب أن يكون على دراية كاملة بأحدث التطورات فيها، أوعلى مستوى طرق التدريس التي ينهجها وفق الأهداف الموضوعة له ووفق أهدافه الشخصية التي يجب أن تكون طموحة لا تقف عند حد توصيل المعلومات فقط.
ويعد مفهوم الاعتماد بما يحتويه من مصطلحات مثل التقييم الذاتي والمعايير من أهم المصطلحات التي يجب أن تحتويها ثقافة المعلم التربوية. فعلى المستوى المهني، يجب أن يقوم بعملية التقييم الذاتي لنفسه على فترات غير متباعدة ليكشف عن الفجوات الموجودة في أدائه وفق المعايير المعدة من قبل المتخصصين في مجاله سواء على مستوى المادة العلمية التي يقوم بتدريسها أو على مستوى طرق التدريس التي يتبعها داخل الفصل أو مستوى إدارته للفصل واستخدامه لأساليب تقييم تتناسب مع ما قدمه من طرق تدريس متنوعة للطلاب.

ويعد مصطلح المعايير من المصطلحات التي يجب أن يعرف المعلم عنها الكثير والكثير، فالمجالات والمعايير والمؤشرات من أهم المصطلحات التي يجب أن يستخدمها المعلم ليس فقط في حياته العملية، بل في جميع مناحي الحياة، فيجب أن تكون هذه المصطلحات عبارة عن أسلوب حياة يعيشه المعلم لكي ينطبع ذلك على أدائه ولا يكون غريباً عليه عند التطبيق داخل الفصول الدراسية.

وهناك أيضا مصطلحات حديثة مثل المنصات التعليمية والتعليم عن بعد والأسلوب المتزامن وغير المتزامن ومواصفات المعلم الرقمي والمعلم الإلكتروني يجب أن تحتويها ثقافة المعلم التربوية بما لها من أهمية قصوى في التأثير على وضعه كمدرس مثقف تربوياً.

وترى أساليب التربية الحديثة أن التحول إلى نموذج جديد في التعليم والتعلم من أهم السبل للرقي المستمر بالأداء التربوي ككل، فيجب أن يكون التعليم متاحاً للفرد مدى حياته بلا قيد أو شرط أو حدود يتميز فيه التعليم بالتفرد والمحلية مع مراعاة السياقات العالمية. ويتطلب ذلك معلما مختلفا يحمل ثقافة تربوية عالية، معلما يفكر بما يدرسه ولماذا يدرسه، معلما مطالبا بتطوير أدائه ومهاراته ومعلوماته ويؤمن بدمج التكنولوجيا في التعليم والتعلم.

الآن وبعد العرض السابق الذي قادنا إلى التعرف على معنى الثقافة التربوية للمعلم بصورة مبسطة ووجهنا إلى معرفة الأهمية الكبرى للثقافة التربوية للمعلم، نأتي إلى سؤال مهم جداً وهو: كيف نحافظ على الثقافة التربوية للمعلم وكيف ننميها على الوجه الذي يرضي القائمين على التعليم وينعكس ذلك على المستوى المهني للمعلم، ويأتي ذلك عن طريق بعض الممارسات التي يقوم المعلم بها سواء داخل الفصل أوخارجه نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

  • دعم الطلاب لاكتساب المهارات الأساسية التي تمكنهم من التعامل الجيد مع المهارات التكنولوجية الحديثة.
  • ترسيخ فكرة أن كل الطلاب متميزون ويستحقون تعليماً يتناسب مع قدراتهم.
  • التعلم الجيد ينتج من بث روح التعاون داخل الفصل عن طريق اتباع التعلم التعاوني.
  • إشعار الطلاب بأهمية ما يلقى إليهم داخل حجرات الدراسة وأهمية ما يتعلمونه.
  • إعطاء المساحة الكافية لتعبير الطلاب عن ذاتهم بكل حرية وفق قواعد متفق عليها.
  • الاستمتاع بتبادل المعلومات بين الزملاء سواء نفس المادة أو المواد الأخرى لتحقيق التكامل بين جميع المواد الدراسية.
  • التواصل الدائم مع مصادر المعرفة المختلفة.
  • تطبيق استراتيجيات تدريس وتقييم حديثة.
  • التوظيف السليم للتكنولوجيا داخل الموقف التعليمي.
  • التركيز على الجوانب المعرفية أثناء التواجد داخل حجرة الدراسة.
  • توظيف التعلم في جميع المواقف الحياتية المختلفة.
  • تطوير برامج التربية العملية وربطها بما يتم دراسته بالفعل.
  • تطبيق النظريات العلمية على أرض الواقع وبصورة تمكن الطلاب من الممارسة الفعالة للنظريات.

 

المراجع:

  • أحمد عوضه، ويحيى عبد الحميد (2012): معلم القرن الحادي والعشرين، مجلة المعرفة العدد 211.
  • أحمد مصطفى خاطر (2012): التخطيط الاجتماعي مدخل القرن الواحد والعشرين، المكتب الجامعي الحديث بالإسكندرية ط4.
  • إيهاب إبراهيم السيد (2019): الإدارة الرشيدة للفصول التعليمية شراكة بين المعلم والطالب، موقع تعليم جديد.
  • دينا حسن عبد الشافي (2013): المهارات الأساسية للتعليم والتعلم مدى الحياة في إطار تحولات القرن الحادي والعشرين، مجلة العلوم التربوية، العدد الثاني.
  • على مدكور (2006): التربية وثقافة التكنولوجيا، القاهرة، دار الفكر العربي.
  • نادية جمال الدين (2013): الإنسان والتعليم والبحث التربوي في الزمان الرقمي، القاهرة: الزعيم للخدمات المكتبية والنشر.

البحث في Google:





عن د. إيهاب ابراهيم السيد محمد

دكتوراه الفلسفة في التربية النوعية، كلية التربية النوعية جامعة عين شمس. تخصص تكنولوجيا التعليم زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا - جمهورية مصر العربية

تعليق واحد

  1. kamal khalifa

    كلام رائع وجميل ويستحق النشر لأنه يساعد على التطور المهني للمعلم وكيفية اكتشاف المعلم لذاته وقدراته من خلال الثقافة المهنية ومفهومها وإدراكه لبعض المصطلحات وفهمها فهما دقيقا واعيا
    أقدم الشكر لكم ونفعنا الله بعلمكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *